ست مثالب أضعفت الثورة والمعارضة وخلّة المصارحة

2024.03.22 | 01:25 دمشق

آخر تحديث: 22.03.2024 | 01:25 دمشق

ستة مثالب أضعفت الثورة والمعارضة وخلّة المصارحة
+A
حجم الخط
-A

في الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية العظمى لا بد كما في كل آذار من وقفة مع الذات، للبحث والتفكّر فيما آلت إليه سوريا والثورة.

فالمحافظة على استمرارية الثورة ولو في حدها الأدنى يقتضي من أهل الثورة معرفة الثورة في تاريخها، معرفة المصاعب والإخفاقات التي بقيت محتجبة ومحجوبة خوفا من النيل من معنويات جمهور الثورة، مقارنة بالنجاحات المعلنة والتي يعرفها معظمنا.. وهو ما يعني بالضرورة البدء بإجراء مراجعة لتاريخ الثورة ومكاشفة تنطلق من الرغبة في معرفة حال الثورة، معرفة الماضي الذي مازال فاعلاً بقوة في الراهن، وفي تقرير مصيرنا، ومن سؤال لماذا حدث ما حدث، ولماذا صرنا إلى هذه النتيجة التي لا ترضي أحداً من أهل الثورة؟ ولماذا لم تنتصر الثورة بعيداً عن الوضع الدولي والدور الإقليمي والدولي؟

 في هذا الصدد قام عدد من رموز الثورة سياسيا وعسكريا بإجراء مراجعات مهمة، أمثال المفكر الدكتور برهان غليون وكذلك عقدت "الكتلة الوطنية الجامعة" ندوة حول الموضوع..

استمرأ بعض المعارضين في مؤسسات المعارضة الرسمية الكذب على جمهور المعارضة لأنهم وجدوا في الكذب طريقا للنجاة من المساءلة

دعونا نتحدث إذاً عن الحالة الداخلية للثورة والمعارضة، عن أهم المثالب والانحرافات التي شكل بعضها ظاهرة أضعفت أداء الثورة والمعارضة:

أولا- الاسترزاق على حساب الثورة، وعلى حساب صورتها، وهو ما يعدّه الشعب السوري الذي آمن بالثورة من منطلق أخلاقي فطري، خيانة للثورة وللشعب، هذا الشعب الذي آمن ففعل وأظهر ضروباً من التضحية والشجاعة أقرب إلى الأسطورة..

ومن أخطر أساليب الاسترزاق تأسيس مجموعات مسلحة صورية وقبض الثمن من الداعم الخليجي، وكذلك محاباة المعارف والأقارب والمحازبين في توزيع المناصب السياسية وغيرها وكذلك عند توزيع المساعدات الإغاثية..

ثانياً- الكذب: استمرأ بعض المعارضين في مؤسسات المعارضة الرسمية الكذب على جمهور المعارضة لأنهم وجدوا في الكذب طريقا للنجاة من المساءلة ووسيلة ناجعة لاستمرارهم في مناصبهم، كما عمد بعض من جعلت منهم لعبة الميديا رموزا وأيقونات في الثورة إلى تسجيل فيديوهات مزيفة عن أحداث مختلقة كوسيلة لجذب التعاطف أو لمجرد الظهور الإعلامي.

ثالثا- عدم قبول المسؤولية ورميها دائماً على الأعداء (النظام إيران روسيا) ولاحقاً على الأصدقاء (أميركا ومجموعة أصدقاء سوريا).

رابعاً- تمييز الثورة والشعب على أساس مناطقي أو طائفي أو عرقي، وليس على أساس سياسي أو على خلفية التوجهات السياسية، مثل: شيوعي، قومي، إسلامي، ليبرالي ...

خامساً- لم يفصل خطاب الثورة بين الرموز السورية الأصلية وبين النظام الذي سرق هذه الرموز، (العلم الوطني، جواز السفر السوري، مؤسسات الدولة السورية) رغم صعوبة الفصل أحياناً، لتمكن النظام خلال عقود من تجيير الدولة مع رموزها لصالحه بحيث أصبحت الدولة السورية هي دولة النظام الأسدي، والعَلم السوري هو "علم النظام" وهو أمر تكرر في تجربة أكثر من بلد عربي يحكمه نظام ديكتاتوري ...

سادساً- كان الصراع لأجل السلطة ومن ثم على السلطة هاجس العديد من المعارضين، فاختلط عليهم الأمر ما بين الصراع مع النظام والصراع مع فرقاء لأجل تحصيل مقعد أو منصب أو حضور مأجور مقابل حصة مالية أو موقع وجهائي ..

فإن كانت هذه المثالب الست علقت في مسار الثورة والمعارضة وعرقلت مسيرتها فإن خلّة واحدة قد تكون الأساس لمعالجة هذه المثالب واحدة إثر الأخرى.

المصارحة ضرورية بل حاسمة لتجاوز العثرات وتجنب تكرار الأخطاء، ومن ثم فالمصارحة أو الاعتراف لا غنى عنهما للتقدم خطوة نحو المصالحة العامة داخل الثورة

عن المكاشفة أتحدث:

إن مصارحة كل واحد منا أمام ذاته لهي حالة وجدانية أصيلة وضرورية، قد يفتقدها البعض لأسباب تتعلق في تاريخ نشوئه الاجتماعي، وفي العمل السياسي الجماعي سواء كان حزبيا أم ثوريا أم سلطويا فإن المصارحة ضرورية بل حاسمة لتجاوز العثرات وتجنب تكرار الأخطاء، ومن ثم فالمصارحة أو الاعتراف لا غنى عنهما للتقدم خطوة نحو المصالحة العامة داخل الثورة.. فإن المصارحة الأولى تعيدنا إلى صوابنا وتكشف لكل واحد منا كم الأخطاء الشخصية التي ارتكبها على مدار سنوات الثورة والحرب.

تدفعنا المصارحة إلى مصالحة الذات - ذواتنا، وتدفعنا إلى معرفة حجم كل واحد منا، إلى الخجل وإلى شيء من التواضع، التواضع الذي هو عملة نادرة بل زئبق أحمر لا يتوافر إلا عند القليلين منا للأسف... فكيف يمكن لي أن أتواصل مع الآخرين بنجاح إن لم أكن على شيء من التواضع؟ كيف تتسع غرفة الحوار أو غرفة الثورة لذوات منتفخة مثل البالونات، بل مثل المناطيد ترفع أصحابها عالياً لكنها تستسلم لكل ريح بحكم واقعها المتعالي، ترمي بها بعيداً عن الثورة وسوريا معاً؟

أول ما تفعله المصارحة الذاتية أنها تنفّس هذا البالون، بالون الذات المنتفخة فيجد الآخرون مكانا للجلوس معنا وجهاً لوجه أو على طاولة حوار تجمعنا جميعا متساوين في حجومنا المتواضعة.. فالحجرة الصغيرة تتسع لكثير من المتواضعين، على خلاف قاعات المؤتمرات مهما اتسعت فإنها لم ولن تتسع لجلوس المنتفخين متجاورين أو متحاورين... فمن سابع المستحيلات أن يرضى المنتفخة ذواتهم، الجلوس إلى بعضهم بعضا، فكيف بهم يتحاورون كالعقلاء أو كالبشر الأسوياء؟!