icon
التغطية الحية

التآزر الأيديولوجي بين قيس سعيد وبشار الأسد

2023.04.15 | 15:14 دمشق

قيس سعيد وبشار الأسد
قيس سعيد وبشار الأسد
The New Arab- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

انحسرت عزلة سوريا في المنطقة العربية خلال الأشهر الماضية، إذ على الرغم من عدم موافقة الحكومات الغربية على ذلك، إلا أن عدداً متزايداً من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد عقدت العزم على تطبيع العلاقات مع دمشق خدمة لمصالحها الوطنية.

تؤكد الزيارات الثلاث التي قام بها الأسد لمنطقة الخليج منذ آذار 2022 وزيارته المرتقبة إلى الرياض خلال الشهر المقبل كيف تعمل دول مجلس التعاون الخليجي، ويستثنى منها الكويت وقطر، على دعم النظام في دمشق.

فلقد قام الاجتماع الذي ضم وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، مع نظيره المصري في القاهرة في مطلع هذا الشهر، بتسليط الضوء أيضاً على الطريقة التي يتم من خلالها كسر الجليد، لاسيما عقب الزلزالين المدمرين اللذين وقعا في 6 من شباط الماضي.

كما زار المقداد السعودية يوم الأربعاء الماضي في أول زيارة من نوعها منذ اندلاع النزاع السوري في عام 2011.

انضمت تونس لحالة الإجماع العربية المتصاعدة حول تطبيع العلاقات مع سوريا وإعادة تأهيل النظام في دمشق. إذ في شهر آذار الماضي، أعرب الرئيس التونسي، قيس سعيد، عن رغبته برؤية مندوب بلده برفقة مندوب سوريا.

وفي الثالث من نيسان، أمر رئيس تونس وزارة خارجيته بالبدء بإجراءات تعيين سفير لتونس في دمشق، مؤكداً عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الحاجة للالتزام بمبادئ السياسة الخارجية للدبلوماسية التونسية، وذكر بأن مواقف بلده في الخارج مستمدة من إرادة الشعب.

وفي يوم الأربعاء الماضي، أعلن النظام السوري في بيان مشترك مع تونس عن إعادة فتح الخط الدبلوماسي مع تونس وتعيين سفير سوري هناك.

"الانجراف نحو الاستبداد"

عقب ثورة الياسمين في عام 2011، سعت حكومة تونس المنتخبة بصورة ديمقراطية لتحويل عملية مناهضة الاستبداد إلى ركيزة لسياستها الخارجية.

حيث وقف أول رئيس لتونس أفرزته ثورات الربيع العربي، أي محمد منصف المرزوقي، ضد الأسد بشدة، فاستجابت تونس للانتفاضة في سوريا عبر قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق في شباط 2012، وقد أكد المرزوقي ذلك بقوله حينها: "إن الحل الوحيد (بالنسبة للعنف في سوريا) هو انسحاب بشار الأسد من السلطة، والبدء بعملية انتقال ديمقراطي".

ولكن بعد تغير الموازين في سوريا لصالح الأسد عقب التدخل العسكري الروسي والإيراني المكثف، بدأت تونس بالتدريج بتقبل حقيقة انتصار حكومة دمشق في الحرب السورية.

وبحلول كانون الثاني من عام 2017، أعادت تونس بعثتها الدبلوماسية إلى دمشق ولكن بعدد محدود من الموظفين، وهذه الخطوة قسمت التونسيين ما بين متعاطف مع الأسد وراغب باحتفاظ تونس بموقف صارم ضد النظام السوري.

ولكن بعد انضمام الآلاف من المواطنين التونسيين لصفوف تنظيم الدولة، صنف المسؤولون في تونس عملية التطبيع تحت شعار محاربة الإرهاب وحماية مصالح الأمن القومي لتونس.

ومنذ انقلاب قيس سعيد في عام 2021، وتونس تسرع الخطا باتجاه تحرك لإعادة العلاقات الدبلوماسية بأكملها مع دمشق.

وحول ذلك تعلق الدكتورة فيدريكا سايني فاسانوتي وهي باحثة غير مقيمة لدى مركز الأمن والاستراتيجية والتقانة لدى برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكينغز، فتقول: "أعرب سعيد عن رغبته بإحداث تغيير واضح لصالح الأسد بالتأكيد، وفي ذلك إشارة مريبة أخرى فيما يتصل بحالة الانجراف نحو الاستبداد التي تعيشها تونس".

بالنسبة لسعيد، أصبحت عملية إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا أهم أولوية، إذ هنالك حالياً أكثر من 30 سفارة لتونس في مناطق مختلفة من العالم لا يوجد فيها سفير أو رئيس للبعثة، لأن الرئيس التونسي بكل بساطة لم يقم بتعيين أي منهما، وينطبق ذلك على سفارات تونس في عواصم مثل بيجين وبرلين وروما مثلاً، إلا أننا نجد سعيداً وهو يركز طاقته على تعيين سفير لسوريا ويسهب في الحديث عن مدى تقديره للعلاقات التي تربط تونس بدمشق.

