اجتماع مركزية حزب البعث شعوذة وشر أبدي

2023.12.20 | 07:09 دمشق

اجتماع مركزية حزب البعث شعوذة وشر أبدي
+A
حجم الخط
-A

يريد بشار الأسد إغاظة المتظاهرين السلميين ضد نظامه في محافظة السويداء، فيلبس شخصية المشعوذ، ويضع قبعته ويمسك بعصاه، مدعياً أمام الآخرين بقدرته على إعادة جثة متعفنة إلى الحياة! ويأمر قيادة حزب البعث أن تجتمع، لتناقش استراتيجيات سياسته بوصفه حزباً حاكماً، وأن تنتخب قيادة جديدة بديلة عنها! في مشهد متخم بالسماجة، ترتسم ملامحه حين يرى السوريون أن الأفراد الذين يشكلون واجهات للنظام، تظهر في كل مناسباته ولقاءاته مع الخارج أو الداخل، إنما هم أعضاء في المركزية المجتمعة لتقوم بإجراءات التغيير المزمع، ولتقول الخلاصة: إن من العبث التفكير -أو التوهم على وجه الدقة- بأن تصويتاً ما، يجري في تلك القاعة، سيؤدي إلى استحداث أي شيء جديد في سوريا السجينة، والمقهورة، والمدمرة، والمحتلة!

اعتاد السوريون منذ نصف قرن على جمود النظام من الناحية الإيديولوجية، وهزال واجهته البعثية، فبعد أن صفى الأسد الأب التيارات المعارضة له في الحزب، تحول هذا الأخير إلى مصفاة أمنية، تنتهي إليها وفيها شخصيات تبرع في التطبيل والنفاق وفي ممارسة الفعل المخابراتي، عبر كتابة التقارير الأمنية بالآخرين، ليس ضد المعارضين فحسب، بل ضد عامة الناس، وهكذا سينتهي الحال بكوادر حزب ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار إلى حيث يتركز اهتمامهم على اضطهاد العامة واستغلالهم، فنقرأ على سبيل المثال لا الحصر عن قيام رئيس شعبة شهبا بتدوين تقرير بمواطن يتصرف بمحصول حقله دون علم الحزب! أو يرعى بقرته في الحقول بغير إذن!

تطهير الحياة اليومية من البعث ورموزه ورمزيته القمعية، يعني فيما يعنيه تجريد النظام المافيوي من واجهة وأداة يستخدمها متى شاء

البعثيون وفق النسخة الأسدية، وبحسب ما أظهرته وثائق مقارهم، ليسوا سوى حفنة من المخبرين، تراهم كغيرهم في كل المواقع والوظائف، يؤدون الأعمال، ويصرفون الأمور، لكنهم يجتمعون في الملمات ليشكلوا كتائب بعثية مسلحة، تنتهك حيوات الآخرين على الحواجز، وتمارس الأفعال الإجرامية، وتصطف إلى جانب كل الميليشيات الطائفية القذرة التي استباحت سوريا بحجة القضاء على "العصابات الإرهابية المسلحة"!

تطهير الحياة اليومية من البعث ورموزه ورمزيته القمعية، يعني فيما يعنيه تجريد النظام المافيوي من واجهة وأداة يستخدمها متى شاء، ولعل ما تم إنجازه على يد الثائرين في محافظة السويداء، يقدم الحقيقة في أسطع أشكالها، حيث بات من المثبت في الواقع السوري أن تدمير السلم الأهلي للمجتمع، يأتي تاريخياً من فروع الأمن، ومن شعب الحزب، وهما على الأرض بؤرة واحدة، بالنظر إلى إلزامية الانتماء البعثي في كل مؤسسات الدولة.

وإذا فتش المرء في خلفيات اللصوص والشبيحة وتجار المخدرات ومصنعي الكبتاغون، ورعاة كل أنواع الفساد، سيجد أن هؤلاء كلهم ينتهون إلى نفس الزاوية، فإما هم أعضاء وموظفون ضمنها، أو على الأقل شركاء مع المتنفذين فيها!

فقه المناكفة الأسدي، حين يوحي لرأس النظام بأن جمعه لقيادة البعث، والإيعاز لأفرادها بأن يؤدوا أدوارهم في هذه التمثيلية الباهتة، يثبت مرة أخرى، وأمام العالم كله، بأن نجاة البلاد ترتبط بتخلصها من هذا الوباء المدمر، الذي قضى على كل أمل للحياة فيها!

فأي استراتيجية يمكن أن تخرج من عصارات عقولهم المتكلسة؟ وأي وجوه كالحة يمكن أن "يدفشوها" إلى الواجهات؟ وأي رجاء من شخصيات تكذب، وتعرف بأن الجمهور يعرف بكذبها، ورغم ذلك تتصرف وكأن السوريين يعولون على ما تفعله؟!

هنا تجتمع في مواجهة المجتمع الذي يطلب الحياة والحرية، خلاصة الشر التي تخرج من رأس هذا الكائن، وتدفقات الشرور التي يبذلها مؤيدوه من أجل التكسب من وجوده، ومن وجودهم معه

نعم، هذا نظام منفصل عن الواقع من رأسه إلى أصغر الفاعلين فيه، لكن حين يحاول المرء الدخول إلى عقل بشار الأسد، لمعرفة ميكانيزماته، بعد كل ما جرى في سوريا منذ تولى الحكم، سيتأكد من غياب أنزيمات النضج عنه، فهو لن يحوز أي مرتبة في سلم عتاة الطغاة، لأن كل ما يفعله إنما يبنى على هوسه بإثبات نفسه وقوته أمام الآخرين، الأمر الذي يجعله -بحسب كل من عرفوه عن قرب- يمارس كل أنواع الكذب والخداع والإجرام، بعد الاستغراق في أتفه الوقائع، وتحويل الصغائر إلى أسباب محركة لسياسات الدولة التي يحكمها.

مصيبة السوريين هائلة، ولا يمكن مقارنتها بأي من المصائب المماثلة مما عاشته الشعوب حول العالم، فهنا تجتمع في مواجهة المجتمع الذي يطلب الحياة والحرية، خلاصة الشر التي تخرج من رأس هذا الكائن، وتدفقات الشرور التي يبذلها مؤيدوه من أجل التكسب من وجوده، ومن وجودهم معه، وتصطف مع هؤلاء رغبات ونزعات دموية دينية تطهيرية رازحة في عقل الولي الفقيه الخامنئي في طهران، وهواجس السيطرة المافيوية لدى القيصر الروسي بوتين في موسكو!

وعلى أرضية فشل المعارضة السورية السياسي، بسبب الارتهان للسياسات الإقليمية، وفوضى السلاح والسيطرات الفصائلية التي تشبه ميليشيات النظام من حيث التكوين والممارسة، وتحت سماء اللامبالاة العربية والدولية، يلد الشر ذاته وأشباهه، ويستمر الأذى لكل ما هو إنساني، ويتأبد!