icon
التغطية الحية

فايننشال تايمز تكشف ارتباط الأمم المتحدة بالنظام: وظفوا ابنة حسام لوقا

2023.03.08 | 14:15 دمشق

سوريتان تجلسان فوق أنقاض حيهما برفقة طفليهما
سوريتان تجلسان فوق أنقاض حيهما برفقة طفليهما
Financial Times - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

إن اعتراف الأمم المتحدة بفشلها في الشمال السوري عقب الزلزال المدمر الذي ضرب تلك المنطقة خلال الشهر الماضي قد بيّن وبكل جلاء مدى ارتباط علاقاتها بالنظام السوري، ومن تلك العلاقات توظيف ابنة رئيس المخابرات في سوريا، وهو شخص خاضع للعقوبات،  في مكتب تابع لإحدى منظمات الأمم المتحدة الإغاثية.

أظهر بطء وصول المساعدات الدولية لمناطق المعارضة الفقيرة في سوريا عقب الزلزال، بحسب اعتراف رموز الأمم المتحدة، الطريقة التي يتم من خلالها استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح من قبل نظام بشار الأسد بشكل اعتيادي، وفضح كل تلك الطرق التي تضطر من خلالها كل من الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإغاثية لتقديم تنازلات بما يفيد رأس النظام وحاشيته، بحسب ما ذكره خبراء متخصصون في مجال الإغاثة وأشخاص يعملون في هذا المجال.

توظيف أبناء المسؤولين السوريين لدى وكالات أممية

من الأمثلة على ذلك نذكر ابنة حسام لوقا، وهو رئيس مديرية المخابرات العامة في سوريا سبق أن فرضت عليه عقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، التي تعمل لدى مكتب الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ التابع للأمم المتحدة في دمشق، بحسب ما ذكره أربعة أشخاص مطلعين على الوضع، وهذه الوكالة الأممية هي عبارة عن صندوق للطوارئ يقدم الاستجابة العاجلة عند وقوع كوارث طبيعية ونزاعات مسلحة.

في حين ذكر ناطق رسمي باسم هذه الوكالة بأن الأمم المتحدة لا تكشف معلومات شخصية عن كوادرها، وأضاف بأن: "كل الموظفين يتم توظيفهم وفقاً لعملية توظيف صارمة"، بيد أن فاينانشال تايمز قررت عدم ذكر اسم الابنة، لأنها في أوائل العشرينيات من العمر، ولم يوجه إليها أي اتهام بارتكاب أي ذنب.

في وثائق سربت عام 2016، تبين بأن الأمم المتحدة سبق أن وظفت أقارب لمسؤولين رفيعي المستوى لدى النظام، وعن ذلك ذكر أحد العاملين في مجال الإغاثة بالشرق الأوسط: "لا يمكنني أن أخبركم عن عدد المرات التي دخل فيها أحد المسؤولين لدى الحكومة السورية إلى مكاتبنا وضغط علينا لنوظف ابنه".

United Nations deputy regional humanitarian coordinator David Carden arrives in the rebel-held town of Jindayris, Syria

ديفيد كاردن رئيس مكتب الأوتشا يصل إلى جنديرس

توحي ممارسات التوظيف بأن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي تعمل في مناطق سيطرة النظام يمكن أن توظف أقارب لموالين للنظام، مما يخلف "أثراً مرعباً" بحسب ما يراه الخبراء، على بعض الكوادر المحلية.

عرقلة الأمور التشغيلية إلا عبر رموز النظام

ولقد قدمت تلك الوكالات تنازلات وتسويات غير مريحة للنظام فيما يتصل بالأمور التشغيلية الأساسية، حيث تدفع الأمم المتحدة ملايين الدولارات - إذ دفعت في عام 2022 11.5 مليون دولار، و81.6 مليون دولار منذ عام 2014، بحسب بياناتها الرسمية - حتى يداوم موظفوها في فندق فور سيزون بدمشق، والذي يمتلك معظم أسهمه رجل الأعمال سامر فوز الذي خضع هو والفندق الذي يمتلكه للعقوبات الأميركية في عام 2019 بسبب العلاقات المالية التي تربطه بالأسد.

ذكر فرانسيكسو غالتيري الذي بقي حتى هذا الشهر مسؤولاً رفيعاً لدى الأمم المتحدة بدمشق، بأن هذا المقر كان: "خدمة من بين الخدمات التي لم يكن أمام الأمم المتحدة من خيار آخر حيالها، بسبب عدم توفر البنية التحتية". وأضاف بأن الأمم المتحدة طلبت أكثر من مرة موافقة النظام على استخدام مقر آخر لكنها لم تحصل على تلك الموافقة.

