icon
التغطية الحية

اللغة العربية تتراجع شمال غربي سوريا والحاجات الإنسانية تسبق التعليم

2022.04.23 | 07:08 دمشق

thumbs_b_c_7a852a4cb6820825cecadde498e0d089.jpg
مدرسة شمال غربي سوريا ـ الأناضول
إدلب - براءة غريبي
+A
حجم الخط
-A

تأثرت اللغة العربية خلال السنوات العشر الماضية نتيجة تفشي الأمية عند الأجيال الجديدة، وإهمال ملف التعليم وسط الحرب، خاصة في شمال غربي سوريا، لتصبح الفصحى أبعد من أي وقت مضى عن السكان، بالقراءة والكتابة وحتى الفهم.

ويلاحظ تراجع استخدام اللغة العربية عند السير في شوارع إدلب وقراءة ما يكتب على واجهات المحال التجارية وزجاج السيارات المتجولة، إذ لا تكاد تخلو جملة أو عبارة من الأخطاء الإملائية، خاصة فيما يتعلق بالهمزات والضمائر المستترة.

كما اتضح من خلال مقابلات وجولات ميدانية في شوارع بعض المدن والمخيمات في المنطقة، انهيار اللغة عند معظم الفئات المجتمعية، وكان من أبرز التبريرات المقدمة: انقطاع التعليم نتيجة الحملات العسكرية التي يقوم بها النظام السوري مستهدفاً المدارس والبنى التحتية وعمليات التهجير القسري للسكان، وتردي الوضع المعيشي الذي أجبر الأهالي على تأمين مهن لأطفالهم بسنين مبكرة، إضافة إلى تداول اللهجة العامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والابتعاد عن القراءة والكتابة بلغة صحيحة.

جيل لا يعرف العربية

"نتخلى عن الدروس ونهرب بعيداً"، استرجعت مريم المحمد سنوات دراستها تحت القصف في ريف إدلب الجنوبي. تدرس اليوم الشابة البالغة من عمرها 22 عاماً في معهد الشريعة بسرمدا بريف إدلب الشمالي حيث نزحت، وأشارت في حديثها لموقع تلفزيون سوريا إلى أن التراجع بالمعارف والمهارات اللغوية كان نتيجة لتحول المدارس إلى أهداف متكررة للنظام السوري وحلفائه، ما جعلها موقعاً خطراً ومخيفاً بالنسبة للأطفال.

انقطع علي المحمود، البالغ من العمر 23 عاماً، خمس سنوات عن الدراسة بعد أن اضطر مع عائلته لتشارك السكن مع عوائل أخرى في أثناء النزوح، ما جعل من الدراسة أمراً مستحيلاً وسط الضجيج والاكتظاظ، حسب قوله.

وتابع الطالب، الذي أكمل دراسته منذ العام الماضي، بعد أن حصل على الشهادة الثانوية، بأن تدهور اللغة العربية أصبح أمراً "طبيعياً" بالنسبة لمعظم سكان المحافظة، وهو ما يجعل من مهمة إكمال التعليم بالنسبة للمنقطعين أمراً "صعباً"، على حد تعبيره، مضيفاً أنه استعان بالدروس الخصوصية حتى يرفع سويته اللغوية.

من جهتها لامت طالبة المرحلة الثانوية مريم الحسن، البالغة من العمر 18 عاماً، الكوادر التعليمية على تدهور تعليم اللغة العربية، مشيرة إلى نقص الكفاءة إضافة إلى نقص الاهتمام العام بتغيير الحال الراهن، خاصة مع الضغوط النفسية وعدم الاستقرار الذي تولده الحرب.

محمد الأحمد يعمل ممرضاً في إدلب، أشار إلى أن سوق العمل لا يطلب اللغة العربية ولا يهتم بمدى إجادتها، إذ إن المنظمات التي تقدم أفضل الفرص المعيشية لا تشترط على المتقدم سوى معرفة اللغة الإنجليزية أو لغات أخرى دون الاهتمام بمدى فهم ومعرفة الفصحى.

