هل يمكن أن يكون هناك خطاب انتخابي مختلف تجاه اللاجئين السوريين في تركيا؟

2023.04.13 | 07:12 دمشق

هل يمكن أن يكون هناك خطاب انتخابي مختلف تجاه اللاجئين السوريين في تركيا؟
+A
حجم الخط
-A

ونحن على أبواب انتخابات مصيرية في تركيا تعتبر استضافة اللاجئين السوريين من العناوين الأساسية للحملات الانتخابية. في غضون ذلك، وكنتيجة طبيعية لذلك أيضا، يتصاعد كره الأجانب والعنف ضد اللاجئين. وتشير استطلاعات الرأي والتقارير الصحفية أن الغالبية العظمى من الناخبين الأتراك تدعم فكرة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. إن جعل أكثر الفئات ضعفا في المجتمع كبشا للفداء وهم اللاجئون أمر مفهوم في سياق المستويات المرتفعة للبطالة والتضخم اللتي سجلتها تركيا في السنوات الأخيرة. لكن المضي قدمًا في هذا المسار والتلاعب بقضايا اللاجئين بطريقة غير مسؤولة وانتهازية جداً لكسب أصوات الناخبين من قبل المعارضة والحكومة، سيضر باللاجئين والمجتمع المضيف على المدى الطويل.

نقدر أن الاقتصاد التركي كسب من استضافة اللاجئين نحو 168،9 مليار دولار خلال تلك الفترة، وهو ما يتجاوز إلى حد كبير الـ 100 مليار دولار من إنفاق الحكومة التركية (المزعوم)على اللاجئين

وفقًا لتقديرات دراسة أكاديمية أجراها مجموعة من الأكاديميين الأتراك[1] باستخدام جداول المدخلات والمخرجات، ونشرت في مجلة علمية محكمة ومصنفة في المستوى الأول عالميا، أدت استضافة اللاجئين السوريين إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي لتركيا على المدى القصير بنحو 2٪ وعلى المدى الطويل نحو 4٪، بالمقارنة مع سيناريو عدم الاستضافة. لو استخدمنا تقدير الرقم الأقل أي استفادة الناتج المحلي التركي على المدى القصير 2% وبيانات الناتج المحلي الإجمالي لتركيا للفترة 2012-2021 [2]، يمكننا أن نقدر أن الاقتصاد التركي كسب من استضافة اللاجئين نحو 168،9 مليار دولار خلال تلك الفترة، وهو ما يتجاوز إلى حد كبير الـ 100 مليار دولار من إنفاق الحكومة التركية (المزعوم)على اللاجئين[3]، أي أن كل مواطن تركي، 85 مليونًا[4]، ربح نحو 1987 دولارًا. وإن أخذنا في الاعتبار الـ 100 مليار دولار تلك فإن صافي مكسب المواطن التركي خلال تلك الفترة هو 810 دولارات. طبعا لو استخدمنا تقدير 4% سيكون مبلغ المكسب مضاعفاً.

المكاسب أعلاه تحققت على الرغم من سياسة (عدم الاندماج) التي اتبعتها الحكومة التركية والتي قيدت إمكانية الاستفادة من موارد اللاجئين. فقد استضافت الحكومة التركية اللاجئين السوريين ضمن وضعية الحماية المؤقتة، دون سياسة اندماج واضحة. وعلى الرغم من حصول اللاجئين على التعليم والرعاية الصحية، إلا أنه لم يكن هناك أي دعم في الإسكان أو الوصول إلى سوق العمل، على العكس من ذلك، كانت حركتهم محدودة داخل المقاطعة التي تم تسجيلهم فيها، وكانت هناك صعوبات الحصول على تصاريح العمل والاعتراف بالشهادات العلمية. كل ذلك دفع اللاجئين إلى الوقوع في شرك القطاع غير الرسمي في ظل ظروف عمل سيئة جداً. كانت نتيجة ذلك اضطرار اللاجئين للتنافس مع الفئة الأكثر فقرا والأقل تعليما من الشعب التركي، العمال غير الرسميين. لقد أدى ذلك إلى تغذية التوتر الاجتماعي بين الفئتين إلى جانب هدر قوة عاملة ماهرة يحتاجها الاقتصاد التركي. علاوة على ذلك اتبعت تركيا سياسة التجنيس الاستثنائي للاجئين السوريين من خلال نهج من أعلى إلى أسفل، حيث تحدد الحكومة من يجب أن يتقدم بطلب للحصول على الجنسية وتتواصل معهم. تم ذلك من خلال تفعيل المادة 12 من قانون الجنسية التركية 5901/2009. سياسة التجنيس هذه غامضة جداً والأشخاص المجنسون ليسوا بالضرورة من ذوي المهارات العالية أو المتعلمين أو أولئك الذين أظهروا مؤشرات أفضل على الاندماج.[5]

