استهداف بعلبك وربط الحرب على لبنان بالميدان السوري

2024.02.29 | 06:52 دمشق

آخر تحديث: 29.02.2024 | 06:52 دمشق

استهداف بعلبك وربط الحرب على لبنان بالميدان السوري
+A
حجم الخط
-A

رسائل كثيرة وخطيرة يطلقها الاستهداف الإسرائيلي لمنطقة بعلبك الذي يعد الأول من نوعه منذ العام 2006.

قواعد الاشتباك كان قد سبق لها أن سقطت مع سلسلة خروقات طالت النبطية والضاحية الجنوبية، ولكنها بقيت منضبطة في إطار عمليات محددة ومحدودة في معانيها وأهدافها وما تنطوي عليه من علاقات بالمجال اللبناني.

مع استهداف بعلبك اختلف الوضع وباتت الحرب على لبنان متصلة إسرائيليا بالمسألة السورية، كما أن إسرائيل التي لا تزال تفصل بين الحرب على لبنان وغزة قد تذهب في اتجاه الربط العسكري والاستراتيجي بينهما. إذا كان الحزب يصر على وصل لبنان بغزة فإن إسرائيل تعلن أنها قد تصله بسوريا وإيران كذلك.

تمثل بعلبك الخزان الاستراتيجي الأبرز لحزب الله، كما تمثل في علاقاتها المتشابكة حدوديا واجتماعيا وسياسيا مع سوريا حالة لا يمكن معها فصل ما يحدث فيها وعليها عن المسألة السورية.

الجديد الذي تعلنه العملية الإسرائيلية في بعلبك يقول بشكل مباشر إن الأمر لم يعد محصورا في إطار الأمن الوقائي، بل بات جزءا من معركة مفتوحة على امتداد المنطقة

ولطالما كانت إسرائيل تحرص على ضرب الحزب وإيران في سوريا ردا على أي تصعيد من لبنان. قبل حرب غزة كان الرد في الداخل السوري يقع ضمن استراتيجية الضربات الاستباقية التي تهدف إلى شل القدرة على استهداف الداخل الإسرائيلي. مع احتدام الوضع في غزة ارتفعت وتيرة التصعيد عبر توالي الاستهدافات وارتفاع شدتها وحدتها، ولكن الجديد الذي تعلنه العملية الإسرائيلية في بعلبك يقول بشكل مباشر إن الأمر لم يعد محصورا في إطار الأمن الوقائي، بل بات جزءا من معركة مفتوحة على امتداد المنطقة.

وكانت منطقة بعلبك أخضعت لضبط حاد بعد دخول الحزب في الحرب السورية عام 2011 والتي غيرت طبيعة علاقة المنطقة الإيجابية مع الداخل السوري واستبدلتها بعلاقات يشوبها الحذر والعدائية كما وضعت الاعتماد والتواصل الاقتصادي والتجاري والاجتماعي بين أهل المنطقة عموما وسوريا في يد الحزب وشبكاته المختلفة، والتي اصطدمت مع الشبكات العشائرية والعائلية، ولم تستقر الأمور لها إلا من خلالها، وعبر مراعاة مواقعها ومصالحها.

منذ تلك الفترة حتى الآن تحولت الحدود اللبنانية السورية إلى مركز لتهريب السلاح الثقيل، فكثرت الاستهدافات التي تطول محاولات نقله إلى لبنان لاستخدامه في خلق معادلات جديدة في الكباش مع إسرائيل.

ولعل الحدث الذي فجر التصعيد الأخير في بعلبك ناتج عن امتلاك الحزب لقدرات دفاعية جوية نجحت في إسقاط طائرة هرمز 450 التي تتمتع بميزات تكنولوجية عالية بصاروخ أرض جو.

