icon
التغطية الحية

الشبكة السورية: "الهلال" و"الأمانة" أدوات أسماء الأسد للسيطرة على العمل الإنساني

2023.12.28 | 13:26 دمشق

آخر تحديث: 28.12.2023 | 14:49 دمشق

ما أدوات النظام السوري للسيطرة على العمل الإنساني؟
ما أدوات النظام السوري للسيطرة على العمل الإنساني؟
+A
حجم الخط
-A

كشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها، عن أدوات النظام السوري للسيطرة على العمل الإنساني، وسرقة المساعدات الإغاثية عبر مؤسسات شكلية تدار من قبله.

ونشرت الشبكة اليوم الخميس تقريراً بعنوان "الهلال الأحمر السوري والأمانة السورية للتنمية أدوات النظام السوري في نهب المساعدات الإنسانية"، ذكرت فيه أن بشار الأسد تبنى منذ استلامه الحكم عام 2000 العديد من المنظمات غير الحكومية الناشئة، وعزز عمل المنظمات غير الحكومية التي تتلقى دعماً دولياً مستداماً مثل "الهلال الأحمر السوري"، لكنه بالتوازي فرض سيطرة حكومية على هذه المنظمات، من خلال التحكم بتعيين الإداريين فيها وإبقاءها تحت سيطرة الحكومة، فقد لاحظ أنها مصدر دخل مادي مهم للنظام السوري، فحاول الاستفادة منها، عوضاً عن قمعها كما فعل والده.

كذلك أسست زوجة رئيس النظام أسماء الأسد عدة مبادرات ومشاريع مجتمعية، دمجتها لاحقاً تحت لواء منظمة "الأمانة السورية للتنمية".

"قوة ناعمة"

وذكرت الشبكة أن النظام السوري استخدم منظمتي الهلال الأحمر السوري والأمانة السورية للتنمية بهدف السيطرة على العمل الإغاثي، فقد أصبحتا بمثابة "قوة ناعمة" تساعد النظام على تحقيق أهدافه، وبوابة للاستيلاء على أموال المانحين واحتكار الدعم الدولي، إذ فرضهما النظام على وكالات الأمم المتحدة والدول المانحة ليكونا البوابة التي تتدفق من خلالها أموال المشاريع الإغاثية والتنموية.

وأشار التقرير إلى كيفية استحواذ النظام السوري على أموال المساعدات الإنسانية وتسخيرها لتحقيق أهدافه وتحكمه بمصائر المستفيدين منها، من خلال تحكمه بالمنظمات غير الحكومية التي تستقبل هذه الأموال وتديرها.

وقدم التقرير دراسة حول "الهلال الأحمر السوري" و"الأمانة السورية للتنمية" على وجه التحديد لأنهما الواجهتان الأساسيتان اللتان اعتمدهما النظام لتلقي أموال المساعدات، فقد أجبر وكالات الأمم المتحدة والحكومات المانحة في البداية على التعاون مع الهلال الأحمر السوري بشكل حصري ليكون الجهة المخولة باستقبال أموال المساعدات، إذ طالب النظام السوري جميع الوكالات الدولية الإنسانية بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الهلال الأحمر السوري، تقتضي بعدم تنفيذ أي مشاريع أو القيام بأي زيارات ميدانية دون الحصول على إذن الهلال الأحمر أولاً، وفي وقت لاحق، انضمت الأمانة السورية للتنمية إلى الهلال لتكون وكالة أخرى لتلقي المساعدات.

وبحسب التقرير، اختار النظام السوري منظمة الهلال الأحمر والأمانة السورية للتنمية لسببين، أولهما موثوقية حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر التي ينتمي لها الهلال الأحمر السوري، وثانيهما أن العقوبات المطبقة على النظام ورموزه لا تشمل الهلال الأحمر الذي يتلقى دعماً مباشراً ومستداماً من أطراف دولية متعددة منها وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالإضافة إلى المساعدات التي تتلقاها المنظمة من الجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر، مثل الصليب الأحمر البريطاني، والصليب الأحمر الدنماركي، والصليب الأحمر الهولندي، وغيرها.

