icon
التغطية الحية

فورين أفيرز: لا يمكن للدول الغنية الاستعانة بغيرها لحل أزمات الهجرة

2022.01.06 | 11:27 دمشق

مهاجرون على الحدود اليونانية-التركية في آذار 2020
مهاجرون على الحدود اليونانية-التركية في آذار 2020
فورين أفيرز - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

ثمة بعض المشكلات التي تقلق الدول الديمقراطية الثرية حالياً، إلا أنه لا شيء يقض مضجعها بقدر الهجرة غير المنضبطة، إذ أصبح الشارع قلقاً حيال المهاجرين الوافدين، بعدما قلبوا ميزان التصويت في بريطانيا لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي كما سهلوا صعود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الولايات المتحدة. واليوم، خلقت الزيادة في عدد الواصلين من المهاجرين على الحدود الأميركية-المكسيكية حالة اضطراب سياسية بالنسبة للرئيس جو بايدن. إذ سواء أهرب هؤلاء من الاضطهاد أو بسبب الكوارث الطبيعية، أو بحثاً عن فرص اقتصادية، أصبح المهاجرون وطالبو اللجوء واللاجئون يشعرون بأنهم غير مرحب بهم في الدول المتقدمة.

وبدلاً من مواجهة الجذور الداخلية لتزايد القلق الشعبي تجاه الهجرة، قامت الدول الديمقراطية الليبرالية بتحويل هذه المشكلة لمشكلة خارجية، فصارت تلك الدول تعتمد على بلدان نامية لاستضافة المهاجرين واللاجئين، أو لمنعهم من خوض تلك الرحلة للوصول إلى الدول الغنية. وبالرغم من أن هذه الاستراتيجية قد تبدو جذابة من الناحية السياسية، إلا أن تحديد الظروف الملائمة لتقديم المساعدات التنموية مع الاستعانة بمصادر خارجية بالنسبة لمسألة اللجوء، وذلك في محاولة للحد من الهجرة غير النظامية، (التحديد) لا يعتبر حلاً قابلاً للتطبيق على المدى البعيد. وذلك لأن المهاجرين واللاجئين ستنتهي بهم الدروب في دول غير مجهزة لاستيعابهم بشكل جيد، وليس لديها دافع فوري لتحسين وضعهم، أي إن الدافع للسعي وراء حياة أفضل سيبقى موجوداً ولكن في مكان آخر. وفي النهاية، فإن تسهيل طرق الهجرة النظامية هو السبيل الوحيد الذي يمكن للدول الغنية من خلاله أن تحل هذه المشكلة.

الطريق نحو إصلاحات ظاهرية

 كانت أوروبا سباقة في تأسيس نظام شامل يعمل على استبعاد المهاجرين، ففي عام 1985، عندما رسم الاتحاد الأوروبي حدود منطقة شنغن -وهي منطقة داخل أوروبا يتحرك فيها المرء بحرية، وتشمل معظم أوروبا- خطت خطوات أيضاً نحو عزل تلك القارة عن الهجرة الخارجية. وبموجب السياسات الجديدة تضاءل عدد التأشيرات الممنوحة لمواطنين غير أوروبيين، كما تم تشييد حواجز حدودية محصنة، إلى جانب زيادة الدوريات في المتوسط، وتعزيز أنظمة المراقبة البيومترية. والأهم من ذلك كله،  مع أن أحداً لم يلاحظ ذلك، هو تلك الطريقة التي أقام من خلالها الاتحاد الأوروبي شراكة مع أوروبا الشرقية ودول البلقان وشمال أفريقيا القريبة من حدودها وذلك لتعزيز كل تلك الجهود. وثمة تقارير كثيرة حول الانتهاكات التي ظهرت من خلال تلك الترتيبات، كان من بينها ما فضحته مجلة نيويوركر مؤخراً حول "المنظومة الوحشية" المؤلفة من سجون تديرها ميليشيات تقوم باحتجاز المهاجرين في ليبيا لمنعهم من دخول أوروبا. إلا أن بروكسل ثابرت في عرضها لمبالغ مالية ضخمة أو في تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع حكومات دول الجوار حتى تصبح في خندق واحد فيما يتعلق بما تفضله أوروبا من المهاجرين. كل تلك السياسات زادت التكاليف على كل أنواع المهاجرين كما صعبت عليهم الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي والبقاء فيها.

