icon
التغطية الحية

حواجز على سكة الدبلوماسية.. ما الذي يعرقل قطار التطبيع بين تركيا والنظام السوري؟

2024.02.05 | 19:45 دمشق

ما الذي يعرقل قطار التطبيع بين تركيا والنظام السوري؟ - إنترنت
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبشار الأسد - إنترنت
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

لم تجر رياح التطبيع مع تركيا بما تشتهي سفينة النظام السوري وحليفتيه روسيا وإيران، فبعد أكثر من عام ونصف على بدء مسار إعادة العلاقات بين الجانبين، لم يحدث اختراق يُذكر في هذا الجانب، كما أن مختلف المؤشرات الدبلوماسية والميدانية تؤكد أن حدوث التطبيع على أعلى المستويات ما زال بعيد المنال، مع التزام كل طرف بشروطه، خاصة أن أنقرة ليست في عجلة من أمرها، فمسار التطبيع قبل الانتخابات الرئاسية التركية حتماً سيختلف من ناحية السياق والمعطيات عمّا هو الحال بعد الانتخابات.

بذلت روسيا ما بوسعها لإحداث اختراق في مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري، إلا أن كل شيء بقي رهن الشروط المتبادلة، وتعنت النظام واشتراطه انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية قبل الحديث عن إعادة العلاقات، وهذا ما ترفضه أنقرة طالما أن هواجسها الأمنية لم تُحلّ، مع استمرار تغلغل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، و"حزب العمال الكردستاني" (PKK) على الحدود الجنوبية للبلاد.

مسار التطبيع يراوح مكانه

استبعدت وزارة الخارجية التركية عقد اجتماع ضمن "الصيغة الرباعية"، التي تضم روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، بشأن التطبيع بين أنقرة ودمشق، حيث نقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن مصدر في الخارجية التركية قوله إنه "لم يتم التخطيط لعقد اجتماع رفيع المستوى للصيغة الرباعية حول التطبيع بين أنقرة ودمشق.. ولم يتقرر بعد عقد مثل هذا الاجتماع في الوقت الحالي".

ومنذ بدء مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري، يمكن القول إنه حقق اختراقين ليسا بالحجم الذي تطلعت إليه موسكو، تمثّلا بانضمام النظام لآلية التنسيق الأمنية بين روسيا وتركيا بشأن سوريا، وإشراك النظام ضمن الخط الساخن المفتوح بين الدول الضامنة لمسار أستانا، وذلك رغم الشروط التفاوضية المعقدة بين الجانبين.

قبل إجراء الانتخابات الرئاسية التركية بأيام قليلة، عُقد اجتماع رباعي بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام في موسكو، وأشار بيانه الختامي إلى أن الوزراء اتفقوا خلال اللقاء على تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خريطة طريق لتطوير العلاقات بين تركيا والنظام بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للأطراف الأربعة.

سبق هذا اللقاء، اجتماع رباعي على مستوى وزراء دفاع تركيا وروسيا وإيران والنظام في موسكو أواخر شهر نيسان من العام الماضي، وقد بدا تباين المواقف واضحاً، حيث حرصت وسائل إعلام النظام بعد اللقاء على نفي ما ورد في  بيان وزارة الدفاع التركية، الذي تحدث عن اتخاذ خطوات ملموسة في تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وعلى العكس، قال الإعلام التابع للنظام، إن ذلك مرهون بإمكانية انسحاب تركيا من البلاد.

بدورها أفادت مصادر دبلوماسية من موسكو مطلعة على المحادثات بين تركيا والنظام السوري، بعدم صحة التصريحات الصادرة عن النظام، والتي تحدث فيها عن مناقشة انسحاب القوات التركية خلال اجتماع موسكو أواخر نيسان، مؤكدة في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن الجانب الروسي ضغط على النظام للتوقف عن المطالبة بانسحاب القوات التركية، حرصاً منه على تمهيد الأجواء لعقد لقاء وزراء الخارجية.

