icon
التغطية الحية

أبطال فيلم "سبايا": المخرج لم يأخذ موافقتنا للتصوير

2021.09.27 | 13:08 دمشق

merlin_191140905_7b360266-8e38-445a-a98a-ad6c853b6e17-jumbo.jpg
صورة ترويجية لفيلم (سبايا) الوثائقي
نيويورك تايمز - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في الفيلم الذي لاقى استحسان النقاد حول عملية إنقاذ نساء وفتيات تعرضن للاسترقاق الجنسي على يد تنظيم الدولة، تجري أحداث الفيلم المليئة بالتوتر في مخيم احتجاز بسوريا ومن ثم في منزل آمن حيث واجهت تلك النسوة خيارات مؤلمة.

وقد حاز فيلم (سبايا) السويدي على جائزة مهرجان سوندانس للأفلام عن فئة أفضل مخرج لفيلم وثائقي أجنبي في هذا العام، كما عرض في افتتاح مهرجان حقوق الإنسان السينمائي في برلين خلال الأسبوع الماضي. وكانت آراء النقاد عنه جيدة، خاصة بالنسبة لمشاهد المطاردة بالسيارات الواقعية ومحاولات الإنقاذ والتي بدت دراماتيكية مثل أي فيلم إثارة خيالي.

غير أن الفيلم أثار حفيظة بعض الأشخاص الذين كان من المفترض أن يحتفوا به، وهن نساء من الأقلية الإيزيدية الدينية في العراق واللواتي تعرضن للاسترقاق الجنسي على يد تنظيم الدولة الإرهابي لسنوات، بما أنهن يمثلن الموضوع الرئيسي لهذا الفيلم. إذ ترى تلك النسوة أن هذا الفيلم ينتهك حقوق النساء اللواتي حرمن من أن يتمتعن بحق السيطرة على حياتهن، وتقرير ما إذا كان بوسع الآخرين استخدام صورهن أم لا.

فقد تحدثت ثلاث نسوة إيزيديات ظهرن في ذلك الفيلم الوثائقي لصحيفة نيويورك تايمز وذكرن بأنهن لم يستوعبن ما الذي كان مخرج الفيلم، هوجر هيروري، يخطط له من خلال ما صوره، كما لم يخبرهن أحد أن الفيلم سيصل إلى العراق أو سوريا. أما الرابعة فذكرت أنها كانت تعرف أنه يصور فيلماً، لكنها أخبرته بأنها لا تريد أن تظهر فيه. وقد أوضحت طبيبة سويدية من أصول كردية قامت بمساعدة النساء الإيزيديات بأنها لم تكن ترغب بالظهور في ذلك الفيلم الوثائقي.

وتقول واحدة من تلك النساء: "أخبرتهم بأني لا أريد أن يتم تصويري، لأن هذا سيضرني، فالأمر خطير".

وقد أثار اعتراض تلك النسوة مشكلات حول الأمور التي تمثل موافقة مبنية على معرفة من قبل الناجين الذين تعرضوا لصدمة كبيرة، وحول المعايير المختلفة التي يتم تطبيقها على مواضيع الأفلام الوثائقية في الدول الغربية.

إذ يقول السيد هيروري وهو مواطن سويدي، كان لاجئاً عراقياً من أصول كردية في السابق، وأمضى  نحو سنتين وهو يخرج هذا الفيلم بين عامي 2019 و2020، وسافر مرات عديدة إلى سوريا والعراق، بأنه حصل على موافقة خطية أو شفهية أو مصورة من كل النسوة اللواتي ظهرن في ذلك الفيلم.

 

 

كما قال هذا المخرج المتمرس لصحيفة تايمز  إنه قام قبل ذلك بتسجيل موافقة شفهية من قبل النساء خلال الأيام التي تلت هروبهن في عام 2019، وكذلك في أثناء مكوثه في البيت الآمن ذاته في سوريا بصحبة بعض منهن. وأعلن أنه اعتزم دفعهن للتوقيع على بيانات خطية خلال رحلته التالية إلى تلك المنطقة، إلا أن الرحلة تأجلت بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا، ولهذا يقول إنه أرسل تلك الاستمارات: "بالبريد فعلياً".

ومن جانبهن، ذكرت النسوة أنهن تلقين تلك الاستمارات التي تشتمل على الموافقة، ولكن بصورة إلكترونية ووصلتهن باللغة الإنكليزية، أي بلغة لا يفهمنها. وقد أتت تلك الاستمارات بعد مرور عامين تقريباً على تصويرهن، أي بعد عرض الفيلم على شاشات السينما.

