السياسيون الحمقى وصناعة التفاهة في خدمة أباطرة السلاح

2024.02.20 | 07:36 دمشق

السياسيين الحمقى وصناعة التفاهة في خدمة أباطرة السلاح
+A
حجم الخط
-A

خلال حربها في سوريا عرضت روسيا وسوقت لسبعين نوعا جديدا من الأسلحة، وبدا من تصريحات بعض المسؤولين والعسكريين الروس كما لو أنهم يقولون لقد دخلنا سوريا لتجريب فاعلية أسلحتنا الجديدة، ولقد عقدنا صفقات كبيرة منذ 2013.

وبعد شهر واحد من الغزو الروسي لأوكرانيا صرح مستشار ألمانيا أن بلاده ستخصص مئة مليار يورو لدعم الصناعات العسكرية الألمانية ولدعم أوكرانيا، وخلال أربعة أشهر من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضاعفت ألمانيا دعمها العسكري لإسرائيل عشرة أضعاف، ما يعني أرباحا هائلة لشركات السلاح الألمانية والأوروبية عموما، ما رفع عدد الأطفال والمدنيين العرب الفلسطينيين الذين قتلوا حتى الآن إلى سبعة وعشرين ألفا.

فمن يتخذ قرارات الحرب فعليا؟ هل هم السياسيون أم هي شركات السلاح؟ ومن يحدد استخدام حق النقض الفيتو ضد إيقاف الحرب هل هي المصالح القومية للدول الخمس الكبرى أم مصالح شركات السلاح فيها؟  وهل يوجد فرق بين المصالح القومية لهذه البلدان الخمسة وبين مصالح أباطرة صناعة السلاح؟

يفخر بلينكن وزير خارجية أميركا بأن مبيعات شركات السلاح الأميركية في سنة 2023 بلغت 617 مليار دولار. من هنا نفهم لماذا تفتعل أميركا الحروب أو تورط قوى وجهات محلية في حروب محلية وعابرة للدول.. مثلا دورها في حرب أوكرانيا وفي الحرب الأخيرة على فلسطين وغزة.

يقول بلينكن متفاخراً "من المتوقع أن شركات السلاح الأميركية في العام المقبل ستبيع سلاحاً بمبلغ مقداره 640 مليار دولار".

يبرر بلينكن تفاخره بأرقام مبيعات السلاح بأن هذه المبيعات تشغل اليد العاملة الأميركية.. كما لو أنه لا توجد في أميركا صناعات أخرى سوى صناعة السلاح، ومن أجل تشغيل بضعة آلاف من العمال في مصانع السلاح الأميركية يحتم تدمير بلاد وشعوب وقتل عشرات آلاف البشر كل عام..

هل يجب على أطفال غزة أن يموتوا في سبيل تشغيل شركات السلاح الأميركية؟ ما الذي يمكن أن يقوله وزير خارجية أميركا رداً على هذا السؤال؟؟

نحن أمام منطق مضحك بقدر ما هو مأساوي.. أمام منطق طفولي عابث لا يقنع أحد.. فماذا لو أن صحفيا سأل الوزير بلينكن هذا السؤال:

هل يجب على أطفال غزة أن يموتوا في سبيل تشغيل شركات السلاح الأميركية؟ ما الذي يمكن أن يقوله وزير خارجية أميركا رداً على هذا السؤال؟؟

