حرب غزة وتفكيك الحلف الأسدي الإيراني

2024.01.25 | 07:40 دمشق

آخر تحديث: 25.01.2024 | 07:40 دمشق

حرب غزة وتفكيك الحلف الأسدي الإيراني
+A
حجم الخط
-A

تشظت الساحات بدل أن تتوحد. الحرب الإسرائيلية على غزة أغرت إيران بتشغيل نظام الاستثمارات والتوظيفات المرتبط بها في المنطقة ضمن ضوابط محددة تفيدها في لعبة التفاوض مع الأميركيين. أطلقت من لبنان جبهة مساندة تسببت بأكلاف بشرية واقتصادية هائلة على ربيبها حزب الله وعلى لبنان، استغلته إسرائيل لإظهار مدى الهشاشة الأمنية وعمق اختراقها لبيئته الحاضنة في سلسلة اغتيالات دقيقة، طالت قيادات رفيعة في الحزب بوتيرة متنامية تصل إلى أكثر من عملية في اليوم الواحد.

في اليمن كان تشغيل الحوثيين مكلفا وخطيرا، إذ إنه تجاوز الخطوط الحمراء الأميركية بتأثيره على طريق التجارة العالمي فكان أن أطلقت حلفا دوليا شرع بتنفيذ ضربات قاسية على الحوثيين في الداخل اليمني وتصفية قياداته.

وكان لافتا أن حراك الحوثيين بدا متجاوزا للتعليمات الإيرانية وخارجا على وصايتها، وكشف عن طموح باحتلال موقع خاص ومستقل داخل تركيبة الممانعة تجعله مفاوضا مستقلا، وتمنحه مكانة تخرجه من الارتباط المباشر بإيران ومن التعامل معه على أنه أحد أذرعها وحسب.

وكانت المغامرة في العراق واستهداف أربيل خطأ استراتيجيا لم تعتد إيران السقوطَ فيه، إذ إنه وعلى الرغم من سطوتها الأمنية والسياسية الكبيرة في العراق بدت خطوتها الاستفزازية مهينة حتى لأقرب حلفائها، كما أسهمت في إيقاظ الوطنية العراقية.

لا يتوقع أنه سيكون من السهل ترميم ما أحدثه هذا العدوان خصوصا مع بروز إشارات الوهن من أماكن عديدة، كما هو الحال في ردّ باكستان على عمليات إيران في أراضيه والإشارات المقلقة عن بروز تصدع أمني داخلي مع عمليات تفجير كرمان، وإقدام عنصر من الحرس الثوري على تصفية خمسة من رفاقه وغيرها من الأحداث المتفرقة في بلد يعيش أجواء ثورة كامنة وشاملة ضد نظام الحكم، كان قد نجح في قمعها ولكنه لم ينجح قي طمس إمكانية تجددها في أي وقت بمجرد نضج الحد الأدنى من الظروف المناسبة.

نجاح الاستهدافات الإسرائيلية وتصاعد وتيرة العمليات وارتفاع شدتها يعني أن الوجود الإيراني في سوريا قد بات متعارضا مع شبكة مصالح عريضة تضم أميركا والعرب والروس والنظام الأسدي

وفي سوريا التي تمثل درة الاستثمار الأمني والاستراتيجي الإيراني، تقول سلاسل الاغتيالات التي أودت بحياة كبار القياديين في الحرس الثوري في طبيعتها وأماكن تنفيذها ودقتها أن إسرائيل قررت تغيير قواعد اللعبة معها والانتقال إلى مرحلة تخرج من إطار المناوشات المنضبطة إلى مرحلة كسر العظم.

ولكن نجاح الاستهدافات الإسرائيلية وتصاعد وتيرة العمليات وارتفاع شدتها يعني أن الوجود الإيراني في سوريا قد بات متعارضا مع شبكة مصالح عريضة تضم أميركا والعرب والروس والنظام الأسدي الذي يعتبر حليفها الأكبر في المنطقة.

