icon
التغطية الحية

فورين أفيرز: كيف حول الأسد الكارثة إلى سلاح؟

2023.03.21 | 13:58 دمشق

أحد المتطوعين من الدفاع المدني السوري خلال عمليات الإنقاذ بعد زلزال شباط 2023 في مدينة جنديرس
أحد المتطوعين من الدفاع المدني السوري خلال عمليات الإنقاذ بعد زلزال شباط 2023 في مدينة جنديرس
Foreign Affairs- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تسبب الزلزالان اللذان ضربا تركيا وسوريا في مطلع شهر شباط بمقتل الآلاف وتشريد الكثير غيرهم، كما فاقما الكارثة الإنسانية في شمال غربي سوريا بطرق استطاعت في نهاية الأمر أن تعيد ترتيب توازن القوى في النزاع السوري الذي امتد لسنوات طويلة. فقد كان نظام الأسد يسعى لمعاقبة المدنيين كوسيلة للتقدم في الحرب، وقد ساعده الزلزالان على تنفيذ هذه الاستراتيجية بشكل كبير. إذ بدون جهود التعافي على نطاق واسع، فإن الخراب الممتد في منطقة المعارضة الواقعة شمال غربي البلاد لم يحرم الناس من فرصة بدء حياتهم من جديد فحسب، بل إنه أيضاً جعل ميزان القوى يميل لصالح الأسد. وهنا ينبغي على المانحين الدوليين لجهود التعافي في سوريا أن يضغطوا من جديد باتجاه تمرير المساعدات الإنسانية إلى تلك المنطقة، وأن يشيروا بكل وضوح إلى أنهم لن يتواطؤوا مع محاولات الأسد للتلاعب بجهود التعافي بما يصب في مصلحته هو.

لطالما استغل الأسد المساعدات الإنسانية التي تتدفق إلى سوريا كسلاح حرب، حيث استخدم أساليب الحصار لإرغام المعارضة على الرضوخ، وعلى الرغم من أنه حقق انتصارات حاسمة على أرض المعركة في معظم الأحيان، إلا أنه سحق المقاومة المدنية في عموم البلاد بكل نجاح وذلك عبر تطبيقه لاستراتيجية طويلة الأمد شعارها: "الجوع أو الركوع"، حيث صار يقصف التجمعات السكانية مع قيامه في الوقت ذاته بعرقلة وصول المواد الأساسية إليها، ويبقى على ذلك المنوال إلى أن تستسلم. وقد جرب الأسد هذه الاستراتيجية خلال المراحل الأولى من الحرب في بلده، وذلك عندما كان يطوق قرى وأحياء كاملة تخضع لسيطرة المعارضة، ثم يقوم بقصفها من مسافة بعيدة، إلى جانب قيامه بقطع الإمدادات الغذائية، والأدوية وغيرها من المساعدات عن تلك المناطق إلى أن تستلم. وهذه الأساليب الوحشية في الحصار ساعدت على سحق المدنيين بأقل تكلفة لجهود الحرب من جهة النظام، كما أن معظم تلك المناطق سقطت بيد قوات الأسد في نهاية المطاف.

