icon
التغطية الحية

سوريا في الصميم.. 5 مؤشرات لصفقة تعيد ترتيب الإقليم بعد حرب غزة

2024.02.01 | 17:22 دمشق

ؤلا
إسطنبول - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

قرعت طهران باب غرفة المفاوضات بقوة عندما قتلت 3 جنود أميركيين يوم الأحد الفائت في قاعدة "البرج 22" شمال شرقي الأردن، في توقيت لم يكن عبثياً، لتعزيز الأصوات المطالبة بالانسحاب من سوريا والعراق في أروقة واشنطن السياسية والعسكرية والأمنية البنتاغون، وتأطير صفقة محتملة تجعل حرب غزة "الأخيرة" وتفتح الملفات المعلقة دون حل مثل التدخل الإيراني في الإقليم والوجود العسكري الأميركي والملف النووي، وهي قضايا تقع سوريا في صميمها، ما استدعى من بشار الأسد التحرك.

تتقاطع الأحداث الكبيرة في الأسبوع الأخير عند مؤشرات لصفقة واسعة تبدأ من غزة وتنتهي عند سوريا والعراق ولبنان وإيران، فطهران تسعى الآن لجني المكاسب من بعد "طوفان الأقصى"، وتستبق الوقت قبل الانتخابات الأميركية لضمان اتفاق شامل يقلص نطاق الصراعات الإقليمية مع إدارة بايدن التي عادة ما تجنح للتفاهمات، وهو اتفاق محتمل يتعامل مع المخاوف الإقليمية ويتضمن انسحاباً متبادلاً لقوات البلدين والحد من النفوذ الإيراني في الصراعات بالوكالة، ويشمل ملف النووي والبرنامج الصاروخي.

يترقب العالم هدنة طويلة نسبياً في غزة تمنح الأطراف وقتاً لدراسة اليوم التالي، وتمهد الطريق لتطبيق المقترح البريطاني والتوصل لاتفاقيات تجعل من طوفان الأقصى آخر حرب فلسطينية – إسرائيلية. وتحضيراً لذلك بدأت الخارجية الأميركية دراسة الاعتراف الأميركي بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة وغزة، بما يضمن أمن إسرائيل.

تحقيق هدنة في غزة ستجعل العودة للحرب أصعب، وستكون صافرة البداية لصفقة أوسع تجري على مسار محلي ضمن مفاوضات حماس – فتح والاتفاق على نسبة التمثيل في منظمة التحرير الفلسطينية، ومسار إقليمي تحصد فيه إيران ما حصدته في الدول الأربعة.

ويستشعر النظام السوري ورئيسه بشار الأسد جملة التطورات المحيطة به من الاتجاهات الأربعة، ما دفعه لإحداث تغييرات في المنظومتين الأمنية والعسكرية للتعامل مع مرحلة قادمة يأمل أن تشمله، ولهذا نأى بنفسه عن الانخراط المباشر بالاشتباكات بعد حرب غزة.

يستشعر النظام السوري ورئيسه بشار الأسد جملة التطورات المحيطة به من الاتجاهات الأربعة، ما دفعه لإحداث تغييرات

تسريبات الانسحاب الأميركي من العراق وسوريا

بعد ثلاثة أيام من التسريبات الإعلامية بالانسحاب الأميركي من سوريا ومناقشة توقيت وكيفية ذلك، تضرب طائرة مسيرة أطلقتها ميليشيا موالية لإيران يوم الأحد الفائت قاعدة "البرج 22" الأميركية في شمال شرقي الأردن بالقرب من قاعدة التنف المتمركزة في سوريا، وهي الضربة الأكثر ضرراً التي تلقتها القوات الأميركية في المنطقة منذ انتشارها في سوريا والعراق ضمن حملة القضاء على تنظيم الدولة، وجاءت في سياق الضغط الإيراني على القوات الأميركية للانسحاب من سوريا والعراق، ضمن سلسلة من عشرات الهجمات الإيرانية على القواعد الأميركية في سوريا والعراق بعد حرب غزة.

