icon
التغطية الحية

كوابيس الزلزال تطارد الناجين طوال عام.. وسوريون يعودون إلى الصفر في تركيا

2024.02.04 | 05:49 دمشق

زلزال تركيا وسوريا
قتل قرابة 6 آلاف شخص في حين تضرر أكثر من مليون 1.800  ألف نسمة في سوريا من جراء الزلزال ـ إنترنت
إسطنبول - دانا المكي
+A
حجم الخط
-A

"كل ما أتذكر هديك اللحظة بحس حالي تحت الركام عم أصرخ وما حدا عم يسمعني"، ليلة لم تكن كغيرها من الليالي بالنسبة لنور، على الرغم من مرور عام على مأساة الزلزال 6 من شباط، إلا أن آثاره حفرت عميقا في نفسها وسببت لها صدمة نفسية تحاول التعافي منها إلى يومنا هذا.

تحدث موقع تلفزيون سوريا إلى مجموعة ناجين سوريين عاشوا أهوال ذلك اليوم، واستطلع أوضاعهم الاجتماعية والنفسية بعد مرور عام على وقوع أكبر كارثة منذ ثمانية عقود، أودت بحياة نحو 50 ألف شخص بحسب وزارة الداخلية التركية وشرد ما لا يقل عن 1.5 مليون شخص، وتسبب الزلزال وما تلاه من توابع في مقتل نحو 6 آلاف شخص وإصابة 12000 آخرين في جميع أنحاء سوريا، ومن بين 8.8 ملايين سوري تضرروا، كان هناك 3.7 ملايين شخص من الأطفال والنساء الحوامل. بحسب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.

لعنة الأنقاض تلاحق السوريين في غربتهم

كان يوما عاديا حتى المساء بالنسبة لنور (12) عاما، فتاة سورية أقامت في مدينة غازي عنتاب برفقة عائلتها لسنوات، وكانت تحلم آنذاك بأن تصبح طبيبة وتدرس تخصصها في إحدى الجامعات التركية لكن الهزات العنيفة حملتها إلى دنيا أخرى.

تسرد نور بعضا من ذكرياتها وتقول "لحظة وقوع الهزة الأولى كنت وعائلتي في حيرة من اتخاذ قرار البقاء في المنزل أو الخروج إلى الشارع، و للمصادفة كان الخيار الأخير هو طوق نجاة العائلة التي رجحت الخروج".

وتضيف "فرحة النجاة لم تكن كاملة خاصة بعد ملاحظاتنا لغياب أحد أفراد الأسرة الذي كان في زيارة لأحد أصدقائه، كان صراخ أمي الأقوى بين كل ذلك الهلع إنها تنادي على رامي أخي الذي لم يستجب لذلك النداء حتى اليوم".

وتتابع "لقد فقدنا رامي في تلك الكارثة، ومنذ ذلك اليوم، يرافقني الخوف والقلق عند تأخر فرد من عائلتي عن المنزل، حتى أنني أتحاشى النوم وحيدة، أصبحت أكثر ارتباطا بالعائلة".

تعيش نور اليوم مع عائلتها في مدينة تورنتو الكندية على وقع تلك الذكريات المؤلمة، لقد تمكنوا من السفر عبر الاستفادة من إعادة التوطين، وهي تحاول بمساعدة طبيب نفسي أن تنفض عن جسدها وروحها تلك الآلام، كما تقول.

يذكر أنه بدعوة من الأمم المتحدة لاستقبال ضحايا الزلزال السوريين، استقبلت دول غربية وفي مقدمتها كندا الآلاف من اللاجئين، في حين سهلت دولا أخرى مثل هولندا إجراءات لم الشمل وسرعت ملفات إعادة التوطين.

"الصفر" نصيب الناجين الباقين في تركيا

الزلزال بالنسبة لريم (28) عاما كان بمنزلة نقطة تحول أعادتها إلى الصفر، خاصة وأنها كانت قد تزوجت حديثا وأسست منزلها كما كانت تحلم، ولكن سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس بعد ذلك الصوت، الذي لم تستطع التعبير عنه سوى بكلمة مخيف بحجم الكارثة.

تقول ريم لموقع تلفزيون سوريا "استطعنا الخروج أحياء من تحت الأنقاض بأعجوبة، كل شيء من حولنا تحول إلى حطام منزلنا ومدينتنا التي عشنا فيها لسنوات أنطاكيا سويت بالأرض، ومحل الملابس الذي امتلكه زوجي أيضا بما فيه من بضاعة أصبح تحت الركام، لقد فزنا بحياتنا وخسرنا كل شيء آخر، قضينا ليلتنا الأولى في أحد الجوامع.. لم أكن أستوعب ما حصل، ولم يكن هنالك وقت بعدها لنستوعب حجم المصاعب التي واجهتنا، وطأة الأشهر الأولى أفظع ماعشته خلال حياتي أتنقل مع زوجي من خيمة إلى مدرسة إلى مركز إيواء حتى وصلنا في نهاية المطاف إلى إسطنبول على أمل البدء من جديد".