بنظر أوروبا، يعتبر احتواء الهجرة في مكان آخر تطوراً إيجابياً، إذ لو تم إقناع المهاجرين وطالبي اللجوء بالبقاء في دولة ثالثة بدلاً من عبور البحر المتوسط، عندها لن يترتب على الاتحاد الأوروبي معالجة التداعيات السياسية لوصول المهاجرين بأعداد كبيرة. ولو تم إقناع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سواء عبر عقد صفقات تجارية معهم، أو رفع القيود عن التأشيرات، أو من خلال تقديم مساعدات إنمائية، ليس فقط لتستضيف طالبي اللجوء، بل أيضاً لتعمل على تطوير البنى التي تدعمهم على المدى البعيد، عندها لا بد أن يعتبر ذلك مكسباً لجميع الأطراف. ولكن هنالك مشكلة في هذا النمط من التفكير، لكونه لم يأخذ بالحسبان دوافع الدول المضيفة النامية أو الشروط اللازمة لإقامة أنظمة متينة لمعالجة طلبات اللجوء.

في الوقت الذي أجرت فيه الدول الديمقراطية الليبرالية الغنية إصلاحات ناجحة بالنسبة لنظم الهجرة وتقديم طلبات اللجوء لديها، أتى ذلك في الغالب الأعم نتيجة للطعون القانونية المقدمة من قبل منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية التي تسعى لتحسين حقوق الأشخاص من غير المواطنين. ولكن في الدول غير الديمقراطية التي تفتقر إلى أنظمة قضائية قوية ومستقلة، وإلى مجتمع مدني يقيد ما تفعله الحكومة، فإن الأمور ذاتها لا تدفع نحو تغير في السياسة على الأرجح. غير أن الحكومات شبه الاستبدادية يمكن أن تقلق حيال مظهرها الخارجي ووضع الديمقراطية وحقوق الإنسان لديها، لذا فإن الاهتمام بالصورة المصدرة للعالم كانت تكفي لتجبرها على القيام بإصلاحات في مجال الهجرة واللجوء، كما هي الحال في المغرب وتركيا على سبيل المثال، حيث سعت كلتا الحكومتين للنأي بنفسيهما عن العار الذي يمكن أن يلحق بهما على المستوى الدولي، فحصدتا مكاسب دبلوماسية، وأسكتتا من يعارضهما في الداخل. ثم إن المغرب وتركيا اعتبرتا مسألة إصلاح نظام الهجرة بمثابة ورقة مساومة في نهاية المطاف، إذ بمجرد أن حصلت كلتا الحكومتين  من الدولتين على المال في تلك المساومات، لم يعد لديهما أي مبرر لتنفيذ تلك السياسات الجديدة بشكل كامل.