خلال السنوات الماضية، ومع تمركز المعارضة السورية في شمال غربي سوريا، أخذ الأسد يطبق هذه الاستراتيجية الوحشية على نطاق واسع، حيث فرض حصاراً عسكرياً ودبلوماسياً على المنطقة. وقبل وقوع الزلزالين، كانت وكالات الأمم المتحدة تعتمد على الترخيص الممنوح من قبل مجلس الأمن لتمرير المساعدات عبر الحدود من خلال معبر وحيد. ولهذا صار الأسد وخلفه روسيا التي تعتبر أهم حليف لنظام الأسد لكونها تتمتع بحق النقض لدى مجلس الأمن، يستعينان بهذه الطريقة المضنية التي تقوم على تجديد الترخيص الأممي كورقة للضغط وذلك من أجل معاقبة المعارضة، ولتحقيق تقدم بأجندة الأسد القائمة على تطبيع العلاقات مع نظامه على الساحة الدولية. أي إن الأسد لا يتحكم مباشرة بالمعابر الحدودية بين تركيا وشمال غربي سوريا، بما أن هذه المعابر هي عبارة عن ممرات أساسية للمساعدات الإنسانية، ولكن بالنظر إلى استعداد روسيا للتدخل في مجال عرقلة مرور المساعدات لصالح الأسد على المستوى الدبلوماسي، صار بوسع الأسد التلاعب بالمساعدات هو أيضاً، أي إن روسيا والأسد صارا يتخذان من تدفق المساعدات الدولية إلى تلك المناطق رهينة بهدف تحويل حياة الثوار والمدنيين على حد سواء إلى جحيم لا يطاق ولا ينتظره سوى المجهول.

واليوم، سمح الزلزالان للأسد وحلفائه الروس بالتضييق أكثر على جيب الثوار، ما خلف تداعيات سيئة على الملايين الذين يعيشون في تلك المنطقة. ولهذا صارت التجمعات السكانية هناك بحاجة أكبر للمساعدات الدولية، وهنا ينبغي على الجهات المانحة أن تتصرف بحذر لضمان عدم استغلال عملية التعافي لدعم نظام الأسد في نهاية الأمر.

القليل القليل بعد فوات الأوات

بقيت جهود الإغاثة من الزلزال حتى اليوم تعمل لصالح الأسد، ولصالح روسيا في حال وسعنا النطاق. إذ على الرغم من تدفق مساعدات الإغاثة إلى تركيا في أعقاب الزلزالين، إلا أن نسبة ضئيلة من تلك المساعدات وصلت إلى شمال غربي سوريا، وحتى تلك المساعدات وصلت بعد فوات الأوان بسبب حجم التخريب الذي تسببت به مناورات الأسد. فقد تعرض المعبر الحدودي الوحيد (معبر باب الهوى) الذي بقي مفتوحاً أمام الأمم المتحدة بعد عرقلة طويلة لاستخدامه من قبل روسيا في مجلس الأمن لدمار هائل بسبب الزلزال، ما أعاق قدرة الأمم المتحدة على تقديم المساعدات بشكل فوري لسوريا. ونتيجة لهذا التأخر، لم يصل إلى سوريا سوى نسبة ضئيلة من المساعدات خلال مرحلة البحث والإنقاذ الحساسة.

واعترف مارتن غريفيث، منسق الإغاثة العاجلة لدى الأمم المتحدة، بذلك خلال زيارته للمنطقة الحدودية الفاصلة بين تركيا وسوريا بعد أيام من الزلزالين، حيث غرد على تويتر ليقول: "لقد خذلنا الشعب السوري في شمال غربي البلاد حتى الآن، ولهذا يحق لهؤلاء أن يشعروا بالخذلان، لكونهم انتظروا المساعدة الأممية التي لم تصل".

في البداية، أصر النظام على أن أي مساعدة مخصصة لمناطق المعارضة يجب أن تمر عبر دمشق، ولكن بعد تعرضه لضغوط دولية شديدة، ومع تحسسه لفرصة إعادة تأهيل وضعه على المستوى الدولي في ظل هذه الظروف، وافق النظام في نهاية الأمر على استخدام مؤقت لمعبرين إضافيين مع تركيا، عقب مفاوضات طويلة لدى الأمم المتحدة. ومن الواضح بأن هذين المعبرين الإضافيين لم يتم الترخيص بجواز استخدامهما إلا بعد انقضاء مرحلة الإنقاذ الفوري. كما أن افتتاح هذين المعبرين في وقت متأخر لم يغير  شيئاً من واقع شمال غربي سوريا بما أن هذه المنطقة بقيت منطقة نزاع نشطة، دون أن يعرض النظام أو الثوار فكرة إيقاف الأعمال العدائية للسماح بوصول جهود الإنقاذ الموسعة بأمان إلى هناك.

