icon
التغطية الحية

عمليات "انغماسية" بالجملة... أهداف ودلالات التصعيد العسكري لـ"هيئة تحرير الشام"

2022.12.29 | 07:13 دمشق

كتائب خالد بن الوليد
"كتائب خالد بن الوليد" الانغماسية في "هيئة تحرير الشام" شمال غربي سوريا
+A
حجم الخط
-A

كثّفت "هيئة تحرير الشام" من هجماتها البرية المحدودة (الانغماسية) ضد قوات النظام السوري والميليشيات الموالية والمساندة لها في جبهات إدلب ومحيطها، خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، وأوقعت في صفوف الأخير خسائر (شهرية) في العتاد والأعداد، هي الأكبر خلال العام 2022، وتصدت خلال الفترة ذاتها لعمليات تسلل نفذتها قوات النظام في عدد من محاور القتال جنوبي وشرقي إدلب وفي سهل الغاب غربي حماة.

وتزامن الحراك العسكري "النوعي" لـ"تحرير الشام" مع حملة إعلامية واسعة تروّج للهجمات على أنها تحقّق أهدافاً مرحلية وأخرى طويلة الأمد في الصراع مع النظام، وتعبّر من خلالها عن موقفها المفترض من المستجدات السياسية والعسكرية في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن المساعي التركية - الروسية للتطبيع مع نظام الأسد، وتسريبات أخرى تتحدث عن لقاءات مفترضة جرت بين قادة في المعارضة ومسؤولين أمنيين وعسكريين في النظام.

وتوزّعت العمليات "الانغماسية" على جبهات إدلب وأرياف حماة واللاذقية وحلب، وبلغ عددها 7 عمليات، وبدت الهجمات هذه المرة أكثر تنظيماً، حيث تولّت إدارة كل قطاع، التخطيط للعمليات وتنفيذها بالتنسيق مع باقي القطاعات وغرف العمليات المصغرة، وفيما يلي توزع العمليات والتشكيلات المنفذة، وقد تم تنفيذ أولى العمليات في 11 كانون الأول/ديسمبر الجاري:

  1. في 11 كانون الأول نفّذت "هيئة تحرير الشام" بشكل متزامن عمليتي تسلل على مواقع لقوات النظام في ريفي إدلب واللاذقية، الأولى استهدفت موقعاً للنظام في محور قرية البيضا بمنطقة جبل التركمان شمالي اللاذقية، ونفذتها مجموعة من القوات الخاصة في "لواء معاوية بن أبي سفيان".
  2. العملية الثانية كانت من تنفيذ القوات الخاصة في "لواء الزبير بن العوام"، واستهدفت موقعاً لقوات النظام في محور بلدة داديخ جنوبي إدلب، وأطلق الإعلام الرديف حينذاك على العمليتين اسم (ثأراً للحرمات وكسراً للمصالحات). وحصيلة القتلى في صفوف النظام بالعمليتين زادت عن 25 قتيلاً، بينهم ضابطان، هما: بلال موسى الموسى ورجب فرحان الحسن، وكلاهما برتبة ملازم أول.

وتداول الإعلام تصريحات للقائد العسكري في تحرير الشام "أبو خطاب الشامي"، الذي قال: إنّ "العمليات الانغماسية هي رسالة لكل من تسوّل له نفسه وضع يده في يد النظام، ولكل من يرمي الفصائل زوراً وبهتاناً بأنها ستصالح يوماً".

