الانتصارات تخفي العيوب

2023.05.22 | 05:56 دمشق

آخر تحديث: 22.05.2023 | 05:56 دمشق

فترة الصمت الانتخابي في تركيا
+A
حجم الخط
-A

خرجت نتائج الجولة الأولى من الانتخابية التركية - التي لم تكن كافية لحسم اسم رئيس الجمهورية التركية القادم- بنتائج صادمة للمعارضة التي تكتلت في طاولة سداسية تجمع تيارات من مختلف التوجهات بهدف إسقاط الرئيس رجب طيب أردوغان.

بالنسبة للطاولة السداسية فقد كانت الأجواء مؤاتيه لكسر الرئيس المنتصر على الدوام لأكثر من 20 عاماً، مع بعض العثرات التي لم تؤثر في المسيرة ككل.

لم يكن تجمّع المعارضة السبب الوحيد لتفاؤلها، فقد اجتمعت لها أسباب كثيرة تجعل الانتصار قريبا بنظرها. فقد حظيت المعارضة بدعم غربي كبير منه ما ظهر من خلال تصاريح مسؤولين أو حملات إعلامية ومنه ما خفي لعدم الإضرار بمرشحها كمال كليتشدار أوغلو.

شكّلت الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتضخم الكبير وانهيار سعر الصرف الذي عصف بتركيا خلال السنوات القليلة الماضية، ضغطاً كبيراً على العدالة والتنمية وأردوغان الذي دأب على تغيير قيادة البلاد المالية..

اكتسب كليتشدار أوغلو دعم حزب اليسار الأخضر (الوجه الآخر لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي) صاحب الكلمة الكبرى على أكراد تركيا، كما حظي المرشح العلماني بدعم القيادات المنشقة عن حزب العدالة والتنمية وأحزابها الناشئة التي كانت جزءاً من الطاولة السداسية، وتضم حزب السعادة الإسلامي كذلك. إذاً، فقد كسبت المعارضة ثلث أضلع "محافظة" تعزّز إمكانية جذبها لجمهور التيار المحافظ الذي لطالما استند إليه حزب العدالة والتنمية.

كذلك، فقد شكّلت الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتضخم الكبير وانهيار سعر الصرف الذي عصف بتركيا خلال السنوات القليلة الماضية، ضغطاً كبيراً على العدالة والتنمية وأردوغان الذي دأب على تغيير قيادة البلاد المالية، والذي جعله والحزب من خلفه يبدوان في حالة ضعف وقلة حيلة على الرغم من أن جزءاً مهماً من الأزمة كان نتيجة آثار عالمية.

إضافة، فإن استمرار الحرب في سوريا والفشل في إيجاد حل سياسي أفشل مساعي حل أزمة اللاجئين التي كان نصيب تركيا من آثارها كبيراً، وأثّرت بشكل مباشر على مزاج شريحة انتخابية ليست بالقليلة.

لم يستطع العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة كذلك جذب الشباب الطامح للتغيير بعد أن وجد نفسه منذ وعيه مع الحزب الحاكم نفسه وفي تراجع اقتصادي مستمر. فهو لم يشهد النهضة التي قادها حزب العدالة والتنمية ولم يعد يرى فيها أكثر من "أساطير الأولين"، ولكي تكتمل حلقة الضغوطات ضرب الزلزال المدمّر مناطق تركية واسعة وتردد تأخر السلطة التركية بالاستجابة له وهو ما دفع الرئيس أردوغان للاعتذار عن هذا التأخير وإطلاق وعود ثقيلة على الاقتصاد التركي.

هذه الأسباب وغيرها، جعلت كليتشدار أوغلو وتحالفه الواسع يعتقدون بأن الأخير سيكون صاحب خطاب الشرفة هذه المرة، مع تسليمهم طبعاً بفوزهم في البرلمان وبـ60%؜ كما صرح أوغلو نفسه، لكن الرياح جاءت عكس ما يشتهي فقد تفوق "تحالف الجمهور" (يضم: العدالة والتنمية، الحركة القومية، الرفاه من جديد، الدعوة الحرة، الاتحاد الكبير، اليسار الديمقراطي، تركيا الكبير، الطريق الصحيح) في الانتخابات البرلمانية على حساب "تحالف الأمة" المعارض (يضم: الشعب الجمهوري، الجيد، السعادة، المستقبل، ديفا، ديمقراطي).

