icon
التغطية الحية

انتظار قاتل.. حلم العودة يستنزف مهجري تل رفعت نفسياً ومادياً

2022.12.01 | 06:12 دمشق

تل رفعت
مدخل مدينة تل رفعت شمالي حلب
+A
حجم الخط
-A

منذ تهجيرهم من منازلهم، عام 2016، من قبل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بإسناد روسي - إيراني، يعيش مهجرو مدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها شمالي حلب على أمل العودة إلى مناطقهم مجدداً، لدرجة أن معظمهم اتخذوا من الخيام مأوى مؤقتاً لهم، اعتقاداً منهم أن العودة قريبة، وأن الحياة لا بد أن تستمر تحت أسقف منازلهم.

إلا أن الوعود التي تطرق آذانهم بين الحين والآخر ببدء الأعمال العسكرية ضد "قسد" وانتزاع تل رفعت منها، لم تُترجم إلى أفعال حتى اللحظة، وهو ما استنزف المهجرين معنوياً ومادّياً، وكان له مفعول عكسي واضح عليهم، فمنهم من لم يحتمل الانتظار أكثر، فمات كمداً وحزناً، ومنهم ما زال يعاني تحت وطأة الانتظار القاتل.

وتجدّد الحديث عن عملية عسكرية تركية محتملة في شمالي سوريا، خلال الأيام الماضية، وأكّد المسؤولون الأتراك أن العملية تهدف إلى السيطرة على مناطق تخضع لسيطرة "قسد"، تحديداً تل رفعت ومنبج وعين العرب في ريف حلب، كما رفع الجيش الوطني السوري الجاهزية، وعقد اجتماعات مع الجانب التركي لمناقشة خطط العملية المتوقعة.

هذه الوعود تعني الشيء الكثير لعشرات الآلاف من المهجّرين، وخاصة المنحدرين من مدينة تل رفعت وما حولها، نظراً لأن غالبيتهم خرجوا من المدينة عند سيطرة "قسد" عليها، وفي الوقت نفسه، لم يعد اهتمام هؤلاء المدنيين بالتصريحات التركية حول السيطرة على تل رفعت كما السابق، لكنهم مجبرون على التعلق بهذا الأمل ومواصلة السير في نفق الوعود المظلم، عسى أن يجدوا النور في نهايته.

وقبل يومين تلقّى عشرات آلاف المهجرين، "أنباء صادمة" نقلها موقع قناة الجزيرة عن مصادر تركية رسمية (لم يسمها)، حول جهود تبذلها روسيا لتلبية مطالب تركيا شمالي سوريا، من أجل تجنب عملية برية قد يشنّها الجيش التركي ضد "قسد" في المنطقة.

وقالت المصادر إن تركيا اشترطت انسحاب "قسد" من منبج وعين العرب (كوباني) وتل رفعت في ريف حلب، وعودة مؤسسات النظام السوري بديلاً عن "قسد"، بما فيها القوات الأمنية وحرس الحدود، ليعرب مهجّرو منطقة تل رفعت عن رفضهم لهذه الشروط، مؤكدين أن "النظام وقسد" تسبّبا معاً بمأساتهم وتهجيرهم.

سكتات قلبية على وقع الانتظار

 

قال الشاب "فراس"، وهو من مهجري تل رفعت ويعيش في مخيم قرب الحدود التركية، إنّ إثارة ملف مدينة تل رفعت بشكل متكرر من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتوعده بالسيطرة على المدينة، دون أن يرافق التهديد أعمال ميدانية في الواقع، سبّب صدمات لمهجّري المدينة، ما أدّى إلى وفاة نحو 15 شخصاً، إثر سكتات قلبية وجلطات دماغية خلال فترات متقطعة.

ويضيف "فراس" في فيديو نشرته الصحفية الهولندية "رينا نيتجيس" على موقع "تويتر"، إنّ اليأس يتسلّل إلى نفوس أهل تل رفعت مع كل ضجة إعلامية حول بدء الأعمال العسكرية للسيطرة على المدينة، فالكثير منهم يأخذ الوعود على محمل الجد، ويبدأ بتفكيك الخيام، ثم يُصدم بعدم ترجمة الأقوال إلى أفعال.

ويتفق جهاد جمال الناطق باسم المجلس العسكري لمنطقة تل رفعت مع قول الشاب فراس، حيث قال جمال، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "منذ 8 سنوات وحتى اليوم عشنا مع العديد من الوعود، والتي كان لها أثر سيئ على أهالي مدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها، من نواح معنوية ومعيشية ومادية، إذ يأمل النازحون بالعودة، وبالتالي يعيشون حالة من عدم الاستقرار من حيث الاعتماد على فتح أبواب رزق وإنشاء مشاريع اقتصادية، وكذلك الحال بالنسبة لمكان إقامتهم، فلا يقومون بإعادة تجديدها أو إقامة مساكن جديدة لهم".

