icon
التغطية الحية

هل فقدت روسيا السيطرة على النفوذ الإيراني في سوريا؟

2022.05.19 | 12:04 دمشق

الدولارات الإيرانية وتجنيد أبناء الجنوب السوري.. ما موقف النظام وروسيا؟
إسطنبول ـ فراس فحام
+A
حجم الخط
-A

شكلت زيارة علي مملوك إلى طهران في شباط 2022 إيذاناً بعودة الزخم للنفوذ الإيراني في سوريا، بعد سنوات عديدة من التنسيق الدولي مع روسيا بهدف ضبط وتأطير تحركات إيران في الملف السوري.

وجاء الاستقبال الإيراني لبشار الأسد في مطلع أيار الجاري، واللقاء الذي جمعه مع المرشد الأعلى علي خامنئي، والحديث عن دعم طهران للنظام السوري من أجل "تحرير باقي الأراضي السورية من الإرهاب"، ليؤكد توجه إيران لاستغلال الظروف الراهنة من أجل تعزيز دورها في المنطقة عموماً وسوريا تحديداً.

وأعطت تصريحات الملك الأردني عبد الله بن الحسين في 18 من أيار 2022 مؤشراً واضحاً على تصاعد النفوذ الإيراني في سوريا، حيث حذر في حوار مع معهد هوفر من ملء إيران ووكلائها الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الروسي، مشيراً إلى تصعيد محتمل على الحدود مع سوريا.

إعادة تموضع للميليشيات الإيرانية في سوريا

تخلل الزيارتين المهمتين لكل من رئيس مكتب الأمن القومي ورئيس النظام السوري، إعادة انتشار للميليشيات الإيرانية على الأراضي السورية، حيث تشير المعلومات التي جمعها موقع "تلفزيون سوريا" من مصادر ميدانية إلى تعزيز الميليشيات لعددها في عشرات النقاط، خلال الفترة الممتدة من بداية نيسان حتى منتصف أيار 2022.

وبحسب المصادر الميدانية فإن فصيل "عصائب أهل الحق" العراقي المرتبط بالحرس الثوري الإيراني استقدم تعزيزات إلى منطقة البوكمال بريف دير الزور مطلع أيار الحالي، بالتوازي مع وصول دفعات جديدة من القوات التابعة لحزب الله اللبناني ولواء فاطميون ولواء الباقر إلى الرقة، والتمركز في كل من الطبقة والرصافة.

وفي نيسان الماضي نشر ما يعرف بـ "فوج سليماني" – يتألف من قوات سورية مرتبطة بحزب الله اللبناني- قرابة 45 نقطة عسكرية في شمال وغرب حلب، تحديداً في محيط تل رفعت، والمواقع المطلة على مناطق عفرين – اعزاز – دارة عزة.

وانتشرت ميليشيات إيرانية في نيسان بمواقع مشتركة مع الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري بنحو 15 موقعاً في باديتي حمص وحماة، شملت مناطق: مهين – تدمر – حسياء – القريتين – السخنة – أثريا – الشيخ هلال – السعن – سلمية.

وأسس حزب الله اللبناني منتصف نيسان الماضي عدة نقاط مراقبة في ريفي القنيطرة والسويداء، من أجل متابعة الحدود السورية مع كل من إسرائيل والأردن.

ويقدر عدد القوات التي أشرف الحرس الثوري الإيراني على نشرها في سوريا خلال شهر ونصف ماضيين بين 4500 و5000 مقاتل، يتبعون للفصائل المذكورة.

ومن المتوقع أن تشترك الميليشيات الإيرانية بشكل واسع في عملية تمشيط مرتقبة للبادية السورية، يتم التجهيز لها انطلاقاً من الرصافة بريف الرقة، وأثريا بريف حماة.

الموقف الروسي من إعادة التموضع الإيراني

يوحي التزامن بين إعادة انتشار الميليشيات الإيرانية في سوريا والانهماك الروسي في الملف الأوكراني، بأن طهران قد وجدت الفرصة المناسبة لاستعادة حضورها في الملف السوري، في ظل الحاجة الميدانية الروسية لميليشياتها من أجل توفير بديل عن خفض روسيا لمجهودها الحربي الداعم للنظام السوري، لكن لا يبدو أن هذا هو الدافع الوحيد للتساهل الروسي مع تعزيز الميليشيات الإيرانية لمواقعها على الأراضي السورية، فمن المستبعد أن تكون موسكو قد فقدت كامل سيطرتها على التأثير في المشهد السوري.