ونفى مسؤول رفيع في مجلس الأمن القومي الأميركي لتلفزيون سوريا أن إدارة الرئيس جو بايدن تفكر بالانحساب من سوريا، ثم أكد هذا النفي عدد من المسؤولين الدبلوماسيين والأمنيين والعسكريين لوسائل إعلام أميركية، وهذا النفي كان رداً على ما نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بأن الولايات المتحدة تخطط للانسحاب من سوريا، وإنهاء وجودها العسكري في البلاد على الرغم من أنها لم تنته تماماً من القضاء على تنظيم الدولة.

وسبق ذلك أن كشف موقع "المونيتور" أن وزارة الدفاع الأميركية طرحت خطة على "قسد" للدخول في شراكة مع النظام السوري لمحاربة تنظيم الدولة، كجزء من مراجعة متجددة لسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، والتي لا تزال قيد النقاش في وزارة الخارجية.

وقالت الخارجية العراقية قبل أسبوع إنه تم الاتفاق مع الولايات المتحدة على صياغة جدول زمني يحدد مدة وجود التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في العراق، في حين قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن الولايات المتحدة والعراق سيعقدان اجتماعات مجموعات العمل الخاصة باللجنة العسكرية العليا، للانتقال لعلاقة أمنية مستدامة بينهما.

وقبل بيان الخارجية العراقية بيوم، سلمت السفيرة الأميركية لدى بغداد، إلينا رومانوسكي، وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، "رسالة مهمة" من الإدارة الأميركية إلى الحكومة العراقية، وقال البيان إن الوزير تعهد بدراستها من قبل رئيس مجلس الوزراء والجهات المعنية المختصة.

وفي حين لم يتطرق بيان الخارجية العراقية إلى فحوى الرسالة المهمة، كشفت أربعة مصادر لـ رويترز أنها متعلقة بعملية إنهاء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وقد تستغرق من عدة أشهر إلى سنوات.

ويتعامل الرئيس الأميركي جو بايدن مع الدعوات الملحة لمواجهة إيران، بهدف استعادة حالة الردع واستعراض القوة الأميركية، في حين يحاول بايدن تجنب التورط في حرب إقليمية، ولذلك قال المسؤولون الأميركيون إن الرد على هجوم البرج 22 سيتم على مدار عدة أيام وسيضرب أهدافا متعددة.

أربعة أيام مرت على هجوم البرج 22 من دون رد، في حين تحافظ الدبلوماسية الأميركية على تصريحٍ واحدٍ بأن الرد سيكون على دفعات وفي الوقت والمكان المناسبين، ويعد هذا التأخير المؤشر الأقوى والأوضح بأن صفقة محتملة تتم دراستها بين الأطراف الإقليمية.

أربعة أيام مرت على هجوم البرج 22 من دون رد، ويعد هذا التأخير المؤشر الأقوى والأوضح بأن صفقة محتملة أوسع من غزة، تتم دراستها بين الأطراف الإقليمية

 

 

الحرس الثوري يسحب كبار ضباطه من سوريا

كشفت خمسة مصادر مطلعة لوكالة رويترز أن كبار قادة الحرس الثوري الإيراني غادروا سوريا مع عشرات من الضباط متوسطي الرتب، بسبب الضربات الإسرائيلية الدقيقة وشكوك طهران بتورط "قوات الأمن السورية" بتسريب معلوماتٍ كان لها دورٌ في الضربات الأخيرة.

وقالت المصادر إن الحرس الثوري الإيراني سيعتمد على الفصائل الشيعية المتحالفة معه للحفاظ على نفوذه في سوريا، في حين سيدير ​​العمليات في سوريا عن بعد بمساعدة حزب الله.

