icon
التغطية الحية

بعد عام على الزلزال.. الخوف سيد الموقف والعلاج النفسي آخر الأولويات

2024.02.08 | 07:46 دمشق

بعد عام على الزلزال.. الخوف سيد الموقف والعلاج النفسي آخر الأولويات
رجل سوري فقد معظم أفراد عائلته يجلس مع أحد أبنائه فوق أنقاض بنايتهم المنهارة من جراء الزلزال في مدينة الأتارب - أ ف ب
+A
حجم الخط
-A

لم أنم طوال الليلة الماضية، خفت أن يتكرر الكابوس الذي حصل قبل عام، هذا ما قاله أحمد العبد الله (16 عاماً) الذي فقد أخيه نتيجة الزلزال العام الماضي في مدينة جنديرس، كلام العبد الله كان عن ليلة 6 من شباط 2024، مر عام كامل وما زال الشاب يشعر بالخوف من تكرار الهزات الأرضية والزلازل، كما أن سبب خوفه كان مرتبطاً بتفاصيل ليلة الزلزال ذاتها، والتي تكررت في ليلة الذكرى الأولى من منخفض جوي ماطر.

آمنة المحمود هي الأخرى قالت لموقع تلفزيون سوريا إنها تستيقظ في الشهر الواحد مرتين أو ثلاث مرات وهي تشعر بالخوف الشديد، ظناً منها أن زلزالاً ضرب المنطقة، كانت المحمود شاهدة على زلزال العام الماضي بتفاصيله، حيث تم استخراجها من تحت الأنقاض بعد 8 ساعات من انهيار منزلها عليها.

وتضيف آمنة: "منذ عام كامل وحتى الآن أنام دون أن أنزع حجابي عن رأسي، يجب أن أكون متأهبة للخروج من المنزل في أي ليلة فور تحرك الأرض".

الصدمة الكبيرة التي أصابت معظم سكان الشمال السوري جراء الزلزال المدمر العام الماضي، وتكرار حدوث هزات أرضية في المنطقة تسبب بأزمات نفسية كبيرة لدى البعض، تمثلت في قيام بعض الأشخاص برمي أنفسهم من النوافذ للنجاة بأنفسهم مع حدوث الهزات الأرضية في سوريا وتركيا.

مركز النفس المطمئنة

في مدينة الدانا شمالي إدلب، تقيم منظمة سامز مركزاً للصحة النفسية يحمل اسم "مركز النفس المطمئنة"، تحدث موقع تلفزيون سوريا إلى المعالج أحمد عبد الحي العامل في المركز الذي قال إن المركز بدأ باستقبال المتضررين نفسياً من الزلزال بعد وقوعه بأيام قليلة.

وبحسب عبد الحي فإن زوار المركز كانوا يعانون عدة أعراض أبرزها الخوف الممزوج مع مشاعر القلق المستمرة وخاصه في فترة الليل بسبب وقوع الزلزال الماضي في ساعات الليل، مع اضطراب واضح في النوم والتيقظ شبه المستمر تحسبا لوقوع أي هزة.

مع تكرار حدوث الهزات الأرضية الارتدادية لعدة أشهر، تطورت الأعراض لدى بعض الأفراد ودخلوا فيما يسمى "اضطراب ما بعد الصدمة"، ووفق عبد الحي فإن هذا الاضطراب يرتبط بمحددات منها: نسبة تضرر الشخص بالزلزال وما فقده بعد ذلك من أشخاص وممتلكات، والتغيرات الكبيرة التي طرأت على حالة الفرد النفسية والمادية والأسرية بعد الزلزال.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تطورت الأعراض لدى بعض المصابين بالاضطراب إلى ما يسمى "نوبات الهلع" والتي تتمثل بعدة أعراض جسديه أبرزها: خفقان وزيادة في دقات القلب، وتنميل بالأطراف وإحساس شبه دائم بدنو الموت.

علاج نفسي عن بعد

وأُطلقت منظمة عطاء مطلع تشرين الثاني 2023، منصة سمتها "عطاء بلسم"، وهي متخصصة في علاج الصدمات، وتقدم عدة خدمات أبزرها الاستشارات النفسية المرئية، حيث يقوم عليها خبراء ومتطوعون في مجال الصحة النفسية يقيمون في بلدان مختلفة.

وبحسب المعالج النفسي أحمد عبد الحي فإن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً سلبياً في تعزيز الخوف من أخبار الزلزال والهزات والتوقعات بحدوث زلازل أخرى.

حيث باتت الموضوعات المتعلقة بالزلازل تمثل الشغل الشاغل لدى معظم أفراد المجتمع، وخاصة ممن يعانون من أزمات نفسية وصدمات مرتبطة بالزلازل.

