icon
التغطية الحية

بغطاء الدبلوماسية.. قناصل فخريون في خدمة "حزب الله" حول العالم

2022.11.16 | 06:11 دمشق

حسن نصر الله أمين عام "حزب الله" مخاطباً أنصاره عبر شاشة فيديو في الضاحية الجنوبية (رويترز)
حسن نصر الله أمين عام "حزب الله" مخاطباً أنصاره عبر شاشة فيديو في الضاحية الجنوبية (رويترز)
إسطنبول - متابعات
+A
حجم الخط
-A

كشف تحقيق استقصائي دولي عن استخدام "حزب الله" اللبناني، عددا من القناصل الفخريين في أفريقيا على وجه التحديد، لدعم أنشطته الإجرامية بغطاء دبلوماسي على مدار سنوات طويلة.

وحدد التحقيق الذي أجرته منظمة "برو بوبليكا" (ProPublica) والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، ونُشر يوم الإثنين الفائت، ما لا يقل عن 500 قنصل فخري حول العالم، ينتمون لجنسيات شتى، متورطين بأعمال إجرامية ودعم جماعات إرهابية وأنظمة مستبدة، ومن بينهم مجموعة من القناصل الذين أدوا خدمات لصالح "حزب الله".

ووجد التحقيق، أن تجّار أسلحة وأشخاصاً أدينوا بارتكاب جرائم قتل وجرائم جنسية وغيرهم من الخارجين عن القانون عملوا قناصل فخريين، وقدموا خدمات لأنظمة دول مستبدة مثل سوريا وإيران وكورويا الشمالية وغيرها، من بينهم 9 قناصل دعموا جماعات وتنظيمات إرهابية، معظمهم مرتبطون بـ"حزب الله".

علي مرعي.. ممول حزب الله في جنوب السودان

أحد أبرز الأسماء التي كشف عنها التحقيق هو علي خليل مرعي، الذي عينه جنوب السودان قنصلاً فخرياً ممثلاً له في لبنان عام 2019، وهو مشتبه به في ارتكاب جنايات وتمويل نشاطات مشبوهة، بين لبنان والباراغواي والسودان.

غادر مرعي لبنان عام 1984، وفي عام 2000 قُبض عليه في الباراغواي بتهمة قرصنة برمجيات وألعاب فيديو وأقراص مضغوطة، فضلاً عن الاشتباه بتحويله أموالاً لـ"حزب الله"، ثم قُبض على شقيقه مصطفى خليل مرعي عام 1994 بتهم متعلقة بتفجير جمعية المعونة التبادلية اليهودية الأرجنتينية.

وظهر علي مرعي في جنوب السودان بطريقة غامضة، وبات مقرباً من الرئيس سلفاكير ميارديت، المتورط بجرائم حرب في بلاده، وأنشأ شراكة مع ابنة الرئيس في مجال التعدين، وكانت له صلات مالية بضابط معاقب من مجلس الأمن لتورطه بزعزعة الاستقرار في جنوب السودان.

وتسبب تعيين مرعي قنصلاً فخرياً في لبنان بجدل في الأوساط اللبنانية، حول دور "حركة أمل" و"حزب الله" بتمرير اسمه في اللائحة المعينة من قبل وزارة الخارجية التي كان يتولاها جبران باسيل، وبموافقة من رئيس الجمهورية حينها ميشال عون، كما يقتضي القانون، وفق ما أورد موقع "درج" اللبناني.

علي سعادة.. ممول حزب الله في غينيا

أحد أبرز الأسماء التي كشف عنها التحقيق كان علي سعادة، وهو رجل أعمال لبناني عيّنته غينيا قنصلاً فخرياً لها في لبنان عام 2006، وفي ذات العام ادعت الحكومة الأميركية أن سعادة كان قنصلاً فخرياً للبنان في ساحل العاج، وأنه ورجل أعمال آخر في غينيا يدعى إبراهيم طاهر، من أكبر ممولي "حزب الله".

