icon
التغطية الحية

إعادة عائلات تنظيم الدولة من سوريا.. ما بين المخاطر الأمنية وضرورة الإجلاء

2022.09.23 | 13:24 دمشق

داعش
خروج عائلات تنظيم الدولة من بلدة الباغوز بريف دير الزور ـ رويترز
يوروبيان آي أون راديكيشن - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

منذ القضاء على تنظيم الدولة في آذار 2019، بقيت المخيمات في الشمال السوري ممتلئة بعناصر سابقين قاتلوا لدى هذا التنظيم إلى جانب زوجاتهم وأولادهم. ومن بين "المقاتلين الأجانب" الذين أتوا إلى سوريا، هنالك نحو 2838 شخصاً أتوا من أربع دول وهي: بلجيكا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة. في حين كشف صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة في عام 2019 بأن نحو 29 ألف طفل ولدوا "لمقاتلين أجانب" تقطعت بهم السبل في سوريا، ومعظمهم تحت سن الثانية عشرة، وبينهم عشرون ألف من العراق، وتسعة آلاف من دول أخرى، إلا أن معظمهم أوروبيون. وإضافة إلى كل ذلك، هنالك 1200 طفل لمقاتلين أجانب يعيشون في العراق، أكثر من 200 منهم تعود أصولهم لفرنسا.

بيد أن أعداد أهالي "المقاتلين الأجانب" في المخيمات السورية والعراقية تثير مشكلة تتمثل بفكرة إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، وذلك لأن الدول الأوروبية تبنت سياسة حذرة في تعاملها مع مسألة إجلاء "المقاتلين الأجانب" وعائلاتهم، إذ تتعامل الحكومة الفرنسية مثلاً مع قضيتهم تبعاً للحالة، حيث تعالج كل حالة على حدة، لكنها ترفض إجلاء البالغين، وبينهم أمهات رفضن أن يتم تفريقهن عن أولادهن. إذ في أواسط شهر حزيران الماضي، أجلت الحكومة الفرنسية 15 يتيماً "لمقاتلين" فرنسيين، إلا أن اثنين منهم سمحت أمهما بسفرهما إلى فرنسا دونهما.

سياسة فرنسية صريحة

وهذا ما جعل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تستنكر ما فعلته فرنسا، وتطالبها بإعادة النظر بهذا النهج. وعلى الرغم من أن الحكومة الفرنسية أخذت تلك الإدانة والاستنكار بعين الاعتبار، فإنها ذكرت الجميع بأن فرنسا سبق أن أجلت الكثير من أسر "الجهاديين" في مطلع تموز الماضي، بيد أن أعداد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم ما يزال قليلاً. لكن فرنسا ما تزال الدولة الأشد صراحة ووضوحاً حيال النهج الذي تبنته مع تلك القضية، بما أن دول الاتحاد الأوروبي بالعموم ما تزال مترددة حيال إجلاء "الجهاديين" وعائلاتهم.

تخوف وتردد أوروبي

من الواضح بأن الدول الأوروبية متخوفة من احتمال أن تتسنى فرصة أعمال إرهابية ضمن حدودها أمام العائدين، فهي ترى بأن هؤلاء الأشخاص إما تطرفوا داخل تلك المخيمات، أو أنهم حاربوا بالفعل لصالح تنظيم الدولة، ولهذا عندما يصبحون على تماس مباشر مع المواطنين فإنهم سينشرون تطرفهم كما قد يحرضون غيرهم على الإرهاب. وعليه، فإن أي عمل إرهابي يقترفه أي عائد من هؤلاء لا بد أن يضع تلك الحكومات في موضع متقلقل سياسياً، وسيفقدها شعبيتها بنسبة كبيرة.

تلك هي الحسابات الأساسية التي دفعت جميع السياسيين الأوروبيين للتردد حيال اتخاذ خطوات جريئة في هذا المجال. وهنالك تبعات وتكاليف أخرى، بالمعنى الحرفي للكلمة: وذلك لأن الدول الأوروبية عند إعادتها "للمقاتلين الأجانب" وعائلاتهم ممن لا يمكنها أن تودعهم في السجون بتهم جنائية، يتعين عليها تخصيص ميزانيات أكبر لوكالات الاستخبارات لديها حتى تقوم بمراقبتهم والعمل على إعادة دمجهم في المجتمع بموجب برامج مخصصة لذلك.