  1. نفّذت القطاعات العسكرية الشمالية، يومي 17 و18 كانون الأول/ديسمبر، عملية انغماسية ثالثة، استهدفت محور قبتان الجبل غربي حلب، ونفذتها مجموعة من "لواء سعد بن أبي وقاص".
  2. العملية الرابعة نفذتها مجموعة من القوات الخاصة في "لواء طلحة ابن عبيد الله"، واستهدفت موقعاً لقوات النظام في محور قرية الأربيخ شرقي إدلب، وأسفرت عن مقتل 12 عنصراً بينهم ضابط، كما تمكّن المهاجمون من الاستيلاء على الأسلحة التي كانت في الموقع، وفجّروا النقطة العسكرية قبل انسحابهم وعودتهم إلى نقاطهم التي انطلقوا منها.
  3. عملية نفذتها مجموعة من القوات الخاصة في "لواء طلحة بن عبيد الله" على مواقع قوات النظام في محور ميزناز غربي حلب.
  4. سادس العمليات الخاطفة لـ"تحرير الشام"، خلال شهر كانون الأول/ديسمبر، نفذتها "كتائب خالد بن الوليد"، استهدفت موقعاً لقوات النظام في جبهة البريج على أطراف منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب، وأسفرت عن مقتل عدد من قوات النظام، كما فجّر المقتحمون الموقع.
  5. العملية السابعة والأخيرة استهدفت موقعاً لقوات النظام في محور معرة موخص جنوبي إدلب، وهي أيضاَ من تنفيذ "كتائب خالد بن الوليد".

وفي 27 كانون الأول/ديسمبر نظم الجناح العسكري في "تحرير الشام" بالشراكة مع إدارة منطقة سرمدا، حفل استقبال تكريم لـ"كتائب خالد بن الوليد" التي نجحت بإيقاع خسائر كبيرة في صفوف قوات النظام بالعمليتين اللتين استهدفتا مواقعه في معرة موخص والبريج، وبالفعل كانت العمليتان الأكثر تنظيماً، وتسببتا بوقوع أكبر حصيلة قتلى لقوات النظام.

وسبق أن أعلن عن تأسيس "كتائب خالد بن الوليد" (كتائب الانغماسيين)، منتصف العام 2022، وظهرت الطلائع الأولى للتشكيل الجديد من ضمن صفوف "لواء علي بن أبي طالب"، وفيما بعد توسعت، وأصبحت كتائب شبه مستقلة بعدما ضمت إلى صفوفها مزيدا من المجندين لتصبح تشكيلاً يشبه إلى حد ما "العصائب الحمراء"، لكن بأعداد أقل.

أهداف ودلالات التصعيد العسكري لهيئة تحرير الشام في سوريا

وبرغم اتباعها تكتيكات العمليات الخاطفة والمحدودة (الانغماسية) والتي اشتهرت في الفترة ما بعد العام 2020، إلا أن "تحرير الشام" لم تكن تدرج هذا النوع من التكتيكات كاختصاص عسكري محدد ضمن برامجها التدريبية، وكانت تعتمد على المبادرات الفردية ومبادرات المجموعات الصغيرة التي لديها الشجاعة وتحب المخاطرة لتنفيذها. وكان السلفيون المهاجرون وبالأخص الأوزبك الأكثر جرأة وإقبالاً على هذا النوع من العمليات.

وفيما بعد بدأت العناصر المحلية تشترك في عمليات الإغارة والتسلل الخطرة بعدما أصبح لدى "تحرير الشام" معدات رؤية ليلية ووسائل أكثر تطوراً في مجال الرصد الجوي والأرضي والتي وفرت قدراً أكبر من الحماية، وأصبح معها تسلل المجموعات والأفراد أكثر سهولة، ومسألة عودتهم سالمين بعد تنفيذ المهام واردة جداً كما حصل في العمليات السبعة خلال الشهر الحالي، إذ لم يُسجل الكثير من الخسائر في صفوف المجموعات المقتحمة، وكانت "كتائب خالد بن الوليد" هي الوحيدة التي خسرت واحداً من مقاتليها في الهجوم على محور معرة موخص.

واستفادت "تحرير الشام" من عدة عوامل ساهمت إلى حد كبير في نجاح عملياتها الخاطفة الأخيرة:

  1. العامل الأول هو عمليات إعادة الانتشار التي نفذتها قوات النظام في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في جبهات إدلب ومحيطها، بحيث انسحبت بعض المجموعات التابعة لـ"الفرقة 25/ مهام خاصة" التي يتزعمها سهيل الحسن، والتي توجهت إلى ريف حلب الشمالي الشرقي لتتمركز على تخوم مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وحلت مكانها فرق عسكرية من قوات النظام.
  2. المعدات العسكرية المتطورة التي كانت في حوزة المقتحمين، مثل المناظير الرؤية، وطائرات الاستطلاع، والأسلحة الفردية والقناصة التي وفرت التغطية.
  3. الظروف الجوية المناسبة، وانتشار الضباب الذي حجب الرؤية وعطل مراصد قوات النظام، وعرقل وصول التعزيزات العسكرية لقوات النظام نحو المواقع التي استهدفتها مجموعات تحرير الشام.

