المثقف التابع والتنوير العربي

2023.07.26 | 06:29 دمشق

آخر تحديث: 26.07.2023 | 06:29 دمشق

المثقف التابع والتنوير العربي
+A
حجم الخط
-A

لوقت طويل كان مفكرون من أمثال أدونيس ونصر حامد أبو زيد يحيلون أزمة الراهن العربي الممتدة عبر القرن العشرين والقرن التاسع عشر إلى أزمات الماضي الثقافية كقصة خلق القرآن أو مواقف الشرع والنقل من الوجود والعالم والإنسان.

في الرد على هذا الزعم لا بد من الإيضاح أنه مع تجذر الدولة القطرية، لم يعد يجمع العرب زمن واحد بل قل أزمنة عربية (باعتبار وجود أكثر من راهن أو واقع عربي، فلكل مجتمع عربي راهنه المميز نسبياً).

وثانيا فإن نظرة كل من أدونيس وأبو زيد مثقلة بثقافوية تبرر لأهل السلطات السياسية المستبدة تقصيرها، كما تبرر لهم سلوكهم المعادي للإنسان العربي، فالراهن هو الفاعل، أو هو الفاعل الأكثر تأثيراً، والفاعل هو الحاكم السلطة، ولا يجب اتهام الماضي إلا عندما نتهم بعض المفتين الذين يستخدمون أسوأ لحظات الماضي لتأييد أو تبرير أسوأ أفعال السلطة الراهنة، أو الحاكم الجاثم على صدورنا "إلى الأبد". فهؤلاء يستخرجون من جثة الماضي أقذر ما فيها ليبرروا ما يفعله حاكم ما، أو ليبرروا ما سيفعله الحاكم مستقبلا بحق الجماهير. وهؤلاء المثقفون "المشايخ" حراس الماضي حراس الجثث يحولون المسلمين من مسلمين يسلمون أمرهم إلى الله إلى مسلمين يسلمون أمرهم للحاكم السلطان وإلى مشايخ السلطان..

ومن هنا فالتنوير الإسلامي إذا ما تمّ حقا فهو التنوير الذي يأخذ إجراء جذريا بحق وعاظ السلاطين الرؤساء من مثقفين وإعلاميين ومشايخ...

هل هناك ثمة عوائق في النص المقدس والمصادر الكلاسيكية لتحقيق هذه القيم الحداثية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة؟

بعض تلك المغالطات أصبحت تيمات ثقافيه لزمن ما بعد الكولونيالية الراهنة تختصرها هذه السطور التالية بتكثيف:

"السؤال الحيوي الذي يفرض ذاته في هذا السياق هو: إلى أي مدى الحديث عن إمكانية انسجام تلك المجتمعات الإسلامية مع المفاهيم الغربية الحديثة للتعددية اللازمة لتحقيق قيم حقوق الإنسان؟ وهل هناك ثمة عوائق في النص المقدس والمصادر الكلاسيكية لتحقيق هذه القيم الحداثية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة؟".

ما سبق هو جزء من نص دعوة تلقيتها من مركز ثقافي حواري في أوروبا.

فهذا النص يقول لنا ثلاث مسائل أساسية:

الأولى: ضرورة انسجام المجتمعات الإسلامية مع المفاهيم الغربية الحديثة للتعددية!! حسنا فلتفتش في جوهر هذا الطرح، لماذا يجب على مجتمع غير غربي أن ينسجم مع مفاهيم غربية تخصّ الغرب؟ هل الغرب هو مركز العالم والكون؟ وهل مفاهيم الغرب صالحة لكل مكان وواقع وظرف وثقافة وذهنية؟ هنا نواجه إعلاناً عن مركزية الغرب، إعلانا بفوقية واضحة دون تلاوين، قل إعلانا سافراً ودعوة لا تحتمل التأجيل أو التشكيك..

الثاني: دون هذه المفاهيم الغربية لا تتحقق حقوق الإنسان، فهل الإنسان الغربي يحصل بالفعل على حقوقه بالكامل؟ (حق الكلام والقرار في مواجهة مشروع إجبارية اللقاح ضد كورونا مثلا. التظاهر ضد إسرائيل مثلا أو طرح أسئلة عن الهولوكوست، وعن مرجعية هتلر الفكرية؟؟) وهل الغرب معني فقط بحقوق الإنسان الغربي دون حقوق الإنسان المسلم أو غير الغربي الذي يعيش في الغرب؟

الثالث: يحيل هذا النص أي عائق يحول دون انسجام المجتمعات المسلمة مع مفاهيم الغرب، إلى مانع في النص المقدس والذي هو هنا القرآن أو السنة (وليس مثلا قوانين الكنيسة أو التوراة) ولا يفترض أنها عوائق تعود إلى سياسات السلطة الحاكمة للمجتمع، فالسلطة الحاكمة هي من بيدها فعلياً تطبيق النص المقدس أو تعطيله كما بإمكانها تجاهله سواء بالسماح عبر القانون أو ما فوق القانون عبر ممارسات معينة أو بمنع ممارسات أخرى..

عوضاً عن مطالبته بتعديل القوانين في مجتمع يصل فيه تعداد المهاجرين إلى 20 بالمئة أو 30 بالمئة في بعض البلدان الأوروبية فهو يهاجم ثقافة اللاجئين وعبر ذلك يهاجم طبعا معتقداتهم ومقدساتهم

فأين يقف المثقف فيما سبق؟ إنه يقف للأسف في موقع الدفاع عن جهتين كلاهما السلطة العارية، أو تمثلان هذه السلطة الثقافية والإيديولوجية والقانونية. فالمثقف الحارس التابع إما هو يدافع عن السلطات ومؤسساتها الراهنة بتركيز هجومه على مؤسسات الثقافة الاجتماعية والتراثية -بما فيها النص المقدس- أو على المجتمع مباشرة. أو أن هذا المثقف الحارس التابع في حال كان يعيش في الغرب فهو يوجه هجومه على المهاجرين القادمين من الشرق من العالم الإسلامي وضمنا يوجّه هجومه أيضا على النص المقدس والتراث والمفاهيم الدارجة عند المهاجرين.. دون أن ينتبه إلى أنه بذلك يرتكب مخالفة قانونية وانتهاكا لأبسط الأسس الحقوقية ألا وهي حق الاعتقاد وحق ممارسة العبادات وحق الاختلاف الثقافي والاجتماعي.. وهو عوضاً عن مطالبته بتعديل القوانين في مجتمع يصل فيه تعداد المهاجرين إلى 20 بالمئة أو 30 بالمئة في بعض البلدان الأوروبية فهو يهاجم ثقافة اللاجئين وعبر ذلك يهاجم طبعا معتقداتهم ومقدساتهم، وتعديل القوانين في الدول الأوروبية الديمقراطية أمر ممكن بل هو يحدث دوريا كما في بلد مثل ألمانيا، حدث فيه تعديل قانون بسبب حالة واحدة أو بضع حالات ظهر فيها القانون قاصراً أو غير مناسب..

لكن هذا المثقف التابع يظهر انحيازه ضد الأضعف ويكتفي بترديد تيمات وأفكار كان ينبذها في وطنه الأم، أقلها إدانة اللاجئين الذين هم جزء من شعبه الذي كان يناضل من أجله قبل وصوله إلى أوروبا، شعبه الذي لولا نكبته وخرابه ما كان بإمكانه هو شخصيا- المثقف التابع- الحصول على اللجوء في أوروبا!!