وطالما أن الوزير بلينكن يفخر بمئات المليارات التي تجنيها شركات السلاح فهذا يعني أن سلسلة حروب يجري الإعداد لها عبر القارات الثلاث، ومقابل السلاح الأميركي سيدفع رؤساء دول صغيرة لا تكاد تظهر على الخريطة في إفريقيا ملايين الدولارات كل شهر لشركات السلاح الأميركية، وستبيع هذه الدول أو المزارع الكبيرة في إفريقيا خصوصا كميات ضخمة من ثرواتها الباطنية النفيسة مقابل الحصول على الورق الأخضر الذي لا رصيد له أصلا.. وسيكتب الفشل لكل عملية حوار بين المتقاتلين، إلا إذا نضبت بنوكهم أو مناجمهم، عندها ستضع الحرب أوزارها إلى أن تجد شركة تنقيب أميركية حقلا بتروليا جديدا أو منجم ألماس جديدا.. عندها وكما اعتدنا سابقا تظهر فجأة منظمة إسلامية جديدة تعلن الجهاد ضد الحكومة أو المناطق المجاورة.. وربما يحدث انقلاب عسكري تدعمه أميركا أو دولة أوروبية مثل فرنسا أو حتى روسيا..

المواقف المتسرعة المنحازة تشجع على الحرب:

كان لموقف كل من أميركا وألمانيا والمجموعة الأوروبية المنحازة إلى إسرائيل إثر أحداث السابع من أكتوبر المنصرم دور مباشر في رد الفعل الإسرائيلي العنيف طويل الأمد الذي دمر قطاع غزة، وقتل ما يزيد على سبعة وعشرين ألف مدني فلسطيني..

فالمواقف المنحازة تساعد بشكل واضح وتشجع الطرف المنحاز له على المضي في الحرب وارتكاب جرائم إبادة جماعية، وتطهير عرقي بحق الطرف الآخر.

بسبب طبيعة النظام الأميركي المحكوم من المجتمع الصناعي العسكري، يُنتظر من كل رئيس أميركي أن يصبح مشاركا في قتل ملايين البشر خلال فترة ولايته..

أليست الحماقة والازدواجية وغياب المنطق هي مسائل تبرر اللجوء إلى الحرب، بالتالي هل نتوقع أن عرّابي صناعة السلاح في الغرب لهم مصلحة مباشرة في صناعة الحماقة والتفاهة والغباء وتحطيم المحاكمة العقلية؟ ربما.. فهناك علاقة ما في السلسلة التي تبدأ من برامج الأطفال وتنتهي بالقنابل القذرة مرورا بإعلانات التبغ وأفلام الجريمة وسواها، إذ لا بد من نمو العنف والغضب لتحافظ شركات السلاح على أرباحها وعلى نمو أعمالها.. فكيف يمكن لمتاجر السلاح أن تبيع ملايين قطع الأسلحة الفردية كل عام في الولايات المتحدة إذا؟؟

وإذا لم تتفجر ثمانون أو تسعون حرباً صغيرة كل سنة في إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية كيف ستُعقد صفقات السلاح الجديدة؟

بسبب طبيعة النظام الأميركي المحكوم من المجتمع الصناعي العسكري، يُنتظر من كل رئيس أميركي أن يصبح مشاركا في قتل ملايين البشر خلال فترة ولايته..

فلا مفر أمام أي رئيس أميركي من أن يصبح مجرما بخضوعه لضغط المجمع الصناعي العسكري، وإلا فهو يضع مستقبله السياسي على كف عفريت وعليه أن يقدم استقالته طوعا أو ينتظر سقوطه في أول انتخابات رئاسية..

فهل نشهد قريبا فتح نقاش بخصوص المواقف المنحازة والمتسرعة للدول الكبرى خلال الحرب، وهل سنشهد في أوروبا وأميركا حوارات حول الأطراف السياسية غير الرسمية لاسيما المؤسسات التي تضغط على السياسيين لاتخاذ مواقف ضد الإنسانية وضد العقلانية مخالفة للمنطق!؟

وأخيرا هل يأتي يوم تصنف فيه صناعة الأسلحة والإتجار بها نشاطا غير مشروع مثل صناعة المخدرات، على اعتبار أن كلا الصناعتين غايتهما تحقيق الأرباح على حساب الفتك بالبشر المدنيين تحديدا، وبالتالي تصبح أي علاقة بين مصنّعي وتجار السلاح وبين السياسيين والإعلاميين السياسيين علاقة غير مشروعة؟!