icon
التغطية الحية

وزارتا التربية في "المؤقتة" والإنقاذ".. خلاف متصاعد وتهديد لمصير آلاف الطلاب

2022.04.04 | 10:46 دمشق

جامعة حلب
جامعة حلب التابعة للحكومة السورية المؤقتة
+A
حجم الخط
-A

ظهرت إلى العلن مؤخراً علامات الخلاف بين وزارتي التربية في حكومة "الإنقاذ" والحكومة السورية المؤقتة العاملتين في شمال غربي سوريا، ما بات يشكّل خطراً على مصير قرابة 20 ألف طالب وأكثر من 11 ألف معلم، في محافظة إدلب تحديداً.

الخلاف بين الوزارتين برز عبر عدة قرارات متناقضة بشأن الأبحاث المحذوفة من منهاج شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، وعن موعد وبرنامج امتحان الشهادتين فيما بعد، حتى بات السؤال المطروح بإلحاح من قبل الطلاب وذويهم يتعلّق بأسئلة الامتحان نفسها ومصير شهادات الطلاب.

حاول موقع تلفزيون سوريا الوقوف على أسباب الخلاف الكبير بين الوزارتين ونتائجها، ووجّه عدة أسئلة للوزارتين في كلتا الحكومتين لكنّه لم يحصل على إجابةٍ من الطرفين بعد اعتذار وزارة التربية في "الإنقاذ" عن الإدلاء بأي تصريح، إذ اقتصرت المعلومات على رواية وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة والمصادر الخاصة لـ موقع تلفزيون سوريا.

كيف يُدار ملف تعليمي موحد لدى حكومتين مختلفتين؟

قبل الخوض في تفاصيل وأسباب الخلاف يوضّح موقع تلفزيون سوريا آلية عمل الملف التعليمي في الشمال السوري والتي تسير وفق التالي: في عام 2013 أُجريت لأوّل مرة امتحانات لشهادتي التعليم الأساسي والثانوي خارج مناطق سيطرة النظام السوري، وذلك تحت إشراف الحكومة السورية المؤقتة.

واستمرت العملية التعليمية تحت إشراف "المؤقتة" حتى عام 2017، عندما فرضت "هيئة تحرير الشام" سيطرتها على أجزاء واسعة من أرياف إدلب وحماة واللاذقية وريف حلب الغربي، وشكّلت حكومة "الإنقاذ" كذراع مدني تبسط من خلاله سلطتها على مناطق نفوذها.

منذ العام 2017 وحتى مطلع العام 2022 سارت العملية التعليمية وفق تفاهم ضمني غير معلن بين الحكومتين ينص على إبقاء الإدارة العلنية للملف التعليمي بيد الحكومة السورية المؤقتة أمام الجهات الداعمة والدولية، وذلك بسبب إدراج "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية ولامتناع الجهات المانحة عن العمل مع "الإنقاذ" بشكل مباشر.

وداخلياً كان يُدار الملف التعليمي بالتنسيق والتشاور بين الحكومتين (المؤقتة والإنقاذ)، عبر اختيار مديريات التربية في المحافظات الأربع، والتي يجري اختيار مديريها بتراضي الحكومتين، وكانت تمهر شهادات جميع طلاب الشهادتين بختم "المؤقتة"، التي يعترف عدد من الدول الأوروبية بالشهادات الصادرة عنها.

كذلك تُقدّم الجهات المانحة الدعم للملف التعليمي عن طريقها بعد توقيع مذكرات تفاهم معها تشمل تقديم الرواتب للمعلمين والكتب المدرسية للطلاب والمستلزمات اللوجستية لإتمام العملية التعليمية من تكاليف تشغيلية للمدارس وعمليات ترميم لها.

أسباب الخلاف

بالعودة إلى أسباب الخلاف، التقى موقع تلفزيون سوريا بالمكلّف بتسيير أعمال وزارة التربية في الحكومة المؤقتة عبد السلام عبد الله، الذي عزا سبب الخلاف بين الوزارتين إلى تدخل وزارة التربية في حكومة الإنقاذ بعمل الحكومة المؤقتة، من خلال اتخاذها خطوات استفزازية شمِلت إقالة مدير التربية في إدلب والمعين بتوافق الطرفين.