في عام 2013، تبنت المغرب سياسة هجرة أثنى عليها مسؤولون أمميون وأوروبيون، لكونها تعبر عن ترحيب ودمج كبيرين، إذ عبر إتاحة الفرصة للمهاجرين غير النظاميين في الحصول على إقامة وتحمل مسؤولية اللاجئين، ادعت حكومة المغرب بأنها تستجيب لمطالب المجتمع المدني في فرض سياسات هجرة أكثر إنسانية. وبالبحث تبين أن النأي بالنفس عن وصمة العار التي ستلحق بالبلاد على المستوى الدولي كانت هي الدافع وراء هذا التغيير، إذ لم تكن الحكومة المغربية تريد لصورتها التي تظهر فيها بمثابة دولة معتدلة ملتزمة بحقوق الإنسان أن تتلطخ أمام المحفل الأممي الذي انعقد لمناقشة طريقة تعامل المغرب مع العمال المهاجرين. كما سمحت تلك الإصلاحات للحكومة باستمالة المنظمات غير الحكومية التي كانت تنتقدها وكذلك منظمات الجالية المهاجرة، إلى جانب دعم المطامع الاقتصادية والجيوسياسية للمغرب في دول المهاجرين الأصلية الواقعة في أفريقيا الغربية. فلقد زار الرئيس السنغالي ماكي سال الرباط قبل شهرين من الإعلان عن تلك السياسة، وذلك لمناقشة طريقة التعامل مع المواطنين السنغاليين في المغرب. إلا أن اتخاذ إجراء حيال هذه المشكلة ساعد المغرب على ترسيخ العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين، مع الاحتفاظ بدعم السنغال لاحتلال المغرب للصحراء الغربية. ولكن بالرغم من الزوبعة التي ثارت حول الإصلاحات التي قامت في عام 2013 والإجراءات التي تم تبنيها في عام 2014 و2016 لمنح الإقامة وسمة العمل للمهاجرين، لم تفعل الحكومة سوى القليل بالنسبة لتحسين ظروف المهاجرين واللاجئين لديها بشكل كبير، إذ بقيت المغرب غير صالحة للعيش بالنسبة لمعظم المهاجرين الذين يتعرضون لخطر العنف والمعاملة العنصرية من قبل قوات الأمن والشعب المضيف. وبالرغم من أن المهاجرين أصبحوا يقيمون لفترة أطول في البلاد مقارنة بما كانت عليه الأمور في السابق، إلا أن غالبيتهم مايزالون يطمحون إلى أن تكون أوروبا وجهتهم النهائية.

رفعت تركيا القيود عن سياساتها لأسباب مماثلة، ففي بدايات القرن الحادي والعشرين، أعطى احتمال فكرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الزخم للحكومة التركية حتى تقوم بتحديث قوانين الهجرة واللجوء لديها ولكن بصورة جزئية. وحتى بعد انهيار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، بقي المسؤولون الأتراك على حساسيتهم تجاه التصورات المنتشرة في أوروبا عن تركيا. وبعدما تسببت إساءة تركيا في تعاملها مع طالبي اللجوء إلى رفع قضايا مهمة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أطلقت الحكومة التركية إصلاحات كبيرة في عام 2008. وقد نال القانون الذي صدر أخيراً في عام 2014 استحسان مسؤولين أمميين وأوروبيين ممن أشادوا بنهجه "القائم على الحقوق" بالنسبة للهجرة واللجوء. وأهم التغييرات التي وردت فيه تشكيل هيئة مدنية جديدة وهي المديرية العامة لإدارة الهجرة، وذلك لتحل محل الشرطة التركية بوصف تلك الجهة مسؤولة عن كل مشكلات الهجرة واللجوء. وهذه السياسة الليبرالية سهلت الطريق أمام شراكة أوروبية-تركية حيال الهجرة في السنوات التي أعقبت ذلك، إذ من خلال تلك الترتيبات حصلت أنقرة على مساعدات مالية ضخمة وامتيازات دبلوماسية كبيرة. ولكن كما هي الحال في المغرب، لم يغير القانون التركي الجديد الظروف على الأرض بشكل كبير بالنسبة لغالبية المهاجرين واللاجئين الذين بقيت أرزاقهم تعتمد على المشاركة في الاقتصاد غير الرسمي أو على المساعدات من المنظمات غير الحكومية. وعندما دفعت الثورة والحرب التي أتت بعدها في سوريا بأعداد هائلة من اللاجئين إلى تركيا، لم يعد هذا القانون كافياً لحماية أعداد السوريين الكبيرة من الإعادة القسرية إلى سوريا في عام 2019 أو دفعهم للسفر إلى أوروبا في عام 2020.