التعليم شمالي سوريا.. افتقار للكفاءة والدعم

عانى قطاع التعليم لانقطاع الدعم المقدم من الاتحاد الأوروبي منذ سنتين، إذ اقتصر على مدرسي الحلقة الأولى والثانية، ما جعل من التدريس مهنة أكثر صعوبة، خاصة مع غلاء المعيشة واضطرار المدرسين الذين عملوا لقاء أجور بسيطة وتطوعوا لتعليم الأطفال مجاناً إلى البحث عن أعمال أخرى والاتجاه حتى لمهن غير معتادة لحملة الشهادات، ما سبب فقدان الكوادر التعليمية وأثر سلباً على جودة التعليم في المنطقة.

دكتورة اللغة العربية في جامعة إدلب إيمان عثمان قالت لموقع تلفزيون سوريا إننا أمام "كارثة" نتيجة الافتقار للأساتذة "المبدعين" باللغة العربية، مؤكدة أن جيل الأطفال الذين مرت سنوات تعليمهم خلال الحرب شبه "أمي"، والسبيل لإنقاذهم هو "إعادة الاحترام للمعلم"، إضافة لتوفير الدعم اللازم للمدارس وتوفير التعليم المجاني الفاعل.

ووفق رأي أستاذ اللغة العربية محمد اليحيى، فإن المعلمين ذوي الكفاءة يعملون في الحلقة الأولى بسبب توافر الدعم، أما الحلقات الأخرى لا توفر الحوافز لأي من الاختصاصات، ومن الممكن أن يبقى الصف فارغاً بلا معلم في حال ترك أحدهم وظيفته دون قدرة المدرسة على تأمين البديل.

وأضاف اليحيى لموقع تلفزيون سوريا أن هنالك ضعفاً واضحاً باللغة العربية لدى المعلمين أنفسهم، وذلك لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بالمناهج التي همشت اللغة العربية، وضعف أصحاب الاختصاص الجدد في ظل الوضع الراهن، متهماً التخصصات الأخرى بإهمال اللغة العربية، مشيراً إلى افتقار الوسائل التعليمية والمكتبات والمحفزات على القراءة.

مادور مديرية التربية في إدلب والمنظمات الداعمة؟

تواصل موقع تلفزيون سوريا، مع مديرية التربية والتعليم بإدلب، للاستفسار عن حال اللغة العربية وإبداء الرأي فيما يخص الاتهامات الموجهة لها بالتقصير لكنه لم يتلق أي رد حتى ساعة إعداد التقرير.

بعد خروج المنطقة من سيطرة النظام السوري عام 2015 وانتقالها إلى الحكومة المؤقتة ومن بعدها حكومة الإنقاذ، لم يتلق ملف التعليم أي دعم بالشكل المطلوب، في حين فضلت المنظمات الإنسانية تلبية الحاجات الأكثر إلحاحاً قبل التعليم، كملفي الأمن الغذائي والمأوى.

على نطاق ضيق قدمت بعض المنظمات تدريبات للمعلمين ودورات للطلبة المنقطعين عن تعليمهم، وفرت بعضاً من المعارف للمستفيدين، لكن تلك الجهود تواجه مصاعب متعددة أيضاً، حسب رأي المنسق الميداني في منظمة "تكافل الشام"، عبد الله جمعة.

قال جمعة إن القطاعات التعليمية ينقصها التمويل، وخاصة في المخيمات، وبرأيه لا يجب تخصيص الدعم لمادة محددة، وإن كان إهمال اللغة العربية ذو تأثير سلبي على الجيل المقبل.

وأكد جمعة في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن المنظمات في المنطقة تحاول دعم المتسربين عن التعليم، لكن اقتصار اهتمام الجهات الداعمة على الحلقة الأولى يحد من قدرتهم على التأثير.

التعليم لم يأخذ الأولوية من الجهات الداعمة التي تفضل دعم المشاريع الإنسانية، حسبما قال منسق التعليم في "شبكة حراس الطفولة" خالد اليونس لموقع تلفزيون سوريا، لكن التعليم برأيه هو "المنقذ الوحيد" للمجتمع.