حماس الدولية وإيران المحاصرة والأسد المهدد

2023.12.01 | 06:59 دمشق

حماس الدولية وإيران المحاصرة والأسد المهدد
+A
حجم الخط
-A

مع نجاح حماس في فرض هدنة مع إسرائيل وتبادل الأسرى المدنيين، تتكشف خريطة الدول المساهمة في إنجاح هذه الصفقة والعمل على استمرارها والتي تشمل الولايات المتحدة وقطر ومصر بشكل مباشر والصين وروسيا وفرنسا بشكل غير مباشر، ما يعني أن حركة حماس انتزعت لنفسها موقعا يضعها في قلب المشهد الدولي.

لم يكن لأطراف الممانعة من إيران وحزب الله ونظام الأسد أي علاقة في تحقيق إنجاز تبادل الرهائن والهدنة، وتاليا فإن أدوارهم ومواقعهم في الساحة الدولية تميل إلى التقلص والانحلال والانحصار في حدود إقليمية ضيقة. العالم بدأ يقرأ لحظة ما بعد غزة بوصفها مسارا للحل السياسي الذي لا يمكن معه إلغاء حماس بل محاولة التفاهم مع التغييرات التي أطلقتها عمليتها، والتي من شأنها تمكين مشروع مصالحة فلسطينية تفرض على العالم مقاربة جديدة تنظر إلى حق الفلسطينيين في العدالة بوصفه ضمانة لأمن العالم واستقراره، وتأمين سيولة الاقتصاد وحركة التجارة والمصالح.

لا ينطبق الأمر نفسه على إيران وأذرعها ولا على نظام الأسد.  مراقبة الحركة الإيرانية البائسة واليائسة في المنطقة تكشف مدى فقدها القدرة على التحكم بالورقة الفلسطينية، وفي الاستثمار في صورة المقاومة بشكل عام. احتل الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" المشهد الميداني وأحال أصبع حسن نصر الله المتوعّد إلى التقاعد الإلزامي، ومعه كل الخطابات الإيرانية حول إزالة إسرائيل من الوجود.

أفرزت ساحة غزة مشهدا إيرانيا مختلفا لناحية الحرص على خلع ثوب الثورة التي تقوم على تصدير الجهاد والمقاتلين، وارتداء ثوب الدولة التي تحاول التحدث بلسان المصالح والحسابات.  التصريحات التي خرجت في العلن لكبار القيادات الإيرانية من المرشد الأعلى علي خامنئي، إلى وزير الخارجية حسين أميرعبد اللهيان وغيرهم من الشخصيات تفصح عن نزوع واحد موحد يرمي إلى تجنب خوض الحرب مع إسرائيل وأميركا بأي شكل من الأشكال، ولو أدى هذا الأمر إلى خسارة الأذرع وضربها في العراق واليمن وسوريا ولبنان.

إيران تريد المشاركة الوهمية في المعركة بتحريك حزب الله في لبنان من خلال عمليات تتخذ توصيفات متحايلة من قبيل المساندة والتضامن وما إلى ذلك

هذا الانكفاء يشكل ضربة كبيرة للمكانة والموقع في الحاضر وفي المستقبل المنشود؛ لأن الخرائط الجديدة التي ترسم انطلاقا من غزة وما بعدها لن تعطي وزنا ونفوذا لمن لم يكن مشاركا في المعركة، أو مساهما في خلق المسار السياسي الذي يفضي إلى إنهائها عبر مسار سلام عادل. إيران تريد المشاركة الوهمية في المعركة بتحريك حزب الله في لبنان من خلال عمليات تتخذ توصيفات متحايلة من قبيل المساندة والتضامن وما إلى ذلك، وتطلق الحوثيين في اليمن لخطف السفن والتأثير على مسارات التجارة الدولية. الردود التي تتلقاها تتجاوز التحذير إلى الضرب المؤذي، ففي لبنان اغتالت إسرائيل خمسة عناصر من فرقة الرضوان وهي قوات النخبة في حزب الله وكان من بينهم عباس رعد ابن رئيس كتلة الحزب في البرلمان اللبناني محمد رعد، وقصفت أميركا مواقع قيادية لإيران في سوريا موقعة بها خسائر بالغة وعززت حضورها البحري في المنطقة لدرجة باتت قادرة على شن هجمات حاسمة ومؤثرة بشكل مباشر.