النهج الأوروبي أصبح عالمياً

في بلدان المقصد، اشتدت الرغبة في التوصل إلى إجابات سهلة حول الهجرة المتزايدة، إذ بعدما شهدت تلك الدول زيادة كبيرة ومفاجئة في أعداد طالبي اللجوء وذلك في صيف عام 2015، ومع عدم الاتفاق على حل سياسي من شأنه استيعاب الوافدين الجدد في الداخل، اتجهت أوروبا نحو نهج معروف. ففي تشرين الثاني 2015، تبنت المفوضية الأوروبية خطة عمل مشتركة مع تركيا ضمن الجهود الساعية لوقف عبور اللاجئين السوريين إلى أوروبا. وبحلول شهر آذار 2016، توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مع تركيا يسمح لليونان بإعادة اللاجئين السوريين إلى تركيا. ومنذ عام 2015، والاتحاد الأوروبي يقدم مليارات اليوروهات على شكل مساعدات تنموية تقدم لدول أفريقيا بهدف تخفيض أعداد المهاجرين. وهذه الأساليب ليست بجديدة، إلا أن أوروبا سعت وراء صفقات أخطر وأوقح وأعلى تكلفة بسبب يأسها وخوفها، والهدف من كل ذلك هو إبعاد الوافدين الجدد عنها، وتحويل جيرانها إلى دول مضيفة للمهاجرين واللاجئين.

 توسعت تلك المنظومة بعد استمالة شركاء جدد أغرتهم العروض الأوروبية البراقة.فكانت مصر واحدة من تلك الدول، حيث أعربت عن رغبتها بفتح نقاشات مع أوروبا حول سياسة الهجرة وذلك عندما أقرت قانون مكافحة التهريب في عام 2016. وفي عام 2017، منعت مصر مغادرة القوارب التي تحمل مهاجرين، فكسبت ثناء الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2018، أشاد المستشار النمساوي سباستيان كيرتز بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لكونه "أمثولة" تحتذى في الجهود التي بذلها  لمنع الهجرة غير النظامية والتهريب، كما أطرى فيليبو غراندي المفوض السامي للاجئين لدى الأمم المتحدة على استقبال مصر للاجئين. وهكذا، وعلى خطى المغرب وتركيا، بدأت مصر بإعداد قانون محلي لمعالجة طلبات اللجوء، والذي كان المأمول منه بالنسبة لأوروبا، أن يقلل أعداد المهاجرين واللاجئين الواصلين إلى الاتحاد الأوروبي. وبالمقابل، عرضت المؤسسات المالية الأوروبية قروضاً ومنحاً ميسرة بلغت قيمتها مئات المليارات من اليوروهات وذلك لتمويل المشاريع الإنمائية في مصر خلال السنوات الماضية، كان من بينها منحة أوروبية بقيمة 60 مليون يورو في عام 2017 وذلك "لمساعدة مصر في التعامل مع الضغوطات الناجمة عن استضافتها للمهاجرين واللاجئين". ولابد لتدفق لأموال الأوروبية أن يستمر ليحمي الحكومة المصرية من الانتقادات الدولية الموجهة لها بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان (التي زادت سوءاً في عهد السيسي)، وكل ذلك باسم منع الهجرة. أما بالنسبة للمهاجرين واللاجئين الذين ستنتهي بهم الأمور للإقامة بشكل شبه دائم في مصر، فلم يسهم الاهتمام والتمويل الأوروبي سوى بشيء يسير في إطلاق سياسات تعمل على تسهيل اندماجهم على المدى البعيد.

لقد تحولت سياسة الهجرة في الخارج إلى ممارسة ممنهجة إلى جانب طرق الهجرة الأخرى، التي لا تشمل فقط طرق الهجرة عبر المتوسط، فقد أقنعت أستراليا غينيا الجديدة وإندونيسيا باستبقاء المهاجرين الذين يحلمون بالوصول إلى الشواطئ الأسترالية. كما تفاوضت إدارة ترامب حول اتفاقيات لتحديد دولة ثالثة آمنة مع كل من السلفادور وغواتيمالا وهندوراس والمكسيك، بشكل يسمح للولايات المتحدة بإعادة طالبي اللجوء إلى تلك البلدان، مع جعل المساعدات الأميركية مشروطة بدرجة حد حكومات تلك البلاد من الهجرة غير النظامية.