وقال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني: "لقد تسبب زلزال شباط 2023 في عودة النقاش الذي خضناه منذ عام 2015 عن نهب النظام السوري للمساعدات الإنسانية، وقررنا أنه لا بدَّ من العمل على تقرير موسع يكشف توظيف النظام السوري لأبرز منظمتين وهما الهلال الأحمر السوري، والأمانة السورية للتنمية في نهب المساعدات الأممية والدولية، وأن نسبة هذا النهب قد تصل إلى تسعين بالمائة، وبالتالي تتحول المساعدات عبر هذه المنظمات من مساعدات إنسانية إلى تمويل للنظام السوري المتورط بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب".

وبدأ النظام السوري بإلغاء الانتخابات في منظمة الهلال الأحمر مع بداية الحراك عام 2011، والاعتماد على تعيين الإداريين بشكل مباشر، وتزامن ذلك مع ضمان ولاء المتطوعين والموظفين في المنظمة وذلك عن طريق تجنيد المزيد من الموالين للنظام مقابل إخماد صوت المعارضين في صفوف المنظمة باستخدام الوسائل القمعية المعروفة، ابتداءً مِن الفصل التعسفي، مروراً بالاعتقال والاحتجاز القسري وانتهاءً باستهداف سيارات الإسعاف التابعة للهلال بشكل مباشر وقتل المسعفين.

وفي هذا السياق، وثق التقرير ما لا يقل عن 54 حالة اعتقال لمتطوعين في الهلال الأحمر، بينهم 3 سيدات، لا يزالون قيد الاعتقال/ الاحتجاز أو الاختفاء القسري ومقتل ما لا يقل عن 5 ضحايا بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري وذلك منذ آذار/ 2011 حتى تشرين الأول/ 2023.

وسجل التقرير مقتل 73 متطوعاً في الهلال الأحمر بينهم 7 سيدات على يد أطراف النِّزاع والقوى المسيطرة في سوريا، وذلك منذ آذار/ 2011 حتى تشرين الأول/ 2023.

استراتيجيات متبعة للسيطرة على الملف الإغاثي

ووفق التقرير، فإن إحدى أبرز الاستراتيجيات التي اتبعها النظام السوري في سبيل السيطرة على الهلال الأحمر كانت ضمان ولاءات الإداريين والموظفين على حد سواء من خلال سياسات التوظيف الفاسدة القائمة على المحسوبيات، حيث برزت المحسوبيات والممارسات التمييزية كواحدة من مظاهر الفساد الأكثر انتشاراً في الهلال الأحمر الذي بات أداة بيد النظام السوري لمكافأة الموالين له بتقديم المساعدات لهم حتى إن كانوا غير مستحقين لها، ولمعاقبة معارضيه عبر حرمانهم من المساعدات بغض النظر عن حاجتهم لها.

وشددت الشبكة على أن كل هذه الممارسات تتعارض مع مبدأ "عدم التحيز" الذي تتبناه الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، ومن المفترض أن الهلال الأحمر السوري يتبناه كذلك، مضيفاً أن جميع أنواع الفساد تتم في ظل غياب الشفافية من قبل الهلال من جهة وافتقار الجهات المانحة لآليات المساءلة الفعالة من جهة أخرى، بما فيها التدقيق المالي الخارجي، فمن جهته، يقدم الهلال الأحمر السوري تقارير للمانحين حول المشاريع التي يفترض أنه ينفذها والمستفيدين الذين يفترض أنه قدم لهم المساعدات لكن لا يوجد أي آلية للتأكد من مدى صحة هذه التقارير ودقتها، ولا من المبالغ التي تم صرفها.

كذلك ينشر الهلال الأحمر السوري على صفحته الرسمية تقارير سنوية ونصف سنوية عن المشاريع التي نفذها الهلال خلال فترة زمنية معينة، لكن تفتقر هذه التقارير بشكل واضح للمهنية المؤسساتية، والشفافية، وتكتفي بذكر عدد من المشاريع التي تم تنفيذها مقترنةً مع أعداد المستفيدين دون ذكر أي تفاصيل أو أدلة حول تلك المشاريع.

تصدّر أسماء الأسد

وحرصت أسماء الأسد منذ تولى زوجها السُّلطة عام 2000 على أن تبرز شخصيتها كفرد فاعل في النظام السوري وأسست العديد مِن المشاريع والمبادرات التي اندمجت جميعها تحت مظلة مُنظمة واحدة أطلق عليها "الأمانة السورية للتنمية"، والتي حصلت في نيسان عام 2007 على الترخيص القانوني وأدرجت في قوائم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وتم الترويج لها على أنها تدعم المبادرات المحلية، وتُعزِّز المواطنة النشطة وريادة الأعمال، وتدعو إلى مشاركة المجتمع المدني في صنع القرار ومسائل التنمية.