في الرئاسة كذلك وعلى الرغم من أن أردوغان لم يحسم النتيجة من الجولة الأولى، إلا أنّها أظهرت فارقاً بين المرشحين يفوق المليونين ونصف المليون صوت، ولو أن الفرحة كانت منقوصة، إلا أنّ النتيجة جعلت تحالف الرئيس أردوغان يخرج منتصراً مهللاً برلمانياً وحتى رئاسياً مع وقف التنفيذ لا أكثر، مقابل تخبّط ويأس في الطرف المقابل.

كما كل الانتصارات، تخفي هذه اللحظات العيوب التي تبدو عميقة في هذه الانتخابات وتدق ناقوس الخطر للرئيس وحزبه، فبالعودة إلى الأرقام فإن تحالف الجمهور تفوق برلمانياً، إلا أن حزب العدالة والتنمية تراجع 7% (من 4206%؜؜ إلى 35.6%)، ما يعني أن الحزب خسر نحو 4 ملايين صوت و28 نائباً.

الحزب تراجع كذلك بنسبة أكبر في العاصمة أنقرة، فقاربت نسبة التراجع الـ8% من مجموع أصوات العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية السابقة أي أن الحزب خسر خُمس أصواته تقريباً.

أما رئاسياً، فعلى الرغم من أن التحالف غطّى جانباً من التراجع، إلا أنّه لم يستطع أن يخفيه فقد تراجعت أرقام التحالف في عموم تركيا كما تفوقت عليه المعارضة في "المناطق المتأرجحة" إذا صح التعبير. فللمرة الثانية على التوالي بعد الانتخابات البلدية يخسر الحزب الحاكم في إسطنبول وأنقرة مع توسّع في الفارق هذه المرة، كما خسر أردوغان في الانتخابات الرئاسية الماضية بالإضافة إلى أنقرة وإسطنبول كلاً من أنطاليا، مرسين، هاتاي، أضنة، إيسكي شهير، دينزلي، بالك أسير.

وللأمانة العلمية فإنّ أحد أسباب تفوّق المعارضة في هذه المناطق يكمن في توحد أصواتها على مرشح واحد بدل تشتتها، كما حدث في الانتخابات الماضية، إلا أنّ أرقام أردوغان نفسها شهدت تراجعاً في جل هذه المناطق وعموم مناطق تركيا تقريباً.

مَن سيخلف أردوغان في حزبه ويكون واجهة الحزب في البلاد بعد السنوات الخمس الحالية؟ هل سيستطيع الحزب الحاكم إعادة تنشيط نفسه وجذب الشباب؟ هل سيستطيع حل مشكلات تركيا الاقتصادية والمعيشية، التي تعدّ من أكثر ما يعاني منه الأتراك في هذه المرحلة خاصة في المدن؟

إذاً، فإن أردوغان استطاع الصمود هذه المرة أمام صعوبات جمة، وما يزال حزب العدالة والتنمية الرقم واحد في تركيا، لكنه شهد تراجعاً كبيراً فتقلّص الفارق على سبيل المثال مع حزب الشعب الجمهوري من 2% في الانتخابات البرلمانية السابقة (42.6%؜ مقابل 22.6%؜) إلى 10% في الانتخابات الحالية (35.6%؜ مقابل 25.3%)، ومن الضروري ألا نغفل أنه من حسن حظ أردوغان، أنّ المرشح المواجه كان كليتشدار أوغلو صاحب السلبيات الكثيرة.

بعد كل هذا العرض للأرقام تحضر مجموعة من الأسئلة التي لن يتم الإجابة عنها، إلا مع مرور الوقت منها: مَن سيخلف أردوغان في حزبه ويكون واجهة الحزب في البلاد بعد السنوات الخمس الحالية؟ هل سيستطيع الحزب الحاكم إعادة تنشيط نفسه وجذب الشباب؟ هل سيستطيع حل مشكلات تركيا الاقتصادية والمعيشية، التي تعدّ من أكثر ما يعاني منه الأتراك في هذه المرحلة خاصة في المدن؟

هذه الأسئلة وغيرها ستكون محور التحدي الذي ينطلق يوم 29 من أيار الجاري، والذي يقف عليه مستقبل حزب شهدت معه تركيا نهضتها ويأمل أن يجدّد له شعبياً لعقود مقبلة.