مصادر عسكرية متطابقة في "تحرير الشام" قالت لـ موقع تلفزيون سوريا، إن "توجيه ضربات عسكرية نوعية وخاطفة خلف الخطوط، يندرج في إطار التكتيكات الهادفة إلى تعزيز الخبرة القتالية لدى المقاتلين واستخدام فنون جديدة في الحرب، واستنزاف العدو وجعله في حالة رعب وخوف بشكل دائم، كما أنها رسائل تأكيد على مركزية ومحورية الخيار العسكري لدينا وعدم قابلية أي حلول ثانية، ورفض كل أشكال المصالحة مع النظام".

يبدو أن هدف "تحرير الشام" من تكثيف العمليات البرية المحدودة ضد قوات النظام هو محاولة خلط الأوراق العسكرية في الميدان، ومحاولة قطع الطريق على الجانب التركي الذي يسعى إلى التقارب والتطبيع مع النظام السوري، وهدفها أيضاً جس نبض الطرفين، فـ"تحرير الشام" تخشى أن تكون ضحية التطبيع المفترض، وتوجّه اتهاماً للفصائل المعارضة باتخاذ خطوات عملية في طريق التطبيع مع النظام السوري.

ويتداول قادة في "تحرير الشام" معلومات حول لقاءات غير معلنة جرت بين عدد من قادة الفصائل مع مسؤولين أمنيين وعسكريين تابعين للنظام، وعلى قناته في "تليغرام"، قال السلفي العراقي "أبو ماريا القحطاني"، وهو أحد المقربين من "أبو محمد الجولاني": "المصالحة مع النظام خيانة وكل فصيل يحاول أن يتصدر تلك الأعمال القذرة فلا يلومن إلا نفسه، فالشعارات الثورية لا تكون غطاء للخيانة، هناك شخصيات تحاول أن تتصدر الخيانة فلا مكان للعملاء والخونة بين الثوار المخلصين".

عمليات  بـ"إذن تركي"

ويرى فريق من السلفيين المناهضين لـ"تحرير الشام" أن العمليات التي تنفذها الأخيرة لا يمكن أن تتم دون الإذن التركي، حالها كحال الفصائل في مناطق "درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام"، لا يمكن لأحد أن يطلق رصاصة واحدة دون إذن العسكريين الأتراك، والعمليات يمكن أن تندرج في إطار الضغط التركي على النظام وروسيا من أجل الحصول على مكاسب في ملف الأكراد.

محمد شكيب الخالد - رئيس الحركة الوطنية الديمقراطية السورية - يرى أن "الهيئة على لسان زعيمها أكّدت أنها خارج كل ما يصرح به المسؤولون الأتراك وأنها ستواصل عملياتها حتى تحقق أهداف السوريين، وهي رسالة للداخل بحيث تحاول أن تقدم نفسها كبديل عسكري أوحد للمعارضة بعدما تأكد للجميع أن الجيش الوطني مسلوب القرار، ويتحرك وفق أجندات تركيا".

وأضاف "الخالد" لـ موقع تلفزيون سوريا، أن العمليات الأخيرة لـ"تحرير الشام" تحمل أيضاً رسائل للغرب المعارض لـ مسار أستانا بأن هناك قوة عسكرية منضبطة وازنة في إدلب، وهي خارج ذلك المسار بإمكانها خلط الأوراق متى شاءت".

وتابع: "هناك ضغط تركي على تحرير الشام ظهر على شكل ضغوطات اقتصادية مؤخراً، وتحرير الشام بعملياتها الأخيرة أرسلت رسالة إلى تركيا بأنها قادرة على خلط الأوراق، في حال استمرت تلك الضغوطات، وبإمكانها إفشال أي خطوة تركية في إدلب وهي قادرة على ذلك، لذا رأينا أن تركيا قد خفّفت من تلك الضغوطات مؤخراً".