وسعادة متهم بتحويل الأموال من غينيا إلى "حزب الله"، ومساعدة ممول آخر للحزب يدعى قاسم تاج الدين، مدرج على قائمة العقوبات الأميركية منذ عام 2009، للحصول على تسهيلات في تعامله من الحكومة الغينية على أعلى مستويات.

سجنت الولايات المتحدة سعادة لاحقاً، بتهمة المساعدة بنقل أكثر من مليار دولار عبر النظام المالي الأميركي، لكن موقع "درج" أشار إلى أنه جرى إطلاق سراحه عام 2020، في ما يبدو أنه صفقة مقايضة بين "حزب الله" وواشنطن، أفرج بمقابلها لبنان عن العميل الإسرائيلي عامر فاخوري، وهو أميركي من أصول لبنانية.

ومن المحتمل أن سعادة وطاهر وآخرين، قد نقلوا  إلى لبنان عام 2020 مبلغاً كبيراً من الأموال على متن طائرة، على صورة مساعدات إغاثية في مواجهة وباء كورونا، لكن واشنطن تعتقد أن الوباء كان مجرد غطاء لنقل أموال من غينيا إلى "حزب الله".

محمد إبراهيم بزي.. ممول حزب الله في غامبيا

محمد إبراهيم بزي رجل أعمال لبناني بارز، لديه نشاطات اقتصادية واسعة في إفريقيا وعلى وجه التحديد في غامبيا، إذ إنه من المقربين من الرئيس الغامبي يحيى جامع، والأكثر نفوذاً في دائرته، حتى إنه عُيّن قنصلاً فخرياً لغامبيا في لبنان عام 2005.

وكان جامع قد وصل إلى الحكم بانقلاب عام 1996، وبقي في السلطة حتى عام 2017، حكم خلالها بنظام استبدادي، ونهب مليار دولار عند مغادرته السلطة، واتُهم بارتكاب جرائم قتل واغتصاب وتعذيب وخطف.

كان بزي رئيساً لشركات الطاقة والبترول “غلوبال تريدنغ غروب” و”مجموعة يورو أفريكان”، واحتكر قطاع الوقود في غامبيا، وكان بزي على شراكة مع ثري لبناني يدعى علي شرارة، الذي يُعتقد بأنه أحد ممولي "حزب الله.

لكن موقع "درج"، ونقلاً عن رجل أعمال لبناني في إفريقيا، أشار إلى أن بزي يرتبط مباشرة بإيران وليس "حزب الله"، وسهل زيارة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى غامبيا عام 2011.

وبرحيل جامع عن السلطة عام 2017 خسر بزي صفة القنصل الفخري، لكنه سعى إلى تعيين ابنه في هذا المنصب، وفرضت عليه الولايات المتحدة عام 2018 عقوبات بوصفه ممولاً لـ"حزب الله"، وبعدها بعام واحد فرضت واشنطن عقوبات على ابنه متهمة إياه بأنه عمل نيابة عن والده.

وعاد اسم بزي للظهور مرة أخرى في مطلع الشهر الجاري، حين نشر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، أسماء شبكة تهريب للنفط الإيراني، حققت إيرادات لتمويل "حزب الله"، و"فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني.

عادل القصار.. المصرفي في خدمة الحزب

أشار التحقيق كذلك إلى تورط 13 مصرفاً لبنانياً بإدارة ونقل الأموال عمداً لصالح "حزب الله"، ومن بين هذه المصارف "فرانسبنك"، الذي استحوذ عليه كل من الشقيقين عدنان وعادل القصار، والأخير شغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمصرف، كما شغل منصب القنصل الفخري لدولة المجر في لبنان منذ عام 2002.

كما يوجد لمحمد البزي سابق الذكر، حسابات في مصرفين من المصارف الـ13 المتهمة، أحد هذين الحسابين في مصرف "فرانسبنك".