لقد منعت تلك العقبات جهود الإنقاذ الدولية الفورية من الوصول، والتي تبدأ عادة عقب وقوع كارثة طبيعية هائلة، وبالنتيجة خسرنا عدداً كبيراً من أرواح السوريين التي كان بوسعنا إنقاذها خلال الفترة الأولى بعد وقوع الزلزالين. إذ في غضون ساعات وأيام من وقوع الزلزال، انتشرت المئات من فرق البحث والإنقاذ في جنوب شرقي تركيا، دون أن يصل مثل هذا الدعم إلى شمال غربي سوريا، حيث بقي متطوعو الخوذ البيضاء وغيرهم من المتطوعين السوريين من أبناء المنطقة يعملون بكل جسارة على إنقاذ من تمكنوا من إنقاذهم، إلا أن ما كان ينقصهم هو الموارد والمعدات التي لا يمكن أن تصلهم إلا عبر الحدود. لذا، في الوقت الذي يدرس فيه المجتمع الدولي طرق المساعدة في جهود التعافي بسوريا، ينبغي عليه العمل على تذليل العقبات التي منعته من تقديم المساعدات الضرورية عقب الزلزال مباشرة، ما جعله يترك الملايين بين براثن مصيبة تتضاعف آثارها وتشتد.

 

النعمة التي حلت على الأسد

بضربة واحدة، دمر الزلزالان في شمال غربي سوريا أكثر مما يمكن للنظام وروسيا أن يدمرانه عبر الأساليب العسكرية التقليدية، كما حدث ذلك دون أن يتورط النظام بنوع جديد من جرائم الحرب. فقد زادت الكارثة من وطأة الأزمة الإنسانية التي تعصف بالأصل بهذه المنطقة، بما أن الملايين من أهلها نازحون ويعيشون في مخيمات مؤقتة ويعتمدون على المساعدات بشكل كبير. بيد أن الزلزالين شردا 100 ألف سوري آخرين، وهددا بزيادة تفشي الكوليرا، بالإضافة إلى تدميرهما للمرافق الصحية وغيرها من البنى التحتية المدنية الأساسية. وهذا الوضع الجديد الذي خلقه الزلزال يخدم مصالح الأسد كثيراً، كما أن عرقلة الأسد للمساعدات المخصصة لإصلاح الضرر ستؤدي إلى وقوع النتيجة نفسها التي يخلفها قصفه على المشافي والبنى التحتية المدنية.

وهكذا صار أي شيء يقل عن وصول المساعدات بشكل كامل وعلني إلى أشد مناطق المعارضة تضرراً يدعم جهود الحرب التي يديرها النظام في نهاية الأمر. وبالرغم من ذلك، وإلى جانب تداعيات الكارثة على المدى البعيد، أتت ردة فعل مجلس الأمن بطيئة، كما انحسرت الأزمة وتراجع ظهورها في العناوين الرئيسية للأخبار حول العالم. ثم إن التنازل الذي قدمه الأسد في شباط على مضض بشأن المعبرين الإضافيين لم يوثق بشكل رسمي من خلال قرار جديد صادر عن مجلس الأمن، بل بات من الواضح أنه أضعف زخم أي إجراء عاجل من قبل الأمم المتحدة فيما يتعلق بهذا الخصوص.