ولقد اطلعت صحيفة تايمز على تلك الاستمارات فوجدتها موقعة باسم السيد هيروري واسم المنتج أنطونيو روسو ميريندا، ومؤرخة بتاريخ أتى بعد عرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان سوندانس في كانون الثاني المنصرم، حيث طلب من النساء إعطاء موافقتهن بأثر رجعي.

ويخبرنا هيروري أنه في الحالات التي لم تقم فيها النسوة بمنح موافقة خطية، قام هو باستخدام ما صوره لهن في الفيلم مع تغطية وجوههن، إلا أن معالم بعض منهن بقيت واضحة في الفيلم بالرغم من محاولة طمسها بصورة طفيفة.

ويعلق المخرج على ذلك وهو يتحدث إلينا ويترجم عنه مترجم فوري سويدي فيقول: "البعض غير رأيه".

merlin_195176199_9a44092b-154e-45a5-99a4-127313b12971-jumbo.jpg
مخرج فيلم (سبايا) هوجير هيروري

 

 

تبدأ أحداث الفيلم عقب سيطرة تنظيم الدولة على أجزاء من سوريا والعراق، وقيامه بمجزرة ضد الإيزيديين في عام 2014، حيث قتل مقاتلو تنظيم الدولة نحو ثلاثة آلاف إيزيدي، وقاموا بأسر ستة آلاف آخرين، بينهن كثير من الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للاسترقاق الجنسي.

ويصور هذا الفيلم الوثائقي المساعي التي بذلت لإنقاذ النساء الإيزيديات على يد زعيمين من الطائفة الإيزيدية إلى جانب الحراس في مخيم الهول الخطير الذي يسوده الفوضى في شمال شرق سوريا.

إذ بعد سقوط تنظيم الدولة في عام 2019، سيق نحو 60 ألف امرأة وطفل من المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإرهابي إلى مخيم الهول المكتظ بنزلائه، وكان بين هؤلاء الآلاف من الإيزيديات اللواتي أجبرن على العيش مع عائلات المقاتلين الذين استعبدوهن، بالرغم من مصرع هؤلاء المقاتلين في المعركة التي قامت في تلك الفترة.

 

 

وعن ذلك يتحدث بيتر غالبرايث، وهو سفير أميركي سابق ساعد على لم شمل أكثر من عشر نساء إيزيديات مع أولادهن الصغار الذين حرمن منهم وقتها، فيقول: "هؤلاء أشخاص تم اختطافهم بسن صغيرة جداً ثم احتجزوا كعبيد وتعرضوا لانتهاكات جنسية على مدار خمس سنوات". يذكر أن الطائفة الإيزيدية في العراق لا تسمح للنساء باستعادة أولادهن من أزواجهن المقاتلين في تنظيم الدولة.

يقول السيد غالبرايث: "في ظل هذه الظروف، لا أدري كيف قامت تلك النساء بمنح موافقتهن بعد اطلاعهن على ما سيحدث"، ويضيف بأنهن حتى لو كن على دراية بما يحدث، فمن غير المرجح على الإطلاق أنهن استوعبن تبعات كل ذلك.

تظهر في أحد مشاهد الفيلم الدكتورة نيمام غفوري، وهي طبيبة سويدية ساعدت النساء الإيزيديات على مدار سنوات، غير أنها توفيت في آذار بعدما أصيبت بكوفيد-19 أثناء قيامها بلم شمل الأمهات الإيزيديات مع أولادهن الصغار من أزواجهن المقاتلين لدى تنظيم الدولة.

وتخبرنا إحدى شقيقاتها، وهي الدكتورة نزدار غفوري، أن هنالك رسائل نصية متبادلة بين شقيقتها والسيد هيروري ماتزال على هاتف شقيقتها، ومن خلال تلك المراسلات قامت تلك الطبيبة المتوفية بتذكير المخرج، بعدما اكتشفت أن الفيلم الوثائقي قد عرض وظهر فيه وجهها مكشوفاً، بأنها لم تكن تريد لذلك أن يحدث، فما كان من المخرج إلا أن رد عليها بالقول إنه لا توجد لقطات قريبة لها بحسب ما ورد في تلك الرسائل النصية التي قدمتها شقيقتها لصحيفة تايمز.

هذا ويعالج الفيلم موضوعاً حساساً للغاية وهو فصل الإيزيديات عن أبنائهن من مقاتلي تنظيم الدولة، إذ إن بعض النسوة تخلين عن أولادهن طواعية، في حين إن بعضهن مايزلن مختفيات في مخيم الهول وأماكن أخرى لأنهن يعرفن أنهن سيجبرن على التخلي عن أولادهن الصغار في حال رغبن بالعودة إلى أهاليهن والالتحاق بطائفتهن في العراق.

ويعرض أحد مشاهد الفيلم شابة مذهولة أجبرها زعماء الطائفة الإيزيدية على ترك ابنها البالغ من العمر عاماً واحداً في سوريا، حتى تتمكن من العودة إلى العراق.

merlin_86141758_9e55fa5f-7d6d-4e8e-b79a-ee7cfce006d3-jumbo.jpg
إيزيديات هربن إلى جبل سنجار بالعراق هرباً من هجوم تنظيم الدولة

 

 

وتعلق تلك المرأة على ذلك بقولها: "رأيته يصور، لكني لم أعرف لماذا كان يصور"، ثم ذكرت أنه لم يطلب منها التوقيع على تصريح بالموافقة من قبل القائمين على ذلك الفيلم في أي وقت بعدما تم تصويرها.

ثم إن كل الإيزيديات اللواتي أجريت معهن مقابلات طلبن عدم الكشف عن أسمائهن وهويتهن، لأن بعضهن مازلن يخشين تنظيم الدولة، في حين تخاف أخريات من عواقب ذلك ضمن بيئتهن المحافظة.

كما أن النساء اللواتي تم إنقاذهن في هذا الفيلم مايزلن في مخيمات مخصصة للنازحين العراقيين، وفي بيوت آمنة، أو في دول أخرى. وتخبرنا نزدار غفوري، شقيقة الطبيبة السويدية، بأنها تعتقد بأن الفيلم يمكن أن يعرّض بعض النسوة للخطر ويحرمهن من مواصلة حياتهن بشكل طبيعي.

وهنالك امرأة إيزيدية أخرى ظهرت في الفيلم الوثائقي ذكرت بأن السيد هيروري أخبرها بأنه يصور لاستخدامات شخصية بحتة، فيما ذكرت أخرى بأنها أخبرت السيد هيروري منذ البداية بأنها لا تريد أن تظهر في الفيلم لأن زعماء طائفتها الذين تم تصويرهم فيه على أنهم أبطال كذبوا على بعض النساء، وأخذوا منهن أطفالهن.

وذكرت امرأة أخرى بأنها تعرضت لضغوطات من قبل مسؤولين إيزيديين لتقوم بالتوقيع على الموافقة بالرغم من أنها لم تفهم ما ورد فيها، وهذه الموافقة تمنح القائمين على هذا الفيلم حقوقاً كبيرة وأبدية بالنسبة للقصص والصور والأصوات بل حتى أسماء النساء.

يذكر أن هيومن رايتس ووتش رشحت فيلم (سبايا) لمهرجانها السينمائي، غير أنها تراجعت عن ذلك بسبب مخاوف تتصل بالموضوعات المطروحة فيه.

وعن ذلك تخبرنا ليتا تايلير وهي مديرة مساعدة في قسم الأزمات والنزاعات في تلك المنظمة، فتقول: "إن هذا الفيلم يثير عدداً من نذر الخطر أمامنا ويدفعنا للقلق إزاء احتمال التضحية بالضحايا، إذ كيف يمكن لنساء محتجزات في بيت آمن ومحرومات من الخروج بسهولة أن يقدمن موافقة؟"

وأعلنت أن أكثر ما يقلقها هو اللقطات القريبة التي تظهر فيها طفلة في السابعة من عمرها تم إنقاذها في هذا الفيلم، فيما ذكر السيد هيروري أنه حصل على موافقة من يقوم بحضانة تلك الطفلة وأنه لا يحق له أن يذكر اسمه، غير أن الحاضن القانوني ذكر لصحيفة تايمز أن أحداً لم يتواصل معه بشأن تلك الموافقة.

إن معالجة قضية الموافقة بالنسبة لفيلم (سبايا) تتعارض بشكل كبير مع السلوكيات الشائعة في أوروبا والولايات المتحدة، حيث يقوم القائمون على صناعة الأفلام بتقديم أدلة بالحصول على تصريح وذلك لضمان استمرار الحماية ضد أي دعوى تدعي انتهاك الخصوصية.

فيما ذكرت الجهة التي تعتبر الممول الرئيسي لهذا الوثائقي، وهي معهد الأفلام السويدي أن أمر الحصول على موافقة يعود إلى منتج الفيلم، وهي ترى أن القائمين على صناعة هذا الفيلم قد قاموا بذلك.

وتعلق السيدة نزدار غفوري شقيقة الطبيبة السويدية بالقول: "إن المسافات الشاسعة التي تفصلهم عنا لا تجعل أمر تناول الفشار ومشاهدة فيلم يعرض مشاهد مريعة تحدث في مكان آخر شيئاً صحيحاً، فهذا ليس ضرباً من الخيال، بل إنه ما جرى حقاً لتلك الفتيات".

 

المصدر: نيويورك تايمز