icon
التغطية الحية

حملة تركيا لمحاربة العنصرية.. خطوة متأخرة تعقبها قوانين أم مرحلة فتور؟

2023.09.30 | 08:28 دمشق

آخر تحديث: 30.09.2023 | 08:28 دمشق

Türkiye'deki Arap pazarları
أحد أحياء مدينة إسطنبول ـ إنترنت
إسطنبول - آية سلطان
+A
حجم الخط
-A

دخل الخطاب العنصري الداعي للعداء والكراهية ضد العرب بشكل عام واللاجئين السوريين بشكل خاص، عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا، ضمن الأسبوع الأخير بمرحلة فتور. بعد أن انعكس سلباً على الشارع التركي، وشمل اعتداءات على سياح ولاجئين، وفي بعض الحالات على سيدات يرتدين الحجاب، في صراع بين التوجه الإسلامي والعلماني داخل الدولة، أعقبته حملة أمنية قامت بها السلطات التركية شملت اعتقالات لصحفيين ومديري صفحات لعبوا دوراً أساسياً في التحريض.

وقبل أن تبدأ الحكومة التركية الحملة الأمنية لمحاربة هذه الظاهرة التي تعدى تأثيرها مواقع التواصل الاجتماعي، كانت هاشتاغات مناهضة للعرب أو السوريين، تطالب برحيلهم، تتصدر المنصات بشكل يومي، ووصلت في بعض الحالات إلى طباعة منشورات معادية وتعليقها في شوارع المدن، منها ما كتب عليها "عودوا إلى صحرائكم أيها العرب".

ومن ضمن جملة الاعتداءات التي كان آخرها ضرب سائح، وهو مواطن كويتي في ولاية طرابزون التركية، مما أدى لإصابته ونقله إلى المستشفى، تعالت الأصوات الغاضبة في الوسط العربي، التي دعت إلى مقاطعة السياحة في تركيا، منددة بالاعتداءات التي تعدت اللاجئين السوريين وباتت تشمل كل من يتحدث باللغة العربية، حتى لو كان سائحاً.

حملة اعتقالات لصحفيين أتراك بينهم "إيراني"

في 20 من الشهر الجاري، أعلن مكتب المدعي العام في أنقرة، عن اعتقال 27 مشتبها به في 13 ولاية تركية، وذلك بتهمة "استفزاز الجمهور" والدعوة "إلى العداء والكراهية" و"نشر المعلومات المضللة والكاذبة" على وسائل التواصل الاجتماعي.

وذلك ضمن حملة اعتقالات واسعة شنتها السلطات التركية، بحق إعلاميين وصحفيين أتراك، يعملون في إدارة عدة مواقع إخبارية، وصفحات تنشط في نشر الأخبار التحريضية وتعزز من خطاب الكراهية ضد العرب واللاجئين السوريين في تركيا. 

ومن بين المعتقلين أيضاً شخص إيراني الجنسية يعيش في تركيا، يدعى رامين سعيدي، يدير صفحة "Ambargo TV" على موقع إكس، والتي يستهدف من خلالها اللاجئين السوريين والمهاجرين الأجانب في تركيا.

اقرأ أيضا: تركيا: الحكم على ثمانية أشخاص بتهمة التحريض ضد اللاجئين

ويقول "سعيدي" في إفادته التي أدلى بها أمام المحكمة مدافعاً عن نفسه: "الحساب الذي تم سؤالي عنه في مركز الشرطة ليس لي ولست من نشر منشوراته، كنت أتولى فقط إنتاج وتحرير الفيديوهات، لذا أرفض التهم الموجهة ضدي".

وأضاف: "لست من موظفي Ambargo Tv لكني تطوعت لتحرير وتصميم الفيديوهات انطلاقاً من إعجابي بـ أوميت أوزداغ، رئيس حزب النصر، وأطالب بإطلاق سراحي".

