icon
التغطية الحية

"حياتنا متل الصبارة".. غلاء الأسعار يحرم السوريين من فاكهة الصيف المفضلة في دمشق

2023.08.14 | 14:59 دمشق

الصبارة في سوريا
الصبارة في سوريا
دمشق - سارة هاشم
+A
حجم الخط
-A

لعقود طويلة كانت بسطات الصبارة من معالم دمشق في فصل الصيف، منتشرة في الشوارع والأزقة ينادي عليها الباعة لكسر الحر، خصوصاً في شهري تموز وآب اللاهبين.

قد لا يعرف أبناء دمشق أن الاسم الآخر للصبارة هو "التين الشوكي" أو فاكهة "الصبر" لاستطاعتها النمو في تربة جافة وتتحمل نقص الماء ودرجات حرارة مرتفعة أقرب للأجواء الصحراوية.

حياة السوريين مثل الصبارة

ويعيش السوريون في مناطق سيطرة النظام السوري، حياة قريبة من حياة "الصبارة" في تربتها القاحلة، حيث يفتقدون كل الأساسيات لنمو أبنائهم في بيئة صالحة للحياة مع نقص في كل شيء تقريباً، ومع ذلك يكافحون للبقاء إلى الرمق الأخير.

كانت الصبارة أكلة يستطيع الجميع شراءها، إلا أنها حالياً تجمع ما تبقى من أغنياء على بسطات الفقراء الذين يكافحون بكل جهدهم من أجل تحصيل رمق عيش أبنائهم.

وقال عبد الله أبو الدهب، إن حبة الصبارة في دمشق وصلت إلى 2500 ليرة للحبة الكبيرة الممتازة، و2000 للمتوسطة و1500 ليرة للصغيرة، وطبعاً هذه أسعار الصبارة المقشرة الباردة.

وأضاف أبو الدهب في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، أن "موسم الصبارة هذا العام ضعيف جداً مع ارتفاع الأسعار إلى أعلى المستويات، يعني الناس مو قدرتها تدفع حق صحن الصبارة 25 ألف ليرة يا دوب فيه 10 حبات".

ولفت إلى أن أماكن بيع الصبارة كانت معروفة لسنوات طويلة في دمشق، وأشهرها أكشاك ساحة أبو رمانة، وساحة الروضة، والمرجة والشعلان والصالحية والشيخ سعد وأتوستراد المتحلق الجنوبي وغيرها.

طبعاً في الوقت الحالي تنتشر بسطات الصبارة في العديد من الساحات والشوارع في دمشق، بسبب وجود كثير من السكان الجدد الذين نزحوا من المحافظات الأخرى إلى العاصمة، والذين يعملون بأي شيء وبكل شيء لتأمين حياة أطفالهم.

صحن الصبارة بـ 60 ألف ليرة

وبيّن أبو الدهب أن "سعر صحن الصبارة في أحياء المالكي وأبو رمانة وكفرسوسة قد يصل لـ 60 ألف ليرة سورية (أكثر من نصف متوسط راتب موظف حكومي)، خصوصاً أن الباعة يضطرون لرشوة الشرطة وقوات الفروع الأمنية للوقوف في شوارع دمشق وساحاتها بدون أجرة المحافظة".

ومن بعد صلاة المغرب وحتى منتصف الليل تعد هذه الفترة هي ساعات الذروة بالنسبة لبيع الصبارة، إذ يخرج الناس من بيوتهم هرباً من ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء إلى أي مكان مفتوح يخفف عنهم "لهيب الصيف" الذي ازداد هذا العام مع موجات الحرارة التي تزور سوريا بشكل عام.

ويزين كثيرٌ من باعة الصبارة سياراتهم وعرباتهم وبسطاتهم بالإضاءة الملونة والورود والأزهار ويرشون المياه لجذب الزبائن، مع وضع الثلج على حبات الصبارة لإشعارهم بأنها باردة ومقشرة جاهزة للأكل في حمى الصيف.

وعلى مدار عقود كانت الصبارة هي الفاكهة المفضلة لدى السوريين وحتى السياح الذين يزورون دمشق، إلا أن مزارع المزة وكفرسوسة التي حصدت قوات النظام السوري جزءاً كبيراً منها، جعل الحصول على الصبارة الجيدة يحتاج إلى جهدٍ أكبر.

وكانت بساتين المزة وكفرسوسة وأجزاء من نهر عيشة من أبرز مزارع الصبارة التاريخية في العاصمة السورية دمشق، إلا أن انتقال المعارك إلى العاصمة دمشق واختباء مقاتلي الجيش الحر عام 2011 - 2012 فيها، دفع النظام لقصفها ثم اقتلاع قسم كبير منها بالجرافات.