كما أن عددا من المحفزات الأخرى كفيلة بأن تعيد الفرد المتضرر من الزلزال إلى الصورة القاسية التي اختبر فيها الزلزال وعايشه، من بينها الساعة التي حدث فيها الزلزال الرابعة فجراً، واليوم الذي حدث فيه يوم الإثنين، والمنخفض الجوي الذي رافق حدوث الزلزال، إضافة إلى الهزات الارتدادية.

ويرى عبد الحي أن النسب المتفاوتة للأضرار النفسية وشدة الاضطرابات بين الأفراد تعود إلى تجربة كل على حدى، ونسبة الفقد لدى كل فرد، فمن فقد شخصا من أسرته صدمته أقوى ممن فقد منزله فقط.

كما أن طبيعة المسكن بعد الزلزال لعبت دوراً كبيراً في استمرار الأعراض، فقد لاحظ عبد الحي أن من يعيشون في الطوابق العلوية من الأبنية استمرت لديهم الأعراض لفترة أطول ممن انتقلوا إلى الطوابق الأرضية أو الخيام.

ويضيف عبد الحي بأن ظاهرة "فوبيا الزلازل" نشأت في المنطقة جراء حدوث زلازل أخرى في مناطق أخرى من العام، حيث أعادت مشاهد الموت والدمار التي رافقت تلك الزلازل مشاعر الخوف والقلق لدى المصابين باضطرابات الصدمة جراء الزلزال، كما أنها كانت سبباً في ظهور اضطرابات لدى أشخاص لم يصابوا بأي اضطراب سابق.

ما سبل العلاج؟

يقول أحمد عبد الحي أن بعض الحالات احتاجت لتدخل دوائي بأحد مضادات القلق والاكتئاب، مع متابعه جلسات العلاج النفسي، بينما ما يزال البعض حتى الآن يخضع للعلاج النفسي.

ويضيف أن العلاج لا يتوقف على مراكز الصحة النفسية، بل إن العلاج يبدأ من البيئة المحيطة للمريض والتي يمكنها تسريع شفائه عن طريق إبعاده عن كل ما يمكن أن يذكره بمسببات الاضطراب، كأخبار الزلزال، وذكريات الفقد التي عاشها الفرد.

العلاج النفسي بين الضرورة والرفاهية

لا إحصائيات دقيقة لعدد الخاضعين للعلاج النفسي بعد الزلزال، لكن عددا من العاملين في المجال الصحي يعتقدون أن نسبة الخاضعين للعلاج النفسي بعد الزلزال قليلة مقارنة بأعداد المصابين باضطرابات نفسية متفاوتة، وذلك نتيجة قلة الوعي تجاه أهمية العلاج النفسي، ونتيجة تذيله سلم أولويات سكان المنطقة التي تعيش حالة صعبة على مختلف الأصعدة.

تلك الرؤية عززتها شهادات من تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا حيث يقول حسام علوش إنه اصطحب طفليه خلال الشهرين الذين تبعا الزلزال إلى مركز للعلاج النفسي، لكنه توقف عن ذلك مع ضعف ظهور أعراض الاضطراب على الأطفال بعد مرور فترة على الزلزال، لكنه يؤكد بأنهم بحاجة لاستمرار العلاج ويعلل توقفه عن ذلك بوجود أمور أخرى ذات أولوية أكثر من العلاج النفسي، كالعمل وتأمين لقمة العيش والمسكن بعد فقدان المنزل.

إلا أن المعالج النفسي أحمد عبد الحي له وجهة نظر أخرى، حيث يرى أن الحرب الطويلة وما رافقها من اضطرابات نفسية رفعت الوعي لدى المجتمع تجاه الصحة النفسية وضرورة العلاج النفسي، ونسفت المعتقدات البالية التي كانت تسيطر على المجتمع والتي تربط الاضطرابات النفسية بوصمة الخوف والعار لكونها تربط المضطرب نفسياً بالجنون.

وبحسب عبد الحي فإن المقولة السائدة إن العلاج النفسي هو ترفيه سقطت فهو في تجربتنا أصبح جزءا كبيرا من تعاف عام للمريض وحتى المريض جسديا أو عضوياً فالتدخلات النفسية أثبتت أهميتها ودورها في تسريع عملية التحسن والشفاء .

ويضيف أن نجاحات عديدة لقصص مرضية زادت من أهمية طلب المساعدة النفسية، ويرى أن الأشخاص الذين يراجعون المركز الذي يعمل فيه طلبا للمساعدة النفسية هم من كل شرائح المجتمع وطبقاته.