الأسد يستغل الانشغال بغزة للانقضاض على إدلب وارتكاب مجازر فيها واستكمال حربه على السوريين من دون القدرة على فرض واقع نهائي وحاسم. حرب غزة كشفت الارتباط الكبير بينه وبين إسرائيل ووضعته في العلنية الفاقعة لدرجة أن صحيفة يديعوت أحرونوت نقلت تحذيرا ساقه الفرنسيون لحزب الله يقول إن ثمن دخوله الجدّي في الحرب سيكون ضرب دمشق وإسقاط الأسد. يعني ذلك أن مشروع محاربة الثورة السورية وإجهاض محاولات التغيير في لبنان كان قبل كل شيء مشروعا إسرائيليا جندت الممانعات كل قواها لإجهاضه في إطار يتناغم مباشرة مع المصالح الإسرائيلية.

انفجار الحدث الغزاوي الذي لم يكن للممانعات أي شراكة في إنتاجه بات يهدد الانتظام السابق الذي رسم حدود التفاهمات والعلاقة بين أطرافها وبين إسرائيل، بحيث راحت تهدد بنسفه وكأنها تطالبها بدور داعم حتى يصار إلى إعادة ترسيمها، ما تقوم به في كل الميادين يلعب دور سحب الشرعية عن النضال الفلسطيني في الداخل ولا يؤدي إلى تخفيف الضغط بقدر ما يسهم في إطالة أمد المجزرة والمساهمة في شرعنتها.

ويضاف إلى هذا البعد الحرص الروسي على الاستثمار في الكباش مع الأميركيين عبر حرب غزة، إذ إنه وبعد أيام من اندلاع الحرب بدأت تروج معلومات حول دعم استخباري وتقني روسي لحماس كان له الأثر الأكبر في تمكينها من القيام بعمليتها المفاجئة والضخمة بنجاح، ومع استمرار الحرب بدا التفاهم الروسي الإسرائيلي يتفكك وصولا إلى الانفجار. المواقف الروسية المعارضة لإسرائيل في مجلس الأمن وفي المحافل الدولية لافتة وتؤسس لنوع من العدائية غير المسبوقة بين الطرفين بعد أن كانت علاقتهما مثالية. من هنا يرجح أن يسفر هذا الخلاف مع عودة الحرب التي ستكون أعنف وأكثر شراسة ودموية، عن ضرب إسرائيل للاستثمار الروسي الأبرز في المنطقة وهو بشار الأسد ونظامه.

التضارب الإسرائيلي الروسي يضع الأسد في موقع حرج وخصوصا أن أميركا التي ما زالت حتى اللحظة ترفض فتح معركة كبرى مع إيران تشارك إسرائيل في موقفها المعادي له. من هنا قد تجد حكومة نتنياهو فيه فرصة لتحقيق مشروع جر الأميركيين إلى فتح معركة مباشرة ضد إيران وأذرعها.

الموقع الذي صنعته حماس لنفسها عبر معركة طوفان الأقصى يجعلها محركة للسياسات ومنتجة للمواقع، وقد أبدت مرونة لافتة في التعاطي مع المسارات السياسية

المسؤولية المباشرة عن عمليات القرصنة واختطاف السفن وتهديد حركة الملاحة التجارية العالمية التي يقوم بها الحوثيون تنسب إلى إيران، ما قد يدفع الأميركيين للتدخل المباشر والعملي أكثر من عنوان الدفاع عن إسرائيل، وذلك لأن الموضوع بات متصلا بالأمن الأميركي الاستراتيجي.

الموقع الذي صنعته حماس لنفسها عبر معركة طوفان الأقصى يجعلها محركة للسياسات ومنتجة للمواقع، وقد أبدت مرونة لافتة في التعاطي مع المسارات السياسية وأعلنت عن استعدادها لتسييل معركتها في إطار فلسطيني جامع، ما جعل من الاستثمارات الممانعة في المعركة صعبة أو غير ممكنة إلا تحت السقوف التي وضعتها حماس وهو ما لا يتناسب مع مشاريع إيران وبشار الأسد.

يمكن لحماس التي تخوض معركتها في الداخل انتزاع موقع عربي ودولي، إضافة إلى أن ما نالته من شرعية فلسطينية وتعاطف شعبي عالمي انصب في صالح ترسيخ عنوان الحق الفلسطيني كرمز لفكرة الحرية والعدالة في كل العالم، في حين أن إيران التي تقاعست عن خوض المعركة الكبرى ستخوض معارك التفاوض من دون امتلاكها لأوراق قوة وضغط وسيكون أقصى طموحها الحفاظ على نظامها، ما سيخرجها من معادلات التأثير الدولي ليحولها إلى قوة إقليمية منزوعة الأنياب، بينما سيكون الأسد خاضعا للكباشات بين الروس والإسرائيليين والأميركيين، حيث ستتكاثر الاستهدافات المباشرة واضعة إياه في موقع العجز عن صناعة أي موقع إلا ما كان صوريا بامتياز.