icon
التغطية الحية

روسيا تخلق أزمة لجوء وبوتين يستخدمها كسلاح

2022.07.29 | 16:00 دمشق

أوكرانيون يغادرون محطة القطار في بولندا بعد هروبهم من بلدهم بسبب الحرب - المصدر: ديسباتش
أوكرانيون يغادرون محطة القطار في بولندا بعد هروبهم من بلدهم بسبب الحرب - المصدر: ديسباتش
ديسباتش - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلقت الحرب الهجينة التي شنها فلاديمير بوتين على أوكرانيا أزمة إنسانية متعددة الأوجه، ولهذا يخطط الكرملين لاستغلالها كسلاح في وجه الغرب لنشر الفوضى وعدم الاستقرار فيه بدرجة أكبر. فقد أخذ اللاجئون يتدفقون من أوكرانيا منذ بداية الغزو في 24 شباط الماضي، كما أن الهجمات الروسية التي استهدفت قطاع الزراعة في أوكرانيا، والتي بدأت مع منع تصدير الحبوب، ووصلت إلى سرقتها ثم قصف المنشآت الزراعية، جميعها تسببت بخلل في عملية توريد الأغذية عالمياً، ومن المحتمل أن يترتب على ذلك موجة لجوء جديدة في مختلف أرجاء العالم، إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنحى باللائمة على الغرب بسبب أزمة الغذاء وذلك في أثناء جولته في أفريقيا خلال هذا الأسبوع. ولذلك، يتعين على القادة الغربيين أن يدركوا حجم الخطر الكامن الذي يمكن أن يتسبب بزعزعة استقرار البلاد عند استخدام روسيا لأزمة اللجوء كسلاح ضدهم. كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تحشد الدعم العسكري التقليدي مع العمليات الاستخبارية التي تدخل فيها أطراف متعددة للوقوف ضد المخططات الروسية.

بتنا على اطلاع تام بدليل العمل الذي يتبناه بوتين، إذ بعد غزوه لأوكرانيا في عام 2014، لجأ مليون أوكراني لبولندا، أما عندما تدخل بوتين في سوريا في عام 2015، فقد أدى ذلك إلى لجوء 1.4 مليون سوري في دول الاتحاد الأوروبي. وبما أن آثار أزمات اللجوء لا تتضح مثل غيرها من التهديدات الأمنية في زمن الحرب، لذا تفاقمت موجات اللجوء وتسببت بأزمات اجتماعية أخرى، ساهمت بعد ذلك بصعود اليمين المتطرف في معظم الدول الأوروبية.

الإرهاب الصاروخي

بما أن قادة الغرب قد أجلوا ردهم تجاه أزمة اللجوء، لذا حقق الكرملين المزيد من النجاحات من جراء ذلك، إذ بعدما وصلت أعداد اللاجئين الذين خرجوا من بلادهم بسبب النزاعات التي شنها بوتين في عامي 2014 و2015 إلى مليون لاجئ بالسنة، تسببت الحرب الحالية التي شنها بوتين على أوكرانيا بنزوح 13 مليون أوكراني. فقد تورط الكرملين باتباع أساليب مثل الإرهاب عبر القصف الصاروخي، حيث يشن الجنود هجوماً صاروخياً على المدن الأوكرانية ليزرعوا الرعب في نفوس الناس مما يدفع بالمزيد من اللاجئين نحو الغرب. وفي الوقت الذي تناقش فيه الدول الغربية ما إن كان بوتين سيعتبر تزويد وزارة الدفاع الأوكرانية بطائرات حربية بمنزلة تصعيد أم لا، توشك طائرات أوكرانيا على النفاد، فضلاً عن عدم قدرة منظومة الدفاع الصاروخي لديها على حماية المدنيين.

إن تصعيد روسيا عبر الإرهاب الصاروخي هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله للكرملين أن يزيد من تدفق اللاجئين نحو الغرب. كما بوسع الكرملين فتح جبهة أخرى في المناطق الغربية من أوكرانيا، وذلك عبر غزو لفيف من بيلاروسيا، وهذا بدوره قد يدفع عشرة ملايين أوكراني إلى النزوح نحو الاتحاد الأوروبي. ولعل ما قد يزيد هذه الأزمة حدة لجوء الملايين من شرقي أوكرانيا إلى غربي البلاد، كما أن بولندا وسلوفاكيا المجاورتين قد استقبلتا ما يكفيهما من اللاجئين.

آثار أزمة الغذاء على أفريقيا

لقد زادت حرب بوتين من احتمال تدفق اللاجئين القادمين من أفريقيا إلى أوروبا، بما أنه نفذ عمليات منع وحصار على الحبوب، وسرقها، واستهدف المنشآت الزراعية، بهدف قطع سلسلة توريد الأغذية العالمية، إذ تعرف أوكرانيا بأنها: "سلة الخبز" بالنسبة لأوروبا، حيث تصدر كل من روسيا وأوكرانيا ثلث إمدادات القمح في العالم. وبما أن ارتفاع أسعار الأغذية قد أثر على العالم بأسره، لذا فإن أكثر من تضرر من ذلك هو أفريقيا، لأن دولاً مثل تونس والصومال وليبيا وأريتريا تستورد نحو نصف قمحها من أوكرانيا، ومعظم الدول التي تتوقع منظمة الأغذية والزراعة العالمية بأن 47 مليون نسمة من شعوبها سيتعرضون "لانعدام الأمن الغذائي بصورة حادة" بسبب الحرب، تقع في أفريقيا. ثم إنه لا شيء يشير إلى أن الكرملين سيتوقف عند هذا الحد، بما أن الاتفاق على رفع الحظر الذي فرضته روسيا في البحر الأسود احتاج إلى أشهر من التفاوض. وفي الصباح الذي تلا توقيع الاتفاقية، قامت موسكو بضرب ميناء أوديسا الذي تشحن منه الحبوب الأوكرانية لتصل إلى أفريقيا والشرق الأوسط. وفي يوم الأربعاء الماضي، كانت هناك 80 سفينة مستعدة لمغادرة الموانئ الأوكرانية، لكنها لم تتمكن من ذلك، كما أن العثور على عمال مستعدين للعمل ضمن طواقم تلك السفن تحول إلى تحد آخر.

بما أن روسيا هي من آثار أزمة الغذاء هذه، لذا فقد عملت على نشر معلومات مغرضة في أفريقيا وذلك لتوجيه امتعاض الناس نحو الغرب. إذ في أيار الماضي، أكد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، بأن أوروبا "تكدس" الحبوب لتستغلها في عملية "الحبوب مقابل السلاح" عند تعاطيها مع أوكرانيا. أما في أفريقيا، فقد أعلنت السفارة الروسية في كل من مصر وزيمبابوي بأن: "العقوبات الأحادية المخالفة للقانون" و"التدخل الغربي" هما السبب في حدوث تلك الأزمة.

قد يحاول الكثير من الأفارقة أن يهاجروا إلى أوروبا مما "يخلق حالة عدم استقرار في الاتحاد الأوروبي" بحسب ما ذكره تيموثي سنيدر أستاذ التاريخ بجامعة ييل. إلا أن تحميل الغرب مسؤولية ما يجري بتلك الطريقة يخلق فرصة لتنامي حالة النقمة ضده ويزيد من الاحتمال الموجود بالأصل لزعزعة الاستقرار في أوروبا الغربية وخلق نزاع فيها.

بعدما تسببت روسيا بأزمتي هجرة، إحداهما بسبب سفكها للدماء في الشرق والأخرى بسبب المجاعة التي أحدثتها في الجنوب، لا بد للولايات المتحدة أن تتخذ إجراء حيال ذلك الآن. ففي أوكرانيا، يتعين على واشنطن تقديم الإمكانيات العسكرية اللازمة لوقف الإرهاب الصاروخي الذي يمارسه الكرملين، ويشمل ذلك الطائرات الحربية ومنظومات الدفاع الجوي. أما في أفريقيا، فيجب على الولايات المتحدة أن تتصدى لحملات التضليل الإعلامي الروسية. وفي الوقت الذي يعتبر فيه التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية تحت عنوان: "أزمة الغذاء العالمية" بمنزلة بداية جيدة لنشر التوعية، يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تطلق حملتها الإعلامية عبر منصات التواصل الاجتماعي بمساعدة الدول الديمقراطية التي تشاركها الأفكار نفسها. ويجب أن يتضمن المحتوى المطلوب مقاطع فيديو إعلامية قصيرة، وتحليلات تدول حول الأفكار المغلوطة والحقائق، وغير ذلك من المعلومات ذات الصلة بالنسبة لأزمة الغذاء، والتي يمكن من خلالها فضح كذب حملات التضليل الإعلامي الروسية. كما يجب على الولايات المتحدة وغيرها من الدول أن تطلق حملات إعلامية استباقية في أوروبا لتحذير الجمهور من مخططات موسكو.

تمثل أزمة اللجوء التي تسببت بها حرب بوتين على أوكرانيا خطراً كبيراً على حالة الاستقرار داخل دول الاتحاد الأوروبي. ولهذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تحشد شركاءها الأوروبيين للرد صفاً واحداً عبر الدعم العسكري والحملات الإعلامية قبل أن يفوت الأوان.

 المصدر: ديسباتش