وفي السياق، قال مسؤول تركي لم يكشف عن اسمه، في تصريح لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إن "تركيا لم تتفاوض أبداً بشأن مسألة انسحاب قواتها من سوريا خلال المحادثات في موسكو (نيسان)"، مؤكداً أن أي تصريح من النظام يدعي خلاف ذلك هو موقف يتعارض مع الدور البناء للحكومة التركية في المحادثات.

حواجز تعيق قطار التطبيع

قبل عقد الجولة 21 من مباحثات أستانا، قال السفير الإيراني لدى النظام السوري، حسين أكبري، إن الجولة ستناقش ملف التقارب السوري - التركي، "الذي شهد حالة من الجمود والغموض بعد الانتخابات الرئاسية التركية"، لكن الجولة لم تأت بجديد يذكر، في حين قال أحمد يلدز نائب وزير الخارجية التركي لتلفزيون سوريا إنه لا يمكن الجزم فيما يتعلق بالتطبيع مع النظام السوري، كما لا يتوقع كثيرا في هذا الملف.

أما المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، فقد أشار إلى أنه ما من أُفق لعقد اجتماع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، مؤكداً عدم إحراز تقدم في مسألة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وأن تواجدها في سوريا يعيق تطبيع العلاقات السورية التركية، وفق وصفه.

يأتي الرد سريعاً على لسان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي قال، الأحد، في مقابلة تلفزيونية على قناة "A Haber" التركية، إن النظام السوري لا يملك قراره بيده وينتظر شركاءه الذين يقدمون له الدعم الحيوي، وذلك في إشارة إلى الدور الروسي والإيراني.

وأشار فيدان إلى عوائق بالنسبة لتركيا تقف في طريق إتمام المحادثات السورية، ومن بين هذه العوائق، أن النظام السوري لا يستطيع اتخاذ قرارات بمفرده ويتحرك مع الشركاء الذين يقدمون له الدعم الحيوي، مؤكداً أن محاولات النظام لفرض شروط مسبقة على تركيا كخطوة دبلوماسية هي طريقة خاطئة.

وأضاف وزير الخارجية التركية: "إذا كنتم تضعون شروطاً حتى للتحدث، فهذا يعني أنكم لستم مهتمين بالحلول حقاً، أو أنكم لا تفهمون أولويات ومواقف الطرف الآخر. إذا دخلتم في التزام دبلوماسي، فإن الواجب الأول هو تطوير استراتيجية لفهم أولويات ومواقف وخطوات الطرف الآخر. يجب أن يكون لديكم هذا الوعي حتى تتمكنوا من تطوير خطواتكم وفقا لذلك".

وبيّن أنه في حال كان لدى النظام نية للحوار، فهذه النية يمكن أن تنعكس على الأرض بنتائج ملموسة، ولكن حتى الآن، لا يمكن للنظام السوري التفاوض حالياً، وعندما يتفاوض، لا يمكنه أن يكون ذاته. الاجتماعات لا تكون ممكنة دائماً بسبب وجود دولة أخرى، وهذا ليس مشكلة بالنسبة لنا، نحن واثقون من أنفسنا ونعرف ما نريد أن نفعله، القيمة التي نعطيها للاستقرار في المنطقة واضحة".

شروط متبادلة

تضع أنقرة 4 شروط للسير في عملية التطبيع مع النظام السوري،  حسبما كشف مسؤول تركي رفيع المستوى في حديثه إلى صحيفة "Yeni Şafak" المقربة من الحكومة التركية منتصف العام الماضي، وتشمل تعديل الدستور السوري، وذلك بهدف تحقيق إصلاحات ديمقراطية في البلاد، وإجراء انتخابات عادلة في سوريا، تشمل جميع الأطياف السورية، بهدف تشكيل حكومة شرعية وممثلة لجميع السوريين، والتعاون المشترك في مكافحة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وعودة اللاجئين السوريين بكرامة وأمان إلى بلادهم، وضمان ذلك وفق مذكرة خطية.