تابعت إدارة بايدن هذا النهج، حيث تعهدت بتقديم تمويل لمساعدة دول الجوار التي تقع على حدودها الجنوبية وذلك لتتولى تلك الدول شؤون طالبي اللجوء. ومن بين تلك الدول كانت المكسيك التي غيرت قانون طلب الهجرة لديها في عام 2014 وذلك لتسمح للأفراد الحاصلين على وضع اللجوء بالتقديم للحصول على إقامة وعمل، ورعاية صحية وتعليم. إلا أن تلك الإصلاحات لم تنفذ بعدالة، وذلك لأن رمي بعض النقود على مشكلة معينة لن يحلها على الأرجح، فالنظام غير الفعال لن يجبر طالبي اللجوء على البقاء في مكانهم. فقد تعهد بايدن بدفع معونات بقيمة 4 مليارات دولار على مدار أربع سنوات وذلك لمعالجة "جذور وأسباب" الهجرة في أميركا الوسطى، والتي تشمل الفساد، ووحشية العصابات، والعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، إلا أن تعهدات بايدن تعكس حالة التفكك ذاتها، وذلك لأن تلك المساعدات قد تحسن حياة من يعيشون في أميركا الوسطى، لكنها لن تحد من الهجرة إلى حد كبير وذلك على المدى القصير والمتوسط، إذ إن التنمية الاقتصادية والبشرية من المرجح أن تزيد من قدرة الفرد على الهجرة وأحلامه بها.

إيجاد حلول حقيقية

إن كانت الدول الغنية ترغب بالفعل بالحد من الهجرة غير النظامية، فعليها أن توقف الاعتماد على التدابير التي توصف بأنها "حلول" دون أن تحل أي شيء. وعليها -عوضاً عن ذلك- أن تركز على إقامة طرق أكثر للهجرة النظامية بحيث تتوفر أمام مزيد من الناس. كما ينبغي على الحكومات أن تمنح تأشيرات بشكل أكبر، خاصة تلك التأشيرات التي لا تتطلب تحصيل قدر كبير من الثروة أو التعليم، مع منح تأشيرات لإعادة توطين اللاجئين. قد تبدو هذه المهمة صعبة على المستوى السياسي، وذلك بعد تسييس عمليات إعادة توطين المهاجرين واللاجئين إلى حد بعيد، بوجود سياسيين وإعلام يجعل من الهجرة قضية تتصل بأمن البلاد، أي إنهم يقدمونها على أنها تهديد يُداهم العامة دون أن يميزوا بينها وبين الأنشطة المخالفة للقانون مثل تهريب المخدرات، والإرهاب، والاتجار بالبشر. غير أن السياسة قد لا تعبر عن حقيقة وواقع الرأي العام. ففي الولايات المتحدة عبّر أشخاص خضعوا للدراسة في عام 2020 عن رغبتهم باستقبال مهاجرين أكثر، لا أقل، وذلك لأول مرة في تاريخ مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي التي أجرت استطلاعاً حول هذه القضية.     