ارتفاع الأسعار

وحالياً يقوم باعة الصبارة بشرائها من مدن وقرى ريف دمشق أو من سوق الهال، وتنتشر زراعتها بشكل كبير حالياً في مزارع قطنا وعرطوز والكسوة وبيت سحم وأجزاء من التل وقدسيا والهامة.

ويقوم البائع بشراء كميات كبيرة من إحدى المزارع وتخزينها أو بيعها لنقاط بيع أخرى بدمشق بسعر أعلى، الأمر الذي انعكس على أسعارها بالسوق.

وقال أبو الدهب، إن عدم وجود برادات مع انقطاع الكهرباء جعل شراء كميات كبيرة مخاطرة، لذلك يلجأ كثير من الباعة للحصول على رخصة بسطة ووضع عامل عليها، أو بيعها في سوق الهال بسعر أقل مع ترك أكبر كمية ممكنة في نقاط البيع.

وأشار إلى أن البيع بالمفرق هو الذي يحقق الربح رغم مشاقه وصعوبته، لكن هذه المهنة متوارثة أباً عن جد، لذلك لا يمكن ألا نعمل بها بالموسم.

ومع ارتفاع كل شيء في سوريا، يبقى زيادة سعر الصبارة هو الطبيعي بالنسبة لأبي الدهب، خصوصاً مع رسوم التشغيل (أجرة البسطة) للبلدية والإتاوت التي يضطرون لدفعها.

صحن الصبارة بنصف راتب موظف

وقالت ابتسام حسامي، إن الصبارة هي أكلتها الصيفية المفضلة، وتحب الأصناف جميعها التي يبيعها أبو الدهب، الصفراء والحمراء والخضراء، كل وحدة لها نكهتها وزكاوتها.

وأضافت حسامي لموقع "تلفزيون سوريا" أن السعر الحالي مرتفع، ولكن أرخص من البوظة والحلويات المصنعة على الأقل هي طبيعية، يعني 3 أو أربع حبات بسعر صحن نابلسية.

من جانبه قال أحد المارة بقرب بسطة الصبارة، إن "صحن الصبارة اليوم بنصف راتب موظف حكومي، وربما هي فرصة للحديث عن أن الـ 100 ألف ليرة بلا قيمة اليوم، يعني وقت يكون سعر الفروج المشوي متل سعر صحن صبارة، معناته في مشكلة حقيقية".

وأردف لموقع "تلفزيون سوريا"، "مثلي مثل أي سوري، بحب الصبارة وبتمنى لو بقدر اشتريها إلي ولولادي ولكن حالياً يا دوب نأمن الخبز والأكل، إنو تعيش بسوريا هو لحاله صبارة وصبر".

وأشار إلى أن "بسطات الصبارة كانت دائماً ممتلئة في الليل لأنها كانت رخيصة ويمكن لأي أحد شراؤها، اليوم فعلياً لا أحد يشتري انظري إلى البسطات كيف ما بتنفق كل بضاعتها".

وتساعد الصبارة (التين الشوكي) في تحسين صحة الجهاز الهضمي لاحتوائها على الألياف، وكذلك تحسن صحة القلب لاحتوائها على مواد تقلل من الكوليسترول، وتعمل أيضاً على تحسين صحة الجهاز المناعي، ولا تعد من الفواكه النادرة أو المرتفعة الثمن بشكل عام.

طبيعية تماماً

وفي إطار ذلك قال أبو أحمد أحد مالكي مزارع الصبارة بريف دمشق، إن الصبارة لا تتأثر بارتفاع درجات الحرارة أو الجفاف فهي تخزن الماء من مياه الأمطار، وهي بالأساس نبات شوكي يفضل هذه التربة والأجواء.

وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا" أن العمل بهذه الفاكهة مُضنٍ ومتعب، خصوصاً أشواكها الحادة التي تدخل تحت الجلد ويصعب إخراجها.

ولفت إلى أننا لا نقطف كامل الكمية بسبب انقطاع الكهرباء وعدم وجود برادات تساعد على حفظها بعد القطف خصوصاً التي نضجت منها.

وأكّد أن هذه الفاكهة مفضلة لدى السوريين بشكل عام، فهي لا يدخل فيها أي مبيدات حشرية أو أدوية كيماوية أو هرمونات، حتى إننا بالغالب لا نسقيها إن كان مطرُ السنة جيداً، فهي غنية بالفوائد للجسم.

وأشار إلى أن بعض مصانع الأدوية تشتري منه ورق الصبارة، مؤكداً أن كثيراً من مستحضرات التجميل والشامبو ذات النوعيات الجيدة تعتمد في أساسها على أوراق الصبار.