اقرأ أيضاً.. خطوط المواجهة المحتملة في تل رفعت شمالي حلب |فيديو

ويعتقد "جمال" أن الوعود التركية باستعادة تل رفعت تحمل في طياتها غايات انتخابية، تؤثر نفسياً على مهجّري المدينة، مردفاً: "مع كل وعد يتفاءل أهلنا بالعودة، ومن ثم يصيبهم اليأس والإحباط، ويعيشون حالة نفسية سيئة، الأمر الذي أدى لوقوع عدة حالات وفاة بسبب ذلك".

وأضاف: "يمكن القول، إن أهالي مدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها والمحتلة من قبل قسد، يعتبرون تلك الوعود دعاية انتخابية تهدف لتحقيق مصالح ومكاسب سياسية أو اقتصادية، وبالتالي لم يعودوا يصدقون أياً منها، خاصة أن مدينة تل رفعت أصبحت قضية للابتزاز بين أطراف أستانا"، حسب وصفه.

تهجير تحت ضربات روسيا و"قسد"

لم تكن قوات "قسد" هي الوحيدة المتسبّبة في تهجير سكان مدينة تل رفعت وما حولها، عام 2016، بل كان الإسناد الجوي الروسي المكثف، والدعم الإيراني عاملاً أساسياً في حسم المعركة لصالح "قسد"، وبدء فصل جديد من المعاناة والتشرد لآلاف العائلات التي أُجبرت على ترك منازلها والعيش في الخيام حتى الآن.

تفاصيل تلك الأيام، يرويها الناشط المهجّر من تل رفعت، بشير علّيطو، الذي كان ممثلاً للمكتب السياسي لمنطقة تل رفعت وما حولها، حيث قال لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ القصف على تل رفعت ومحيطها لم ينقطع منذ بداية الثورة، لكن في بداية عام 2016 شنّ الطيران الروسي حملة قصف جوي همجية بشكل غير مسبوق، وبلغ عدد الغارات الجوية، المئات، خلال أقل من أسبوع، وبدأ الأهالي بالنزوح من بيوتهم حفاظاً على حياتهم وحياة أطفالهم، واستمرّ تصعيد القصف حتى 15 شباط 2016، ما أدّى إلى إخلاء المدينة والقرى المحيطة بها بالكامل ونزوح المدنيين من دون أي مقومات للحياة ولا مخيمات تستقبلهم وسط جو ماطر وبارد، بالإضافة إلى إغلاق الحدود التركية بشكل تام أمامهم.

وتلقّى الأهالي كثيراً من الوعود بالعودة إلى مناطقهم، على لسان كبار المسؤولين الأتراك، ويضيف "علّيطو" أنه "لا يفصل بين الوعد والآخر سوى أشهر قليلة، مما جعل الأهالي في حالة انتظار قاتل واستنزاف معنوي ومادي، حتى وصل الحال بغالبيتهم إلى الفقر الشديد واليأس والقنوط من تنفيذ الوعود".

وتابع: "أهالي هذه المناطق هم أكثر مَن يشعر بمعاناة النازحين الآخرين من مختلف مناطق سوريا، فهم يعيشون مثلهم في مخيمات بائسة، لكن يختلفون عنهم بتكرار الوعود بالعودة القريبة، فلم يستغلوا ما كانوا يملكون من مال لتحسين حياتهم أو خلق فرص عمل لهم ولأبنائهم أو بناء بيوت تقيهم برد الشتاء وحرّ الصيف، بل كانوا ينتظرون تنفيذ الوعود المتكررة وإدخار ما يملكون لإعادة بناء بيوتهم التي دمّرها القصف الوحشي، وزراعة أرضهم وإعادة تشغيل وتأهيل محالهم وورشهم ومشاريعهم التي نهبتها عصابات PKK، التي سرقت المعدات والمحركات والبضائع من المحال التجارية، حتى أثاث البيوت، وأنشأت سوقاً قرب عفرين لبيع هذه المسروقات، وهذا الحال أفقد المهجرين من تل رفعت القدرة على بدء حياة جديدة".

"الطعنة القاتلة"

يرفض أهالي تل رفعت وجود نظام الأسد في مدينتهم، ويعارضون بقوة أي عروض لإخراج "قسد" من المدينة على حساب سيطرة النظام عليها، علماً أن قواته تنتشر إلى جانب "قسد" في عشرات المواقع بالمنطقة

وبهذا الصدد يقول "علّيطو"، إنّ "إدخال عصابات النظام كبديل لعصابات قسد سيكون بمثابة الطعنة القاتلة لأهالي هذه المناطق، وسيفقدهم بقية الأمل الذي يتمسكون به، ويخلق لديهم شعوراً بأن تركيا حليفهم الوحيد تخلّى عنهم وتجاهل حقهم بالعودة إلى أراضيهم ولم يكترث لمعاناتهم ومعاناة أطفالهم ونسائهم، ولم يلتزم بتنفيذ وعوده لهم، وكأنه يقول لهم تأقلموا مع الظلم الذي تتعرضون له، ومع حياة المخيمات البائسة، وشاهدوا مستقبل أطفالكم يضيع أمام أعينكم، فهذا الحليف يعلم كما يعلم الأهالي أنّ عصابات النظام والميليشيات الطائفية الحاقدة ليست أقل إرهاباً من عصابات PKK".