كما سحب النظام الملايين من الدولارات التي أتت على شكل مساعدات إنسانية، وذلك عبر إجبار وكالات الإغاثة الدولية على اعتماد سعر الصرف الرسمي الذي لا يحبذه أحد في الوقت الذي يتم فيه الاعتماد بشكل كبير على السوق الموازية، ولقد استخدمت تلك الأموال التي جمعت بتلك الطريقة لدعم احتياطي القطع الأجنبي في المصرف المركزي بحسب ما يراه الخبراء. إذ منذ أن هبطت قيمة الليرة السورية بشكل كبير في عام 2019، أعلنت الأمم المتحدة بأنها ضغطت لتحسين سعر الصرف بالنسبة للمساعدات الدولية، إلا أن ذلك لم يتم إلا في حالات ثلاث فقط.

Emirates Red Crescent and Syrian Arab Red Crescent distribute boxes of humanitarian aid in response to a deadly earthquake in Jableh, Syria

عاملون في مجال الإغاثة برفقة موظفين لدى الهلال الأحمر الإماراتي والسوري وهم يسلمون صناديق في جبلة عقب وقوع الزلزال

ورطة أخلاقية

يعود تاريخ التعاون بين حكومة النظام والمنظمات الإغاثية لبداية الحرب في سوريا عام 2011، حيث زادت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من وجودها في سوريا بشكل سريع، متوقعة سقوط الأسد، وذلك حتى تقوم بعمليات إصلاح سريعة، غير  أن ذلك كلف الغرب مليارات الدولارات واستدعى تقديم تنازلات للنظام تخالف المبادئ الإنسانية.

لكن الأسد بقي، واستعاد السيطرة على معظم أجزاء البلاد في نهاية الأمر، بعدما تلقى دعماً عسكرياً من روسيا وإيران، غير أن التنازلات التي قدمتها الوكالات الإغاثية لم يتم التفاوض عليها من جديد.

إذ بمرور السنين، خضعت المنظمات الإغاثية لمطالب النظام، خوفاً من حرمان مساعداتها الإنسانية من التدفق بصورة مستمرة، أو بسبب الضغط والتهديد بذلك، وفي ذلك ما يشير إلى تعرض تلك المنظمات لورطة أخلاقية عسيرة، إذ كان عليها إما أن تعمل بموجب قواعد النظام أو أن تُحرم من تقديم المساعدات لمن يحتاج إليها من السوريين.

"السر المفضوح"

يتعين على هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية أن تعمل بالشراكة مع وكالات وهيئات تابعة لحكومة النظام بحسب ما أوردته مصادر سورية، وعاملون في مجال الإغاثة وخبراء متخصصون. وأهم منظمة مرتبطة بالنظام هي الهلال الأحمر العربي السوري الذي يديره خالد حبوباتي، وهو شخصية مرتبطة بالأسد، ويأتي بعد الهلال الأحمر الأمانة السورية للتنمية التي تمولها أسماء الأسد زوجة رأس النظام، والتي ما تزال تهيمن بشكل كبير على عملياتها.

يعتبر الهلال الأحمر العربي السوري أهم منظمة شريكة للأمم المتحدة في سوريا، وتمارس نفوذ كبيراً على المنظمات غير الحكومية الدولية، ولا بد للجنة حكومية من الموافقة على جهودها الإغاثية مثلها مثل كل برامج الإغاثة في سوريا، بعد قيام العديد من الوزارات وفروع المخابرات بتقديم معلومات عن تلك البرامج، إلى جانب ضرورة حصول جهود الهلال الأحمر الإغاثية على موافقة إضافية من قبل جهاز أمن الدولة بما يوحي بأن هذا الجهاز يسهم في توجيه الجهود الإغاثية، وتصف المنظمات الإغاثية عملية الحصول على تلك الموافقات بأنها عقبة كبيرة في وجه عملها.

تصدرت كلتا المنظمتين الجهود الإغاثية بعد وقوع الزلزال في سوريا، إلا أن كلتيهما لم تردا عندما طلب منهما أكثر من مرة التعليق على الموضوع.

ثم إن الربع تقريباً من بين أهم 100 شركة موردة تم تصنيفها على أنها تتلقى تمويلاً من أجل تأمين مشتريات الأمم المتحدة ما بين عامي 2019-2021 هي شركات خاضعة للعقوبات الأميركية أو الأوروبية أو عقوبات المملكة المتحدة، أو يملكها أشخاص خاضعون للعقوبات، بحسب تقرير شارك في كتابته كرم الشعار، وهو خبير اقتصادي سياسي يعمل لدى معهد الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات.

وقد خلص هذا التقرير إلى أن وكالات الأمم المتحدة: "لا تعمل على دمج ضمانات حقوق الإنسان بشكل كاف ضمن ممارسات الشراء التي تقوم بها... مما يعرضها لخطر تشويه سمعتها بشكل كبير فضلاً عن الأخطار الحقيقية التي تحيق بها بسبب تمويلها لعناصر فاعلة تمارس انتهاكات".