وقال "عبد الله" إنّ الوزارتين كانتا تنسقان فيما بينهما في فترة عمل وزير التربية السابق في حكومة الإنقاذ بسام صهيوني وأسلافه، لكن الوضع تغيّر عمّا هو عليه بعد تعيين وزير جديد للتربية في "الإنقاذ"، مضيفاً أنّه "بعد مجيء الوزير الجديد إبراهيم سلامة حاولت عن طريق وسطاء، فتح قناة اتصال معه منذ اليوم الثالث لتوليه منصبه، وذلك للمحافظة على التعاون والتنسيق المتبادل بين الطرفين.

وتابع: "الوزير سلامة أبدى موافقته على التعاون والتنسيق مع وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة، لكنه أجبر اثنين من معاوني تربية إدلب على القبول بإجازة بلا أجر، وتواصلت معهما الحكومة المؤقتة عبر مدير تربية إدلب حسن الشوا لإعلانها رفض قرار الإنقاذ، لترشّح الأخيرة معاوناً للوزير من طرفها قبل أن تُعلن المؤقتة رفضها للشخص المرشح ومطالبتها بترشيح ثلاثة أشخاص ترضاهم الإنقاذ لتختار منهم المؤقتة مَن توافق عليه بعد إجراء دراسة عن المرشحين الثلاثة".

لكن حكومة الإنقاذ صعّدت أكثر وأرغمت الوسيط ومدير التربية في إدلب حسن الشوا على الاستقالة من منصبه لينقطع التواصل بين الطرفين، ويحدث فراغ إداري في منصبي مدير تربية إدلب ومعاونه بعد إقالتهما".

استمرار التصعيد وخلاف بشأن المحذوفات وبرنامج الامتحان

اضطرت المعارضة السورية، خلال سنوات الثورة، إلى حذف دروس أو فقرات محدّدة من منهاج شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، وذلك بسبب حالة عدم الاستقرار التي يعيشها الشمال السوري ككل وطلاب الشهادتين على وجه الخصوص، نتيجة القصف والنزوح والتهجير خلال السنوات السابقة وفيروس كورونا والانتقال إلى نظام التعليم عن بُعد، في السنوات الثلاث الأخيرة.

وكانت المعارضة تشكّل لجانا خاصة من المختصين في مديريات التربية لإعداد الفقرات والدروس المحذوفة من المنهاج الدراسي قبل طرحها على الوزارتين لإقرارها بشكل موحد، وفي العام المنصرم 2021 اعترض وزير التربية السابق في حكومة الإنقاذ بسام صهيوني على وجود المحذوفات بسبب حالة الاستقرار النسبي التي بات يعيشها الشمال السوري وانتهاء العمل بنظام التعليم عن بُعد الذي سبّبه كورونا.

واعتبر "صهيوني" أن وجود محذوفات من المنهاج يُسهم في تدني المستوى العلمي للشهادة وحاول إلغاء المحذوفات ومطالبة الطلاب بالمنهاج الدراسي بالكامل، لكنه اصطدم بقرار "المؤقتة" باعتماد محذوفات عام 2020، الذي كانت فيه ذروة التصعيد العسكري للنظام السوري وأكبر موجة نزوح خلال سنوات الثورة السورية، ليتوصل الطرفان فيما بعد إلى قرار باعتماد محذوفات مخفّضة، في شهر كانون الأول من العام الفائت، وهو ما لاقى رفضاً كبيراً من الطلاب على اعتباره قراراً متأخراً كثيراً.

