icon
التغطية الحية

روسيا تدعي تغيير أهدافها من غزو أوكرانيا.. ما هي خياراتها؟

2022.03.30 | 19:23 دمشق

rwsya666.jpg
دبابة روسية مدمرة في أوكرانيا ـ رويترز
إيكونوميست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في السادس والعشرين من شباط، أي بعد فترة قصيرة من الغزو الروسي لأوكرانيا، نشرت RIA نوفوستي، وهي وكالة أنباء تابعة للحكومة الروسية، مقالة كان يجب أن تنشر في غضون يومين مما اعتقد الكرملين بأنها حرب سريعة وسهلة، حيث تباهى من كتب هذا المقال بالقول: "عادت أوكرانيا إلى روسيا، فهل كان أحد ممن يوجدون في العواصم الأوروبية القديمة في باريس وبرلين، يظن بأن روسيا يمكن أن تتخلى عن كييف جدياً؟" ولكن بعد مرور شهر على تلك الحملة الفاشلة، قد تفعل روسيا هذا الشيء بالتحديد.

في الخامس والعشرين من آذار، عقدت وزارة الدفاع الروسية اجتماعاً إعلامياً، ضم جنرالات ثلاثة بينهم الجنرال ميخائيل ميزينتزيف الذي يوصف بـ"ملتهم الموت" الموجود في كتب هاري بوتر، وذلك كما شبهه وزير الدفاع البريطاني بين والاس، حيث أعلن هؤلاء الجنرالات بأن الحرب حققت نجاحاً كاسحاً، كما ذكروا بأن: "المهام الأساسية لساحة العملية الأولى قد أنجزت" بالرغم من ظهور كثير من الأدلة التي تثبت العكس، إلا أنهم أكدوا بأن كييف لا تعتبر هدفاً بالنسبة لهم، ولهذا تعرضت تلك المدينة للهجوم فقط لمنع أوكرانيا من تحصين منطقة الدونباس الواقعة شرقي البلاد. فقد غزت روسيا إقليم الدونباس للمرة الأولى في عام 2014، فشكلت بذلك دولتين أطلقت كل منهما على نفسها وصف: "جمهورية شعبية" ثم اعترفت روسيا باستقلالهما في 21 شباط من هذا العام، وهذا ما دفع أحد هؤلاء الجنرالات للقول: "هدفنا الأساسي هو تحرير الدونباس" وفي 29 من آذار، عندما التقى الوفدان التفاوضيان الروسي والأوكراني في تركيا، أعلن نائب وزير الدفاع الروسي بأن قوات بلاده "ستحد بشكل كبير" من العمليات العسكرية في محيط كييف وتشيرنيهيف، وهي مدينة أخرى تقع شمالي البلاد.

بوتين وعشقه للدونباس

إنه لهراء القول بإن روسيا لا تكترث البتة بإقليم الدونباس، فقد ذكر مسؤولون غربيون اطلعوا على الخطط الحربية الروسية قبل أشهر من بدء الغزو بأن هدف روسيا هو الاستيلاء على كييف واحتلال معظم أجزاء البلاد. لذا وبمجرد أن شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه، شرع يعد شعبه بالقول: "سنسعى لتجريد أوكرانيا من السلاح وتنظيفها من النازيين"، وتشهد الأفعال التي قامت بها قواته خلال الأيام الأولى من الحرب، والتي شملت تلك المساعي الخرقاء للسيطرة على مطار هوستوميل خارج كييف على ذلك (فقد وقع ذلك المطار بيد الروس وخرج من تحت سيطرتهم مرات عديدة منذ ذلك الحين). في حين زعم رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي بأن قواته عثرت على بزات رسمية مخصصة للاحتفالات ضمن الدفعة الأولى من الدبابات الروسية التي تم الاستيلاء عليها، ما يشير إلى أن الكرملين كان يخطط لإقامة عرض عسكري بمناسبة الانتصار.

وهكذا أصبحت روسيا تدور حول نفسها بشكل كبير نظراً للفشل الذي منيت به المرحلة الأولى للحرب، كما تم تجميد حركة الكماشة المحيطة بالعاصمة كييف من الشمال الغربي والشمال الشرقي عند مواجهة المقاومة الأوكرانية الصامدة، والتي عطلت خطوط الإمداد وتسببت بإحداث نقص في تعداد الجنود.

أي أن روسيا فشلت في تطويق العاصمة، فكيف بشن هجوم عليها؟! كما أنها لم تسيطر على أي مدينة كبرى باستثناء خيرسون، وحتى هناك تبدو سيطرتها متقلقلة وهشة يوماً بعد يوم، ولذلك ذكر أحد المسؤولين في حلف شمال الأطلسي بأن هذا التحالف يتوقع بأن عدد الجنود الروس الذين قضوا في الحرب حتى الآن يتراوح ما بين سبعة آلاف و15 ألفاً، وهي نسبة تفوق أي عدد للقتلى في أي عملية عسكرية روسية منذ الحملات الدموية التي جرت خلال الحرب العالمية الثانية، بوجود خسائر تقدر بنحو 40 ألفا، (ما بين قتيل وأسير وجريح ومفقود).

يعتقد بعض المسؤولين بأن التصريح الروسي حول بدء مرحلة جديدة في الحرب قد يكون مجرد حيلة، الغرض منها إبعاد المدافعين الأوكرانيين عن العاصمة، إذ حذرت سابين فيشر من مركز أبحاث SWP في برلين من ذلك بقولها: "لا أعتقد بأن بوتين قد ودع فكرة تغيير النظام في كييف إلى غير رجعة"، إذ بقيت أصوات الانفجارات تسمع حول كييف في 27 من آذار، وفي ساعة مبكرة من صباح يوم 28 من آذار، أعلنت استخبارات الدفاع البريطانية عن عدم حدوث أي تغيير "كبير" بالنسبة لتنظيم القوات الروسية ضمن الأراضي المحتلة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. في حين أشار مسؤول غربي إلى أن روسيا "ماتزال تمثل خطراً كبيراً على كييف وذلك من خلال إمكانياتها القادرة على ضربها"، ومع ذلك، ثمة أدلة تثبت بأن الاستراتيجية الروسية بدأت تتغير على الأرض.

يقول كونراد موزيكا من مركز روتشان الاستشاري الذي يتعقب تلك الحرب ويتابعها بإنه تم سحب "القطعات التي تعرضت لأشد الضربات" وإعادتها إلى روسيا لحين تعافيها، في حين أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية عدم وجود أي جنود روس في مطار هوستوميل مثلاً، وذلك لأن القوات الروسية تقوم بعمليات الحفر خارج كييف وتقيم لنفسها مواقع دفاعية، بحسب ما ذكره مسؤول دفاع أميركي في 25 من آذار الجاري، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الجهود الساعية لدخول العاصمة قد تم تجميدها. إذ في 28 من آذار، زعمت القوات المسلحة الأوكرانية بأن روسيا تقوم بتفجير العديد من الجسور، بينها ذلك الجسر المقام على نهر سنوف من الجهة الشمالية الشرقية لمدينة تشيرنيهيف.

وفي الوقت ذاته، أعطت روسيا الأولوية لعملياتها العسكرية في الدونباس، فاحتدم القتال هناك خلال الأسبوع الماضي. ثم خرج مسؤول غربي ليخبرنا بأن قوات من جورجيا وكالينينغراد، إلى جانب مقاتلين من مجموعة فاغنر، وهي عبارة عن شبكة تضم شركات للمرتزقة، قد تم نشرها في تلك المنطقة. وقد حاولت القوات الروسية أن تتجه جنوب مدينة إيزيوم التي تبعد 125 كم عن جنوب شرقي خاركيف، وفي الوقت ذاته، تقدمت تلك القوات شمالاً نحو زابوريجيا، بهدف تطويق ما يسميه الأوكرانيون عملية القوات المشتركة، ويقصد بذلك الجنود الذين يقاتلون حول إقليم الدونباس، وذلك بغية منعهم من الانسحاب غرباً عبر نهر دينيبر.

ماريوبول والأمور المتعلقة بها

ولكن ليس ثمة ما يضمن للروس تحقيق ذلك، وذلك لأن خطوط الإمداد الروسية ستصبح أطول في هذه الحالة، كما أن التقدم جنوبي خاركيف وإيزيوم أصبح بطيئاً وطاحناً، إذ ماتزال القوات الأوكرانية تصعد هجماتها المضادة حول خاركيف وإيزيوم، وفي أماكن أخرى أيضاً. لذا فإن أبعد نقطة يمكن للتقدم الروسي أن يصلها في الشمال هي هوليايبول في الوقت الراهن، وهذا ما يفسح المجال بعض الشيء للمضي إلى هناك. ولكن إن نجحت المناورة وفعلت فعلها، فسيكون ذلك بمنزلة ضربة لزيلينسكي، إذ يقول بين باري من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "تعتمد كثير من الأمور على صمود ماريوبول أو سقوطها"، وذلك لأن تلك المدينة محاصرة، ولا بد أن ينفد ما لديها من ذخيرة ومؤن في نهاية المطاف، الأمر الذي سيطلق يد القوات الروسية بما يتيح لها التوغل شمالاً.

جائزة ترضية أم ورقة للمساومة؟

قد تعتبر روسيا انتصارها في الدونباس بمنزلة جائزة ترضية بعد فشلها في تغيير النظام في كييف، كما قد تجد في تلك الاستراتيجية مخرجاً بالنسبة لها، وذلك لأن وكلاء روسيا كانوا يسيطرون على ثلث إقليم الدونباس فقط قبل هذه الحرب، أما بقية المنطقة التي تشتمل على مدينة ماريوبول الساحلية المحاصرة، فقد تحرم، في حال خسارتها، أوكرانيا من الشريط الساحلي الممتد على بحر آزوف. وبما أن ماريوبول موطن كتيبة آزوف، لذا فإن إخضاع هذه المجموعة الرديفة للقوات المسلحة الأوكرانية والتي تتباهى بشارات SS العسكرية، لا بد وأن يخدم رواية الكرملين حول "تنظيف البلاد من النازية". ولكن روسيا قد تبقى على حلمها وأملها بالحفاظ على هذا الجسر البري الذي يصل إلى القرم، والذي يمر عبر ماريوبول ويمتد غرباً ليصل إلى الدونباس.

