حلول تهرب من المشكلة

2023.03.28 | 05:56 دمشق

أسئلة السوريين.. بين وهم التطبيع وحقيقة الثورة
+A
حجم الخط
-A

على الرغم من أن المساعدات الدولية، التي أتت متأخرة، تعد السند الأساسي للسوريين في مواجهة كارثة الزلازل وتبعاته إلا أن غالبية السوريين يعتقدون أن مشكلتهم ليست في الخيم والأدوية، على أهميتها في الوضع الحالي الصعب، لأنّ هناك شعورا عاما بأن قضيتهم السياسية تضيع شيئا فشيئا.

وقد عانى الفلسطينيون قبل السوريين من مأساة تحول قضيتهم من قضية سياسية إلى قضية إنسانية. ويبدو أن (وصفة) تحول المشكلات السياسية إلى مساعدات إنسانية تريح الأطراف التي لا ترغب بأن تتدخل في الصراعات الساخنة، وفي الوقت نفسه لا تريد أن تتراجع صورتها أمام شعوبها. وفي المحصلة تعد الشعوب المنكوبة أكبر الخاسرين من تحويل قضيتها من سياسية تتعلق بالنضال من أجل الحرية والعدالة إلى قضية إنسانية تتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية.

بل إن المتابع لسلوك بعض الدول الساعية للتطبيع مع نظام الأسد يجد أنها تتعامل بطريقة مزدوجة مع الزلزال الأخير الذي ضرب سوريا. فهي تتعامل مع السوريين المنكوبين في الشمال عن طريق تقديم المساعدات الإغاثية بينما تتعامل مع قضية الزلزال بوصها قضية سياسية عندما يتعلق الأمر بالنظام الأسدي. وهو ما بدا واضحاً من خلال الوفود والاتصالات المتواترة مع النظام في دمشق، خلال الأسابيع القليلة الماضية.

غالبية الدول الساعية للتطبيع مع نظام الأسد أصبحت تنظر اليوم للقضية السورية على أنها قضية سورية (داخلية) بعد أن تراجعت احتمالات توسع ثورات الربيع العربي. مما يعني أن مَن كانوا يسمون أنفسهم "أصدقاء الشعب السوري" كانوا خائفين من أن ينجح الشعب السوري في ثورته

وفي الحقيقة فإن غالبية الدول الساعية للتطبيع مع نظام الأسد أصبحت تنظر اليوم للقضية السورية على أنها قضية سورية (داخلية) بعد أن تراجعت احتمالات توسع ثورات الربيع العربي. مما يعني أن مَن كانوا يسمون أنفسهم "أصدقاء الشعب السوري" كانوا خائفين من أن ينجح الشعب السوري في ثورته، وأنهم كانوا في صدد احتواء الثورة السورية لا أكثر، أي أنهم تعاملوا مع السوريين المنتفضين بوصفهم الطرف الأكثر احتمالاً لتولي السلطة في سوريا (الواقعية السياسية).

ومثل تلك الطرق البراغماتية في السياسة قد تنجح إلى حين، لكنها غالباً ما تتسبب بمشكلات في عالم السياسة المعقد، لا سيما وأن هناك انتقادات عالمية للنظرية البراغماتية في السياسة، وضرورة أن تأخذ قضية العدالة بعين الاعتبار. حتى أن هناك من يحلّل أزمة الغرب بأكمله بأنها أزمة عدالة، بمعنى أنه يقدم المنافع والمصالح على العدالة.

حتى الفيلسوف الأميركي جون رولز يبيّن وبوضوح أن السلطات غير الديمقراطية وغير العادلة تبقى المشكلة الأكبر التي تواجه العالم برمته. فهي أنظمة تؤمن بالقوة والعنف والحروب، ولا تسعى إلى السلام والعدالة إلا إذا أجبرت على ذلك، وبذلك تبقى مصدر التهديد الأكبر للاستقرار العالمي. ولذلك يعتقد توماس ناجل أن أهم مشكلة تعاني منها النظريات السياسية العالمية هي التعامل مع قضية العدالة ووصفها بـ "قضية جانبية"، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشعوب الأخرى. فالعدالة عنده أكبر من مجرد اختصار معاناة الشعوب إلى "مساعدات إنسانية".

في الحقيقة لا يمكن النظر إلى تزايد المطبعيّن مع النظام السوري على قلة تأثيرهم بوصفهم قوى سياسية غير فاعلة، لا يمكن النظر إلى أفعالهم السياسية إلا من زاويتهم وليس من زاوية النظام؛ أي أن التطبيع هو حاجة خاصة بهم أكثر مما هو سلوك سياسي تجاه نظام ديكتاتوري كريه، بل هم من عبَّر عن ذلك في وقت من الأوقات. فعندما تتواطأ دول المنطقة على إقامة نوع من (الاستقرار الوهمي) بينها فإن ذلك من الأمور التي تخفف من حالة التوتر التي ضربت المنطقة العربية لسنوات طويلة، وهو ما يؤثر إيجابا على استقرار تلك الأنظمة الداخلي.

ويحدثنا الكواكبي عن أن المستبدين والطغاة يساندون بعضهم البعض مساندة مجانية. بمعنى أنهم يساندون بعضهم، حتى لو لم يكن لهم مصالح مباشرة أو غير مباشرة من وراء تلك المساندة. فسقوط أي دكتاتور أو تعرضه لأزمة حقيقة يجعل الطغاة الآخرين في قلق قاتل على مصيرهم السياسي. وهذا ما يفسر حيرة السوريين من أن هناك أنظمة تطبع مع ديكتاتورهم على الرغم من أنه ليست لها أي مصلحة تذكر في التطبيع معه.

يبدو أن هناك أمراً مشتركاً بين نظام الأسد وإسرائيل، يتمثل في أنهما لم يقدما شيئاً يذكر للمطبعين معهم؛ مما يعني أن الاستقرار (الوهمي) هو كلمة السر في نهاية المطاف..

وتذكرنا حسابات التطبيع مع نظام الأسد بحسابات تطبيع المطبعين مع إسرائيل، إذ ليس للمطبعين مع إسرائيل أي مصالح حيوية حقيقية حتى يمنحوها التطبيع الذي تسعى إليه، لا سيما أن شعوب الدول المطبعة رافضة بشكل قاطع للتطبيع (كما تشير استطلاعات الرأي). ويبدو أن هناك أمراً مشتركاً بين نظام الأسد وإسرائيل، يتمثل في أنهما لم يقدما شيئاً يذكر للمطبعين معهم؛ مما يعني أن الاستقرار (الوهمي) هو كلمة السر في نهاية المطاف. ويعني ثانياً أن الدول المطبعة (سواء مع النظام الأسدي أو إسرائيل) قررت وبشكل واعي أن تضرب عرض الحائط برأي شعوبها بها.

يذكر أن محاولات سلطات المنطقة لإقامة استقرار وهمي يعكس أن خوف تلك السلطات على نفسها قد وصل إلى درجات عالية. دون أن يلاحظوا أن الاستقرار الوهمي قد يخدع صاحبه أكثر مما يخدع الآخرين.