تراجع "حدة الخطاب العنصري"

أكد الكاتب والصحفي التركي توران قشلاقجي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، وجود انخفاض ملحوظ وتراجع في وتيرة الخطابات العنصرية بعد العملية، مشيراً إلى أنها سوف تنخفض بشكل أكبر مع الأيام القادمة، بعد إغلاق عشرات الحسابات التي كانت تعمل بشكل ممنهج على نشر الكراهية.

وأضاف أن الحملة لم تقتصر على الأسماء الـ 27 الذين أعلنت الحكومة عن اعتقالهم، ممن كانوا يديرون حسابات متعددة، بل شملت مجموعات وجهات تعمل بأسلوب المافيا تقف وراء تمويلهم ودعمهم، بالإضافة لدور تلعبه عدة دول، من بينها "إيران" يسعون لخلق مشكلات داخل البلاد، مشيراً إلى وجود مؤامرة ضد تركيا تهدف لزعزعة الأمن وضرب الاقتصاد التركي.

وقال قشلاقجي "إن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام، هو أن بعض الإيرانيين، ممن يعيشون في تركيا، يعملون مع أوميت أوزداغ ويدعمون هذه العمليات، وهذا يدل على أن الدعم والحشد الإيراني لم يقتصر على دعم النظام السوري فقط في حربه ضد شعبه داخل سوريا، وظهر ذلك إلى النور بشكل واضح جداً عقب العملية"، لافتاً إلى أنه سيتم اتخاذ خطوات فاعلة أخرى في سبيل إيقاف هذا الخطاب العنصري في أيام القادمة.

دوافع إطلاق الحملة

وقال قشلاقجي "الحملة الأخيرة جاءت رداً على تأجيج الخطاب العنصري من قبل بعض الأحزاب السياسية وبعض مجموعات شبيهة بالمافيا، داخل البلاد، ليس فقط ضد العرب والسوريين، بل ضد السياح أيضا، وبتعبير أدق ضد الجميع".

ومن جانبه قال الناشط الحقوقي طه الغازي في حديث لموقع تلفزيون سوريا، حول دوافع الحكومة من الحملة وتراجع حدة الخطاب العنصري، إن "تنامي خطاب الكراهية والتمييز العنصري خلال الفترة الأخيرة لم يعد يقتصر تأثيره على اللاجئين السوريين فقط، وإنما بات ينتقل أيضا إلى فئة السياح العرب أو كتلة السياح العرب، وكذلك الأمر بات ينتقل إلى بعض مكونات المجتمع التركي، ولا سيما مع تواتر حالات اعتداء على نساء محجبات أو ذات لباس ديني ملتزم في الحافلات العامة، الأمر الذي ينذر بمرحلة قادمة في تركيا قد تكون أسوأ مما كان عليه الوضع سابقا".

وعن الدوافع أوضح الغازي "أن المكاسب الاقتصادية التي تأتي من كتلة السياحة العربية، والحفاظ عليها هو السبب الرئيسي في المقام الأول، وخسائر تركيا من الخطاب العنصري أشارت لها العديد من الجهات التركية، مثل تقرير صحيفة غازيت تركية، عن خسائر بلغت 2 مليار دولار خلال آخر شهرين فقط".

وعن الأضرار أو التأثير الذي خلفه هذا الخطاب، أوضح قشلاقجي أنه تسبب بأضرار اقتصادية لتركيا، وانخفض عدد السياح، ليس بشكل كبير لكنه خلف أثراً.

وأشار قشلاقجي إلى أن الأحداث الأخيرة خلقت مشكلة لصورة تركيا الخارجية، وهذا الأسوأ، وأظهرتها كما لو أن هناك الكثير من العنصريين ضمن المجتمع بأكمله، لكن قوات الأمن تبذل حاليا قصارى جهدها لإصلاح ذلك، مؤكداً أن الوضع المستقبلي سيكون أفضل.