وتلقى الحرس الثوري الإيراني ضربتين إسرائيليتين موجعتين في دمشق بعد اندلاع حرب غزة، حيث قتل في الأولى في 25 كانون الأول 2023، رضي موسوي أحد كبار قادة فيلق القدس، في غارة إسرائيلية نسفت منزله الواقع في منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق، وكانت الغارة الثانية في 20 كانون الثاني، عندما قتل خمسة قياديين بالحرس الثوري الإيراني، بينهم مسؤول استخبارات فيلق القدس بالحرس الثوري العميد يوسف أوميد زاده الملقب بـ"الحاج صادق" ونائبه، بغارة إسرائيلية دمرت مبنى سكنياً في حي المزة "فيلات غربية" بدمشق مؤلفاً من 4 طوابق.

كانت الغارة الأولى مرتبطة بحرب غزة لأن موسوي كان مسؤولاً عن "دعم جبهة المقاومة" لأكثر من ثلاثة عقود، إلا أن الغارة الثانية التي قتلت العميد يوسف أوميد زاده الملقب بـ"الحاج صادق" فهي لغاية أوسع من غزة، لأن العميد "مصمم ومنفذ عملية طرد الأميركيين من سوريا"، وبالتالي فإن تل أبيب تدخلت لتخفيف الضغط الإيراني على القواعد الأميركية في سوريا والعراق ومنع سيناريو الانسحاب الذي لا يصب في مصلحتها في الوقت الحالي.

إلا أن الغارة الثانية التي قتلت "الحاج صادق" فهي لغاية أوسع من غزة، لأن العميد "مصمم ومنفذ عملية طرد الأميركيين من سوريا"، وبالتالي فإن تل أبيب تدخلت لتخفيف الضغط الإيراني على القواعد الأميركية ومنع سيناريو الانسحاب الذي لا يصب في مصلحتها في الوقت الحالي

حزب الله العراقي يعلق عملياته ضد القوات الأميركية

أعلنت "كتائب حزب الله" في العراق المدعومة من إيران، يوم أمس الأربعاء، تعليق عملياتها ضد القوات الأميركية، وجاء ذلك في بيان موقّع باسم الأمين العام "أبو حسين الحميداوي"، غداة دعوة عراقية رسمية لإفساح المجال للمفاوضات الجارية مع الجانب الأميركي "للوصول إلى تفاهمات إيجابية تخدم مصلحة العراق والمنطقة".

وقال البيان إن "المقاومة الإسلامية كتائب حزب الله، اتخذت قرارها بدعم أهلنا المظلومين في غزة بإرادتها، ودون أي تدخل من الآخرين ... إخوتنا في الجمهورية الإسلامية (إيران) لا يعلمون كيفية عملنا، وكثيراً ما كانوا يعترضون على الضغط والتصعيد ضد قوات الاحتلال الأميركي في العراق وسوريا".

جبهة حزب الله نحو الهدوء

بالتزامن مع اقتراب التصعيد من حافة الهاوية بعد هجوم البرج 22، خفف حزب الله اللبناني من مناوشاته على الجبهة الإسرائيلية الشمالية، حيث أعلن عن 25 إطلاقاً للنار فقط منذ يوم الإثنين الفائت، في حين سقط له قتيلان فقط في الرد الإسرائيلي.

وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست" إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يدرس نهجاً مختلفاً تماماً للتعامل مع حزب الله اللبناني، وإن كبار الضباط لا يرغبون في خوض حرب كاملة مع حزب الله، وترك المجال للقنوات الدبلوماسية لإقناع الحزب بسحب معظم قواته إلى نهر الليطاني.

سوريا في الصميم

منذ شنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس هجومها في غلاف غزة، نأى النظام السوري بنفسه عن الحرب التي تبعت الهجوم وضربت ارتداداتها سوريا والعراق واليمن ولبنان، فالنظام الذي طبّعت حماس العلاقات معه لم يقبل بفتح مكتب للجناح السياسي في الحركة، وضبط قواته في شن أي مناوشات مع القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا والتنف، أو شن هجمات من القنيطرة ودرعا.

