حق التصويت والديمقراطية

2019.05.29 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يعتبر التصويت أو الانتخاب حقاً أقره الميثاق الدولي لحقوق الإنسان عام 1948 في المادة 21 "لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة أو عن طريق ممثلين يتم اختيارهم بحرية، وإن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة بواسطة انتخابات نزيهة تجري دوريًا بالاقتراع العام على قدم المساواة بين الناخبين، بالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت"، كما ضمنته دساتير غالبية الدول في العالم، وهو ليس حقًّا فقط بالنسبة لتعريفه المتعدد، بل يُعتبر واجبًا أيضًا، ويُعتبر ممارسة قانونية أو سلطة تمنح للناخب من أجل تحقيق المصلحة العامة وفق معايير قانونية تمنح إلى جميع المواطنين.

فالانتخاب وسيلة مهمة وضرورية يستخدمها الفرد من أجل أن يكون له مساهمة في القرارات العامة وصنع السياسات، الداخلية والخارجية عن طريق ممثليه الذين منحهم صوته باعتبارهم يمثلون سلطة الشعب، خاصة في الدول التي تنتهج الديموقراطية.

فالانتخاب وسيلة مهمة وضرورية يستخدمها الفرد من أجل أن يكون له مساهمة في القرارات العامة وصنع السياسات، الداخلية والخارجية

وباعتبار أن التصويت أو الاقتراع يعبر عن حالة تفاعلية، أو فعالية يلزمها طرفان، ناخب ومرشح، والمرشح مطلوب منه القيام بمسؤولياته وتحقيق مصلحة الشعب وليس النظام الحاكم، فإن وعي وفهم هذا الحق ضرورة ملحة بالنسبة لغالبية مجتمعنا السوري، بل والمجتمعات العربية، فلقد تعاقبت أجيال في العقود الأخيرة لم تعرف من الانتخابات وجهها المعافى والسليم، بالرغم من ادعاء الديموقراطية وسلطة الشعب في الكثير من دول المنطقة وأنظمتها، وبالرغم من أن غالبية الدساتير قد ذكرتها وضمنتها كحق من حقوق المواطنة.

لكن ما كان يحصل هو تغييب إرادة الشعب وتغريبه عن قضاياه وإفقاره فكريًا، ليس من قبل الأنظمة القمعية الحاكمة فقط، بل عن طريق الاستبداد الديني والفكري والاجتماعي بتناغم رهيب يصل حدّ التواشج المكين، وهذا كان من نتائجه موت الفكرة أو موت المفهوم في الكثير من القضايا المهمة بالنسبة للشعب والمجتمع والدولة أيضًا.

لا بدّ من تعريف الشعب بحقوقه، وهذا واجب، صحيح أن الشعب انتفض لكرامته ونادى بالحرية، لكن الصحيح أيضًا الذي لا بد من إقراره كواقع هو أن الشعب لا يعرف أو لا يتفهم تمامًا تلك الحقوق، لذلك كانت الانتخابات تُجرى بالترهيب، ليست الانتخابات فحسب، بل الاستفتاء الذي تعودت عليه شعوب المنطقة كوسيلة وحيدة للتصويت من أجل الرؤساء المؤبدين في تلك الأنظمة الخالدة، أو انتخاب أعضاء المجالس المحلية والبرلمانات وفق لوائح جاهزة تضعها السلطة الحاكمة أو تزكيها بقوة وبلعبة مكشوفة لكنها مفروضة بسلطة تلك القوة.

إن العملية الانتخابية قضية فائقة الأهمية بالنسبة إلى المجتمعات الديموقراطية، وهي إلى الآن الوسيلة الأكثر نجاعة من أجل تمكين الديموقراطية فيما لو أجريت بأعلى مستوى من النزاهة والشفافية ووفق المعايير الدولية.

لكن حتى تترسخ هذه العملية لا بد من إدراجها كمفهوم يجب التعرف عليه وفهمه وفهم معنى الديموقراطية الضامنة لأداء السلطة وتداولها بشكل يحقق مصالح الشعب ويضمن الاستقرار والنمو في الدولة.