بعد تعيين إبراهيم سلامة وزيرا جديدا للتربية في حكومة الإنقاذ، قرّر النظر في قرار سلفه بخصوص المحذوفات وأعدّ لجنة لصياغتها وأصدر، في آذار الفائت، قراراً جديداً بشأن المحذوفات يُشابه كثيراً محذوفات العام 2020، وهو ما عدّته "المؤقتة" خطوة تصعيدية لكونه جاء قراراً من طرف واحد في فترة الخلاف حول مدير التربية في إدلب، كما اعتبرت "المؤقتة" أيضاً أن قرار المحذوفات الذي ألغته الإنقاذ كان مبيناً بحسب اتفاق الطرفين وبإشراف لجنة مختصة مؤلفة من 18 موجها تربويا، وهو يعكس رؤية الوزير السابق للإنقاذ.

اعتبار الحكومة السورية المؤقتة قرار المحذوفات الأخير لحكومة "الإنقاذ" على أنه خطوة تصعيدية، دفع "الإنقاذ" إلى رفضه والتأكيد على عملها بالقرار الصادر، في شهر كانون الأول الماضي، ليصار إلى اعتماد كل وزارة لمحذوفات خاصة بها تغاير محذوفات الأخرى، كما أصدرت "المؤقتة" برنامجاً للامتحان في موعد مؤجّل عن العام الفائت بقرابة أسبوع، ما دفع "الإنقاذ" أيضاً إلى إصدار برنامج مغاير في التوقيت وترتيب مواد الامتحان.

ما أسباب تفاقم الخلاف وظهوره للعلن ومَن يُذكي نار الفتنة؟

حاول موقع تلفزيون سوريا مجدّداً التواصل مع وزارة التربية في حكومة "الإنقاذ"، لكنها اعتذرت عن الإدلاء بأي تصريح إعلامي حول الخلاف الحالي، لتترك باب التكهنات مفتوحاً على مصراعيه للجميع، فيما اعتبر وزير التربية في الحكومة المؤقتة أن هذه الخطوات التصعيدية المتعاقبة "مقصودة ولا تدل على تخبط إداري في وزارة التربية بالإنقاذ".

مصدر خاص قال لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ وزير التربية الجديد في حكومة "الإنقاذ" كان مغيباً عن الواقع لكونه خارج سوريا، منذ سنوات طويلة، ولم يكن على دراية بآلية إدارة الملف التعليمي الذي أُسند إليه بكل ما يحمله من تحديات وخلافات.

وعلّل المصدر كلامه بحضور الوزير الجديد افتتاح مدرسة دينية تتبع لـ"هيئة تحرير الشام" في ريف ادلب، تزامناً مع وقفة احتجاجية وسط مدينة إدلب، نظّمها عشرات المدرسين المتطوعين بلا رواتب، منذ سنوات، احتجاجاً على تردّي أوضاعهم، واعتبر المصدر أن ما يدعم كلامه هو مساعي الوزير الجديد لتدارك الموقف بعد تصاعد الخلاف ووصوله إلى نقطة اللاعودة بين الطرفين.

مصدر مطلع آخر - طلب عدم الكشف عن هويته - تحدّث عن وجود جهات عمِلت على إشعال الفتنة بين الطرفين عبر إيصالها رسائل للحكومة السورية المؤقتة تفيد بمساعي حكومة "الإنقاذ" لسحب الملف التعليمي من "المؤقتة"، والسعي إلى إدارته بشكل منفصل، والعمل على إغلاق جامعة حلب التابعة للحكومة المؤقتة، عن طريق إصدار شهادات خاصة تعترف بها جامعة إدلب التي ستستوعب الطلاب الحاصلين على شهادات حكومة "الإنقاذ".

بعد كلام المصادر ووزير التربية في الحكومة السورية المؤقتة عن أن الخطوات التصعيدية "مقصودة"، وجّه موقع تلفزيون سوريا السؤال للوزير عن مدى سعي حكومة "الإنقاذ" إلى فك الارتباط والشراكة في الملف التعليمي مع "المؤقتة"، وإصدار شهادات خاصة بها.

أجاب الوزير عبد السلام عبد الله بأن "حكومة الإنقاذ لا تسعى إلى فض الشراكة، بل نفذته فعلياً"، معتبراً أنّ "امتحانين منفصلين وشهادتين منفصلتين ستصدران عن كل وزارة على حدة".

