icon
التغطية الحية

"على طريق الأذى".. بنات أُجبرن على البلوغ وزوجن قاصرات في سوريا

2021.12.02 | 16:46 دمشق

أطفال سوريا الذين حرمتهم الحرب من التعليم
أطفال سوريا الذين حرمتهم الحرب من التعليم
abc - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عشر سنوات من الحرب خلفت كثيراً من الآثار المدمرة  على بنات سوريا بسبب ازدياد حالات زواج القاصرات والبلوغ المبكر والانتحار وإيذاء النفس بحسب تقرير نشره موقع "abc".

خلص التقرير المعنون بـ (على طريق الأذى) إلى أن الحرب في سوريا قد غيرت حياة النساء والفتيات، إلا أن المراهقات السوريات على وجه الخصوص واجهن "تحديات معقدة أثرت على تطورهن وتركت فيهن أثراً سيبقى معهن طوال حياتهن".

وتضمن البحث الذي أجرته منظمة "بلان إنترناشونال" بالتعاون مع منظمة إغاثية محلية تعرف باسم "نساء الآن للتنمية" ونشر يوم الخميس مقابلات موسعة مع فتيات وآباء وأمهات وعاملين في المجال الاجتماعي ومسؤولين في المجال الصحي، حيث ذكرت هايلي كول وهي نائبة المدير التنفيذي لمنظمة بلان إنترناشيونال في أستراليا بأن: "المراهقات يتحملن وطأة هذه الأزمة بطريقة تثير الرعب فعلاً".

كما ذكرت بأن انعدام المساواة بين الجنسين قد ترسخ بصورة أكبر، ما أدى إلى زيادة العنف ضد النساء وارتفاع نسب حالات الانتحار.

حالات الانتحار شمالي سوريا ترتفع

قفزت حالات الانتحار في شمال غربي سوريا لتصل إلى نسبة 86 في المئة مقارنة بعدد حوادث الانتحار التي وقعت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020 بحسب ما ورد في ذلك التقرير، إذ إن حالة واحدة من بين كل خمس حالات مسجلة لمحاولات الانتحار الفاشلة والناجحة كانت بين صفوف الأطفال.

وبالرغم من تزايد المصاعب التي تواجهها الفتيات، فإن هايلي ترى بأنهن يتمسكن بإيمانهن "بأن مستقبلهن سيكون مشرقاً... إلا أن الظروف التي يعشنها في الوقت الراهن فضلاً عن نزوحهن المتكرر وحرمانهن من التعليم ومن الدعم الاجتماعي يخلق كثيراً من التحديات أمامهن".

تزويج القاصرات بسبب الفقر في سوريا

 

النزوح المتكرر أسهم في إضعاف أطفال سوريا بصورة أكبر

 

كشف باحثون أن الفقر الذي تفشى في سوريا قد دفع بالأسر إلى تزويج بناتهم في أعمار مبكرة.

إذ يحدد القانون السوري الحد الأدنى لسن الزواج بالنسبة للفتيات بـ17 عاماً، إلا أنه بوسع القاضي الشرعي أن يزوج البنات في سن أصغر بكثير، في حال وصلت البنت إلى سن البلوغ.ولم تكن تلك الحالات شائعة قبل بداية النزاع في سوريا.

إذ أنه في عام 2006، قدرت الأمم المتحدة بأن نحو 13 في المئة من الفتيات السوريات قد تزوجن قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة، إلا أن بحثاً استقصائياً ظهر في فترة لاحقة أشار إلى أن هذه النسبة قد ارتفعت إلى 41 في المئة.

وتعتقد كثير من الفتيات وكذلك الأهالي والعاملين في المجال الاجتماعي بأن الزواج يمكن أن يساعد في الحماية من التحرش والعنف خلال النزاع.

إلا أن هايلي ترى بأن زواج القاصرات يمكن أن "يصور الأهل على أنهم يفعلون شيئاً خاطئاً في عيون أولادهم" وذلك من دون قصد منهم.

وأضافت: "إن ما نراه هو محاولة الأهالي تأمين ما هو أفضل لأولادهم... إذ يعتبر الزواج المبكر طريقة لدعم الأبناء والبنات في ظل أحلك الظروف وأقساها".

أما الطبيب النفسي السوري محمد أبو هلال فيرى بأن الزواج المبكر قد يصبح مدمراً في حال عدم نضج البنت جسدياً أو نفسياً، بيد أنه يمكن أن يكون الحل الأنجع للضعيفات من البنات في بعض الحالات.

وذكر هذا الطبيب بأن الجهود المبنية على نوايا طيبة والتي بذلتها منظمات إغاثية أجنبية لإدانة هذه الممارسة كانت "طائشة" ولم تراع المعتقدات والعادات المحلية، وقال: "انتهت الأمور بالجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية إلى فرض رأيها من خلال ما تقدمه من أموال"، وأضاف أن تلك الإدانة لهذه الممارسة يمكن أن تنعكس بشكل سلبي على البنات اللواتي تزوجن في سن مبكرة، كما شدد على ضرورة التوصل إلى مقاربة يتم تكييفها بحسب البيئة والثقافة السائدة، حيث قال: "يحزنني كل هذا المال الذي تم إنفاقه على مقاربات خاطئة بل ومضرة في بعض الأحيان، في الوقت الذي بوسعنا فيه أن نستغل تلك الأموال لتحسين حياة النساء والفتيات بصورة فعلية".