أما المشهد السياسي الأوسع فيمثل تحدياً كبيراً، إذ بعد مرور اثنتي عشرة سنة على الحرب، تخلت الولايات المتحدة وغيرها من أهم الدول المانحة عن السعي وراء أي تسوية من خلال الوساطة أو أي عملية انتقال للسلطة تشترط رحيل الأسد، إلا أن ذلك لم يدفعهم للاعتراف بأن الأسد حقق انتصاراً حاسماً. إذ ما تزال تركيا ووكلاؤها من السوريين يسيطرون على مناطق واسعة في الشمال السوري، كما تقوم الولايات المتحدة بتنفيذ عمليات في شمال غربي سوريا، وبقيت الدول المانحة تقدم كميات متواضعة من المساعدات للمنظمات غير الحكومية في الجيوب التي بقيت بيد المعارضة. والنتيجة العملية لذلك هي نزاع شبه مجمد لا يتعرض فيه الأسد لخطر خسارته للسلطة إلا بنسبة ضئيلة، طالما بقي محتفظاً بالدعم الصيني والإيراني والروسي له، ولكنه في الوقت ذاته يفتقر إلى الوسيلة التي تعينه على استعادة المناطق التي ما تزال خارج سيطرته في البلد. وهذا الوضع الراهن لم يربح فيه أحد ولم يستسغه أحد، خاصة بالنظر إلى سلسلة جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، بيد أن ترسيخ السلطة تحت حكم الأسد لا بد أن يفاقم وضع من يعيشون في شمال غربي سوريا ويزيده سوءاً.

مشهد معقد

إن مخاطر مرحلة التعافي المقبلة هائلة، سواء على مستوى معيشة الناس في شمال غربي سوريا، أو بالنسبة لمسار النزاع على المدى البعيد. لكن جهود إعادة الإعمار تتعرض لعقبات كبيرة أيضاً، وذلك لأن أهم الجهود لإعادة الإعمار بعد الكارثة تعتمد بشكل أساسي على الشراكات بين السلطات الحاكمة والجهات الدولية التي تقدم المساعدات. بيد أن حكومة النظام السوري في هذه الحالة لا مصلحة لها في إعادة إعمار شمال غربي سوريا، "اللهم" إلا كمقابل للحصول على مساعدات دولية مخصصة لإعادة إعمار المناطق المهمة التي دمرها النظام خلال الحرب، مثل مدينة حلب. ومن المرجح أن تكون هذه المقايضات جزءاً من الأمور التي أخذها الأسد بعين الحسبان عند فتح معبرين حدوديين إضافيين أمام المساعدات، والذي تصادف مع تخفيف مؤقت للعقوبات من أجل إيصال الإغاثة من الزلزال وجهود التعافي إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام.

لقد ساعدت تلك المقايضة الخفية الأسد منذ البداية، إذ أخذت المساعدات تتدفق من دولة الإمارات على النظام لدعم الاستجابة الإنسانية في المناطق الخاضعة لحكمه. في حين تعرضت أهم الجهات المانحة للمساعدات لمعضلة في شمال غربي سوريا، بما أن معظم تلك الجهات لا تريد أن تمكن سلطات الأمر الواقع أو أن تشرعن وجودها في المنطقة، خاصة تلك الجماعات التي تم تصنيفها على أنها إرهابية مثل هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة. إذ على الرغم من أن تلك الجماعات قد وصلت إلى حالة تسوية مؤقتة مع المجتمع المدني السوري بالنسبة للسماح لعمليات الإغاثة بمواصلة عملها مع الحد من نسبة تعطلها عن تلك الأعمال، إلا أن المانحين لابد أن يحرصوا على عدم حصول تلك الجهات الفاعلة على أي منفعة مادية تترتب على وصول المزيد من المساعدات.

وعليه، صار التحدي الذي يقف أمام عملية إعادة الإعمار بمثابة بيئة مصغرة تمثل مصاعب ومآزق أكبر تمثلت بالتدخل الدولي في الثورة السورية خلال العقد الماضي، ولذلك لم تعد لدى أي قوة كبرى أي رغبة بمساعدة عناصر المعارضة المتطرفة على البقاء، وفي الوقت ذاته لم يبد الغرب أي رغبة بتقديم انتصار للأسد على طبق من فضة.

