icon
التغطية الحية

اعتقال أو دفع عشرات الملايين.. ابتزاز سوريين في مناطق سيطرة نظام الأسد

2022.08.17 | 14:33 دمشق

اعتقال في سوريا
الاعتقالات في سوريا
دمشق - سارة هاشم
+A
حجم الخط
-A

يعاني العديد من السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري من حالات ابتزاز مستمرة من قبل أجهزة الاستخبارات ومجموعات الشبيحة الذين يهددون معتقلين سابقين ومهجرين بينهم نساء من إمكانية اعتقالهم.

واستعاد النظام السوري منذ عام 2016 السيطرة على مناطق محررة في دمشق وريفها (ومناطق أخرى) كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة، بدعم روسي وإيراني بعد عمليات عسكرية شديدة نتج عنها اتفاقيات تهجير للمدنيين والعسكريين.

وبعد استتباب الأمور في المناطق التي أفرغها نظام الأسد من سكانها، انتقل الكثير منهم إلى مناطق أخرى في أحياء دمشق وريفها بهدف تأمين لقمة العيش في ظل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية الحرجة التي تعاني منها مختلف المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.

ويقوم ضباط في المخابرات السورية باستدعاء أشخاص كانوا معتقلين سابقين أو أشخاص عاديين كُتبت بهم تقارير مخابراتية كيدية بهدف ابتزازهم وتحصيل مبالغ ضخمة منهم تصل إلى 45 مليون ليرة سورية (حوالي 10 آلاف دولار).

ابتزاز وسرقة أموال

ورصد موقع "تلفزيون سوريا" أكثر من حالة ابتزاز حدثت خلال الأشهر القليلة الماضية فقط مع عدد من الأشخاص في دمشق وريفها، إما عبر الاتصال الهاتفي أو عبر الاستدعاء إلى فروع مخابرات نظام الأسد.

وفي سياق ذلك، قالت أم عبد الله (اسم مستعار لأسباب أمنية) التي سبق أن اعتقلت عام 2015 في فرع الخطيب بدمشق، إنها قد استدعيت مجدداً إلى مفرزة أمن عسكري في ريف دمشق، وقيل لها إنه سيتم تحويل ملفها مجدداً إلى فرع الخطيب لاستجوابها.

وأضافت في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن ضابطا في المخابرات أخبرها أن ملفها سيتم تحويله إلى فرع الخطيب وعليها مراجعة الفرع، مؤكدة أن الضابط شدد أن موضوعها خطير وتهمتها تمويل خارجي واستلام حوالات من خارج القطر بالعملة الأجنبية.

وعندما سألته عن حل ذلك من دون أن تجري أي مراجعة، خصوصاً أنها لا تتلقى أي أموال وليس لديها أحد في الخارج أصلاً، قال إن الموضوع ينتهي في مفرزة الأمن بدفع 10 آلاف دولار أو ما يقارب 45 مليون ليرة سورية وفق سعر الصرف اليوم.

ولفتت صفاء قائلة: "الموضوع انتهى إلى دفع 2000 دولار (قرابة الـ 9 مليون ليرة سورية) من قطعتي ذهب كانتا لدي، إلى جانب بيع عدد من أدوات المنزل.

وتعتقد صفاء التي تشجعت وروت قصتها أن الموضوع لا يقتصر عليها إنما سمعت أكثر من شخص قد تعرض لنفس الحادثة.

وأشارت إلى أن ما يحصل إنما هو "ابتزاز مباشر وسرقة أموال، حيث لم يكن اعتقالي الأول بسبب أي نشاط، إنما لأن إخوتي وأقاربي قد شاركوا في المظاهرات ضد النظام، وعندما لم يجدوهم اعتقلوني ثم أفرجوا عني بعد 4 أشهر".

"تشليح الناس أموالهم"

من جهته، قال محمد الشامي، إن موضوع الابتزاز المادي قديم وليس خلال العام الجاري فقط، "أنا أعرف الكثير من الأشخاص الذين تعرضوا لحالات مشابهة، الدفع لضباط الأمن أو شبيحة مقابل أن يُتركوا دون اعتقال أو تغييب".

وأردف في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أنه قبل حوالي 5 أشهر تعرض لحالة ابتزاز من قبل شاب زميل في الجامعة زعم أنه من فرع مخابرات، إنما هو (شبيح) ولكن معظم عائلته يعملون في فروع المخابرات بما فيهم والده الضابط.

