icon
التغطية الحية

غارديان: عن أي شيء سيتخلى بشار الأسد وما النفوذ السياسي الذي سيحققه المطبعون؟

2023.03.13 | 16:42 دمشق

بشار الأسد يلوح لمؤيديه أمام مركز انتخابي في عام 2021
بشار الأسد يلوح لمؤيديه أمام مركز انتخابي في عام 2021
The Guardian - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لم يظهر بشار الأسد بمظهر الرجل الذي يحمل على كتفيه مصير أمة وشعب وهو يجول حلب خلال الشهر الماضي، بل قام باتخاذ وضعيات مناسبة للتصوير برفقة الأهالي الذين اصطفوا للقائه ظناً منهم بأنه أتى لتفقد ما سببه الزلزال من خراب في أجزاء من الشمال السوري، بيد أن الأسد بدا مرتاحاً لا قلقاً حيال الضحايا، بعدما أدرك رئيس النظام  وهو يوزع ابتساماته بأن اللحظة التي ينتظرها قد أزفت أخيراً.

في غضون أيام عقب وقوع الكارثة، أخذ قادة ورؤساء المنظمات الإغاثية الدولية يجعجعون أمام الجمهور ويطالبون الأسد بمنحهم الإذن للوصول إلى أسوأ التجمعات السكانية تضرراً بفعل الزلزال، والتي تقع خارج سيطرة حكومة النظام، وهكذا أذعنت منظمات وهيئات دولية مرة أخرى للأسد بوصفه رئيساً شرعياً لدولة مقسمة.

وخلال أيام، حذا حذوهم قادة دول الجوار، حيث سافر إلى دمشق رؤساء الوزراء في كل من دولة الإمارات والأردن ومصر مع مسؤولين من دول عربية أخرى ليستعرضوا مساعيهم أمام الناس بحجة تقديم تعازيهم، غير أن رمزية تلك الزيارات زادت من عمق التحول الزلزالي الذي حمل طبيعة مختلفة.

إذ لأول مرة منذ أكثر من عقد مضى على الحرب والفوضى، تحول خلاله الأسد إلى شخصية منبوذة بعيون منافسيه في المنطقة، صار الجميع يغازله اليوم على اعتبار أن ذلك هو الحل للأزمة التي ارتبطت به في المقام الأول.

فالرجل الذي تربع على عرش تفتت بلده، وتشريد نصف شعبه، وتدمير اقتصاده، ولم يكن له نظير في أي مكان في العالم على مدار السنوات السبعين الماضية، أصبح الكل يقبل بعودته اليوم بشكل واضح. كما أن زيارة على مستوى الدولة السورية جرت في العشرين من شباط لدولة عمان، واكتملت بفرش السجاد الأحمر، وموكب الدراجات النارية والشوارع المزينة بالأعلام، قد عززت من شأن تلك العودة. ومن المرجح أن تأتي عودة سوريا إلى الجامعة العربية عقب ذلك خلال مرحلة لاحقة من هذه السنة، بما سيقوي زخم إعادة تأهيل الأسد.

Bashar al-Assad and his wife, Asma, visit survivors of the earthquake in Latakia, western Syria

بشار الأسد وزوجته في زيارة للناجين من الزلزال في أحد مشافي اللاذقية

مالذي سيتخلى عنه بشار الأسد مقابل تعويمه؟

وحول ذلك تعلق شخصية استخبارية من المنطقة رفضت ذكر اسمها بالقول: "هذا ما أتى بعد طول انتظار، إذ لم تعد القضية تقوم على إثبات بأن المنطقة أصبحت آمنة بشكل أكبر مع تشجيع سوريا على مواصلتها للتصرف كدولة مارقة".

بيد أنه لم يتضح بعد ما الذي سيتخلى عنه الأسد وما النفوذ السياسي الذي سيحققه أصدقاؤه المتجددون من خلاله.

فمن المعروف بأن كبار المسؤولين الإماراتيين والسعوديين قد شددوا على مسألتين وهما فصل سوريا عن النفوذ الإيراني، ووقف تهريب كميات كبيرة من مادة الكبتاغون المخدرة إلى دول الجوار.

في آذار من العام المنصرم، رسم حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ورئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مشهد التحول الذي نراه اليوم، وذلك عندما دعيا الأسد لزيارة غير رسمية لدولة الإمارات.

وهناك صرح كلاهما بما يتوقعانه من الأسد، فوضعاه في موقف الزعيم الضال الذي يمكن دعوته للعودة مجدداً إلى الحظيرة العربية في حال تغييره لأسلوبه.

وبعد مرور عام كامل على ذلك، لم يغير الأسد من سلوكه شيئاً، باستثناء مواقفه الإقليمية، إذ ماتزال تجارة المخدرات التي تدعمها أهم المؤسسات السورية التي تعمل على تحويل البلد إلى دولة مخدرات، تنافس عصابات المخدرات في المكسيك من حيث حجم تورط الدولة فيها. إذ بعد تحقيقها لعوائد بلغت قيمتها نحو 6 مليارات دولار من خلال الحبوب المصنوعة منزلياً والتي تم تصديرها على نطاق واسع، وهذا الرقم يضاهي الناتج القومي الإجمالي لسوريا، لم يعد في الأفق الاقتصادي ما يمكن أن يبعد قادة سوريا عن هذا الكنز.

خلال الشهر الماضي، احتجز مسؤولون إماراتيون 4.5 ملايين حبة كبتاغون مخبأة داخل عبوات فاصولياء، وفي الوقت ذاته، طالبت السلطات الإيطالية باعتقال المواطن السوري طاهر الكيالي بعد اتهامها له بتنسيق أمور شحن 14 طناً من هذه المادة المنشطة التي كان من المقرر لها أن تصل إلى ليبيا والسعودية في عام 2020.