وتعامل الأسد مع المطلب الإيراني في ردّ دين الموقف، بأن تكون سوريا ممراً ومرتعاً للحرس الثوري الإيراني لإدارة التصعيد المضبوط ضد إسرائيل، في حين لم تتعرض القواعد الأميركية لأي هجوم من الأراضي السورية، ولذلك شكل الحرس الثوري ما تسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" لتشن هي الضربات.

وأجرى بشار الأسد جملة تغييرات في المنظومة السياسية المتمثلة بحزب البعث وكذلك تغييرات في رأس هرم المنظومة الأمنية وتغييرات في نمط عمل المنظومة العسكرية، ويمضي مسرعاً في التطبيع مع المطبعين مع إسرائيل.

وأفادت مصادر حقوقية في العاصمة دمشق لموقع تلفزيون سوريا، بأن بشار الأسد لم يجرِ تغييراً جذرياً في رأس هرم المنظومة الأمنية، وإنما كانت عملية تبديل مناصب حتى الآن، لكنه يسعى في إعادة الهيكلة هذه لتبييض صفحة هذه الأجهزة بعد سنوات من ممارساتها الشنيعة بحق السوريين.

وقالت المصادر، إنَّ إعادة الهيكلة لتلك الأجهزة تتطلب تحديد صلاحياتها ومهامها تحت سقف القانون والقضاء والدستور السوري، وإلغاء صلاحيات بعض منها خصوصاً شعبتي الأمن السياسي وأمن الدولة، إذ يتدخل هذان الجهازان في كل شيء، من تعيين أصغر موظف وصولاً إلى تعيين الوزراء.

وأكدت، أنَّ النظام السوري يجري تلك التغييرات لمحاولة ضبط نفوذ ضباطه الأمنيين، وتمرير رسائل لهم مفادها "انتهت مرحلة الحرب ويجب البدء بمرحلة جديدة أقل سطوة على المواطن". 

سيقدم النظام السوري نفسه على أنه قابل للتعديل ومنفتح على التطبيع، وسيذكر الدول المعنية بالتزامه بوقف إطلاق النار في شمال غربي سوريا منذ 2020 ما نتج عنه توقف موجات اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي المأزوم مع صعود اليمين المتطرف، وكذلك ضبطه للموانئ السورية التي لم يغادر منها طالبو اللجوء.

ينتظر النظام السوري مكافأة غربية أميركية - أوروبية لموقفه من حرب غزة وملفات أخرى، وقد يندفع الأوروبيون إلى هذا المسار تخوفاً من عودة ترامب للحكم في زمن لا يحتمل فيه الناتو مفاجآت ترامب الكبيرة.

تحقق ما يأمله بشار الأسد لا يشكل خطراً على الشمال السوري بشقيه الغربي والشرقي، لأن هذا النطاق الجغرافي ملف منفصل لتركيا القول الفصل فيه، فوجودها العسكري في إدلب وريف حلب الشمالي طويل الأمد ومتعلق بحل سياسي حقيقي وجدي، أما احتمال العمل العسكري التركي في الشمال الشرقي فآخِذٌ بالانحسار بعد الموافقة على عضوية السويد في الناتو وتحقيق انفراجة في ملف طائرات الـ F-16، وتبقى أنقرة مرتاحة لأنها ستواصل شن الغارات الجوية على أهداف وكوادر حزب العمال الكردستاني بما يضمن أمنها القومي.

كل ما سبق تخرج إيران منه بوصفها الرابح الأكبر، وفي سوريا قد تغلق الباب لكنها ستترك نافذة على البلاد تتمثل بالتغلغل الاجتماعي الناعم والنفوذ الاقتصادي لتحصيل مليارات من الديون.

وفي هذه المعادلة الإقليمية المرتقبة هنالك متغيّر واحد قد يعيد كل شيء إلى نقطة الصفر، إسرائيل.