icon
التغطية الحية

ميراث المرأة ودور التوعية المجتمعية في الشمال السوري

2022.09.28 | 07:59 دمشق

ميراث المرأة في الشمال السوري
المرأة السورية (صورة تعبيرية)
تلفزيون سوريا _ فراس الرحيم
+A
حجم الخط
-A

حصلت منى الحرملي على حصتها من ميراث أبيها، بعد مرور خمسة أعوام من تاريخ وفاته، عبر دعوى قضائية أقامتها ضد أشقائها في المحكمة الشرعية.

منى الحرملي (48 عاماً)، مهجرة من ريف حلب الجنوبي، تقيم حالياً في مخيم قرب مدينة اعزاز شمال مدينة حلب، لم تجد سبيلاً للحصول على حقها في الميراث إلا عبر المحاكم.

تقول منى إن حكم العادات والتقاليد في مسألة الميراث أقوى من كل الأحكام الشرعية والقانونية.

وتضيف في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، تعتبرُ الملكيةُ شيئاً يخص اسم العائلة، وانتقال جزء من هذه الملكية للأنثى يعني انتقالها لملكية الصهر الغريب، ومن باب جبر الخاطر يقوم الأشقاء الذكور بإعطاء مصاغ ذهبي للشقيقات الإناث أو مبلغ مالي رمزي نسبياً، مقابل تنازل الإناث عن حصتهنّ في الميراث.

تجارب نساء في الحصول على الميراث

عندما بدأ إخوة منى بمعاملة حصر الإرث لتوزيعه بينهم، رفضت قبول هدية قدمها أخوها الأكبر، كانت عبارة عن أساور من الذهب، كنوع من "المسامحة" مقابل توقيعها على تفويض لإخوتها بحرية التصرف بأملاك أبيهم.

تقول منى الأساور لا يتجاوز ثمنها 1500 دولار أميركي في حين حصتها تقدر بـ 20 ألف دولار.

وتضيف لم ألجأ إلى المحاكم مباشرة وفتحت المجال لحل الخلاف عبر وساطة الأقارب والأصدقاء، ولكن أشقاءها بدؤوا بممارسة الضغوط عليها وعلى زوجها وأبنائها.

ولفتت منى إلى أنها بعد حصولها على حقها بالميراث تمكنت من مساعدة زوجها في إعالة الأسرة، ودفع أقساط الجامعة لبناتها الثلاث، وهو أمرٌ ما كان ليتحقق لولا الدّخل الماليّ الجيد، الذي يأتيها من إيجار منزل ومحل تجاري ورثتهما من والدها المتوفى.

وتأمل منى أن يتفهم أشقاؤها موقفها، فليس من المقبول أن تكون صلة الرحم على حساب حقها وحق أبنائها.

دور التوعية المجتمعية

حصلت منى على دورات ومحاضرات تثقيفية من منظمات المجتمع المدني، المعنية بتمكين المرأة، مما ساعدها على تعزيز ثقتها بنفسها ورفض الخضوع للأعراف التي تحرمها من حقها الشرعي والقانوني.

وتقول منى، هذا الدورات لم تكن متاحةً قبل العام 2011، حيث أصبحت النساء الآن أكثر اطلاعاً على حقوقهنّ وواجباتهنّ، في الأسرة والمجتمع.

وتضيف أنها تعلمت من هذه المحاضرات أن السكوت عن الحق المسلوب بدافع الخجل والحياء، ما هو إلا ضعف وقلة وعي.

مماطلة في تنفيذ الحكم القضائي

ج ش (38 عاماً)، امرأة من أهالي مدينة الباب شمالي حلب، طلبت عدم ذكر اسمها، ذكرت لموقع تلفزيون سوريا أنها منذ ثمانية شهور كسبت دعوى قضائية ضد أشقائها، وحدد الحكم القضائي نصيبها، لكن إخوتها يماطلون في بيع العقارات، طالبين أسعاراً تفوق بكثير القيمة السوقية الحقيقية لكل عقار.

تضيف "ج ش" أنها عرضت على أشقائها شراء حصتها في المنازل والأرض الموروثة، ورأباً للصدع الذي حصل بعد التقاضي في المحكمة، قبلت بأثمان أقل من القيمة الحقيقية، لكنهم ادعوا عدم قدرتهم على سداد ثمن حصتها، وقد تدخل بعض الأقارب للتقريب بين الإخوة كي لا تصل الأمور لمرحلة البيع بالمزاد العلني، وهو الخيار الوحيد المتبقي لدى ج ش، إذا فشلت مساعي الوسطاء، حسبما ذكرت لموقع تلفزيون سوريا.