وتتابع "مع وصولنا إلى إسطنبول بمساعدة مادية من الأقارب، كنت أتمنى أن تتضاءل مشقة الرحلة، لكنها تعاظمت مع رفض أصحاب المنازل تأجير بيوتهم لأجانب حتى بعد معرفتهم بأننا ناجون من الكارثة، لبثنا شهرين آخرين حتى تمكنا من العثور على منزل صغير، أعمل أنا وزوجي لتأمين لقمة العيش، والمشقة الكبرى اليوم أن أغمض عيني دون أن أتذكر، آمل أن أستطيع ذلك قريبا من دون أن أنقل هذا القلق كله إلى طفلي الذي اكتشفت أنه رافقني الرحلة من أحشائي".

بعد مرور عام على الزلزال المدمر ما يزال كثير من الناجين يعانون أزمات نفسية ومالية قاسية، كما يعيش كثير منهم متخوفا من وقوع حادثة مشابهة، خاصة مع تنبؤات تزيد من احتمالية وقوع زلزال مدمر في إسطنبول التي لجأ إليها كثير منهم.

الأطفال والنساء الشريحة الأكثر تضررا

في هذا الصدد تقول عائشة قصاص مديرة مركز منظمة "الأوسم" في هاتاي لموقع تلفزيون سوريا، وهي منظمة تعمل في المجال الإنساني، إنهم تمكنوا خلال العام الماضي من تثبيت نحو 2500 حالة لأشخاص سوريين يعانون أضرارا نفسية، 70 في المئة منهم نساء، إضافة إلى 1244 طفلا يخضعون إلى اليوم لبرنامج علاجي.

أما عن أهم الحالات النفسية المتعلقة بآثار الزلزال تقول اختصاصية الأطفال والاستشارات النفسية رحمة عبود إن اضطراب ما بعد الصدمة ومتلازمة دوار ما بعد الزلزال هما الأكثر شيوعا إضافة إلى الاكتئاب الشديد والقلق والتوتر، والهلوسة الليلة كما يعبر عنها بعض المصابين.

وتتمثل هذه الاضطرابات بالخوف والانعزال وكوابيس الليل واضطراب النوم والتبول غير الإرادي والسكوت وعدم التعبير عن الخوف، وقد تؤدي بعض الأحيان إلى نوبات هلع، وتكثر هذه الأعراض عند الأطفال.

على الجانب السوري كان الوضع مزرياً

مع تعثر وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى المناطق الشمالية التي دمرها الزلزال في سوريا، عانى العالقون تحت الأنقاض لساعات طويلة، وتقلصت فرصهم في النجاة، كما أعلنت فرق الإنقاذ المحلية عجزها عن مواجهة الكارثة.

سجلت المنظمات العاملة في شمال غربي سوريا مقتل نحو 6 آلاف شخص في حين تضرر أكثر من مليون 1.800  ألف نسمة، ونزح ما يقرب من 311 ألف فرد داخليا، يشكل الأطفال والنساء نبسة 67 بالمئة من مجموع هذه الإحصائيات بحسب "منسقو الاستجابة".

يقول علي أمين وهو أحد الناجين من جنديرس المدينة الأكثر ضررا في زلزال شباط، ويسكن اليوم في مخيم بمدينة دارة عزة، إنه ومنذ ذلك اليوم لا يستطيع إخراج أنين العالقين تحت الأنقاض من ذاكرته، توقظه أصواتهم كل ليلة، في حين يتحاشى وعائلته السكن في أي مكان له جدران ويفضلون الخيمة على المنزل.

أما بالنسبة لأطفاله فيتابع علي أنهم ومنذ (هداك اليوم) كما يسميه يعانون من أعراض نفسية وهلوسة ليلة إضافة إلى تبول لا إرادي مرافق لأثار الصدمة، رغم بلوغ أحدهم الثامنة من عمره.

لا أرقام حقيقية مصاحبة لمن يعانون من اكتئاب ما بعد الصدمة ولا لمن يحتاجون لمناهج دعم نفسي في سوريا، كما يؤكد براء جمعة وهو مختص نفسي عمل في هذا المجال لسنوات، لكنه يشير إلى أن هناك ثلاثة من أصل أربعة أطفال قابلهم ما تزال تصاحبهم أعراض نفسية مقلقة، ما يعادل 75 في المئة من هذه الشريحة.

ويرى أن إهمال التعاطي مع الأعراض الناتجة عن الزلزال قد يزيد مع الزمن خطر هذه الاضطرابات لا سيما عند الأطفال والنساء، ويدعو المنظمات لتوفير العيادات النفسية المجانية وزيادة المشاريع والنشاطات الداعمة لهذه الفئات الهشة.