أسباب التطرف

يعتبر الأطفال، ونسبة من زوجات "المقاتلين الأجانب"، ضحايا بحد ذاتهم، وذلك لأنهم أجبروا على الانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة رغماً عنهم. إلا أن التجارب المروعة والجرائم الشنيعة التي رأوها أو ارتكبوها خلال الحرب قد أسهمت في تشربهم لتلك الأفكار التي نشرها تنظيم الدولة، فالكثير من الأطفال عملوا كجنود لصالح هذا التنظيم وغيره من الجماعات "الإرهابية" في المنطقة الواقعة بين العراق وسوريا، ويمكن لذلك أن يكون قد دفعهم للتحول إلى مصدر تهديد خطير بالنسبة لأمن الدول الأوروبية. إذ على الرغم من أن بعض الدول الأوروبية تقدم برامج إعادة إدماج شاملة "للمقاتلين الأجانب" وعائلاتهم، إلا أن تلك البرامج لا تضمن نجاح عملية تخليص العائدين من تطرفهم، أو تحييد الخطر الذي يمثلونه على المجتمع.

اقرأ أيضا: "كلما سمحت الظروف".. فرنسا ستنظر في إعادة مواطنيها من شمال شرقي سوريا

وعلى الرغم من أن مشاركة الأطفال في برنامج التخلص من التطرف يمكن أن تدفعهم للتخلي عن الأفكار المتطرفة، فإن وصمة العار التي ألحقها المجتمع بأطفال "المقاتلين الأجانب" وعائلاتهم يمكن أن تمثل خطراً كبيراً آخر يتمثل بانتكاسهم ونكوصهم، فقد تبين بأن وصمة العار وحالة الغربة التي يعيشها المرء هي من العوامل التي تدفع "المقاتلين الأجانب" نحو التطرف.

مسؤولية الرعاية الأوروبية

إن المخاطرة المتمثلة بإعادة عائلات "المقاتلين الأجانب" إلى بلدهم عملية محفوفة بالأخطار والتهديدات من وجهة نظر المجتمع، ولا بد لنا أن نعترف بذلك صراحة. بيد أن الظروف التي تعيش في ظلها تلك العائلات داخل المخيمات قاسية ولا إنسانية، فالأطفال محرومون من أبسط الأساسيات، وعلى رأسها المياه والغذاء والرعاية الصحية، ما يعرضهم لخطر الموت الوشيك. إذ يعتقد بأن 62 طفلاً على الأقل لقوا حتفهم في تلك المخيمات بسبب تلك الظروف وذلك منذ بداية عام 2021. أي أن الظروف الصعبة التي ترزح تحتها تلك العائلات تثير تساؤلات مهمة حول مسؤولية المجتمع الدولي والدول التي تنتمي تلك العائلات إليها.

تتقبل دول الاتحاد الأوروبي مسؤولية الرعاية بكل معانيها وذلك بالنسبة لمواطنيها الذين تقطعت بهم السبل في تلك المخيمات، وذلك لأن عائلات "المقاتلين الأجانب" وأطفالهم ما يزالون مواطنين في تلك الدول، لذا من حقهم أن يعاملوا كمواطنين، وأن يسمح لهم بالعودة إلى أوطانهم. بيد أن رفض الدول الأوروبية إعادة مواطنيها لا يسهم فقط بخلق معاناة دائمة على المدى القصير، بل إنه يحمل رسالة مفادها: حرمان فئة من الشعب من انتمائه. وبصورة عملية أكثر، حذرت تقارير كثيرة من تطرف الأطفال داخل المخيمات، وذلك لأنه كلما طالت فترة مكوث الأطفال في تلك المخيمات، زاد احتمال تمكن "الجهاديين" من إقناعهم بأفكارهم وزجهم في ساحة القتال التي لن تستثنى أوروبا منها.

لقد استقطب موضوع العائدين من "المقاتلين الأجانب" اهتمام كم كبير من الأبحاث والتحليلات على مدار السنوات القليلة الماضي، حيث شددت كل تلك الدراسات والتحليلات التي أجريت حول هذا الموضوع على أن الأطفال يعانون في مخيمات سوريا والعراق، وهذا ما قد يدفع الدول الأوروبية للاضطلاع بمسؤوليتها المتمثلة بإعادة مواطنيها بدافع الحاجة والضرورة الملحة. إلا أن هنالك مخاطر تحيط بتلك العملية، وستبقى كذلك، ولهذا يتعين على الدول الأوروبية أن تخصص كماً كبيراً من مواردها لمراقبة العائدين وإعادة دمجهم في المجتمع، بيد أن هذه المشكلة لن تتحسن بمرور الوقت، ولهذا من الضروري ضمان عودتهم في أقرب وقت ممكن، لأنه كلما طالت مدة إقامتهم في تلك المخيمات، زادت فرصة المتطرفين في تجنيدهم لجولة الجهاد المقبلة.

المصدر: يوروبيان آي أون راديكيشن