لم يعد سرا نشوء تفاهمات إسرائيلية أسدية تقضي بمنع إيران من استعمال مطار دمشق لنقل السلاح إلى الميليشيات الإيرانية مقابل التوقف عن استهدافه، وكذلك فإن الترتيبات الأمنية التي شملت تغييرات في المواقع القيادية مثل إعفاء علي مملوك من موقعه كمدير لمكتب الأمن الوطني وتعيينه مستشارا أمنيا للأسد في موقع يفتقد للصلاحيات والسلطات تقول إن النظام يستعد لمرحلة جديدة مختلفة عما سبق.

الحديث عن شراكة أسدية مع إسرائيل في تسريب معلومات استخبارية دقيقة عن المواقع الإيرانية بات علنيا، ويكشف عن أن ذلك الحلف يشرع بالتفكك، وخصوصا بعد فشل المحاولات الإيرانية في انتزاع مكاسب اقتصادية وميدانية ضخمة من الأسد مقابل مشاركتها في حربه ضد الشعب السوري.

لقد حاولت إيران مع انفجار حرب إسرائيل على غزة أن تستعمل نظام الأسد كذراع وتتعامل معه على هذا الأساس، ولكنه رفض ذلك بشدة وحرص على تحييد نفسه من عنوان وحدة الساحات، ويقال إنه رفض مؤخرا طلبا مباشرا من زعيم حزب الله حسن نصر الله بفتح جبهة الجولان.

ذلك التعامل الإيراني مع الأسد الذي ينطوي على احتقار جابهه بفتح عكسي للساحات ضد إيران. عمليا توحدت الساحات في سوريا ضدها في هذه اللحظة وخصوصا مع تطور العلاقات الروسية الإسرائيلية إثر الخلافات الأميركية مع إدارة نتنياهو، ومساعي روسيا للاستفادة من هذا الخلاف في إطالة فترة الحرب وتعقيد مساراتها والاستفادة منها في إشغال أميركا وحجب الأنظار عن حربها على أوكرانيا والتي تنقلب فيها الأمور لصالحها.

التنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا ضد إيران يلعب صيغة الدفع في اتجاه تعقيد الأمور وتوتيرها وتعتبره روسيا أساسيا في حربها الدعائية التي لا تكف عن توظيف عنوان تاريخ الحرب على النازية كخطاب عقائدي يوحد بينها وبين إسرائيل.

إيران ترى نفسها محاصرة في أكثر من ميدان بعد أن بدا أن استثماراتها في تحريك أذرعها في المنطقة قد عاد عليها بنتائج عسكية

أميركا من جهتها تعتبر أنه لا بد من توجيه رسائل قاسية إلى إيران للكف عن محاولاتها استهداف الحضور الأميركي في المنطقة، لذلك تعمل على تشجيع الضربات الإسرائيلية ضدها في سوريا، كما تقوم قواتها بتنفيذ ضربات تطلق رسائل حول مدى جديتها في خوض المعركة وفرض حصر التفاعل مع الحرب على غزة في الميدان السوري.

كذلك فإن الانفتاح العربي على الأسد والذي يبدو أنه سيتوج قريبا بزيارة شخصية كبيرة إلى سوريا في الشهر المقبل مرتبط بالانفصال عن إيران، حيث يتوقع أن يعمل العرب على إعادة إنتاج علاقات الأسد الدولية، ومساعدته على الخروج من نفق العقوبات الأوروبية والأميركية، مقابل فض حلفه مع إيران، ما يجعل استمراره في السير فيه خسارة صافية.

إيران ترى نفسها محاصرة في أكثر من ميدان بعد أن بدا أن استثماراتها في تحريك أذرعها في المنطقة قد عاد عليها بنتائج عسكية. التنازلات المطلوبة منها لا توازي ما تتوقعه من أرباح وما كانت قد وضعته من استثمارات بشرية ومادية ضخمة وما راكمته من نفوذ، لذا يبدو أنها ستكون مضطرة إلى الاختيار بين تنازل درامي وشامل يقلص نفوذها إلى الحدود الدنيا أو الركون إلى خيار انتحاري بتصعيد يضعها في مواجهة مباشرة مع تجمع قوى كبرى تتحالف مع حليف لم يعد سابقا وحسب، بل بات بمنزلة العدو الأخطر.