"قبلت بالحرمان حفاظاً على صلة الرحم"

ع .ع (40 عاماً) من أهالي مدينة إدلب، طلبت عدم ذكر اسمها، قالت لموقع تلفزيون سوريا، إنها فوجئت بعد وفاة والدها، بانتقال كامل التركة لملكية أشقائها الذكور، بموجب عقود بيع موثقة ومسجلة لدى دائرة الكاتب بالعدل، رغم أن والدها كان قد حدد شفاهاً وبحضور أشقائها حصتها وحصة شقيقتها من الأرض التي يملكها.

أكدت أنها قامت باستشارة عدة محامين، وقد أخبرها المحامون أن السبيل الوحيد أمامها لاسترداد حقها وحق شقيقتها، هو الطعن بعملية البيع، بدعوى عدم أهلية والدها كونه كان مسنّاً ومريضاً في الفترة الموافقة لتاريخ عقود البيع.

كما أكد لها المحامون أن قسمة والدها الشفاهية لا يعتد بها، لأسباب كثيرة منها احتمال عدوله عن الأمر بإرادته قبل وفاته.

أضافت ع ع أنها لم تقبل بالتشكيك بسلامة والدها العقلية، كما أنها رفضت تفكك روابط الرحم مع أشقائها، ففضّلت القبول بخسارة الميراث.

الأعراف تقيّد المرأة في الحصول على الميراث

المحامي ياسين هلال، عضو مؤسس في نقابة المحامين السوريين الأحرار، قامت منى الحرملي بتوكيله كممثل قانوني لها أمام القضاء.

أكد ياسين لموقع تلفزيون سوريا، أن قضية الميراث في المجتمع السوري معقدة، وخصوصاً لناحية نصيب الأنثى، سواء كانت الوارثة زوجة أو بنتاً أو أختاً أو غير ذلك.

وأشار المحامي إلى دور العادات والتقاليد في حرمان الأنثى من نصيبها، حيث تعتبرُ بعضُ البيئات مطالبةَ الأنثى بنصيبها من الميراث سلوكاً معيباً.

ويلجأ الورثةُ الذكور إلى أساليب متعددة بهدف الضغط على الوارثات، كتهديد الأشقاء بقطع الروابط الأسرية تماماً مع شقيقاتهم في حال تمسكّنَ بحقهنّ من التركة، وكذلك قيام الزوج بابتزاز زوجته لتتنازل عن حصتها لصالح أبنائه الذكور عن طريق تهديدها بالطلاق، على حد تعبير المحامي.

وفي بعض الحالات، يقوم كثير من الأزواج بإجبار زوجاتهم على التنازل عن حقهن لصالح أشقائهن، تفادياً من دخول أروقة المحاكم وما يتبع ذلك من مشاحنات محتملة.

ربط الإغاثة بالتنمية البشرية

تقول هدى سرجاوي، مديرة تجمع المرأة السورية، إن مشاريع الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، لا تعنى بتوفير الطعام والمستلزمات الصحية فقط، بل تشمل أيضاً الجوانب التثقيفية التوعوية.

وتضيف في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، أن لجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة على ضرورة ربط تمكين المرأة بالتنمية المستدامة، قانونياً وسياسياً واجتماعياً.

 وبالنسبة لناحية إرث المرأة نصّت الفقرة "ه‍" من الأطر المعيارية والقانونية لعام 2016 الصادرة عن لجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة على ما يلي: "سن تشريعات وإجراء إصلاحات لإعمال الحقوق المتساوية للنساء والرجال، وحيثما ينطبق للفتيات والفتيان، من أجل الحصول على الموارد الاقتصادية والإنتاجية، بما في ذلك الحصول على الملكية، والسيطرة على الأراضي وحقوق الملكية والإرث"

حملات توعية تغطي شمال غربي سوريا

تقول سرجاوي لموقع تلفزيون سوريا:" نفذ تجمع المرأة السورية مئة وثماني ورش توعوية للنساء، بواقع حضور عشرين امرأة لكل ورشة، وغطت هذه الورش كامل مدن وبلدات ومخيمات شمال غربي سوريا"

وأكدت أنّ بقية مكاتب ومراكز وتجمعات تمكين المرأة، والبالغ عددها 75 مكتباً وتجمعاً ومركزاً، قد نفذت بدورها مئات الورشات خلال السنوات الماضية، والتي استهدفت من خلالها آلاف النساء، بغية تدريبهنّ حرفياً، وتثقيفهنّ سياسياً، ودعمهنّ وتمكينهنّ في الجوانب التي تتناول حقوق التملّك العقاري، وكذلك حق التقاضي القانوني دفعاً للاستغلال أو الابتزاز الذي قد يمارس بحق المرأة، بهدف حرمانها من حقها في ميراث والدها أو زوجها أو غير ذلك من الحالات.