حين همس ابن زايد بأذن ابن سلمان

2020.08.27 | 01:06 دمشق

20181122_2_33561547_39252745.jpg
+A
حجم الخط
-A

يقولون فيمن يضلون عن أهدافهم وغاياتهم الفكرية والسياسية: انحرفت بوصلتهم! والبوصلة كما يعلم الجميع تتجه إلى الشمال المغناطيسي، ويستعين بها الرحالة والبحارة وغيرهم لمعرفة الاتجاهات، ولكن ماذا سيفعل هؤلاء إذا ما انقلبت الأقطاب المغناطيسية لكوكب الأرض؟

لا يعرف العلماء بشكل دقيق ما الذي سيحدث للبشر عموماً إذا ما حدث ذلك!

غير أنه بالتأكيد، وبشكل منطقي سيتبدل اتجاه البوصلة، كلما تبدل موقع المغناطيسية الأرضية! وبالتالي لن تعود عبارة بلاغية مثل "انحرفت البوصلة" ذات قيمة لدى مستخدميها، الذي يعبرون بها عن فئة أخرى من البشر، تغادر مسارها إلى مسار مختلف!

حكماً سيجد العلماء طريقة علمية مختلفة للاستدلال إلى الاتجاهات الرئيسية في حركة البشر والكواكب والعناصر الطبيعية كافة، ولكن كيف سنستدل على الاتجاهات الرئيسية في المواقف السياسية التي حكمتنا نحن السوريين منذ بداية الثورة عام 2011 وحتى الآن؟ بعد أن انقلبت أحوال السيطرة على الأرض، وتباينت مواقع القوى السياسية، وتهاوت قوى عسكرية وارتفعت أخرى، بتأثير تبدل مغناطيسية المواقف والتوجهات لدى من جعلوا أنفسهم مرتكزاً وداعماً للثائرين؟

لقد ظهر وخلال عقد كامل من الحراك السياسي والعسكري على الأرض، أن الثابت الوحيد هو دعم حلفاء النظام له، إن كان بالمال أو بالسلاح أو بالقوى البشرية من مستشارين ومرتزقة. فضلاً عن الدعم السياسي العلني، غير المحدود، في المحافل الدولية، وفي أعلى العتبات السياسية الأممية، فما حظي به النظام من استخدام لحق الفيتو من روسيا والصين، لا يماثله سوى عدد استخدام الولايات المتحدة للحق ذاته في خدمة وحماية سياسة إسرائيل العدوانية في المنطقة!

لقد كانت بوصلة الدعم للنظام من قبل حلفائه ثابتة لا تنحرف، بينما لم يكن ثمة وضوح بالاتجاهات لدى "حلفاء" الثورة السورية، ولدى المجموعة التي سُميت بـ(أصدقاء الشعب السوري)!

ويوماً بعد يوم، يتكشف مشهد الخفاء المحيط بواقع السوريين في هذا العقد الدامي الذي عاشوه ناراً وموتاً ودماراً ونزوحاً ولجوءاً، وجرائم متفردة لم يمر مثلها على أي من شعوب الأرض! يتكشف عن خداع كبير، ومؤامرات خسيسة، دبرت للسوريين الثائرين، خلف ظهورهم، أي في الجهة التي افترضوا أن عليهم الثقة بها، والإيمان بأن أحداً فيها لن يقوم بطعنهم من الخلف!

لقد كانت بوصلة الدعم للنظام من قبل حلفائه ثابتة لا تنحرف، بينما لم يكن ثمة وضوح بالاتجاهات لدى "حلفاء" الثورة السورية

ولعل آخر ما كشفه تبدل اختلاط الوقائع وتبدل المواقف السياسية، حيال سوريا، تقرير نشرته صحيفة الغارديان قبل أكثر من أسبوع يوضح أن ولي عهد الإمارات محمد بن زايد أقنع محمد بن سلمان بتشجيع موسكو على التدخل العسكري في سوريا، بحجة أن البديل عن بشار الأسد إذا سقط نظامه سيكون تنظيم (الإخوان المسلمون)، غير المقبولين خليجياً!

سياق التدخل الروسي في سوريا، لا يوحي بأن المسألة ارتبطت بموقف ابن سلمان، أو ابن زايد، فالقصة وبالنظر إلى مشهد الصراعات الدولية أكبر منهما، لكننا نتذكر أنه في الطريق إلى وصول روسيا موقع التحكم الكامل بالواقع العسكري على الأرض في سوريا، تحولت موسكو إلى محج للقادة الخليجيين الذين تباروا في أنواع الهدايا التي يقدمونها للقيصر الروسي.

وكختام لمطاف المواقف الخليجية والعربية المتذبذبة من احتمال سقوط نظام الأسد، وعدم دعم المعارضة السياسية ذات الطبيعة المدنية الديمقراطية، وترك القنوات مفتوحة للقوى السياسية العسكرية المتطرفة!

جاء تغير سياسة السعودية من سقوط بشار الأسد، ودعمها للتدخل الروسي، بمثابة قبلة الحياة للنظام وفقاً لتعبير الغارديان، الذي لم يوفر مع حليفيه الإيراني والروسي أي فرصة في تغيير مسار الصراع العسكري، والمضي قدماً في تهجير الثائرين من قراهم ومدنهم، بعد تطبيق سياسة الأرض المحروقة عليها!

هنا لن يوفر قارئ ما الفرصة ليهاجم واقع اعتماد القوى الثائرة سياسية كانت أو عسكرية على أطراف خارجية داعمة، وهذا التوجه صحيح نسبياً!

إذ لا يمكن أن ينتصر المرء في قضية وطنية كالثورة السورية، وقد وضع كل أدواته تحت سيطرة الداعمين!

ولكن هل كان الصراع بين السوريين وبين النظام الأسدي ومنذ البداية صراعاً داخلياً بأدوات محلية؟

بالتأكيد، لا، وهذا الأمر لم يحتج وقتاً طويلاً لكي يكتشفه السوريون وغير السوريين، فمنذ البداية كان ثمة غرفة عمليات سورية إيرانية تتحكم بما يجري ولا سيما قيادة الحراك السلمي عبر القمع والإرهاب ليتحول إلى حراك مسلح يسهل التعامل معه! وتدخل حزب الله بالصراع العسكري لم يكن مخفياً، رغم أنه ظهر علنياً في اجتياح القصير في ربيع 2013، وبالتأكيد سيجر تدخل أي طرف إقليمي تدخل أطراف أخرى، تدعم جهة من جهات المتصارعين الذين لم يعودوا مجرد طرفين فقط!

هي ذي معادلة الحروب الداخلية دائماً، وممارسة الطهارة الثورية والثقة بالبوصلة والاعتماد عليها في واقع مستنقعي كالذي عاشه السوريون خلال السنوات الماضية لن يكون سوى انتحار، يحصل المنتحر بعده على وسام جميل، ولكن لن يُخصص له المشيعون بعدها قبراً واسعاً مريحاً، بل مجرد مساحة تكفي لإهالة التراب على جسده ليصبح بعدها نسياً منسيا!

ربما كان على السوريين أن يكونوا أكثر حصافة ووعياً في تأمل طريقة حلفائهم في معرفة الاتجاهات!

فليس ما يقود هؤلاء دائماً في الذهاب إلى أهدافهم هو البوصلة!