في حين ذكرت منسقة الحماية في سوريا لدى منظمة نساء الآن للتنمية التي لم ترغب بالكشف عن اسمها، بأن النساء في سوريا لم تتسن لهن الفرصة لتحقيق أحلامهن، وتابعت قائلة: "بعض البنات تزوجن مرتين أو ثلاث مرات قبل بلوغهن سن الخامسة والعشرين، لذا من المقلق أن تسمع عن فتيات بلغن الخامسة والعشرين ولديهن خمسة من الأولاد مثلاً، ما يعني أنه ليس هنالك أي مجال أمامهن ليكتشفن طموحاتهن وليحققن أحلامهن، أو للتفكير بالمشاركة في المجتمع بطريقة أخرى غير أن يصبحن أمهات وراعيات لأولادهن". وبذلك تتحول الحياة إلى مجرد طريقة للنجاة والبقاء على قيد الحياة!

وتضيف منسقة الحماية في تلك المنظمة: "أرى فجوات بيني بوصفي امرأة سورية وصلت إلى مركز جيد في عملها، وفي مهنتها، وتلقت تعليماً جيداً، وبين الأخريات اللواتي يحاولن البقاء على قيد الحياة".

البلوغ المبكر بواسطة عقاقير هرمونية

 

استخدام عقاقير للوصول إلى حالة البلوغ المبكرة قد تترتب عليه مضاعفات خطيرة

 

ثمة توجه مرعب يتصل بالزواج المبكر، ألا وهو إجبار الفتيات على البلوغ المبكر، وقد وثق تقرير صدر هذا العام عن صندوق السكان التابع للأمم المتحدة تلك الحالات.

إذ تشتمل عمليات إجبار البنات على البلوغ المبكر القيام بحقنهن أو إرغامهن على تناول حبوب تحتوي على هرمونات وذلك حتى يصلن إلى مرحلة البلوغ في سن مبكرة.

وذكرت طبيبة أمراض نسائية في شمال غربي سوريا لمنظمة "نساء الآن" للتنمية أن كثيراً من الأهالي طلبوا حبوباً تحتوي على هرمونات، إلا أنها رفضت أن تقدمها لهم، حيث تقول: "إن ذلك يضر بالبنات كثيراً، حيث تؤثر تلك الحبوب بشكل سلبي على صحتهن التناسلية والنفسية، فضلاً عن احتمال تعرضهن لمضاعفات في علاقاتهن الجنسية مع أزواجهن، ومضاعفات في أثناء الحمل والولادة والإرضاع الطبيعي، لأنهن غير مهيئات نفسياً ولا جسدياً للتعرض لتلك الظروف".

في حين ذكر الأهالي الذين قامت المنظمة بإجراء مقابلات معهم بأنهم لم يسمعوا عن تلك الممارسات وكذلك الأمر بالنسبة للسوريين العاملين في القطاع الصحي.

وهنا ترى هايلي أنه لا بد من إجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة نسبة حالات الإجبار على البلوغ في هذه البلاد.

انخفاض حاد في تعليم الأطفال

قبل بدء النزاع في سوريا كان نحو 97 في المئة من الأطفال في سن التعليم الأساسي يرتادون المدرسة.

أما اليوم فثلث الأطفال فقط ممن هم في سن المدارس في سوريا، أي ما يعادل 2.4 مليون طفل أصبحوا خارج المنظومة التعليمية قبل أربع سنوات وسطياً.

وبالنسبة للمراهقات، ما تزال 31 في المئة منهن يتلقين تعليمهن بالرغم من وجود أسباب وجيهة للتسرب من المدرسة وذلك إما لدواع أمنية، أو بسبب زواج القاصرات أو بسبب الالتزامات الأسرية والعائلية.

وبالنسبة للصبيان، فإن الحاجة إلى العمل ولتأمين لقمة العيش للعائلة يعتبر السبب الرئيس لتناقص أعدادهم بشكل حاد في مجال التعليم، أي أن 22 في المئة فقط من المراهقين الذكور ما يزالون يرتادون المدارس.

وتتعرض المدارس التي ما تزال ضمن نطاق الخدمة في سوريا للقصف بصورة مستمرة فضلاً عن نقص في الموارد وزيادة في أعداد الطلاب النازحين فضلاً عن القيود المرتبطة بكوفيد-19.

حيث ذكر المعلمون الذين أجريت معهم مقابلات بأنهم يعملون على أساس تطوعي تقريباً وذلك مع ضعف البنية التحتية الأساسية ضمن المدارس وازدحام الصفوف الدراسية، حيث يمكن أن يصل عدد الطلاب في الصف الدراسي الواحد إلى 50 طالباً.

ما الأمور التي يجب القيام بها؟

 

التعليم واللعب ضروريان من أجل صحة الأطفال وسلامتهم

 

ترى هايلي بأن الانخفاض الحاد في مستويات التعليم يرتبط بشكل وثيق بارتفاع نسب حالات زواج القاصرات ومعدلات الانتحار، وتعلق على هذا بقولها: "إن كان بوسعنا إيجاد السبل الكفيلة بجعل البنات يرتدن المدارس وإبقائهن فيها، فإن ذلك سيكون من بين الطرق الناجعة للحماية من عواقب تلك الظواهر".

وذلك لأن التعليم لا يؤمن الحماية وحسب بل يعتبر ضرورياً لإعادة إعمار سوريا عند انتهاء النزاع فيها بحسب رأي هايلي، التي تقول: "نحن لا نريد أن نبقى أسرى للفكرة القائلة إن تلك الفتيات عاجزات بشكل تام، لأنهن لسن كذلك، إذ لديهن القدرة على تغيير العالم، والقدرة على إعادة بناء سوريا، لأنهن يمثلن مستقبل هذا البلد".

المصدر: abc