خطوات متأخرة

أفاد قشلاقجي بأن هناك بعض الأسباب للتأخير، أهمها الفترة الانتخابية، فالحكومة كانت تصدر تشكيلاتها الجديدة وتجري تعييناتها على مستوى الوزارء وولاة المحافظات ورؤساء الشرطة، بالإضافة لتغييرات جذرية أيضاً على المستوى الأمني.

وأضاف في الواقع لم تبدأ العمليات عقب الهجوم على السائح الكويتي، بل تسارعت فقط، لأنه في وقت سابق بدأت الحكومة العمليات ضد المافيا التي تقف وراءهم، في العديد من المدن، وخاصة إسطنبول وأنقرة، وبينما كانت العمليات تسير خطوة بخطوة، تسارعت ضد كل منهم.

 المحرضون ودورهم في ربط القومية التركية بـ  "العنصرية"

من جهته ذكر الغازي أن بعض العنصريين المعروفين أمثال أوميت أوزداغ وإيلاي أكسوي، نجحوا على مدى سنوات بربط الخطاب العنصري بالشعور القومي والانتماء للوطن، هذا الأمر دفع بعض الأفراد العنصريين في المجتمع التركي يتفاخرون بعنصريتهم، ويعتبرون الاعتداء على اللاجئين السوريين وكأنه بات واجبا وطنيا، وإثباتاً بالانتماء إلى القومية التركية.

ومن واجب كل مفكر أو سياسي أو باحث تركي السعي لتوضيح الفرق الشاسع ما بين مفهوم القومية والعنصرية، داخل المجتمع التركي، وأضاف "تأكيدا على ذلك عندما تم توقيف 27 شخصاً ممن يقومون بالتحريض على خطاب الكراهية والعنصرية، أول من دافع عنهم شخصيات سياسية أساسية في التيار القومي منهما سنان أوغان وإيلاي أكسوي وميرال إكشنار".

ومن الإحباط بالنسبة لنا كسوريين أن نرى بشكل واضح أن مفهوم العنصرية في تركيا بات ملتصقا بمفهوم القومية، لذلك أرى من المهم جدا في الفترة القادمة سن وتشريع قوانين تجرم العنصرية.

أصوات ومبادرات تركية مناهضة للعنصريين

بينما تعالت الأصوات العنصرية، كان هناك العديد من المبادرات المناهضة لها، والداعمين من داخل المجتمع التركي للسوريين والعرب، ممن حاربوا هذا الخطاب والكراهية، فجعلهم يتعرضون لاعتداءات واضحة.

في 16 من الشهر الجاري هاجمت مجموعة من "العنصريين"، وقفة تضامنية نظمتها جمعية "أوزغور دير" التركية في منطقة الفاتح بمدينة إسطنبول، تنديداً بالعنصرية وتضامناً مع اللاجئين السوريين في تركيا.

وشارك رؤوف كوشه حينها، عضو "حركة الدفاع"، أحد الأشخاص الذين اعتقلتهم السلطات التركية في حملتها، دعوة جمعية أوزغور دير وقال: "يجب الرد على هذا العمل المخزي الذي يحاول إضفاء الشرعية على الغزو بأقسى طريقة"، بالإشارة إلى اللاجئين السوريين

وأضاف آنذاك: "إلى جانب أصدقائنا من الوطنيين القوميين الأتراك الذين يعيشون في إسطنبول، سوف نتدخل بكل الطرق، فكريا وجسديا، ضد أعداء تركيا لمنع تنفيذ عملية الثناء على الاحتلال هذه بسلام".

ولم يقتصر التضامن على هذا الأسلوب، في 19 الشهر الجاري نددت مؤسسات "تجمع حقوق اللاجئين"، بالانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في تركيا، نتيجة لتسيس ملف اللاجئين من قبل المعارضة التركية، وتساهل الحكومة، مطالباً بتطبيق القوانين ومنح حق العمل والتنقل للاجئين ومنع الترحيل القسري.