من جانبها، أعلنت الأمم المتحدة بأن الهيئات التابعة لها في سوريا لا تتعاقد مع شركات أو شخصيات مدرجة ضمن قوائم العقوبات الدولية، وذكرت بأن ملكية الشركات التي تعود لأفراد تورطوا في انتهاكات لحقوق الإنسان أو غيرها من الجرائم الكبرى "يمثل سبباً وجيهاً حتى تقوم الأمم المتحدة باستبعاد البائع"، غير أنها أضافت بأنها تشترط: "معياراً للبرهان والدليل يتجاوز مجرد الشك المنطقي" بالتورط في تلك الممارسات المحظورة، وذكرت بأن "هيئات الأمم المتحدة المعنية" ستبحث في بعض المزاعم التي وردت في التقرير.

هذا ولقد أعلنت الأمم المتحدة عن تبنيها لممارسات أشد صرامة منذ الفترة التي تم التطرق إليها في البيانات، مع فسخها لبعض العقود أيضاً.

خلال 12 عاماً من النزاع الضاري، تم توزيع مليارات الدولارات على شكل مساعدات من خلال منظمات مثل هيئة الأمم المتحدة، بيد أن هيمنة النظام على قطاع المساعدات كانت بمنزلة "سر مفضوح" بحسب ما ذكره شخص سبق أن عمل بالمجال الإغاثي.

Rescue workers searching through the rubble of buildings in the rebel-held town of Jindayris, Syria

منقذون يبحثون بين الركام في جنديرس

إن الناجين من الزلزال في المناطق التي تقع في شمال غربي سوريا حيث تسيطر جماعات الثوار وتركيا التي تدعم المعارضة، اضطروا لأن يحفروا في الركام بحثاً عن أهلهم وأسرهم بسبب تأخر المساعدة الأممية في الوصول لمدة أسبوع تقريباً. وقد أتت تلك الاستجابة البطيئة بسبب عرقلة النظام وحلفائه في مجلس الأمن عملية تمرير المساعدات من كل المعابر، إلا من معبر حدودي وحيد تضرر بفعل الزلزال، غير أن بقية المعابر فُتحت أمام المساعدات في نهاية الأمر.

وحول المنظمات غير الحكومية والإغاثية يخبرنا ذلك الشخص الذي عمل في مجال الإغاثة فيقول إنها: "تجاوزت كل الخطوط الحمراء في الجهود المبدئية التي بذلتها لتقديم المساعدات للشعب السوري. وكانت حكومة النظام تعرف بأنها بوسعها أن تضغط علينا، وكنا إلى حد كبير نساعدها في هذا السلوك".

من عادة نظام الأسد فرض قيود على مرور المساعدات إلى المناطق التي تحتاج إليها، فضلاً عن توجيهه للمساعدات إلى المجتمعات التي يفضلها على غيرها، ومضايقة كوادر المنظمات غير الحكومية، وذلك بحسب تقارير منفصلة كتبتها ناتاشا هول وهي عضو رفيع في برنامج الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وفي منظمة هيومان رايتس ووتش، ولقد اعتمدت تلك التقارير على العشرات من المقابلات وعلى ما توفر من وثائق فتحت أمام العامة من الناس.

هذا وتتعرض المنظمات التي حاولت الالتفاف على تلك القيود للعقوبة في معظم الأحيان، وذلك عبر تقييد وصولها وحرمان كوادرها من الحصول على تأشيرات لدخول سوريا بحسب ما ورد في تلك التقارير.

إن تدفق الأموال والمساعدات إلى سوريا منذ وقوع الزلزال الذي قتل نحو ستة آلاف إنسان في سوريا، وما يقارب من 46 ألف نسمة في الجارة تركيا، لم يزد إلا من القلق حيال وجود نظام يبرع باستغلال نقاط ضعف هذه المنظومة. كما أشار الخبراء أيضاً إلى الحالات التي تم من خلالها تقييد الإغاثة أو احتجازها من قبل حواجز النظام مع إيقاف القوافل المتجهة نحو الشمال السوري بشرقيه وغربيه.

ذكرت إيما بيلز وهي عضو غير مقيم لدى معهد الشرق الأوسط بأنها خشيت من استغلال النظام للضرر الذي أحدثه الزلزال حتى يقوم بهدم مزيد من المباني في المناطق التي تتسم بحساسية سياسية، مع استيلائه على الأراضي وانتزاعها من يد من يعتبرهم النظام معارضين له.

في حين أعلنت هول بأن النظام قد نجح مرة أخرى "في تحويل اهتمام العالم بمعاناة الشعب إلى مصدر للربح".

المصدر: Financial Times