لا شك أن استضافة اللاجئين مثلت صدمات للعديد من القطاعات (أو الأسواق). على سبيل المثال الصدمة التي تعرضت لها سوق العمل تؤدي إلى خفض الأجور وفرص العمل في القطاع غير الرسمي. وصدمة سوق الإسكان أدت إلى ارتفاع الإيجارات. هذه الصدمات أدت إلى إعادة توزيع الموارد على حساب الفئات الضعيفة من المجتمع التركي. لكن في الوقت نفسه، استخدم رجال الأعمال في الزراعة وصناعات النسيج اللاجئين كعمالة رخيصة لتحقيق أرباح مرتفعة، وكذلك استفاد الأشخاص المتعلمون الذين حصلوا على المزيد من فرص العمل في الوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الحكومية الدولية والأمم المتحدة والوكالات الدولية الأخرى بسبب تدفق اللاجئين. بمقارنة ذلك مع مكاسب الاقتصاد الكلي أعلاه، فإن هذا يعني أن سياسة إعادة التوزيع السيئة للحكومة هي التي سببت البؤس لبعض شرائح المجتمع التركي وليس استضافة اللاجئين.

هذا يعني أن هناك حقيقة تتجاهلها المعارضة والحكومة هي أن تركيا لم تخسر، بل هي مستفيدة من استضافة اللاجئين. علاوة على ذلك كان من الممكن الاستفادة بشكل أكبر من اللاجئين كمورد تنموي بسياسات اندماج أكثر فعالية تؤدي إلى منفعة مشتركة للاجئين والمجتمع المضيف لكن ذلك لم يحدث. وعليه يمكن أن نتجرأ ونقول: لماذا لا نلوم سياسة عدم دمج اللاجئين وعدم استخدام مواردهم الإنتاجية بطريقة أكثر فعالة؟ لماذا لا تبحث المعارضة والحكومة عن خطاب انتخابي مختلف؟ ربما فات الأوان، بالنسبة للخطاب الانتخابي، لكن الحقائق على الأرض واضحة جدا وتستحق الإشارة لها، بل إنها تسمح لنا بتخيل خطاب مختلف للمعارضة والحكومة في سياق الحملة الانتخابية.

لن يكون من المنطقي إعادة هؤلاء اللاجئين الذين استثمرنا نحو 100 مليار دولار لاستضافتهم، طالما أن هناك إمكانية للاستفادة من مواردهم

بالنسبة للحكومة، يمكنها القول: إننا اتبعنا سياسة حكيمة جداً من خلال استضافة اللاجئين ودفعنا الناتج المحلي الإجمالي لتركيا إلى أعلى ما لا يقل عن 2٪ سنويًا، على الرغم من أن التوزيع لم يكن عادلاً. وعليه، لن يكون من المنطقي إعادة هؤلاء اللاجئين الذين استثمرنا نحو 100 مليار دولار لاستضافتهم، طالما أن هناك إمكانية للاستفادة من مواردهم. ستتمثل سياستنا للمستقبل في مساعدة اللاجئين على الاندماج بشكل أكبر والسماح لهم بالتنافس مع الأشخاص الذين الذي حققوا مكاسب واضحة من استضافة اللاجئين، مع اتباع سياسة توزيع أكثر عدلا.

بالنسبة للمعارضة، يمكنها القول: إن عشر سنوات من استضافة اللاجئين تؤكد أن الحكومة فشلت في تحقيق أقصى استفادة من استضافة اللاجئين وفشلت في التوزيع العادل للتكاليف والمنافع. لذا فإن الخطة هي تغيير السياسة الحالية نحو سياسة اندماج جديدة تحقق استفادة أكبر من استضافة اللاجئين مع سياسة توزيع تؤدي إلى تحميل الأعباء للفئات المستفيدة وتخفيفها عن الفئات المتضررة.

 


[1] - Mahia,R., de Arce , R., Koç, A. A. & Bölük, G. (2020) The short and long-term impact of Syrian refugees on the Turkish economy: a simulation approach, Turkish Studies, 21(5), 661-682, https://doi.org/10.1080/14683849.2019.1691920.

[2] - Federal Reserve of St. Luis, https://fred.stlouisfed.org/series/MKTGDPTRA646NWDB. Accessed on 07-10- 2022.

[3] - Tahiroğlu, M. (2022) Immigration Politics: Refugees in Turkey and the 2023 Elections, https://us.boell.org/en/2022/08/17/immigration-politics-refugees-turkey-and-2023-elections#10B. Accessed on 07-10- 2022.

[4] - World Bank, https://data.worldbank.org/indicator/SP.POP.TOTL?locations=TR. Accessed on 07-10- 2022.

[5] - Abedtalas, M., Aloklah WA Alawak A Aljasem A and Esmaeel Zada RA (2021) Top-down naturalization: Turkish government propensity and Syrian refugees' attitudes towards citizenship. Journal of Social and Development Sciences 12(2). https://doiorg/1022610/jsdsv12i2(S)3217.