فن الممكن

في ظل هذا المشهد المعقد، بات من الواضح بأن جهود إعمار شمال غربي سوريا بشكل كامل مع وصول غير مقيد للمساعدات الدولية ونشر الأمن بشكل كاف مايزال أمراً بعيد المنال، إذ بدلاً من ذلك قد تتجلى أفضل صيغة لإعادة الإعمار بمساعدة منظمات المجتمع المدني السوري على تولي قيادة هذه الجهود، عبر تطبيق المعرفة والمهارات التي طورتها تلك المنظمات على مدار أكثر من عقد وذلك من خلال العمل على العودة إلى الوضع الراهن الذي كان سائداً قبل الزلزال في ظل حرب مزقت البلد. وهنا ينبغي على عمليات تمرير المساعدات الأممية عبر الحدود أن تتحرك بضراوة لزيادة الإغاثة والدعم الموجه لإعادة الإعمار إلى تلك المنظمات، مع الاستفادة بشكل كامل من المعبرين الحدوديين الإضافيين اللذين تم فتحهما.

إذ خلال العقد الماضي من النزاع، قامت معظم عمليات الإغاثة في المنطقة على إمكانيات منظمات المجتمع المدني السورية، بموافقة ضمنية من قبل الجماعات المسلحة التي تسيطر على المنطقة. وبدعم من قبل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، قامت المنظمات السورية في الداخل السوري وفي الشتات بإنشاء مشاف وبناء مخيمات للنازحين داخلياً، كما حافظت على صيانة البنية التحتية، وقدمت الكثير من الخدمات الأساسية، إلا أن نسبة كبيرة من هذه البنية التحتية والإمكانيات قد تعرض للتدمير اليوم، بيد أن المعرفة والخبرة العملية بعد مرور 12 عاما على الحرب هي التي بقيت.

يمكن للعديد من الإجراءات أن تسهم في تأسيس عملية إعادة إعمار قابلة للحياة يترأسها سوريون، حتى لو بقيت بعيدة عن الكمال إلى حد بعيد، إذ في البداية، يجب على مجلس الأمن أن يتحرك بسرعة ليمرر قراراً جديداً يقضي بالتفويض لعملية تمرير معززة للمساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا عبر كل القنوات المتوفرة. وبالحد الأدنى، ينبغي على مجلس الأمن إسباغ الصفة الرسمية على المعبرين الحدوديين الإضافيين اللذين وافق نظام الأسد على استخدامهما، ولكن يجب على الدول الأعضاء في مجلس الأمن أن تضغط من أجل فرض المزيد من الأمور التي يمكن أن ترقى لتشمل وقف إطلاق نار مؤقت في شمال غربي سوريا، بما يساعد على قيام عملية تعاف على نطاق أوسع. كما يجب على مجلس الأمن أن يكرر تأكيده على عدم تدخل أي جهة فاعلة، خاصة النظام السوري، في جهود الإغاثة والتعافي، مع التشديد على مركزية عملية تمرير المساعدات الإنسانية بلا قيد أو شرط. وهذا القرار الأممي يجب أن يبقى ويستمر بحيث يظل ساري المفعول لمدة سنة على الأقل، بدلاً من الحضور لتجديده كل ستة أشهر كما حدث مع القرارات التي سبقته.

في حال رفضت روسيا التعاون على تمرير هذا القرار، عندها ينبغي على الأمم المتحدة أن تستغل الحالة الطارئة في اللحظة الحالية لتجري إعادة دراسة للنظام القانوني المتصل بتمرير المساعدات عبر الحدود. إذ يرى بعض الباحثين في مجال القانون بأن قرار مجلس الأمن ليس شرطاً لازماً لتمكين عملية تمرير المساعدات عبر الحدود في شمال غربي سوريا. ثم إن سلوك نظام الأسد عقب وقوع الزلزال لم يؤكد سوى الفكرة القائلة بأن عملية تمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود يجب أن تبقى قانونية حتى في ظل غياب هذا القرار.