وأضاف "عبد الله" أنّ أعداداً كبيرة من الطلاب توجّهت بعد الخلاف الأخير إلى شمالي حلب للتسجيل على امتحانات الشهادتين لدى الحكومة المؤقتة، مما دفعهم إلى إصدار قرار بتمديد فترة التسجيل نصف شهر إضافية تنتهي بتاريخ 14 نيسان الجاري.

مصير "كارثي" ينتظر آلاف الطلاب والمعلمين

كل طرف من طرفي الخلاف (وزارتا التربية في الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ) يستند إلى نقطة قوة يمتلكها بيده ويراهن عليها:

  • الحكومة السورية المؤقتة تستمد قوتها من كون الاعتراف الدولي هو للشهادات الصادرة عنها، ولكون الجهات المانحة تعترف بها وتنسق معها.
  • حكومة الإنقاذ تستمد قوتها من كون نسبة ما يزيد على 80٪ من الطلاب هم في مناطق نفوذها، بعد انقسام العملية التعليمية في شمالي حلب وتوجّه نسبة كبيرة من الطلاب لإجراء امتحان الشهادتين لدى مديريات التربية التابعة للمجالس المحلية المدعومة من تركيا، والتي تتصف بالسهولة مقارنة بامتحانات وزارة التربية في "المؤقتة".

الأسباب السابق ذكرها تدل على أن مصير آلاف الطلاب والمعلمين "ورقة تُراهن عليها قوى الصراع ومؤسساتها في شمال غربي سوريا، فالحكومة السورية المؤقتة قالت لموقع تلفزيون سوريا عبر وزير تربيتها عبد السلام عبد الله: إن خروج "المؤقتة" من ملف التعليم في إدلب سيؤدي إلى أن تعمل الجهات المانحة المتفاهمة معها على سحب يدها من دعم أكثر من 11500 معلم في مناطق نفوذ "الإنقاذ"، فضلاً عن حرمان قرابة 20 ألف طالب من الحصول على شهادة معترف بها دولياً.

إنذار بتوقف الدعم ومساعٍ للحل

تواصل موقع تلفزيون سوريا مع عدد من المنظمات المانحة والداعمة للملف التعليمي في شمال غربي سوريا، لكنها رفضت الإدلاء بأي تصريح رسمي، وفي الوقت ذاته أوضحت شخصيات مطلعة من تلك المنظمات وتحدثت عن إمكانية تأثّر الدعم المقدّم للملف التعليمي في الشمال السوري، مستشهدين بحوادث سابقة حصلت عام 2018، عندما حاولت "هيئة تحرير الشام" فرض واقع جديد مما أدّى لانقطاع الدعم عن مئات المدارس وآلاف المدرسين.

وأضافت تلك الشخصيات أن "عمل المنظمات مرهون بضمان استقلالية التعليم وابتعاده عن التجاذبات السياسية من مختلف سلطات الأمر الواقع في الشمال السوري".

شخصيات أُخرى تعمل في الملف التعليمي أعربت عن "خيبة أملها من استخدام الطلاب كورقة في الصراع الدائر بين سلطات الأمر الواقع، وتأمل من الطرفين التعقّل والتفكير في مستقبل هؤلاء الطلاب، الذين يُعدّون نواة جيل المستقبل الذي سيبني سوريا"، وشدّدت على وجوب إنهاء حالة الخلاف وتضارب القرارات التي تتسبّب بالضغط النفسي الكبير على الطلاب مع اقتراب موعد الامتحان المقرّر، بعد شهرين.

أخيراً، أفادت مصادر لـ موقع تلفزيون سوريا بوجود حراكٍ تقوده عدة شخصيات لها علاقاتها مع كلتا الحكومتين (المؤقتة والإنقاذ)، بهدف إنهاء الخلاف، وستصدر نتائج هذا الحراك للعلن في حال نجاحه، خلال الأيام القليلة المقبلة، وإلّا فإن العملية التعليمية في شمال غربي سوريا قد انقسمت فعلاً، وأصبحت في عداد المنتهية.