وشارك مجموعة من الصحفيين والأسماء التركية المعروفة من بينهم الصحفي توران قشلاقجي، وياسين أقطاي، في تصوير مقطع فيديو تضامني، أكدوا فيه  أن تركيا كانت ولا زالت حاضنة الثقافات المختلفة، وأن الشعب التركي مضياف وكريم، وأن التصرفات العنصرية ما هي إلا حوادث فردية يحاول البعض استخدامها لأغراض سياسة بهدف التفرقة بين المسلمين.

أثر الحملة على اللاجئين السوريين

وأضاف الغازي "المجتمع اللاجئ السوري في تركيا قد يكون هو الحلقة الأضعف، في الاستفادة من هذه الحملة، فلم تكن هذه القرارات في المقام الأول من أجل اللاجئين السوريين نهائيا، وإنما فقط من أجل الحفاظ على كتلة السياحة العربية".

وتابع متسائلاً لماذا لم تكن هذه القرارات موجودة أساسا، ولم يتم تطبيقها ولم يتم توقيف هؤلاء العنصريين خلال السنوات الماضية؟، أنا أرى بأنه من غير المنطقي وغير الأخلاقي في الوسط المهني الصحفي أن يتم ربط هذا الشيء بموضوع اللاجئين السوريين.

وتابع "لو فرضنا بأن هذه القوانين والقرارات كانت قائمة أساسا على الدفاع عن حق اللاجئين السوريين، هناك أحداث كثيرة خلال السنوات الماضية منها شنق طفل سوري لنفسه في ولاية كوجالي، وذلك بعد تعرضه لحادث التنمر والتلفظ العنصري من قبل أقرانه، كذلك مقتل نايف النايف، مقتل شريف الأحمد، مقتل حمزة عجاج، وحرق الشباب الثلاثة في إزمير، بالإضافة إلى حوادث أخرى".

ما هو مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا؟

وحول مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، قال الغازي "هو مستقبل للأسف الشديد بات واضح المعالم، كل الأطراف اليوم في تركيا تخلت عن واقع اللاجئين السوريين".

وأكد في حديثه أن واقع اللاجئين السوريين في تركيا غير متعلق أساسا بالأشهر السابقة الماضية أو بفترة الانتخابات الرئاسية أو بفترة الانتخابات المحلية القادمة، وإنما هو مرتبط بتفاهمات على مر السنوات الماضية من جهة، وبالأطراف والتيارات والساسة في المعارضة التركية من جهة أخرى".

ففي تشرين الأول من عام 2021، أشار وزير الخارجية التركي حينها مولود جاويش أوغلو في أثناء حديثه في البرلمان التركي إلى"أن الدول الأربع المجاورة لسوريا، تركيا والعراق والأردن ولبنان والتي تحتضن اللاجئين السوريين، اتفقت فيما بينها على صيغة وعلى خارطة طريق لإعادة اللاجئين السوريين".

تزامن ذلك أيضاً مع تصريحات أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني بأن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين خففت من حزم الدعم المقدمة لمخيمات اللاجئين الموجودة في الأردن، وبعض عمليات الترحيل التي قامت بها حكومة بغداد للاجئين السوريين الموجودين على أراضيها باتجاه مناطق النظام، والتصريحات وإجراءات التضييق اللبنانية التي لا تختلف كثيراً.

وشدد الغازي على أن كل ذلك وضع اللاجئ السوري أمام بيئة قسرية، وإحساس بأنه وحيد، فهو غير مرحب به من قبل المعارضة التركية، والحكومة التركية التي لم تعط أهمية لكل شيء يتعرض له اللاجئ السوري.

وفي ذات السياق قال الغازي "أنا أرى بأن مشروع إعادة مليون لاجئ سوري، ليس مشروع الحكومة التركية أي الحزب الحاكم فقط، وإنما هو مشروع تم التوافق بين كل الأحزاب سواء كانت الحكومة أو المعارضة".

ومنذ بداية الثورة السورية فتحت تركيا أبوابها أمام اللاجئين السوريين الفارين من بطش النظام السوري، ووصل عدد السوريين المقيمين فيها قرابة أربعة ملايين لاجئ.