وخلال لقاء سابق جمعه مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في دمشق، وضع رئيس النظام السوري بشار الأسد شرطين لتطبيع العلاقات مع تركيا، وهما، أن يكون "هدفها إنهاء الاحتلال ووقف دعم التنظيمات الإرهابية"، على حد تعبيره، لكن وزير الخارجية التركي السابق، مولود جاويش أوغلو، قال إن أنقرة لن تقبل أي شروط مسبقة لإجراء مفاوضات مباشرة مع النظام، بما في ذلك انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.

وعمّا إذا كان هناك سياسة تركية جديدة تجاه التطبيع مع النظام بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد، قال الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، إنّ عقبات كبيرة تواجه عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق منذ بداية الحديث عن هذا المسار.

ولا زالت هذه العقبات تشكّل عامل ضغط على مسار التطبيع، وعلى رأسها مستقبل الوجود العسكري التركي في سوريا، ومع ذلك، يرى "علوش" أن الجمود الذي طرأ على المسار، هو نتيجة طبيعية لوصول الحوار إلى نقطة مهمة وفاصلة تتعلق بالمفاوضات التي تجرى خلف الكواليس حول التوافق على خارطة طريق انتقالية للحوار ككل.

وأشار "علوش" في حديث مع تلفزيون سوريا، إلى أن الوضع يبدو معقداً بالنسبة لمسار التطبيع بين الجانبين، لكن ما يمكن قوله، إن تركيا أعلنت سابقاً عن 3 مبادئ واضحة، منذ أن أبدت انعطافة علنية في الموقف من النظام السوري، وتتمثل هذه المبادئ بالتعاون المشترك في مكافحة التنظيمات التي تصنفها أنقرة على أنها "إرهابية" لا سيما "وحدات حماية الشعب الكردية"، وتمهيد الأرضية لإعادة اللاجئين السوريين، ودفع مسار التسوية السياسية للصراع السوري.

وبمعزل عن مسار الحوار، لا شك أن هناك نقطة، سيتعيّن على كل من تركيا والنظام السوري أن يتفاوضا حولها من أجل تدوير الزوايا والوصول إلى مقاربة مشتركة حول القضايا الخلافية، وهنا يبرز دور روسيا وإيران، وفي الفترة الأخيرة كانت هناك زيارة للرئيس الإيراني إلى تركيا، وبعد نحو أسبوعين هناك زيارة مشابهة للرئيس الروسي، وهذا قد يشكل فرصة لدفع مسار الحوار بين أنقرة والنظام.

واستبعد الباحث أنّ يكون هناك تغيير كبير في المبادئ التركية فيما يتعلق بالتسوية السياسية في سوريا، فهناك حقيقة يتعيّن على جميع الأطراف المعنية بهذا الحوار أن تقرّ بها، وهي أن تركيا لن تنسحب من سوريا دون تحقيق الأهداف الأساسية لسياستها في البلاد ومعالجة كافة هواجسها.

ديناميكية متحركة للحوار

يعتقد "علوش" أن ديناميكية الحوار بين تركيا والنظام السوري ما زالت متحركة، لكن حالياً، هناك ظروف موضوعية أدت إلى تقليل الرهان على نجاح المسار، علماً أنه ما زال يشكّل حاجة لكل من تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري.

وجاء في مقال لصحيفة "حرييت" التركية أن محادثات التطبيع بين تركيا والنظام متوقفة منذ خريف عام 2023، بسبب الخلاف حول الضمانات، التي أصبحت على جدول الأعمال هذا العام، وقد ذكر المحلل والكاتب التركي، سادات أرجين، أنه ما لم تكن هناك تغييرات مفاجئة، مثل مغادرة الولايات المتحدة لسوريا مع تغيير مفاجئ في الموقف، فمن المحتمل أن يستمر الجمود بين أطراف فاعلة متعددة، مثل الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران.