من سوريا إلى روسيا البيضاء: عالقون في المصائر المبهمة

2021.10.14 | 06:12 دمشق

20200307_2_41238803_52868032.jpg
+A
حجم الخط
-A

تلقف سوريون ضاقت أمام عيونهم دروب الحياة في مناطق سيطرة نظام الأسد، إشارة رئيس جمهورية بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو عندما أعلن في أواخر أيار الماضي، أن بلاده لن تمنع المهاجرين الذين يصلون إلى أراضيها، من السفر إلى الاتحاد الأوروبي، فمضوا إلى تلك البلاد الباردة، متأملين أن يتمكنوا من الوصول، إلى حيث يمكنهم طلب اللجوء، والخلاص من جحيم وطنهم.

أزمة المهاجرين على الحدود بين هذه الجمهورية السوفييتية السابقة والدول الغربية الأخرى، باتت حارة جداً، خاصة وأن قرار فتح الحدود اتخذ كرد فعل، على قيام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على هذه الدولة، صاحبة التاريخ الأسود، والواقع المؤلم، في التعاطي مع الحريات وحقوق الإنسان.

جوهر القصة بالنسبة للأوربيين في اللحظة الراهنة، يكمن في قيام دولة آثمة باستخدام ورقة المهاجرين، من أجل تغيير وقائع سياسية، أو فرض غيرها. ومن زاوية أخرى، يحاول الرئيس البيلاروسي التعاطي مع الدول الغربية من بؤرة وجعها، خاصة وأن التبعات المادية والاجتماعية لموجة الهجرة التي اندلعت في العام 2015، ما تزال شاخصة أمام جميع الدول، التي استقبلت اللاجئين، وعلى وجه الخصوص ألمانيا، التي قبضت شرطة حدودها على المئات منهم، قادمين إليها من بولونيا.

تحليل التفاصيل من خلال الفاعلين الأساسيين فيها، ومع حصول مناوشات نارية على الحدود بين الجنود البولونيين والبيلاروسيين، ينقل القصة إلى العناوين الصاخبة في نشرات الأخبار، فترد في التفاصيل الوقائع السابقة وغيرها.

لكن وسائل الإعلام محدودة بحثت عن زوايا مختلفة عن السائد في قراءة الأمر، إذ يمر رصاص الجنود فوق مجموعات بشرية عالقة على الحدود، تنتظر أن يوصلها المهربون إلى بر الأمان، بعيداً عن حروب مصالح، اشتعلت فجأة في هذه المنطقة، فخلقت هذا الشق في الجدار الحديدي، الذي تحيط القارة العجوز حدودها به.

غالبية الذين غادروا في هذه الآونة متوجهين إلى روسيا البيضاء، ليسوا ممن تعرضوا للاضطهاد السياسي والتهديد الأمني بشكل مباشر (مع اعتقادنا المطلق بأن الكل مهددين سياسياً وأمنياً بسبب النظام)، لا بل إنهم بقوا في البلد، طوال سنوات "الحرب"، لكنهم قرروا الرحيل بعد بروباغندة "انتصار الأسد على معارضيه، وهزيمته الدول المشاركة في معركة المؤامرة الكونية".

ومع معرفتنا للتكاليف المرتفعة لعملية الهروب والوصول إلى أوروبا بالنسبة للفرد الواحد، يمكن تصور أن هؤلاء لا يواجهون ضائقة مالية كغيرهم، أو أنهم قد وصلوا إلى أعلى قمم اليأس، فباعوا كل ما يملكون من أجل محاولة النجاة.

ولعل التدقيق في أوضاعهم الاجتماعية، يجعلنا أمام واحد من ملامح الكارثة التي صنعها بشار الأسد، وهي خروج غالبية الكوادر الطبية والهندسية والتقنية منها، إذ إن من يهربون هم من هذه الفئات تحديداً، والتي لن تعوض، حتى وإن أصدر أمراً بتسريح الباقين الذين يخدمون الاحتياط في جيشه ومؤسساته، لكي يعودوا إلى حياتهم المدنية، إذ لن يمضي وقت طويل حتى يقرر هؤلاء الرحيل!

جوهر القصة بالنسبة للأوربيين في اللحظة الراهنة، يكمن في قيام دولة آثمة باستخدام ورقة المهاجرين، من أجل تغيير وقائع سياسية، أو فرض غيرها. ومن زاوية أخرى، يحاول الرئيس البيلاروسي التعاطي مع الدول الغربية من بؤرة وجعها

يحدثني أحد الأصدقاء من الداخل، عن أن مجموعة واحدة ممن سافروا قبل أيام، تضم عشرة أشخاص، هم من بلدة صغيرة، ما يعني بالقياس على المدن والأرياف الأخرى، أن موجة الخروج الحالية أكبر بكثير مما يمكن توقعه، خاصة وأنه قد صار واضحاً للسوريين تقهقر مسار تعاطي المنظومة الدولية مع قضيتهم، حيث تجردت من أخلاقها ووعودها بحمايتهم، طوال عقد كامل، إلى أن وصلت إلى الزاوية الأشد ظلمة، حيث تتساعد أطراف دولية وإقليمية وعربية على إعادة توضيب النظام، دون تكلف عناء حتى تغيير بعض رموزه، فضلاً عن الإبقاء على مجرميه الأساسيين، وعلى رأسهم رئيسه، ودفعهم إلى الواجهة، ليبقوا يصلون الشعب بالحديد والنار سنوات وسنوات!

حدود روسيا البيضاء بتلخيص مختصر؛ مجرد ممر لنجاة بعض السوريين، من مصير لا يستطيع آخرون النجاة منه، لكنها كناية عن بعض التعاطي الدولي والوحشي والفاجر، مع كارثة هائلة، لا يرى في آلام من أصابتهم، سوى أداة يمكنه الاستفادة منها، لغاية وغرض ما.

كُتب كثير عن الفواجع السورية، لكن جزءاً غير قليل مما تم تدوينه، كان يفصّل بكل واحدة منها، دون أن يقوم بربطها بما قبلها أو بعدها، لهذا ومع الوصول إلى هذا الأتون الجهنمي، نجد أنفسنا محكومين بالكتابة عن واقعنا كسلسلة متصلة من المآسي، بدأت قبل أن يخلق جيل الثائرين في 2011 بزمن طويل، لكن التماعة النهاية التي أومضت عبر الثورة في ذلك العام البهي، كانت تقول بشكل واضح، للسوريين أنفسهم، وقبل أن تتوجه للأطراف الإقليمية والعربية والدولية، إن كلفة التخلص من نظام العائلة الأسدية هي أقل وبما لا يقاس من كلفة بقائه!

وقد وصلنا جميعاً إلى منحنى شديد الخطورة، حينما صار مؤيدو النظام هم من أكثر الفئات المهجوسة بمغادرة جنته!

ما يعني في المحصلة أن هذه الفئة والتي استثمرها النظام في مواجهته مع الثائرين، لم تعد ترى في علاقتها معه أي فائدة، لا بل إنها تفقد أي ترابط مصالحي أو منفعي، مع تسليمه أعمال البلاد وأشغالها، لأمراء الحرب ولمؤسسات إيرانية وروسية، ما يعني أن أفق تشغيل السوريين في مؤسساتهم المحلية بات قابلاً للاضمحلال، لا سيما وأن تجربة تشغيل الروس لبعض الشركات المحلية، أدت إلى تسريح أعداد من الموظفين والعمال، بحجة إعادة الهيكلة.

ويزيد في طنبور الانحدار نغماً، عرض الحكومة وبشكل علني عشرات الشركات والمؤسسات العامة للاستثمار، توسلاً في الظاهر لبعض الجعالات، وتنفيذاً في الباطن لسياسة النظام في معاقبة السوريين عبر التخلص من ملكية الدولة، التي دفعوا أثمانها من أموالهم ومواردهم.