وأوضحت الشبكة أن "الأمانة" بسطت سيطرتها على أسواق حلب القديمة، وكذلك على "التكية السليمانية" التي تعتبر مركزاً للحرفيين في العاصمة دمشق، كما تحتكر الأمانة السورية للتنمية العديد من القطاعات الأخرى أهمها القطاع التنموي فبفضل صلاحياتها الحصرية تتلقى المنظمة القسم الأكبر من الأموال الدولية المخصصة لإعادة الإعمار أو التعافي المبكر، كما تحتكر الجهة نفسها الإغاثة وتقديم الدعم القانوني للنازحين داخلياً عبر برنامج "الاستجابة القانونية الأولية".

وذكر التقرير أن الأمانة السورية للتنمية تُعرِّف نفسها على أنَّها مؤسسة "غير ربحية" إلاَّ أنَّ الوقائع التي تدحض هذا التعريف كثيرة للغاية، فقد استخدمت الأمانة كوسيلة للتربح المادي تحت غطاء العمل المدني والمساعدة الإنسانية"، وحقَّقت الشركات المرتبطة بالأمانة أرباحاً طائلة على مدار سنوات مِن خلال العديد مِن الوسائل منها الفوز بمناقصات لمشاريع طرحتها الأمم المتحدة، وإدارة المشاريع الربحية، في حين لا تقدم الأمانة السورية للتنمية أي بيانات تتعلق بأرباحها أو مصادر دخلها، في غياب واضح للشفافية.

ممارسات تثبت الفساد والمحسوبيات

ورد في التقرير، أن من أبرز مظاهر الفساد المنتشرة في الأمانة السورية للتنمية أنها شكلت وجهاً مدنياً لنظام عسكري سلطوي، حيث عملت من البداية على تلميع صورة هذا النظام، بل والمساهمة أيضاً في التغطية على جرائمه.

وعملت الأمانة السورية للتنمية على حشد المسيرات المؤيدة للنظام في أكثر مِن مناسبة، وقادت العديد من المبادرات الدعائية والترويجية لنظام الأسد كما قامت أسماء الأسد بتمرير رسائل سياسية داعمة للنظام في العديد من خطاباتها في المنظمة وخارجها، تحدثت فيها عن المؤامرات الخارجية، وعن قيادة زوجها الصامدة في وجه المؤامرات.

وتشرف الأمانة على العديد من المشاريع الداعمة لجيش النظام والمبادرات التي تشيد وتمجد ببطولاته، وتحاول كسر العزلة الدولية المفروضة على النظام في الخارج، فتشارك في المعارض في الإمارات العربية المتحدة وترسل نماذج من الصناعات اليدوية إلى إيطاليا وتحاول الانخراط في النشاطات الثقافية هنا وهناك، مع الحرص على ربط الثقافة والتاريخ والمجتمع السوري بصورة "السيدة الأولى" وزوجها.

وكذلك عرضت الشبكة ثلاث ممارسات في الأمانة السورية للتنمية تثبت غرق المنظمة في الفساد والمحسوبيات، أولها أن الأمانة تساهم بشكل واضح في دمج الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية في اقتصاد الحرب، عن طريق تخصيص جزء كبير من المساعدات لدعم المجهود الحربي، وثانيها أن الأمانة تعمل بمثابة أداة لمكافأة الموالين وعقاب المعارضين عبر حرمانهم من المساعدات الدولية المتبقية التي لم تتم سرقتها، إذ تكرس المساعدات القادمة من الأمم المتحدة وغيرها من المانحين، لامتصاص الغضب الشعبي من الأحوال الاقتصادية المتردية في البيئة الحاضنة للنظام، وتعمل من خلال هذه المساعدات على سد الفجوة التي باتت تتسع أكثر فأكثر بين النظام السوري والحاضنة الموالية له، وذلك عن طريق تركيز تحويل المساعدات للموالين للنظام بغض النظر عن الحاجة والاستحقاق.

وأخيراً فإن المساعدات الموجهة للموالين، تخضع لدورة ثانية من الفساد والمحسوبية، فقد تحدَّث الكثير من الموالين عن عدم وصول المساعدات لهم على الرغم من أنهم مستحقون لها، فقط لأنهم لا يملكون واسطة، مما يعني أن النظام يمنح مواليه عبر الأمانة للتنمية مزايا وهمية تتحدث عنها أسماء الأسد في المؤتمرات لجلب الدعم المالي وعبر وسائل الإعلام للظهور بصورة الساعي لمساعدة الفقراء والمحتاجين، لكن لا يتم تطبيق معظم هذه المزايا على أرض الواقع.