نجاح إسقاط هذه الطائرة كان عنوانا تهديديا نظرت إليه إسرائيل بجدية، لأنه يشير إلى إمكانية إسقاط طائرات حربية والتأثير الجدي على معادلات الحرب في المنطقة، وكذلك على كل سياقات التفاوض، لذا كان الرد عبر بوابة بعلبك تحديدا عنوانا لوحدة ساحات إسرائيلية مضادة للساحات التي يسعى الحزب إلى توحيدها ضدها، وإيذانا بفتح جبهة تضع لبنان في إطار معركة سوريا إضافة إلى معركة غزة.

يقود ذلك إلى تعقيد عسكري وأمني وكذلك سياسي وتفاوضي، فإسرائيل تهدف إلى خلق معضلات تستعصي على الحلول الجزئية والخاصة، وتدرج بموجبها لبنان وحزب الله في إطار معادلات الحل الشامل للمنطقة والذي لم تتضح معالمه بعد. تعزز من ناحية أخرى الحجج التي تقول بصناعة السياسة والحلول من خلال العسكر والميدان، فقد كان لافتا تركيز شبكة الدعاية التي يبثها الجيش الإسرائيلي حول إمكانية تحرير الأسرى الذين تحتجزهم حماس والفصائل الفلسطينية في غزة عبر العمل العسكري، وكذلك الإصرار على إقفال أبواب كل المسارات السياسية وتأجيلها إلى موعد تصبح فيه مجرد ارتداد وانعكاس لمعطيات الميدان.

الاستهدافات الأعنف التي طالت الحزب وإيران في هذه الفترة كانت في سوريا، ولكن الرد عليها لم ينطلق من سوريا التي تقيم نظام ضبط صارم مرعي روسيا وأسدي

تدعم هذه المعطيات مسار التفجير الشامل، فقد جاء التطور الأخير في بعلبك بعد تسلم لبنان المبادرة الفرنسية التي تهدف إلى إيجاد حلول خاصة بلبنان، ولكن الرد المسبق من الحزب والحكومة اللبنانية كان يؤكد على ربط لبنان بغزة.

من هنا قد يكون من الممكن تفسير التصعيد الإسرائيلي ليس بوصفه مجرد رد على التطور المتمثل بإسقاط طائرة مسيرة متطورة، ولكن في أنه رد على العنوان الكبير الذي يريد من خلاله الحزب تكريس نفسه ومن ورائه إيران كلاعب أساسي في المعادلة الفلسطينية بعد أن كان قد انتزع لنفسه موقعا في سوريا.

ويلاحظ أن الاستهدافات الأعنف التي طالت الحزب وإيران في هذه الفترة كانت في سوريا، ولكن الرد عليها لم ينطلق من سوريا التي تقيم نظام ضبط صارم مرعي روسيا وأسديا يحول دون ذلك، ولكن عبر محاولات مستميتة لنقل السلاح الثقيل والنوعي إلى لبنان كونه الساحة التي يحكم سيطرته عليها بالكامل، وقد ترجم هذا الأمر بإطلاق حزمة من الصواريخ من لبنان على الجولان المحتل بعد ساعات من العملية التي طالت بعلبك.

تقود إسرائيل الحزب إلى ساحات قلقة وخطيرة وتفتحها كلها في وجهه، فبعد أن كانت القيادة العسكرية الإسرائيلية تطلق تصريحات تعتبر فيها أن عنوان القضاء على حماس بعيد المنال نجدها تعزز هذا الهدف وتعتبره ممكنا ومتاحا، لا بل ضروريا ولا بديل عن تحقيقه.

الأمر نفسه ينطبق على حزب الله والخطر الإيراني الذي تنظر إليه إسرائيل كعنوان لتهديد وجودي، لذا تسارع في رفع وتيرة التصعيد وتشبيك ساحات المواجهة مستفيدة من الارتباك الأميركي في ظل الأشهر الأخيرة من ولاية جو بايدن حيث تعتقد أنها ستنجح في جره إلى مشاركتها المباشرة في مشروع إنجاز الحل النهائي القائم على توسيع دائرة الحرب والمجازر وربط لبنان بالجحيم السوري، ومسار الإبادة الغزاوي.