icon
التغطية الحية

تراجع إنتاج القمح في سوريا.. الأسباب والتبعات

2022.07.13 | 12:48 دمشق

زراعة القمح في سوريا
زراعة القمح في سوريا - رويترز
+A
حجم الخط
-A

هل اختفى القمح السوري أم أن سوء إدارته حال دون أن يحقق اكتفاء ذاتياً؟ وفي حال لم يحقق اكتفاء لماذا يتم تهريبه من منطقة نفوذ إلى أخرى؟ ولماذا بدأت حرب الأسعار تلك بين القوى المسيطرة المعارضة و"قسد" والنظام؟ وما أثر الجفاف على هذا المحصول وغيره من المحاصيل الزراعية؟

الخبير الاقتصادي الدكتور كرم شعار الذي حل ضيفاً على برنامج "الثلاثاء الاقتصادي" أجاب عن هذه التساؤلات، إذ ذكر أن تراجع إنتاج القمح في سوريا يأتي نتيجة عدة عوامل منها الجفاف الأخير الذي سبقه بعقود سوء إدارة الموارد المائية واستنزاف الاحتياطي الاستراتيجي للمياه الجوفية بسبب زراعة محاصيل لم تكن ملائمة لشمال شرقي سوريا والتي تحتاج إلى جهد كبير ومياه أكثر من قدرة المنطقة، مثل القطن على سبيل المثال.

وأشار إلى مشكلات أخرى في قطاع الزراعة مثل انخفاض منسوب المياه من نهر الفرات، لأن تركيا تمتلك أهم 3 سدود على النهر ومن ثم فالمنسوب الذي يصل إلى سوريا أقل بكثير مما كان عليه، كل هذا وذاك هو ما أدى إلى تدهور محصول القمح السوري وهذا العام كان الأسوأ منذ أكثر من ثلاثة عقود.

التدهور في الوضع الزراعي يختلف بين منطقة وأخرى وكان لشمال شرقي سوريا النسبة الكبرى من التضرر، وكذلك شمال غربي سوريا لكن الأسباب مختلفة، فغرباً السبب هو صعوبة استخراج المياه الجوفية أما في الساحل فنسبة الأمطار فيه جيدة نسبياً والمحاصيل كانت جيدة لهذا العام.

سد فجوة نقص القمح في سوريا

أما بالنسبة للاستيراد ومقدرة سوريا على استيراد المواد المطلوبة فواردات سوريا من القطع الأجنبي تأتي هذه الأيام من المحاصيل الزراعية بالدرجة الأولى، أهمها زيت الزيتون.

وحول إنفاق حكومة النظام السوري لسد فجوة نقص القمح قال شعار إنه من خلال دراسة قام بها "مركز السياسات وبحوث العمليات" تحت عنوان (آثار الجفاف المعاصر في سوريا وانعكاساته على الصراع) جرى احتساب الرقم الذي وصل إلى 18 في المئة من الموازنة العامة للدولة من مادة واحدة فقط، وهذا ما سيزيد معاناة سوريا الاقتصادية.

وأضاف أن مقدرة سوريا على استيراد القمح ليست مرتبطة بحصولها على القطع الأجنبي فحسب، وإنما مرتبطة بتنازلات سياسية أو اقتصادية للدول التي تستطيع توريدها بالقمح كروسيا.

فهي بكل تأكيد ليس لديها مخزون كافٍ من القطع الأجنبي للاستيراد لكنها في المقابل تعطي عقوداً لا يتم نشرها بالعلن للاستثمار بالفوسفات والنفط وغيرها فهي لا تريد أن تورد للنظام طالما أنه لا يستطيع السداد.

وكشفت مجلة "نيولاينز" من خلال تحقيق نشرته في وقت سابق أن النظام حصل على عقد من روسيا بفوائد مرتفعة لكن المردود الروسي من عقود النفط والغاز هو صفر حتى الآن رغم وجود عقود سارية، والاستفادة الحالية هي فقط من الفوسفات ومرفأ طرطوس ومعمل بتروكيماويات حمص.

