هل نسي العرب سوريا؟

2023.01.10 | 06:13 دمشق

عبد الله بن زايد يزور دمشق ويلتقي بشار الأسد
+A
حجم الخط
-A

في قراءة بواعث ونتائج الزيارة الأخيرة لوزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى دمشق، ثمة افتراض بأنها تأتي في سياق "عرض عربي" للنظام السوري بالابتعاد عن إيران، مقابل انفتاح عربي على النظام، يتضمن استثمارات في عملية إعادة الاعمار، وجهود للحصول من الأميركيين على استثناءات من "قانون قيصر" في بعض المجالات الحيوية.

غير أن بعض التحليلات، تضع الزيارة في سياق أضيق، كونها لا تتعدى مجرد محاولة من الإمارات للبحث عن دور على هوامش التقارب التركي مع النظام السوري، الذي يتم برعاية روسية، وهو ما قد يتجلى في مشاركة الوزير الإماراتي في الاجتماع المتوقع قريباً لوزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام السوري، والذي قيل إنّه قد يعقد في أبو ظبي.

وإضافةً إلى الإمارات، شهدنا خلال الفترة الماضية عدة محاولات من جانب أنظمة عربية للانفتاح على نظام الأسد، أبرزها: جهود الأردن الذي حاول تسويق فكرته في واشنطن، وقطع بالفعل بعض الأشواط في هذا الانفتاح، لكنه سرعان ما فرمل نشاطه، بعد أن أُصيب بـ"خيبة أمل" من الاستجابة الفاترة من جانب النظام الذي عمد إلى زيادة وتيرة تهريب المخدرات عبر الأراضي الأردنية بالتزامن مع تلك الجهود، وفتح ساحة الجنوب السوري لمزيد من التمدد الإيراني.

وشهدنا أيضاً مثل هذه الطفرات من جانب دول أخرى مثل الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي زار دمشق بلا أية أجندة، والجزائر التي سعت لإشراك النظام في القمة العربية التي عُقدت فيها، بينما حافظت دول عربية أخرى على مستوى معيّن من العلاقات طوال السنوات العشر الماضية مثل عمان ولبنان والعراق، في حين تحاول "حركة حماس" العودة إلى حضن النظام.

ما يُلاحظ في مجمل هذه التحركات العربية تجاه نظام الأسد أنها تأتي بلا تنسيق وبلا أهداف أو خطة واضحة، خلافاً للجهود العربية التي رافقت انطلاق الثورة السورية، عام 2011، حيث انبثقت معظم التحركات العربية عن اجتماعات رسمية في إطار الجامعة العربية سواء على مستوى القمة أم المستويات الوزارية..

وما يُلاحظ في مجمل هذه التحركات العربية تجاه نظام الأسد أنها تأتي بلا تنسيق وبلا أهداف أو خطة واضحة، خلافاً للجهود العربية التي رافقت انطلاق الثورة السورية، عام 2011، حيث انبثقت معظم التحركات العربية عن اجتماعات رسمية في إطار الجامعة العربية سواء على مستوى القمة أم المستويات الوزارية، وهو ما قد يُفسَّر بحالة الإحباط الناجمة عن طول أمد الازمة، وكثرة تشعباتها الإقليمية والدولية.

والسؤال المطروح بداهة ماذا يريد العرب اليوم من نظام الأسد؟ والحقيقة لا جواب واضح وحاسم في هذا الإطار، لأن البعض منهم لا يطرح أية مطالب، والبعض الآخر يبرّر انفتاحه على النظام بذرائع إنسانية تارة بدعوى التعاطف مع الشعب السوري، أو تحت يافطات مطاطة مثل إبعاد سوريا عن إيران تارة أخرى، بينما الأردن حدّد أهدافه والمتمثلة بالتنسيق مع النظام للقضاء على حركة تهريب المخدرات، وإبعاد إيران وميليشياتها عن حدوده.

ومن الواضح إذاً أن التحركات العربية تجاه النظام لا تتضمن أيا من المطالب الأساسية التي نادى بها الثائرون على النظام، والمتمثلة في قيام دولة ديمقراطية تعددية يحكمها القانون بعيداً عن سلطة الأمن والطائفة. وهذا التجاهل متوقع على أية حال، من أنظمة لا تختلف كثيراً في جوهرها عن نظام الأسد، وإن كان يبزها جميعاً في وحشيته وانتهاكاته لحقوق شعبه.

غير أن القراءة السياسية العاقلة تفترض أن يكون هناك أجندة عربية متفق عليها حيال النظام تأخذ في الاعتبار "المطالب والهواجس" العربية مثل العلاقة مع إيران وإيقاف تدفق المخدرات باتجاه الخليج العربي، ولكن الأهم أن تتعامل مع الأسباب الأساسية للحراك الشعبي المحلي ضد هذا النظام، بما يدخل بعض التوازن على التحرك التركي الذي يكاد يقتصر في معظم عناوينه على "الهواجس التركية" حيال سوريا، والمتمثلة بقضية "الخطر الكردي" وعودة اللاجئين السوريين من تركيا الى بلادهم.

ومن نافل القول، إن العرب لا يحتاجون لاجتراح حلول لـ"الازمة السورية"، ما دام هناك قرارات دولية متفق عليها نظرياً من جميع الأطراف، وجرت على أساسها مفاوضات في جنيف وأستانا وغيرها، غير أن رغبة البعض في القفز على هذه الأسس بدعوى تحريك المسار السياسي المسدود (بفعل فاعل، وهو النظام وحليفاه الروسي والإيراني)، ينبغي ألا تجرفهم إلى ملعب النظام المتمرس في الألاعيب والأكاذيب، والذي يكرس كل جهده ليس لإنقاذ شعب بات يعيش في عصور الظلام، بل لدوام اغتصابه لكرسي السلطة، ولو على جثث شعب وأنقاض دولة. ونظام متهالك بهذا الشكل، ليس من الحكمة مد حبل النجاة له دون مقابل، وأية تحركات سياسية تجاه هذا النظام، ينبغي أن تتوفر على حد أدنى من السلوك الأخلاقي، حيث ما يزال ملايين السوريين مهجّرين داخل سوريا وخارجها، ومئات الآلاف مغيّبون في سجون النظام وأقبية أجهزته الأمنية.