وذكر الناطق باسم مجلس تل رفعت العسكري، أنّ "قسد والنظام وجهان لعملة واحدة، فمن المعروف أن النظام هو من أكثر الداعمين لقسد، وخلال عملية تهجير أهالي مدينة تل رفعت كانت الطائرات الروسية والراجمات والمدفعية التابعة لنظام الأسد تمهّد لـ قسد، لذلك كل حديث عن التفريق بينهما هو حديث بعيد عن الحقيقة".

وبخصوص ما انتشر عن الشروط التركية باستبدال "قسد" بقوات النظام السوري في تل رفعت ومناطق أخرى، قال "عليطو": "بالنسبة لنا كلا الطرفين أعداء للشعب السوري، ولن يعود الأهالي إلى مدينتهم بوجود تلك الميليشيات، والاستبدال لا يحقق أي فائدة لا للدولة التركية ولا للثوار، بل على العكس، هو مضر بمصالح الدولة التركية نظراً لتعويم هذا النظام الذي سينقل إرهابه إلى الداخل التركي".

وأشار إلى أن "هدف ثوّار مدينة تل رفعت واضح حتى وإن لم يتقاطع مع المصالح التركية، ويتمثل بتحرير مدينتهم من المحتلين الموجودين فيها، وهم الاحتلال القسدي والاحتلال الأسدي".

"معاناة وتشظي في المخيمات"

عند الحديث عن تل رفعت، يجب التذكير بأن المقصود ليس مركز المدينة فقط، حيث يؤكد بشير عليطو أن تل رفعت وما حولها تتألف من 48 تجمّعاً سكنياً، كلها تسيطر عليها "قسد" مع وجود رمزي غير ثابت لقوات النظام.

ومن القرى والمزارع القريبة من تل رفعت (دير جمال، الشيخ عيسى، احرص، زيتان المصنع، تل جبين، دوير الزيتون، تل عجار، كفر أنطون، تنب، طاطمراش، عين دقنة، البيلونية، كشتعار، كفر ناصح، قنقوز، جيجة، كفر نايا، الشيخ هلال، مسقان".

وبحسب "عليطو"، يتجاوز عدد المهجّرين من هذه المناطق 150 ألف نسمة، إضافة إلى عشرات الآلاف الذين كانوا يقيمون فيها من غير أهلها الأصليين، حيث نزحوا إليها من مناطق أرياف حلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، ومناطق أخرى.

ويعيش غالبية المهجرين من منطقة تل رفعت، في مخيمات بنوها بأيديهم مثل: مخيمات (يازي باغ - معبر السلامة القديم - معبر السلامة الجديد - مخيم الكراج - مخيم سجو - مخيم الشهداء)، إضافة إلى وجود عدد في المخيمات النظامية مثل: مخيمات (سجو كرفانات - الريان - الإيمان - المقاومة - النور - الحرمين - الرسالة)، بينما يعيش عدد محدود نسبياً منهم، في مدن وبلدات اعزاز ومارع وكفركلبين وجبرين وغيرها.

العملية العسكرية التركية

يبدو من خلال استعراض المؤشرات العسكرية للجانب التركي، أنّ شنّ عملية بريّة بحاجة إلى مزيد من الإجراءات، والتي يُمكن اتخاذها بسهولة وبسرعة، إلّا أنّ غيابها يعني أنّ تركيا لم تصل بعد إلى مرحلة قرار التوغل البري، بحسب تحليل لمركز "جسور" للدراسات.

ويعتقد المركز أن التصعيد الحالي في الموقف يمثّل إحدى مراحل التفاوض بالقوة بين الفاعلين الدوليين في سوريا، ويهدف إلى وضع "قسد" تحت الضغط الأقصى، بحيث تكون أمام خيارين: إما سيطرة تركيا على عدّة مناطق، لا سيما تل رفعت وعين العرب وعين عيسى، أو سيطرة النظام عليها دون أي عمليات قتالية، وستكون "قسد" في كِلا الحالتين الطرف الخاسر.

بالنسبة لتركيا، فإن السيناريو الأمثل، هو سيطرة فصائل المعارضة على تلك المناطق، بما يوسّع من نفوذها على حساب مناطق "قسد"، فيما يرغب النظام وحلفاؤه بإنهاء جيب تل رفعت شمالي حلب، والذي أُنشئ في ظروف لم تَعُدْ قائمة حالياً، كما أن لديهم رغبة في إنهاء موقف "قسد" المتعنّت خلال التفاوض مع النظام، وقد يُنظَر في هذا الصدد إلى استخدام تركيا للقوة بمثابة فرصة لإخضاع قسد للشروط المقبولة من قِبل إيران وروسيا.