icon
التغطية الحية

وكالة الصحافة الفرنسية تدخل إلى إدلب وتلتقي الجولاني.. ما الذي لفت انتباههم؟

2023.05.12 | 15:19 دمشق

صحفي فرنسي في إدلب
دوّن الصحفي الفرنسي ملاحظات رصدها في أثناء سفره من الحدود التركية إلى إدلب بما في ذلك لقاؤه مع الجولاني وعدد من رفاقه - AFP
تلفزيون سوريا - إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

نشر مراسل وكالة الصحافة الفرنسية والخبير في الجماعات الجهادية، وسيم نصر، تقريراً عن زيارته إلى مدينة إدلب في شمال غربي سوريا، والتقى زعيم "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، في أول لقاء لصحفي فرنسي من المنطقة.

ودوّن الصحفي الفرنسي في تقريره ملاحظات رصدها في أثناء سفره من الحدود التركية إلى إدلب، عبر مناطق حارم وأطمة وأريحا وجسر الشغور وقرية اليعقوبية المسيحية، بما في ذلك لقاؤه مع الجولاني وعدد من رفاقه.

إدلب معقل المتمردين

وقال التقرير إن الطريق المؤدي من الحدود التركية إلى إدلب، والذي سلكته وفود الأمم المتحدة التي زارت المناطق التي ضربها الزلزال، تم رصفه حديثاً، وهو محاط بالنباتات وأشجار النخيل، ويهدف إلى إبراز "حكومة الإنقاذ"، الذراع الإدارية لـ "هيئة تحرير الشام.

ونظراً لوقوعه بين نقطتي تفتيش، فمن المستحيل المضي قدماً على امتداد هذا الطريق من دون مرافقة "هيئة تحرير الشام"، ودليل مسؤول عن الصحفيين المرافقين، ويتم استقبال الزوار الذين يدخلون إلى المحافظة بعلم عملاق للثورة السورية، ولافتة كبيرة عليها كُتب عليها بأحرف سوداء على خلفية بيضاء تصريح عن العقيدة الإسلامية "كلمة التوحيد".

وأشار تقرير وكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه عند دخول المدينة، ليس هناك ما يشير إلى وجود الرايات الجهادية السوداء، ولا شعار "هيئة تحرير الشام"، وبصرف النظر عن حاجزين على الطريق يحرسهما رجال ملثمون يرتدون زياً عسكرياً يضبطون حواجز الطرق في المدينة، تكاد تشعر بالدهشة من عدم وجود رجال مسلحين في الشوارع.

كما أنه لا يمكن رؤية أي شخص يرتدي الزي الأفغاني التقليدي، ولا توجد علامات على قيام أي مقاتلين بدوريات أو حتى مجرد التجول، في حين أوضح الدليل المرافق للصحفي الفرنسي  قائلا"تأكدنا أن الناس يفهمون أن مكان المقاتلين هو في المقدمة وليس بين السكان".

صحفي فرنسي في إدلب

وللوهلة الأولى، قد يبدو العدد الهائل من أعلام الثورة التي ترفرف في المدينة غير ذي أهمية، لكنه في الواقع علامة مميزة، حيث تريد "تحرير الشام" النأي بنفسها عن الجهاديين، الذين يشجبون جميع أنواع الرموز الوطنية، وكل ما تبقى الآن هو عدد قليل من العبارات الباهتة المكتوبة على الجدران والتي تستهدف الشيعة والديمقراطية، وفق الصحفي.

وذكر المراسل أن مدينة إدلب تعج بالحياة، وأحد المقاهي، وهو مكتبة لبيع الكتب تقع بين مسجد التوحيد وفندق الكارلتون السابق أصبحت "ملاذاً آمناً" للقرّاء والطلاب على حد سواء، ويتم فصل النساء عن الرجال  في المقهى، تماماً كما في مطاعم المدينة، ولكن في الأماكن العامة في إدلب، كالحدائق أو مراكز التسوق، يُسمح بالاختلاط بين الجنسين، كما أنه مسموح بيع السجائر وتدخينها، والأغاني الثورية يمكن سماعها في المحال.

الجولاني: زعيم "هيئة تحرير الشام" ورئيس إدلب

وعن اللقاء مع الجولاني، قال المراسل الفرنسي "إنه بعد يوم من وصولي إلى المدينة، تلقيت دعوة نادرة للقاء أبو محمد الجولاني في منطقة سكنية بإدلب"، كما التقى أيضاً مع أكثر رفاق الجولاني الموثوقين، وهو العراقي أبو ماريا القحطاني، وعدد من مسؤولي الهيئة و"حكومة الإنقاذ".

وتم اللقاء بين الصحفي والجولاني في وقت متأخر من الليل، وأحيط بإجراءات أمنية مشددة، بما في ذلك إلزامه بترك جميع وسائل الاتصال في سيارة متوقفة في حي آخر.

صحفي فرنسي في إدلب

وسبق أن أجرى الجولاني مقابلتين مع صحفيين أجانب، الأولى مع قناة "الجزيرة" القطرية في العام 2015، والثانية مع شبكة "CNN" الأميركية في العام 2021.

ونقل الصحفي عمن التقاهم قولهم إن الهيئة "تعمل على ضمان عدم استخدام المناطق الواقعة تحت سيطرتها كمنصات للإعداد لهجمات ضد الغرب"، في حين أكد قياديون في الهيئة أن الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا تتماشى بشكل مباشر مع مشاركة موسكو في الصراع السوري منذ العام 2015.

آخر المسيحيين في إدلب

وفي اليوم الثالث لزيارته، دعت "هيئة تحرير الشام" الصحفي الفرنسي لحضور اجتماع بين بعض قيادييها وممثلي ثلاث قرى مسيحية في إدلب، وقال الصحفي إنه سلك طريق "M4"، الذي توجد فيه العديد من نقاط المراقبة للجيش التركي، وتضم بضعة آلاف من الجنود.