لم يتضح تماماً ما الذي تريد روسيا أن تفعله بكل تلك الأراضي، إلا أن إحدى الخيارات تدور حول إمكانية استخدام تلك الأراضي كورقة للمساومة وذلك لضمان تحصيل تنازلات أكبر من قبل زيلينسكي، مثل فرض قيود على السياسة الخارجية لأوكرانيا وعلى القوات المسلحة. ولكن بما أن روسيا اعترفت باستقلال هاتين الجمهوريتين المصطنعتين، لذا فإن "أوكرانيا لم تعد بحاجة لتلك الأراضي" وفقاً لما ورد على لسان الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف في 21 شباط، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إلا أن ذلك قد يحمل مصاعب جمة.

كوريتان: شمالية وجنوبية.. في أوكرانيا!

ثمة خيار آخر، وهو ضم تلك الأراضي لروسيا، بالرغم من عدم وجود رغبة بين أوساط الكرملين لحكم تلك الأراضي ولإعادة بنائها. أما الخيار الثالث فيتمثل بخلق نزاع مجمد آخر كذلك الموجود في ترانسنيستريا ومولدوفا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وجورجيا وأماكن أخرى أقامت فيها روسيا ثكنات لجنودها منذ سنين، وهذا لا بد وأن يخلق دولاً وهمية زائفة تابعة لروسيا التي تمارس عليها نفوذها وتأثيرها، الأمر  الذي دفع كيريلو بودانوف، وهو رئيس الاستخبارات العسكرية بأوكرانيا للقول بإن هدف روسيا هو "خلق كوريا شمالية وجنوبية في أوكرانيا".

بصرف النظر عن الطريقة التي ستنتهي بها تلك اللعبة، تعتبر أي استراتيجية عسكرية تركز على الدونباس بمنزلة عرض خاسر، وذلك لأن انتزاع أجزاء من أوكرانيا (وقبلها جورجيا، ومن قبلهما مولدوفا) واستخدام تلك الأراضي كورقة للضغط يمكن أن يتم بكلفة عسكرية واقتصادية كان بوسع روسيا أن تتحملها في عام 2014، أما القيام بذلك الآن فيعتبر مسألة مختلفة. إذ في مقابلة مع زيلينسكي أجرتها معه مجلة إيكونوميست في كييف في 25 من آذار الجاري، أشار هذا الرجل إلى انفتاحه أمام التسويات الإقليمية، وذلك عندما قال: "أرضنا مهمة، أجل، ولكنها مجرد أرض في نهاية المطاف"، وبعد يومين على ذلك، أعلن زيلينسكي أمام الصحفيين الروس بأنه أدرك: "بأنه يستحيل إخراج روسيا تماماً من إقليم الدونباس، لأن ذلك سيؤدي لوقوع حرب عالمية ثالثة"، ولكن بالرغم من شعبية زيلينسكي الكاسحة، إلا أنه لن يقدر على إقناع أبناء بلده بالتنازل عن أراض أكثر من تلك التي خسروها في الهجوم الروسي الذي وقع ما بين عامي 2014-2015.

أي أن احتلال روسيا لإقليم الدونباس بكامله سيحمل معه كلفة باهظة، وذلك لأن القوات المسلحة الأوكرانية التي تسلحت بالثقة وبالأسلحة الغربية، قد توسع من هجماتها المضادة، كما يأمل بعض الجنود الأوكرانيين بإبعاد روسيا عن كامل الأراضي الأوكرانية. ومن غير المرجح أن تقوم الدول الغربية، التي قواها صمود أوكرانيا، وفوجئت بتضامن الشعب الأوكراني وحذره من تشكيل سابقة أمام معتدين آخرين، برفع العقوبات عن روسيا في حال تمسك الأخيرة بغنائمها الجديدة التي كسبتها في هذه الحرب، وهذه العقوبات تعتبر خانقة بالنسبة لروسيا، إذ توقعت وكالة S&P المتخصصة بالتصنيفات والنسب أن الناتج المحلي الإجمالي في روسيا سيتقلص بنسبة 22% خلال هذا العام، ما سيعيدها 15 عاماً للوراء.

بيد أن المفارقة هنا تكمن في أن بوتين لو حصر هذه الحرب بإقليم الدونباس منذ البداية، لكان قد أحدث انقساماً في الغرب وحمى نفسه من تلك الإجراءات العقابية، ولكن الآن أصبح الكرملين في مواجهة خيار لا مفر منه، وهو إما السيطرة على ماريوبول، أو الاهتمام باقتصاد روسيا.

المصدر: إيكونوميست