ثانياً، يجب على المانحين أن يؤدوا دورهم، إذ ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج المانحة وغيرها الالتزام بحزمة أساسية للتعافي في شمال غربي سوريا، إذ عقب مؤتمر المانحين الذي استضافه الاتحاد الأوروبي في بروكسل في 20 آذار، أصبح المجتمع الدولي يسير على الدرب الصحيح، حيث تم التعهد بتقديم تبرعات وصلت قيمتها إلى 7.5 مليارات دولار لصالح تركيا وسوريا، منها مليار واحد مخصصة لسوريا. وهذا التعهد لا بد أن يعبر عن التزام سياسي ومالي أيضاً، بما يظهر حالة من التضامن مع المدنيين في سوريا عموماً، وذلك عبر الالتزام بتمويل استجابة إنسانية أساسية، وجهود التعافي المبكر. بيد أن الاختبار الحقيقي يتمثل بكم المساعدات التي ستتدفق على شمال غربي سوريا وكم المساعدات التي ستمر عبر نظام الأسد.

هذا ويمكن للمانحين الالتفاف على تلك العقبات عبر إدراج شروط وبنود ضمن التزاماتهم المعنية بالمساعدات، وذلك لأن المساعدات الدولية تمنح الجهات المانحة قدراً من النفوذ، ولهذا يجب ربط أي شكل من المساعدات المالية المخصصة لتمويل عملية إعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها النظام بشروط صارمة تتصل بسلوك الأسد، ويجب أن تتضمن هذه الشروط إطلاق سراح السجناء السياسيين، وموافقة النظام على تنفيذ عمليات تسليم المساعدات عبر الحدود، وتوسيع مجال الحركة وحرية الوصول أمام العاملين في المجال الإنساني. كما يجب على الجهات المانحة أيضاً أن تشترط توزيع أي مساعدات جديدة فقط وفق الطرق التي لا تؤدي لتمويل مشاريع أخرى يديرها النظام.

ثالثاً: يجب على المانحين وعلى الأمم المتحدة مضاعفة جهودهم في مجال دعم المنظمات الإغاثية السورية بصورة مباشرة مع الاستثمار في إمكانات مؤسساتها، وذلك لأن المنظمات السورية التي تقوم بتسليم الجزء الأكبر من المساعدات في شمال غربي سوريا، والتي ترأست عمليات الإنقاذ الفورية على الرغم من ضآلة الدعم الدولي، تستحق ما هو أفضل من قبل الجهات التي تقدم المساعدات. ولهذا يجب الكف عن التعامل معها بدونية بوصفها جهات فرعية متعاقدة مع المنظمات الإغاثية الدولية الكبرى التي تعمل عن بعد من مقارها في تركيا، وذلك لأن المنظمات السورية باتت تقود اليوم تلك الأعمال بعد مرور عقد كامل من العمل في هذا المجال، ولذلك يجب على الأمم المتحدة وغيرها من الجهات الرائدة في مجال المساعدات أن تقدم المزيد لتعترف بهذا الواقع وتتكيف معه، بعدما قامت منظمات المجتمع المدني السورية ببناء التجمعات السكانية التي يعيش فيها النازحون السوريون، وهي مطالبة اليوم بإعادة بناء تلك التجمعات. ولذلك أصبحت هذه المنظمات خير وسيلة لإبقاء الخدمات الأساسية وحالة التماسك الاجتماعي في المناطق المدمرة، ولهذا يجب أن يتم التعامل معها على هذا الأساس من قبل المانحين.

كل تلك الأمور يجب أن تتم بسرعة البرق، بعد مضي قرابة الشهرين على وقوع الزلزالين، وذلك لأن مرحلة التعافي الأساسية ماتزال في بداياتها، وفي حال عدم إبداء المجتمع الدولي لأي تصرف حيال ذلك، أو امتناعه عن الاستثمار في تعافي هذا البلد، فهذا يعني أن الملايين من الناس لا بد أن يتحولوا إلى ضحية للمعاناة، والمستفيد الوحيد من كل ذلك هو الأسد.

المصدر: Foreign Affairs