فوزي جابر.. القناصل لا يتورعون عن ارتكاب الحماقات

عام 2012 سقط فوزي جابر، وهو سمسار أسلحة يعمل لصالح "حزب الله"، في شباك خديعة لعملاء من تابعين لإدارة مكافحة المخدرات الأميركية، ادعوا أنهم مندوبون عن عصابة شهيرة في كولومبيا تخطط لإسقاط الحكومة ومهاجمة القوات الأميركية المتمركزة في البلاد.

واجتمع جابر بالعملاء المتنكرين في فندق بغانا، وهناك عرض عليهم الأسلحة التي يمكنه توفيرها لهم، كما عرض عليهم بيعهم صفة قنصل فخري من أجل تأمين الحماية، مقابل 200 ألف دولار، مشدداً على أن الدول الأفريقية هي الأفضل لشراء هذه المناصب الفخرية.

وفي عام 2014، جرى اعتقال جابر ومساعده  خالد المريبي وتاجر الأسلحة علي فياض، في براغ عاصمة تشيكيا، لكن العام التالي شهد اختطاف 5 مواطنين تشيكيين في ظروف غامضة، واضطرت الحكومة التشيكية لمبادلة المريبي وفياض بهؤلاء المختطفين، اتضح لاحقاً أن الطرف الآخر في المفاوضات كان "حزب الله".

أما جابر فجرى تسليمه إلى واشنطن عام 2017، وهناك اعترف بتهمة بيع مناصب القناصل الفخرية، لكنه رفض الاعتراف بعلاقته بـ"حزب الله"، كما أقر بأن كثيرا من القناصل الفخريين لا يتوروعون عن "ارتكاب أنواع الحماقات كافة".

ما هو القنصل الفخري؟

يعود تاريخ ظهور فكرة القنصل الفخري إلى فترة سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية على أقل تقدير، عندما عينت كل من اليونان والصين والهند ودول أخرى فيما بات يعرف اليوم باسم الشرق الأوسط، منسقين أجانب لتوسيع تجارتهم مع دول أخرى، وسرعان ما تم تبني هذا النظام في جميع أرجاء العالم، ومن المتفرض أن يكون هذا النظام الدبلوماسي بمثابة شريان حياة للبلدان غير القادرة على تحمل تكاليف افتتاح سفارات في جميع الدول الأجنبية.

ولا يُشترط أن يحمل القنصل الفخري جنسية البلد الذي أوفده، أو حتى البلد الموفد إليه، ولا يتقاضى بالضرورة راتباً من قبل الحكومة التي عينته، وفي أغلب الدول لا يُعتبر موظفاً رسمياً، لكنه يحظى بنفس الوقت بجزء كبير من الحماية الدبلوماسية والامتيازات التي ينالها السفراء والمبتعثون الرسميون، ويتولى القنصل الفخري مهمة تعزيز مصالح الدولة التي عينته، معتمداً على علاقاته ونفوذه الشخصي، لذلك غالباً ما يكون القناصل الفخريون أثرياء ورجال أعمال.

وعلى الرغم من وجود ثغرة واضحة في هذا النظام، سمحت بإساءة استغلال الدبلوماسية في كثير من الأحيان لأغراض "شريرة"، فإن القانون الدولي يكفل للقناصل الفخريين حرية التنقل والسفر في البلدان التي يخدمونها، وسجلاتهم ومراسلاتهم ومكاتبهم محمية من أي تفتيش.

ومن المرجح أن يكون القناصل الـ500 الذين كشف عنهم التحقيق، بمن فيهم عملاء "حزب الله"، أقل من العدد الحقيقي لأولئك المتورطين باستغلال هذا المنصب، إذ لا توجد وكالة دولية تتعقب نشاطاتهم، وعشرات الحكومات لا تفصح عن أسمائهم للعلن.