ولفت الشامي قائلاً: "لم أكن قد اعتقلت سابقاً، وبصراحة لم أعلن أي موقف معلن من الثورة السورية، رغم أنني أدعمها بكل تأكيد وشاركت في مظاهراتها سراً، وعملت في الأنشطة الإغاثية، ولكن لم يكن لي أي نشاط معلن.

وبيّن  الشامي "هذا الشبيح اتصل بي وأخبرني أنه من فرع أمن، وقال لي إنني متورط في دعم المناطق المحررة (أو التي يسيطر عليها الإرهابيون) بالمال والدواء والغذاء"، قلت له "لا لم أفعل ذلك وإن كان هناك دليل أنا مستعد لتسليم نفسي الآن".

و"الموضوع أخذ عدة أسابيع بين صد ورد ولكن في النهاية اضطررت لدفع 3 ملايين ليرة له، حتى يتركني بحالي، باعتبار أن يده واصلة فعلاً، والموضوع مجرد ابتزاز وتشليح مصاري، إن لم أدفع قد يذهب بي إلى ما وراء الشمس"، بحسب الشامي.

الخوف من الحديث

لم تكن حالتي صفاء والشامي فقط من الذين تعرضوا لمحاولة الاعتقال أو دفع المال، إنما رصد موقع "تلفزيون سوريا" حالات أخرى تم تناقلها بين العديد من العائلات في أحياء من دمشق وريفها، وخلال البحث عن الأمر تبين أن هناك خوفا من نشر مثل هذه الأمور أو الحديث عنها للإعلام لأن ذلك قد يعرض أصحابها للاعتقال أو الملاحقة.

وقالت أم عمر لموقع "تلفزيون سوريا" إن زوجها (فلسطيني سوري) لا يقبل أن يتحدث بهذا الموضوع أمام أحد، ولكنه ممنوع من السفر، ولا يستطيع استخراج جواز سفر لأن عليه مراجعة في فرع المنطقة بدمشق.

وأوضحت أن المراجعة الأمنية قد تكون عدة ساعات وقد تستمر لعدة سنوات، حيث لا شيء مضمونا فيها، وقد يقتل تحت التعذيب.

وبينت أم عمر أن شخصاً قال لزوجي إن "واسطة أمنية طلبت منا مبلغ 15 مليون ليرة، مقابل أن يلغى موضوع المراجعة ويستخرج جواز السفر شريطة أن يغادر الأراضي السورية خلال 24 ساعة، ولكن ليس لدينا المبلغ لدفعه.

وأشارت إلى أن زوجها دائماً في حالة خوف من اعتقاله لأنه سبق أن شارك بالمظاهرات مثل كل الناس وقد كتبت به تقارير أمنية، ثم لجأنا إلى دمشق لوجود ابنة مريضة لدينا ولا معيل آخر.

كم عدد المعتقلين في سوريا؟

وبحسب ما نقل من شهادات للموقع، يبدو أن ضباط النظام يعمدون إلى حالات الابتزاز من معتقلين سابقين أو أي شخص مقابل تحصيل المال، وإن لم يدفع الشخص يعتقلونه بسهولة حتى يرهبوا الآخرين به، وهو أمر لا مزاح به في مناطق سيطرة النظام السوري. 

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان بلغ عدد من اعتقلهم في النظام السوري في النصف الأول من عام 2022 ما لا يقل عن 1024 حالة اعتقال أو احتجاز تعسفي بينهم 49 طفلاً و 29 سيدة.

وبحسب الشبكة يوجد في سوريا 102 ألف مختفٍ قسرياً، 85% منهم معتقلون لدى النظام السوري.

وجاء في تقرير للشبكة صدر في تموز 2022، أن قوات النظام السوري لم تتوقف عن ملاحقة واستهداف المدنيين في مناطق سيطرتها على خلفية معارضتهم السياسية وآرائهم المكفولة بالدستور السوري والقانون الدولي؛ الأمر الذي يُثبت مجدداً حقيقة أنه لا يمكن لأي مواطن سوري أن يشعر بالأمان من الاعتقالات؛ لأنها تتم من دون أي ارتكاز للقانون أو قضاء مستقل، وتقوم بها الأجهزة الأمنية بعيداً عن القضاء وغالباً ما يتحول المعتقل إلى مختفٍ قسرياً.

وقال التقرير إن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري لا يمكن أن تشكِّل ملاذاً آمناً للمقيمين فيها، وهي من باب أولى ليست ملاذاً آمناً لإعادة اللاجئين أو النازحين، مؤكداً أنه لن يكون هناك أي استقرار أو أمان في ظلِّ بقاء الأجهزة الأمنية ذاتها، التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية منذ عام 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن.