icon
التغطية الحية

ملايين مقابل خدمات وهمية.. ضحايا سماسرة "الرابعة" في مناطق التسويات

2024.05.22 | 06:24 دمشق

آخر تحديث: 22.05.2024 | 10:20 دمشق

سيبي
بشار وأسماء الأسد مع عناصر الفرقة الرابعة - إنترنت
دمشق - محمد كساح
+A
حجم الخط
-A

تعرض عبد اللطيف (اسم مستعار لشخص من مدينة كفربطنا) لعملية احتيال علنية من قبل شخص مرتبط بالفرقة الرابعة، دون أن يستطيع استعادة أمواله المدفوعة، فضلا عن مواجهة الشخص النافذ، في قصة تتكرر باستمرار فيما يعرف بـ"مدن التسويات" بريف دمشق وهي المدن التي أجرت اتفاقيات التسوية بين عامي 2016 و2018، بحسب ما رصد موقع تلفزيون سوريا.

كان عبد اللطيف يعمل سائقاً على سرفيس عمومي، ويحصل على مخصصاته من المحروقات من شركة "محروقات" التابعة لحكومة النظام، كما زود السرفيس بجهاز تتبع "جي بي إس"، لكن تم إلغاء ترخيصه كسائق عمومي مع الحجز على السرفيس بسبب تصرفه بقسم من المحروقات خلال الشتاء بهدف التدفئة. وهذا ما قاده إلى اللجوء إلى أحد الأشخاص المرتبطين بالفرقة الرابعة على أمل فك الحجز وإلغاء حظر العمل كسائق عمومي.

في البداية كان عبد اللطيف متردداً في التواصل مع الجهة النافذة -بحسب ما يوضح لموقع تلفزيون سوريا- لأن المبلغ المطلوب كان كبيراً ويتجاوز الـ 30 مليون ليرة سورية.

يضيف عبد اللطيف: "المسألة غير مضمونة فقد سمعت عن حالات نصب واحتيال من قبل الأشخاص المرتبطين بالجيش والفرقة الرابعة والأفرع الأمنية، لكني وقعت في ورطة كبيرة فهذا السرفيس هو مصدر عيشي الوحيد".

دفع عبد اللطيف المبلغ منتظراً النتائج التي وُعد بها، لكن السمسار أخذ يماطل حتى مضى شهران ثم أبلغه في النهاية بأن المعاملة عصية على الحل وأن المبلغ الذي دفعه عبد اللطيف ذهب لضباط وسماسرة كرشاوى.

تكثر الحالات والقصص المشابهة بحسب ما رصد موقع تلفزيون سوريا استناداً إلى مصادر أهلية من ريف دمشق، فالسماسرة مرتبطون بالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار الأسد، وفي الطرف المقابل ضحايا مدنيون مغلوب على أمرهم، قرروا البقاء في المناطق الخاضعة للتسويات بعد سماح النظام بعودة المهجرين إليها بدءاً من صيف العام 2018.

وتتفاوت المبالغ التي مني بها الضحايا بين بضعة ملايين الليرات وعشرات الملايين لقاء خدمات غير موجودة مثل إلغاء أحكام اعتقال أو إخراج مسجونين من الأمن الجنائي أو تأجيل الخدمة العسكرية الإلزامية أو تزويد أهالي المعتقلين بمعلومات عن أبنائهم، أو أماكن وجود رفاتهم في حال لم يعودوا على قيد الحياة، وغيرها من القضايا التي تشغل الناس وتنخر أرواحهم وأجسادهم.

واللافت أن هؤلاء الأشخاص المرتبطين بالفرقة الرابعة موجودون ضمن المدن وسط خشية الأهالي منهم، لذلك لا يطالبونهم بالأموال التي دفعوها.

احتيال وسمسرة

في العام الماضي، صدرت مذكرة اعتقال بحق أبو أحمد (وهو اسم مستعار لشخص من مدينة داريا) وذلك على خلفية تقرير أمني كتبه أحد جيرانه، كما يروي لموقع تلفزيون سوريا، ويتهمه بالإتجار غير المشروع بالمحروقات في السوق السوداء.

يقول أبو أحمد: "اختبأت في منزل أحد أقاربي على أمل التوصل إلى حل يخلصني من السجن، وبعد البحث تواصلت مع شخص من المدينة مرتبط بأحد ضباط الفرقة الرابعة، والشخص المذكور أبدى قدرته على إلغاء مذكرة الاعتقال لكن بشرط أن أدفع مبلغ 16 مليون ليرة سورية".

وبالرغم من دفعه المبلغ إلا أن المذكرة لم يتم إلغاؤها ولا يزال أبو أحمد مطلوباً لفرع الأمن الجنائي، ما يجبره على ممارسة حياة التواري بين منازل أقاربه خوفاً من تقارير كيدية -كما يقول- وسط انتشار لهذا النوع من التقارير بين سكان مدن التسويات، بتحفيز من النظام.

أما أبو الحسن وهو خمسيني يقيم في مدينة التل فقد تلقى اتصالاً هاتفياً من أحد الضباط الذي عرّف عن نفسه بأنه من الفرقة الرابعة، يخبره من خلاله بمعلومات حول ابنه المعتقل في سجون الفرقة منذ العام 2012.

يقول أبو الحسن لموقع تلفزيون سوريا إنه دفع مبلغ 6 ملايين ليرة سورية لقاء المعلومات، وقد كان فرحه لا يوصف لأنه تأكد من بقاء ولده على قيد الحياة، لكنه أدرك وقوعه كضحية في يد هذا الضابط، حيث استخرج الضابط شهادة وفاة لابنه المعتقل، بعد سماح النظام بهذا النوع من المعاملات، فتبين أنه قد توفي منذ العام 2015.

ضحايا "على الحديدة"

عادة ما يلجأ ضحايا السماسرة والجهات المرتبطة بالفرقة الرابعة إلى بيع أراض وعقارات وممتلكات لدفعها، بعد استنفاد الأموال التي في حوزتهم، مثل عبد اللطيف الذي اضطر لبيع أرضه لقاء فك الحجز عن السرفيس وإلغاء حظر العمل كسائق عمومي، بينما قال أبو أحمد إنه باع سيارته في محاولة لإلغاء مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه.

يقول وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري لموقع تلفزيون سوريا: عمليات تلقي الرشاوى والأموال لقاء هذه الخدمات المنوعة -التي تتم من خلال عشرات السماسرة والضباط وصفوف الضباط- خطة ممنهجة من النظام، للحصول على مبالغ ضخمة من الضحايا.

ويضيف المصري: "النظام يسعى من خلال هذه الخطة إلى إيجاد بديل مالي لضباطه وعناصره في ظل تقلص قيمة الرواتب من جهة، ومن جهة أخرى إفساد كل من يعمل معه لتوريطه في قضايا الفساد".

ويشير المصري إلى وجود حالات عديدة كان فيها الضحايا من ذوي المعتقلين الذين يتم ابتزازهم بتزويدهم بتسجيل صوتي للمعتقل، ما يحفزهم على دفع المال لإنقاذه، ومعظم هذه الحالات عبارة عن ابتزاز واحتيال تطاول عشرات العائلات، التي تلجأ إلى بيع ممتلكاتها دون أي نتيجة إيجابية.

الفرقة الرابعة عراب اقتصاد الظل

على مدار سنوات الحرب الطويلة، شهدت الفرقة الرابعة تحولاً جذرياً من مؤسسة عسكرية خالصة، إلى بيروقراطية تمارس العمل الاقتصادي وفق معايير اقتصاد الحرب، ما جعلها تنشئ اقتصاداً موازياً يرتبط بأجهزتها ولجانها شبكات واسعة من المنتفعين وأمراء الحرب والسماسرة والمتنفذين المستندين إلى دعم الفرقة لهم.

ويشير تقرير صادر عن "معهد الشرق الأوسط" إلى أن الفرقة الرابعة لم تعد بالفرقة العسكرية الخالصة التي تجيد العمل العسكري المهني على الرغم من الإمكانيات العسكرية، ويعود ذلك إلى "تحول عناصر الفرقة الرابعة إلى عناصر لجباية الأموال على الطرقات والحواجز العسكرية والمعابر بين المناطق المتصارعة، حيث تتولى الفرقة الرابعة مهمة جباية الأموال الأمر الذي جعل هذه الفرقة منبوذة على المستوى الشعبي وحتى العسكري".