في الوقت نفسه، أثبت التقرير أن النظام السوري نجح في تحويل منظمات غير حكومية مثل الهلال الأحمر والأمانة السورية للتنمية إلى منظمات تدار من قبل الحكومة وهو نمط شائع في السياقات الاستبدادية يهدف إلى تقويض قدرات المجتمع المدني والسيطرة الحكومية على مؤسساته لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية تصب في صالح النظام، كما قام بخلق مجتمع مدني يخدم لأجل تلميع وتسويق صورته كما هو الحال مع الأمانة السورية للتنمية.

وسعى النظام السوري لفرض الهلال والأمانة لتكونا بوابات حصرية لتلقي الدعم الدولي من وكالات الأمم المتحدة والدول المانحة، واستخدمهما لرفد البنك المركزي بالعملات الصعبة والاستحواذ على أموال طائلة من المجتمع الدولي، على الرغم من العقوبات التي يخضع لها.

وأصبحت منظمة الهلال الأحمر تحت سيطرة الأجهزة الأمنية بشكل واضح بعد الحراك الشعبي في آذار/2011، واستخدمت تلك الأجهزة بيانات المستفيدين من الهلال لملاحقة المطلوبين أمنياً كما وثِقت حالات استخدمت فيها مقرات الهلال للاحتجاز التعسفي، ولم يعد بإمكان المنظمة العمل دون تصريحات أمنية لا سيما في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ووثقت العديد من الحالات التي تمت فيها سرقة المساعدات من قبل فروع الأمن أو الحواجز.

ومكَّن النظام السوري أسماء الأسد مِن القضاء على منافسيها في مجال العمل الإنساني وساعدها على سحق المنظمات غير الحكومية الأخرى التي فضلت الاستقلالية، ليستطيع النظام السوري التحكم بالقطاع الإنساني عبر الأمانة السورية للتنمية.

ويرى التقرير أنه لا يمكن اعتبار مؤسسات مثل الهلال الأحمر السوري والأمانة السورية للتنمية مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات للعمل الإنساني وفق ما تؤمن به الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، لأنه يستحيل على مثل هذه المؤسسات المسيطر عليها من قبل النظام السوري أن تلتزم الحياد، والاستقلال، وعدم التحيز.

واستنتج التقرير أن النظام السوري استغل الأموال المقدمة من الدول المانحة للمساعدات الإنسانية في احتكارات اقتصادية ساهمت في بناء ثروات شخصية لرؤوس النظام السوري، كما استفاد بشكل غير مباشر من التحويلات المالية التي كان يقدمها المانحون للفوز بمناقصات الأمم المتحدة للمشاريع الإنسانية المقامة في مناطق النظام.

ودعا التقرير الدول المانحة إلى التأكد من وصول المساعدات إلى محتاجيها بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية وذلك عبر فرض آليات رقابة فعالة على المشاريع التي تمولها، والتواصل بشكل مستقل وحيادي مع المجتمعات المستفيدة من المساعدات للتأكد من وصولها لهم، كما طالبها بالتأكد من أن الشركاء المنفذين للمشاريع الإنسانية في سوريا غير خاضعين للعقوبات، وغير مرتبطين بشخصيات خاضعة للعقوبات أو متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة.

وطلبت الشبكة من المجتمع الدولي إدانة هيمنة النظام السوري على المساعدات الإنسانية وفرض عقوبات عليه لانتهاكه قواعد القانون الدولي الإنساني، وتحويله منظمة بمكانة الهلال الأحمر إلى أداة تتحكم بها الأجهزة الأمنية وتخدم هدف إطالة عمر النظام، كما أوصى الأمم المتحدة برفض الالتزام بالوكالات الحصرية التي يحددها النظام لإيصال المساعدات (الهلال والأمانة)، ورفض تحكم أجهزة الأمن بأنواع المشاريع التي يتم تنفيذها وهوية المستفيدين من هذه المشاريع، وغير ذلك من أنواع الابتزاز الذي يمارسه النظام السوري على وكالات الأمم المتحدة بهدف تسخير المساعدات لصالحه.