 ومع ذلك فإن نزع الطابع السياسي عن عملية إعادة توطين المهاجرين واللاجئين تتطلب نزع الصفة الأمنية عنها أيضاً. أي بمعنى أصح، ينبغي على القادة السياسيين أن يؤكدوا للعامة بأن الوافدين الجدد، سواء من هاييتي على الحدود الأميركية-المكسيكية، أو اللاجئين الأفغان الذين سمح لهم بالقدوم من أجل إعادة توطينهم، لا يشكلون تهديداً خطيراً وبأن إدارة عملية الهجرة جزء من العمليات العادية التي تقوم بها الحكومة، ونجاح ذلك يعتمد على التعاون مع الإعلام الإخباري، إذ يجب على الصحفيين أن يبتعدوا عن وصف أي ارتفاع جديد في عدد المهاجرين بالـ"أزمة" مع الابتعاد عن استخدام مفردات مثل "زيادة" و"موجة" و"تدفق" و"طوفان" لوصف الأشخاص القادمين عبر الحدود. إذ بدلاً من التعبير عن خطورة الموقف، تذكي تلك المفردات الخوف في النفوس بلا أي داع، كما تعمل على استبعاد الحلول السياسية. ولذلك يجب أن توصف الزيادة في عدد الوافدين من المهاجرين بمجرد زيادة، ويمكن للصحفيين أن ينقلوا حجم تلك الزيادة عبر إيراد العدد الحقيقي للأفراد المعنيين.

وفي الختام، ينبغي على الحكومات تضييق تلك الفجوة في التنقل بين دول العالم، إذ خلال النصف الأخير من القرن الماضي، أصبح من السهل على مواطني الدول الغنية عبور الحدود للوصول إلى أي دولة، في حين أن مواطني الدول النامية، خاصة القادمين من أفريقيا، قد عاشوا حالة تجميد أو تقليص لأعداد القادرين منهم على السفر دون تأشيرة، وذلك لأن نظام التأشيرة الدولي قد حافظ على هرمية النظام الاستعماري وجعل من الجنسية عاملاً محدداً لعملية تنظيم تنقل الأشخاص بين الدول. فعلى سبيل المثال، يمكن لحامل جواز السفر الأميركي حالياً أن يسافر إلى 187 دولة دون الحصول على تأشيرة لدخولها، في حين يدخل جواز السفر السوداني أو اللبناني صاحبه إلى 41 دولة، جميعها تقريباً من الدول النامية. وبدون هذه القدرة على التنقل، سبقى الناس عالقين ضمن الظروف والفرص التي ولدوا عليها. وذلك لأن نظام التأشيرة ما هو إلا أداة فظة تمنع الهجرة بين صفوف من يسعون لفرص أفضل في الخارج، ومن يهربون من العنف والحرب والاضطهاد وتغير المناخ. ومع ضعف الخيارات المتاحة أمام الهجرة النظامية، تصل الأمور بالأفراد الذين تحتل دولهم مرتبة متدنية في ذلك الهرم الاستعماري إلى السفر بصورة غير نظامية، ولتخفيف تلك الضغوطات، ينبغي على قادة الدول الغنية أن يخفضوا العوائق التي تمنع دخول شعوب بقية الدول إليها، إلى جانب زيادة فرص التعليم والعمل ولم شمل العائلات والسفر بدون تأشيرة، وذلك لأنه لا يمكن لشيء سوى التحرك بين الدول بصورة قانونية أن يمنع الناس من البحث عن طرق مخالفة للقانون.

أما حالياً، فيعتبر المسؤولون في الدول الديمقراطية الليبرالية الغنية بأن احتواء المهاجرين واللاجئين أو وجود أنظمة لتقديم طلبات اللجوء في الخارج بمثابة مكاسب سياسية سهلة، إذ يدعي هؤلاء بأنهم يعملون لصالح المهاجرين وطالبي اللجوء، وذلك عبر تجنيبهم المخاطر التي تنتظرهم في رحلة لعبور الحدود، إلا أن تلك السياسات في الواقع تستبقي المهاجرين في دول غير مجهزة لحمايتهم أو مساعدتهم، إذ بالرغم من أن هذه الاستراتيجيات يمكن أن تخفض عدد الوافدين بشكل مؤقت أو أن تحول طرقات الهجرة، إلا أنها لا توفر حلولاً على المدى البعيد. وطالما بقي المهاجرون واللاجئون بدون وسيلة قابلة للتطبيق يمكنهم من خلالها إعادة بناء حياتهم، فلا بد للضغوطات التي تدفعهم للتحرك والهجرة أن تبقى.

 

المصدر: فورين أفيرز