وسبق أن أفرد "الثلاثاء الاقتصادي" حلقة نوقش فيها ملف الفوسفات بشكل كامل واستفادة روسيا منه.

تهريب القمح في سوريا

أما بالنسبة لحركة تهريب القمح من مناطق المعارضة إلى مناطق "قسد" فهي المرة الأولى التي يحتاج فيها شمال شرقي سوريا إلى القمح الموجود بمناطق أخرى، لكن كل الأرقام المنتجة في المناطق المختلفة لن تكفي حاجة السكان.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) يستهلك الفرد في سوريا وسطياً 75 كيلوغراماً من الطحين سنوياً، ما يعني أن الكمية التي ستنتج من شمال غربي سوريا (20 ألف طن) لا تكفي سوى 5 في المئة من سكان شمال غربي سوريا.

ما زاد الأمر تعقيداً هو ما حصل من قبل برنامج الأغذية العالمي الذي خفض كمية المساعدات الإنسانية لـ 4 مرات والمتوقع أنه سيستمر بتخفيضها الأمر الذي سيلحق أذى مباشراً بسكان شمال غربي سوريا.

أما عن دور المنظمات العاملة في الداخل والحكومات المسيطرة فيرى الدكتور كرم أنها ستضطر إلى أن تشتري القمح المستورد بأسعار عالمية هي الأغلى منذ سبع سنوات إذا لم تحدد سعراً مناسباً للفلاحين يتناسب مع كلفة الإنتاج وبطبيعة الأحوال سيبقى أقل بكثير من الأسعار العالمية.

الدور التركي

وعن الدور التركي في مسألة الجفاف التي أشارت إليها الدراسة في مركز السياسات وبحوث العمليات فإن تركيا لا تلتزم باتفاقياتها بخصوص نهر الفرات لكن سوء الإدارة في الطرف السوري زاد المشكلة سوءاً، فالنسبة المروية من القمح كانت 50 في المئة والباقي بعلي، أما اليوم فلا تتجاوز المروية الـ 20 في المئة.

واستعرضت الدراسة المذكورة آنفاً صوراً للأقمار الصناعية لصحة الغطاء النباتي ولخريطة الجفاف وكيف امتدت على كامل المناطق المزروعة تقريباً، فالأماكن غير المزروعة بقيت كما هي والمناطق التي كانت مزروعة انحدرت فيها الزراعة كشمال شرقي سوريا التي نالها القسم الأكبر من الجفاف بالإضافة إلى دمشق وريفها التي بدأت تظهر بحسب الخريطة اختفاء مساحات مزروعة الأمر الذي لحقه تبعات مثل اختفاء وجود الفلاحين في أراضيهم وعدم زراعتها، الأمر الذي ساهم بالإبقاء على جفاف هذه المساحة.

أما عن مستقبل الزراعة وجدواها الاقتصادية فيذكر الدكتور كرم أن النفط هو المصدر الأول للقطع الأجنبي، والآن بعد سيطرة فصائل مسلحة على المنطقة والعقوبات وعدم وجود إنتاج كاف تحولت الزراعة لتكون المصدر البديل والمصدر الأول للقطع الأجنبي الذي يستعمل لاستيراد سلع أخرى.

النقطة الثانية التي تجب الإشارة إليها هي اليد العاملة بغالبيتها التي تعمل بالزراعة بشكل مباشر كالفلاحة، أو غير مباشر كتصنيع المنتجات الزراعية، فبحسب منظمة "ريتش" (reach) التابعة للأمم المتحدة فإن نسبة العاملين بالزراعة في شمال شرقي وشمال غربي سوريا تتجاوز الـ 60 في المئة أي أكثر مما كانت عليه النسبة سابقاً، مما يجعل الضرر الذي سيسببه الجفاف هذا العام أكبر ويؤثر على شريحة أكبر بكثير من جفاف الأعوام 2006-2008.