على الأرجح فإن موسكو ترغب بعودة العقدة الإيرانية للملف السوري بهدف الضغط على إسرائيل، بعد ما أبدته الأخيرة من دعم لأوكرانيا تراوح بين توفير دعم لوجستي واستخباري للجيش الأوكراني، والمساندة السياسية المتمثلة بنية تل أبيب فتح السفارة الإسرائيلية في أوكرانيا مجدداً.

وتتالت المؤشرات التي تدل على تدهور التنسيق الإسرائيلي – الروسي في الملف السوري، حيث عمدت القوات الروسية المنتشرة في سوريا إلى التشويش على الطائرات الإسرائيلية في شباط 2022 لمنعه من تنفيذ هجمات ضد مواقع إيرانية، في حين أكدت القناة "13" الإسرائيلية، أن روسيا أطلقت لأول مرة صواريخ باتجاه طائرات إسرائيلية خلال تنفيذها ضربات جوية على الأراضي السورية في منتصف أيار 2022، دون تحقيق إصابات.

من جهة أخرى، فإن انتشار الميليشيات الإيرانية في مناطق تهدد الأمن القومي التركي بمحاذاة الحدود التركية مع سوريا، سيعزز من حاجة تركيا إلى روسيا بوصفها ضامناً لاستدامة التهدئة في شمال غربي سوريا، إذ عمدت الميليشيات الإيرانية منذ بداية أيار 2022 إلى قيادة جولات عديدة من التصعيد الميداني ضد مواقع تحت النفوذ التركي، مستخدمة في بعض المحطات ورقة تنظيم قسد عبر إتاحة المجال لمجموعات من التنظيم لشن هجمات باتجاه منطقتي عمليات درع الفرات وغصن الزيتون.

واتخذت تركيا بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية إجراءات لا تصب في مصالح موسكو، منها منع السفن الحربية من عبور مضيق البوسفور، بالإضافة إلى إغلاق الأجواء التركية في وجه الطائرات الروسية التي تنقل قوات عسكرية إلى سوريا.

ومن المحتمل أن يزيد تصاعد النفوذ الإيراني في سوريا من صعوبة حل الخلافات التي تعيق التوصل إلى اتفاق نووي جديد، ومن ضمنها المطالب المتعلقة بخفض إيران من تدخلاتها في دول الشرق الأوسط، ورفض الولايات المتحدة رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة العقوبات، فاستمرار الخلافات بين إيران والدول المعنية بالاتفاق النووي سيصب في مصلحة روسيا المتخوفة من التحركات الأوروبية، الهادفة إلى توفير بدائل عن الغاز والنفط الروسي بعد التوتر الغربي - الروسي الناجم عن الصراع في أوكرانيا، إذ أن إيران إحدى أهم الدول المرشحة لتلعب دوراً مهماً في أمن الطاقة الأوروبي، لكن عدم التوصل إلى اتفاق نووي يمنع مثل هذا السيناريو.

الآثار المتوقعة لزيادة النفوذ الإيراني في سوريا

إن من أبرز الآثار المتوقعة لزيادة النفوذ الإيراني في سوريا مجدداً، تجميد مسار تطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري، وبالتالي نشوء المزيد من العراقيل أمام استعادته لمقعد سوريا في الجامعة العربية، بسبب قناعة الدول القائمة على المسار بصعوبة فك الارتباط بين النظام السوري وإيران.

ومن المحتمل أن يدفع تنامي النفوذ الإيراني في سوريا دولاً فاعلة في الملف السوري مثل إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة إلى بحث خيارات أخرى لمواجهة هذا التحدي، من ضمنها توفير الدعم لمجموعات سورية محلية لتنفيذ عمليات عسكرية في جنوب وشمال سوريا ضد الميليشيات الإيرانية، مما قد يمهد الأجواء إلى موجة جديدة من الصراع المسلح، خاصة في حال انغمست روسيا أكثر في الحرب الأوكرانية، وفقدت المزيد من قدرتها على ضبط المشهد السوري.