كما أعلنت الشرطة الإيطالية عن تأكدها من قدوم تلك المخدرات من سوريا واحتمال ارتباطها بحزب الله المدعوم إيرانياً.

وخلال رحلة إلى الأردن خلال الأسبوع الماضي، تعرّض وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، لضغط شديد من قبل الملك عبد الله، حتى تضغط الولايات المتحدة بدورها على الأسد ليقوم بوقف تجارة الكبتاغون التي يعتقد ضباط استخبارات غربيون ومن أبناء المنطقة بأن من يقوم بتنظيم أمورها وتنسيقها هو الشقيق الأصغر للأسد، ماهر، وبأن تلك التجارة خاضعة لسيطرته المباشرة. كما أكد الملك عبد الله على دور الميليشيات الإيرانية في تجارة المخدرات عبر الحدود الجنوبية لسوريا، مما خلق مشكلات جسيمة للقوات الأردنية التي ترابط على الحدود، وتحول إلى تجارة مربحة في العراق اليوم.

إذن، فنقطة الخلاف الآن هي: كيف يمكن للأسد أن يدير ظهره لإيران في الوقت الذي ماتزال فيه إيران تمثل مركز ثروته؟ كما خيم على هذا الطلب المزيد من الغموض يوم الجمعة الماضي، بعد الانفراجة المفاجئة في العلاقات بين الرياض وطهران، بعد خلاف امتد طوال فترة الربيع العربي وما بعدها، تحولت على إثره كل من سوريا ولبنان واليمن إلى ساحة لحروب بين وكلاء هاتين الدولتين.

بيد أن وصول الأسد لمرحلة إعادة التأهيل لم يكن بفضل الدعم الذي تلقاه من إيران، والتي استغلت الثورة التي قامت ضده لتمتن الجسر الذي مدته في سوريا والذي يمكنها من خلاله أن تزيد من دعمها لأهم ذراع يخدم سياستها الخارجية، أي حزب الله في لبنان.

إن انتزاع رئيس بقي لعقدين بين أحضان إيران، في ظل هذه الظروف، لابد وأن يعتبر مسألة وجود بالنسبة لأحد أهم ضامنيه الرئيسيين، حيث يقول أحد المسؤولين في المنطقة: "ليس في ذلك خطر عليه، ثم إن الإماراتيين والسعوديين لم يفكروا بهذا الأمر".

ثمة طلب آخر طُلب من الأسد، وهو إجراء مفاوضات جدية مع المعارضة السورية من أجل التوصل لحل سياسي مع تشجيع اللاجئين على العودة الآمنة، بيد أن الغموض مايزال يكتنف هذا الطلب، إذ حتى خلال أحلك سنوات الحرب التي تم إنقاذ الأسد فيها مرتين من الهزيمة بفضل داعميه، لم يأخذ النظام أي نقاش مع المعارضة على محمل الجد، حيث كان أي اتفاق يبرم بين الطرفين يقوم على تحديد المنطقة التي سيتم نفي المهزومين من التجمعات السكانية إليها داخل سوريا.

كما فشلت الاجتماعات المتكررة التي عقدت بدعم غربي وروسي في جنيف وأستانا بكازاخستان منذ عام 2013 في الخروج بزخم حقيقي، ولم تثمر أي مطالبة بتقاسم السلطة السياسية عن أي شيء، بل استخدمت الوحشية والخوف لدعم دولة الأسد البوليسية، مع السعي لضمان إفلاته من العقاب.

اقرأ أيضا: النظام السوري يرفض عقد الاجتماع الرباعي مع تركيا وإيران وروسيا

 

أما أعداؤه فقد ركزت الأمم المتحدة عليهم في السابق عند مطالبتها بمحاسبته على جرائمه، وعليه، فإن الدرس الذي بوسع الأسد أن يتعلمه من الألفاظ ذات النبرة الشديدة التي قيلت في تلك المحافل، والترحيب الذي يلقاه اليوم، هو أنه بإمكانه أن يعذب ويستنزف أي طرف كما يحلو له دون أن يغير من أسلوبه.

إن إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحقها بوصفها مركزاً تاريخياً للنفوذ الإقليمي هي التعويذة التي تمسك بها الأسد طوال سنوات حكمه الـ23 كما كانت تلك فكرة محورية بالنسبة لأبيه حافظ الأسد الذي مهدت وفاته في حزيران عام 2000 الطريق أمام هذا الرئيس الذي لم يتوقع أحد له أن يصبح رئيساً.

مع رفض الأسد بشكل دائم لإقامة أي مفاوضات جدية، تعلم الأسد  أحد الدروس الأساسية من أبيه، إذ بعد أن شاهد بأم عينه نتائج هذا العناد، صار على الأرجح يقدس الحكمة التي بنى عليها الأسد الأب آراءه.

وحول ذلك يعلق سفير أوروبي إلى الإمارات بالقول: "لم يعد الترك والروس والإيرانيون يطيقون صبراً على فكرة التأثير، إذ لا يعنيهم بقاء الأسد رئيساً على دولة ضعيفة، لا يمكنه أن يمثل معظمها أو أن يتحدث باسمها، أم لا، كما لم يعد يهمهم إن كان بوسعهم التأثير على سلوكه الخبيث أم لا، لأن ما يهمهم هو حصد المكاسب من الخراب الذي حل على عتباتهم، وأعتقد بأن دول الخليج أصبحت تنتابها المشاعر نفسها اليوم".

المصدر: The Guardian