icon
التغطية الحية

سوريات في تركيا يكسرن التنميط الجندري في سوق العمل

2022.09.22 | 06:50 دمشق

م
دعاء فتاة سورية تدير مطعماً في إسطنبول
إسطنبول - مزنة عكيدي
+A
حجم الخط
-A

مع لجوء أعداد كبيرة من السوريين والسوريات إلى تركيا  تكيفت بعض النساء مع سوق العمل المستضيف وساهمن بشكل ملحوظ في العملية الإنتاجية والاقتصادية وبدأت المرأة السورية تشاهد في مواقع غابت عنها سابقاً، فمع الانفتاح على مجتمع جديد بدأت السوريات الانخراط في مجالات مهنية محظورة اجتماعياً ومارسن مهناً كانت حكراً على الرجال وكسرن التنميط الجندري لكثير منها.

وفي مجتمعات ما زالت الأعراف فيها مصدراً تشريعياً للسلوك الاجتماعي والاقتصادي كالمجتمع السوري لايمر كسر النساء لهذا القالب  مروراً سلساً كأي حدث اعتيادي من قبل شاهديه ما يحتم على تلك النساء تلقي ردود فعل من المحيط سواء كانت سلبية أم إيجابية، فأحياناً يتلقين التعاطف والتشجيع وأحياناً أخرى يتعرضن للاستنكار والوصمة ما يدفع بالبعض منهن إلى إخفاء عملهن بأقصى قدر ممكن.

يبلغ عددد اللاجئين السورين تحت الحماية المؤقتة في تركيا ما يقارب 3.65 ملايين، 70 بالمئة منهم من النساء والأطفال بحسب بيانات دائرة الهجرة التركية.

فتاة في المطعم

كحالة فريدة في سوق العمل تعمل دعاء الفتاة السورية ذات الـ 24 عاماً بوظيفة لم تكن مألوفة للنساء في المجتمع السوري، فدعاء تعمل في الإدارة والمحاسبة لمطعم عائلتها وتشرف فيه على عمل طاقم كامل من الرجال يصل عدده في بعض المواسم إلى 11 موظفاً كما قالت في حديثها لتلفزيون سوريا.

تقول دعاء إنها قبل قدومها إلى تركيا كانت تحلم بدراسة إدارة الأعمال والمحاسبة ولم تتسن لها الفرصة لتحقيق ذلك ومع الانتقال إلى البلد الجديد عاد حلمها بدخول مجال الإدارة قابلاً للتحقيق ولكن ليس من خلال الدراسة وإنما عملياً وذلك بعد اتخاذ  عائلتها قرار افتتاح مطعم كمشروع عائلي.

اقرأ أيضا: "أنتيغون" الإغريقية وسرد حكايات اللاجئات السوريات في لبنان |مسرح   

ولأن العرف السائد أن العمل في المطاعم بكل مستوياته هو للرجال فقط لم يكن سهلاً على دعاء إقناع عائلتها بأنها الشخص المناسب لهذا العمل، فهي بنظرهم "وظيفة بعيدة عن منطق العائلة وخارجة عن المألوف ومستفزة" على حد وصفها.

في حديثها مع موقع تلفزيون سوريا تقول الاختصاصية في الدراسات النسوية والجندرية نسرين .ح (فضلت عدم ذكر اسمها الكامل لدواع أمنية) إن التنميط الجندري للمهن يختلف من بلد لآخر فهناك مهن مقبولة للنساء في بعض البلدان وغير مقبولة في بلدان أخرى وحتى في البلد الواحد نرى أن هناك مهناً كانت مقبولة مجتمعياً للمرأة سابقاً أصبحت غير مقبولة مع الزمن، فيتأثر هذا التنميط بثقافة البلد وأنظمته الاقتصادية والسياسية والعادات الاجتماعية والممارسات الدينية كما أن الكوارث والصراعات تؤثر على هذا التنميط وكدليل قريب نجد أن المرأة السورية بعد عام 2011 أصبحت تشاهد في أعمال لم تكن تشاهد فيها سابقاً.