وكانت القرى المسيحية في المحافظة، تعرضت منذ العام 2012 لأضرار شديدة، وهجّر نحو 90 % من سكانها، بعد أن تعرضوا لأهوال حرب عنيفة، مثل الابتزاز واحتجاز الرهائن والاغتصاب ومصادرة الممتلكات، فضلاً عن تعرض كنائسهم للقصف والتدمير والحرق، وفي بعض الحالات تم تحويلها إلى مساجد.

ووفق الصحفي الفرنسي، فإنه خلال العامين الماضيين، وفيما يشبه محاولة النقد الذاتي، تدّعي "هيئة تحرير الشام" أنها أطلقت عملية لإعادة ممتلكات المسيحيين المصادرة، باستثناء المرتبطين بالنظام السوري.

وخلال الاجتماع، تحدث ممثلو القرى المسيحية عن التحديات التي يواجهونها، والسبل التي يمكن التغلب عليها، وأحد الأمثلة على ذلك استخدام إفادات الشهود المصورة لإثبات ملكية العقارات في الحالات التي فُقدت فيها وثائق الملكية.

صحفي فرنسي في إدلب

وقال الصحفي إنه حتى الآن، تمت إعادة العديد من المنازل لأصحابها الشرعيين، بعضها أعيد بالقوى، بما في ذلك 56 منزلاً فارغاً، و42 منزلاً أعيدت لأقارب مقربين من أصحابها، و41 منزلاً قيد الإعادة.

أما في قرية اليعقوبية، فأعيد 90 منزلاً فارغاً إلى أصحابها المسيحيين، و120 منزلاً أعيدت إلى الأقارب، و109 منازل قيد الإعادة، في حين لا تزال الإجراءات جارية لإعادة الأراضي الزراعي، إلا أن كارثة الزلزال علّقت خطط الهيئة حتى آب المقبل.

كما أعيدت الممتلكات إلى المسيحيين المقيمين في مدينة إدلب، لكن المجتمع المسيحي هناك رفض استعادة الكنيسة، بسبب نقص الموارد للحفاظ عليها وحراستها، وفق الصحفي الفرنسي.

وأشار الصحفي الفرنسي إلى أنه في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا يمكن للمسيحيين ممارسة شعائرهم الدينية، ولكن ليس بدون قيود، حيث يسمح لهم بترميم الكنائس وإقامة قداديس يومية، لكن يحظر عليهم قرع الأجراس أو وضع الصلبان على المباني.

ونقل الصحفي عن أحد السكان المسيحيين قوله إن "الوضع حساس بالتأكيد بالنسبة لنا كمسيحيين، لكنه تحسن خلال العامين الماضيين"، مضيفاً أن تحسن الأوضاع دفع بالبعض إلى محاولة إعادة أفراد أسرهم إلى المنطقة.

كما يسعى بعض المسيحيين لفتح معبر مباشر بين إدلب والمناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، لتسهيل سفرهم وزيارة أقاربهم، فهذه الرحلات ليست معقدة فحسب، بل تكاليفها باهظة، حيث تكلف ما لا يقل عن 700دولار للشخص الواحد.

"مخيمات الكرامة" للنازحين قرب الحدود التركية

قبل عودتهم إلى تركيا، وافقت "هيئة تحرير الشام" على زيارة الصحفي لزيارة مخيمات أطمة، التي يطلق عليها السوريون هناك اسم "مخيمات الكرامة"، والتي تقع على حافة المنطقة العازلة المحصورة بين المناطق التي تسيطر عليها الهيئة والمنطقة التي يسيطر عليها "الجيش الوطني السوري" الموالي لتركيا.

وقال الصحفي إنه بالنسبة لسكان إدلب، من المهم أن تظل العلاقات بين تركيا و"هيئة تحرير الشام"، التي تتلخص أساساً في توازن قوى دائم، فعالة، ففي الوقت الذي يجب أن تعترف فيه أنقرة بسلطة الهيئة، يجب على الأخيرة الاعتراف بنفوذ تركيا في المنطقة، لأنها جارتها الوحيدة في المنطقة إلى العالم الخارجي، ولديها وجود عسكري في إدلب.

صحفي فرنسي في إدلب

ونقل الصحفي عن قادة في "هيئة تحرير الشام" وسوريين في المنطقة قولهم إنه "سيكون من الصعب على تركيا وروسيا والنظام السوري فرض اتفاق تم التفاوض بشأنه بدون الهيئة، وإذا فعلوا ذلك، فسيُنظر إليه على أنه إملاءات، ليس فقط ضد مصالحهم، بل ضد مصالح الثورة".

ولفت الصحفي الفرنسي إلى أنه ربما لم تخفف "هيئة تحرير الشام" من تشددها الديني، أو القوانين التي فرضتها بالقوة على سكان إدلب، لكنها اتخذت موقفاً واضحاً ضد الجهاد العالمي، في حين تعِد "حكومة الإنقاذ" بمحاولة أخيرة لتحقيق حكم مستقل في إدلب.

وأشار مراسل وكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه "خلال الزيارة، قال ممثلون مدنيون مراراً وتكراراً إنهم لا يعيدون البناء، وعوضاً عن ذلك، هم يبنون كل شيء من الصفر، ويحتاجون إلى مساعدة المجتمع الدولي للقيام بذلك"، مشيرين إلى أنه "إذا اعتبرت هيئة تحرير الشام والجولاني إرهابيين، فهل هذا يعني أن جميع أطفال إدلب إرهابيين أيضاً؟".