فالانتخاب يمنح المواطن إمكانية التعبير عن رأيه ويمده بالثقة بالنفس والإحساس بالذات والكرامة عندما يعرف أن صوته مهم وأنه يقوله بمنتهى الإرادة والقناعة، ويعزز إحساسه بالانتماء إلى الكيان الذي يعيش فيه كمواطن بمقدار ما يشعر بأنه قادر على محاسبة الحكومة في أدائها عن طريق ممثليه المنتخبين على أساس البرامج التي يطرحونها الرامية إلى تحقيق مصلحته.

لم يعرف مواطنو بلداننا هذه الحالات من الانتخابات، علماً بأن الإعلام كان يسميها "عرساً ديمقراطياً" تكون دائماً نتيجته باهرة

عندما يشعر المواطن بكرامته ويعرف حقوقه التي يضمنها الدستور وواجباته التي يحاسب عليها القانون ويشعر بعدم التمييز وبأن لصوته قيمة عالية فإنه ينخرط في الشأن العام ويعرف كيف يمارس هذا الحق ولمن يمنح صوته، لذلك كان من المهم أن يعرف المواطن العربي هذه البديهيات التي أصبحت في المجتمعات الديموقراطية ثقافة عامة يتعلمها الفرد منذ طفولته ويتعلم معها التفكير والتفكير النقدي وكيفية اتخاذ القرار وكيفية ممارسة حقه الانتخابي كما يحصل اليوم في أوروبا في الانتخابات للبرلمان الأوروبي، إذ يتوجه الناخب الأوروبي بملء إرادته، بل بعزيمة واندفاع ترافقهما بهجة واضحة، وهذا يدل على مدى تشرب ثقافة الحقوق والديموقراطية والإحساس بالكرامة، هذا الإحساس الذي يدفعه إلى أن يدافع بنفسه عن كرامته عن طريق ممارسة حقوقه وعدم التنازل عنها، ولقد كانت النتائج التي حققتها هذه الانتخابات خير دليل على حيوية المجتمعات المعنية وعلى تمكن الممارسة الديموقراطية فيها بصعود أحزاب وتراجع أحزاب أخرى، بغض النظر عمّا يمكن أن تؤثر السياسات التي من المتوقع ممارستها بعد استكمال عملية الانتخاب وتشكيل المجلس الأوروبي الجديد على منطقتنا وعلى قضايا شعوبها خاصة فيما يتعلق بمشكلة اللاجئين أو التأثير في القرارات الرامية إلى وقف الحروب وإطلاق العملية السياسية المرجوة، فهي مثال على مراقبة الشعب لأداء حكوماته وتمسكه بحقه في السلطة، وبالتالي عن الفاعلية الانتخابية بطرفيها اللازمين، المرشح والناخب.

لم يعرف مواطنو بلداننا هذه الحالات من الانتخابات، علمًا بأن الإعلام كان يسميها "عرسًا ديموقراطيًا" تكون دائمًا نتيجته باهرة تعجز أي ديموقراطية أخرى في العالم عن تحقيقها، ويعجز أي حزب أو تيار في تلك المجتمعات عن تحقيقها.

لذلك، ومن أجل البناء الصحيح للمستقبل، ولكي تستفيد هذه الشعوب المنكوبة من تجاربها ومحنها الرهيبة، لا بد من الاشتغال على الوعي العام، ولا يكون الاشتغال فقط بالتنظير والكتب البحثية والدراسات النخبوية والمقالات المكتوبة بلغة فوقية تحدث فجوة بينها وبين العامة، بل بالنزول إلى الناس، بمخالطتهم ومخاطبتهم، بالتأسيس لنشر تلك المفاهيم وتمكينها في الحياة المجتمعية لتصبح جزءًا فاعلاً من منظوماتهم المعرفية والقيمية، ابتداءً من المراحل التعليمية الباكرة في المدارس مما يساعد في نشوء أجيال تعرف كيف تعبر عن نفسها وكيف تفكر وكيف تختار.