عانت دعاء في البداية من تحفظات العائلة على طبيعة عملها الذي يتطلب الاختلاط المستمر وصعوبة التوفيق بين تجنب الاختلاط ورضا العميل وحاولت تجاوز ذلك بتقديم الكثير من التطمينات قبل البدء بالعمل والتأكيد على أنهم سيكونون المرجع الأول لها في كل خطوة.

توضح نسرين إنه بعيداً عن تنميط المهنة بحد ذاتها تتنمط بعض المهن جندرياً على أساس ظروف العمل كالمهن التي تتطلب اختلاطاً ومع وجود نساء لا يملكن حرية اتخاذ القرار تحرم بعض النساء من ممارسة العمل الذي يردنه بسبب ذلك.

مهنة غير نمطية تتوافق مع الأعراف والدين

لا يعني كسر التنميط الجندري للمهن دائماً تعارضه مع الأحكام الدينية والأعراف الاجتماعية المحافظة فعلى العكس تقول لمى التي تعمل كسائقة لتوصيل الطلاب من وإلى مدارسهم إنها تتلقى ردود فعل إيجابية من عملائها وخاصة من أمهات الطلاب الملتزمات دينياً والمحافظات اللاتي يحددن الميزة الأساسية لخدمتها إنها "امرأة" ما يمكنهن من التواصل معها بأريحية دون الاضطرار على الاختلاط مع السائقين من الرجال كما روت لمى لموقع تلفزيون سوريا..

على الرغم من دراستها لقسم الشريعة في جامعة دمشق لم تعمل لمى(37 عاماً) في تخصصها فقد تزوجت وهي في سنتها الدراسية الأخيرة واستقبلت طفلتها الأولى فور التخرج وانغمست في واجبات الرعاية والمنزل ما منعها من التفكير في العمل بعد التخرج على حد قولها، ومع توالي الحمل والإنجاب وتزايد واجبات الرعاية والتنقل من بلد لآخر تلاشت فكرة العمل لدى لمى نهائياً.

تقول نسرين بأن أحد أهم أسباب التنميط المهني الجندري هو تنميط الواجبات الاجتماعية فكون واجبات المرأة تنمط بمهام الرعاية والإنجاب ينظر للمرأة على أنها مناسبة للعمل بمهن الرعاية والتمريض والتدريس ومهن أخرى.

عمل بالمصادفة من دون تخطيط

في نهاية رحلات التنقل بين البلدان استقرت لمى  في تركيا التي خلقت لها فرصة جعلتها تعيد حساباتها، فبدأت فكرة عملها عندما بدأت لمى توصل أطفالها إلى مدرسة الحي لتتوافد عليها الطلبات من الجيران لاصطحاب أطفالهم معها إلى المدرسة ثم خرج عملها عن نطاق مدرسة أطفالها وغطت خدماتها مدارس مجاورة وتقوم لمى بتقليص أو توسيع العمل وفقاً لظروفها وأوقات فراغها.

ت
لمى تقود سيارتها  في جولتها اليومية لتوصيل أطفال المدارس

تتلقى لمى الدعم والتشجيع من محيطها العائلي وخاصة زوجها وتستقبل ردود فعل إيجابية من عملائها مع ذلك تفضل لمى عدم الإفصاح عن عملها لأقربائها البعيدين والمقيمين في سوريا خوفاً من الانتقادات أو ردود الفعل السلبية.

وعن ردود الفعل السلبية تشير دعاء إلى أنها عانت في بداية عملها  صعوبات مع الوافدين إلى المطعم مثل استغرابهم لطبيعة عملها، ونظرة البعض لها على أنها فتاة متحررة يمكن الحديث معها من دون ضوابط .

 تقول نسرين إن من أبرز التحديات التي تواجهها النساء اللواتي يكسرن القوالب الجندرية المهنية "هي الوصمة المجتمعية" التي تطول أحياناً أطفالهن أو عائلاتهن كتجريدهن من الأخلاق أو تشبيههن بالرجال أوتجريدهن من الأنوثة أحياناً وتضيف نسرين حتى عندما تصل المرأة إلى مراكز صناعة القرار في مجتمعاتنا تنسب قدرتها على الوصول لهذه المواقع لتنازلات أخلاقية قامت بها ويشار إليها على أنه تم استغلالها واستخدامها من قبل الرجال للوصول إلى هذه المناصب وفي نفس الوقت تجد بعض النساء حلقات دعم تسهل عليهن كسر هذا التنميط.