دوافع فكرية لإعادة العلاقات مع سوريا

بخلاف الأردن، والإمارات وغيرها من الدول العربية التي لديها مصالح اقتصادية أو أمنية واضحة المعالم في تطبيعها للعلاقات مع دمشق، تسعى الحكومة التونسية لتحقيق ذلك لأغراض أيديولوجية، وهنا من الضروري أن نشير إلى أن قرار تونس لم ينجم عن ضغط إماراتي أو من قبل أي دولة خليجية أخرى.

إذ ترى مونيكا ماركس وهي أستاذة مساعدة في مجال السياسة في الشرق الأوسط لدى جامعة نيويورك بأن: "قيس سعيد لديه أسبابه الأيديولوجية المستقلة التي خلقت لديه الرغبة بإقامة علاقات مع حكومة الأسد".

وتضيف ماركس بأن ما ينقص نظام سعيد هو مصالح واضحة من النوع التقليدي كالمصالح التجارية أو الجيوستراتيجية مع سوريا، وذلك لأن سعيداً والزمرة الصغيرة المحيطة به من الأيديولوجيين والمنظرين هي عبارة عن خليط أيديولوجي انتقائي يدندن حول نغمات تنادي بالقومية العربية، ويبدو بأن هؤلاء القوميين العرب المتشددين هم من حددوا اتجاه البوصلة.

وهكذا أصبحت المدرسة البعثية القديمة برأي هذه الباحثة تعمل على رسم مسار العلاقات التونسية-السورية دون وجود أي مصلحة قومية تقليدية واضحة يمكن للدولة التونسية تحصيلها مقابل ذلك.

لنفهم موقف سعيد تجاه سوريا، من الضروري أن نلقي نظرة على الدوائر الانتخابية التي ينتمي لها وأجنداتها، فلقد حافظ بعض اللاعبين المؤثرين في تونس الذين صفقوا في البداية لصعود قيس السريع ليصل إلى الرئاسة في عام 2021، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، على مواقف راسخة مؤيدة للأسد على مدار سنوات طويلة، ولقد أبدت هذه الجهات دعمها للأسد بكل وضوح من خلال الرسائل التي كتبتها لتعبر عن تعاطفها مع حكومة دمشق، وصولاً إلى إرسالها لوفود إلى سوريا للقاء الأسد، وقد بدأ ذلك قبل أن تكتسب الموجة العربية الساعية لتطبيع العلاقات مع سوريا هذا الزخم بسنوات.

تؤطر تلك الجهات تأييدها للنظام السوري عادة ضمن سياق دعمها للكفاح الفلسطيني، حيث ترى في نظام الأسد مدافعاً عن فلسطين، وقوة لابد من وجودها لمقاومة الصهيونية والإمبريالية الغربية.

وتعلق ماركس على ذلك بقولها: "تميل هذه الجماعات لليسار في تونس أي للقوميين العرب تاريخياً، ولقد تصدرت تلك المجموعات عملية التطبيع في عام 2017 وما قبله، ثم عثرت الزمرة المقربة من قيس سعيد على نقاط تشابه أيديولوجية مشتركة تربطها بهذه الجماعات، على الأقل في البدايات".

الدفاع عن السيادة ونبذ حقوق الإنسان

تصر الحكومة التونسية على حقها بالسيادة، إذ لا يرحب سعيد ولا من حوله بأي انتقاد يشير إلى عودة تونس لمرحلة الاستبداد، والقيادة التونسية راسخة بموقفها تجاه الدول العربية التي يجب ألا تصيخ السمع للخطب العصماء التي يلقيها المسؤولون الغربيون حول حقوق الإنسان أو الديمقراطية.

في ظل هذه الظروف، أصبحت الخطوات التي تتخذ لدعم صورة نظام الأسد على اعتبار أنه نظام شرعي تخدم أجندات سعيد في تونس، في الوقت الذي تقرع فيه منظمات حقوقية ونواب غربيون جرس الإنذار حيال قيامه باختطاف السلطة على طريقة نابليون، فضلاً عن سوء معاملته للمهاجرين المقيمين في بلده.

وتعقيباً على ذلك، تعلق الدكتورة فاسانونتي بالقول: "أعلن سعيد بصراحة بأن ما يحدث في سوريا لا يضر إلا بالسوريين، ومن المرجح أن هذا ما يرغب سعيد بأن يحدث في بلده، إذ من خلال هذه الطريقة سيتمتع بمطلق الحرية فيما يتصل بتشديد قبضته الاستبدادية على البلد، ويتزامن ذلك مع عدم استعداد أي منظمة دولية للتدخل في بلده".

المصدر: The New Arab