كما أدى تحول الفرقة إلى اقتصاد الظل إلى "نشوء طبقات اقتصادية مدنية مرتبطة بالفرقة الرابعة نتيجة ظروف الحرب منهم أبو علي خضر، الذي ذاع صيته في الحرب كرجل أعمال ارتبط بالفرقة الرابعة نتيجة العلاقات الخاصة بضباط الفرقة الرابعة، إذ ظهرت هذه الشخصية بشكل مفاجئ في الحرب كشخصية اقتصادية، إلا أن هذه الشخصية هي امتداد لماهر الأسد الذي عمل إلى جانب الفرقة الرابعة في جباية الأموال، وهذا حول الفرقة الرابعة إلى نوع من أنواع الميليشيا المتغطرسة والمتعالية حتى على الجيش".

وينتهي التقرير إلى أن "كل هذه العوامل جعلت من الفرقة الرابعة ذات سمعة متدنية في الأوساط السورية، خصوصاً على المستوى العسكري، حيث لم تعد تحظى بالاحترام وخرجت عن سياق الحرب لتتحول إلى نسخة متطابقة مع سرايا الدفاع التي كانت تابعة لرفعت الأسد".

"إعادة التطهير" متوقعة

ومنذ منذ وصول الأسد إلى السلطة غدت سوريا بلداً محكوماً بالفساد، وترتكز منظومة الفساد على أعمدة عديدة ومن أبرزها إدخال الفساد في كل أجهزة الدولة، حتى يتحول الجميع إلى فاسدين ولهم ملف أسود تحت الطاولة يخرجه النظام عندما يلزم الأمر، بحسب حديث الخبير في شبكات السجون وتاريخها ومؤلف كتاب "الغولاك السوري" جابر بكر.

ويقول بكر لموقع تلفزيون سوريا: "البلد تشهد لعبة حيتان وقروش للاستحواذ على أكبر كمية ممكنة من الموارد والمكاسب، والحالة التي تعيشها سوريا سواء من خلال تغول الفرقة الرابعة أو العمل وفق اقتصاد الظل، ليست جديدة فقد حدثت سابقاً مع سرايا الدفاع في ثمانينات القرن الماضي".

ولا يمكن تحديد حجم اقتصاد الظل الذي تشرف عليه الفرقة الرابعة -بحسب بكر- نظراً لغياب الدراسات الميدانية المتعلقة بهذا الأمر، لكن من المؤكد حتى الآن وجود عشرات الحالات من ضحايا هذا الاقتصاد من أهالي المعتقلين والمفقودين الذين باعوا أملاكهم ومنازلهم لدفع المبالغ الضخمة للسماسرة والمقربين من النظام للحصول على مجرد معلومة، وغالباً لا يصل هؤلاء إلى المعلومة المطلوبة لأن الهدف هو إفراغ كل ما يمتلكه الضحايا من أموال.

ويضيف بكر أن هناك حالات اعتقال تمت بغرض الابتزاز، للحصول على فديات من ذوي المعتقل، ويتورط في هذه الحالات عناصر وضباط ورجال تابعون للفرقة الرابعة وغيرها من الأجهزة الأمنية.

وأشار بكر إلى إمكانية أن يستفيد بشار الأسد من هذه الشبكات سياسياً في حال عُرض عليه عملية جادة لإعادة احتضانه على المستوى الدولي، ويجعلهم قرابين في عملية "تطهير وتنظيف من خلال اعتقال لعشرات المتورطين من الفرقة الرابعة وغيرها، على غرار ما جرى في الثمانينات".

أنتجت حرب النظام السوري مجتمعات هشة تخضع لقوانين التسويات ومطوقة بحواجز ميليشياته، وتكافح لمواصلة حياتها بعد أن أخدمت نيران الحرب، لكن اقتصادات الظل والحرب تجد في هذه البيئة القاتلة فرصها الذهبية لامتصاص أموال المعدومين، فيخلقون الأزمة ويستثمرون بها ويطرحون الحل الوهمي بعد أن تدفع الضحية المتروكة الملايين المفقودة.