وتجنباً للدخول في هذه "الدوامة" والتعرض للوصمة  يفضل محمد الرجل الثلاثيني المقيم في إسطنبول أن لا تعمل زوجته في مهن تلفت أنظار المجتمع إليها وتعرضها للمضايقات لذلك يقول محمد في حديثه لتلفزيون سوريا إنه يعارض عمل زوجته إذا كان هذا العمل غير مقبول اجتماعياً حفاظاً عليها من هذا المجتمع.

دعم وتشجيع على ممارسات غير مألوفة

لا تعمم ردود الفعل على كسر التنميط الجندري للمهن فغادة عابو أو أم صبحي كما عرفت في أوساط السوريين وعلى منصات التواصل الاجتماعي على الرغم من عملها التقليدي للنساء في صناعة الطعام المنزلي خرجت عن المألوف في مسار العمل وآليته فتقوم المرأة والجدة الخمسينية بتوصيل الطلبات على دراجتها النارية في مشهد لفت نظر الشارع ووسائل الإعلام المحلية التي غطت قصتها في عدة تقارير.

وعن ردود فعل الشارع تقول أم صبحي في حديث سابق لتلفزيون سوريا إنها رغم خروجها عن المألوف إلا أنها تلقى ردود فعل إيجابية وتشجيع كبير من الناس السوريين منهم والأتراك.  

تلفت نسرين إنه لا يوجد أعمال للنساء وأعمال للرجال فهذا أمر بني اجتماعياً ويمكن تغييره وتسهيلاً لهذا التغيير تشدد نسرين على أهمية وجود حلقات دعم  للمرأة، كما تنصح نسرين السيدات المقبلات على تحديات مماثلة أن تتثقفن بحقوقهن القانونية وآلية التبليغ عند التعرض لأي نوع من أنواع الاستغلال أو الإساءة أو التعنيف وتختم نسرين "لا تقتصر صعوبات التنميط المهني على النساء فقط فهناك الكثير من الرجال الراغبين بالعمل بمجالات مصنفة على أنها النساء ويتم وصمهم اجتماعياً إذا عملوا بها"

ويرى رجل الأعمال والباحث في إدارة الأعمال والسلوك المؤسساتي مهند أبو محفوظ أن الأنجح في المهنة هو الشخص الذي يحمل المواصفات والخصائص والمهارات المناسبة لهذه المهنة وليس الحكم في ذلك  لجنس الموظف.  ويضيف أبو محفوظ في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن التمييز الممارس على أساس الجنس في بعض القطاعات لا يمكن إنكاره خاصة في الوظائف التي تحتاج جهد أو في الوظائف الإدارية العليا التي أيضاً تم تنميطها وحصرها في الرجال غالباً لكن  الحساسية الجندرية بدأت تطبق في كثير من المؤسسات مع ذلك مازال هناك فجوة كبيرة بين بلداننا العربية والدول الغربية في معالجة هذا الموضوع.

عدم التمييز هو مبدأ تنصّ عليه جميع المعاهدات الأساسية والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتركز عليه الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. كما تحدد الأمم المتحدة المساواة بين الجنسين والحد من أوجه عدم المساواة بكل أوجهه كهدفين أساسيين ضمن أهداف التنمية المستدامة، وعن حرية اتخاذ القرار في العمل تنص المادة 23 من حقوق الإنسان إلى أن "لكلِّ شخص الحق في العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية".

يخلق كسر التنميط  الجندري للمهن حالة جدلية في المجتمعات قد يتكفل الزمان أو المكان بإلغائها وتقبل التغيير الذي تحاول صنعه بعض النساء.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR" صحفيون من أجل حقوق الإنسان.