icon
التغطية الحية

ريف حلب.. عائلات تكسر أعرافاً سلبية وتمنح الأنثى حق الميراث

2022.02.09 | 05:57 دمشق

20170418_121526.jpg
محكمة اعزاز بريف حلب الشمالي (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

بدأت بعض العائلات في ريفي حلب الشمالي والشرقي، كسر العادات والأعراف المحلية السائدة التي تحرم الأنثى من حقها الكامل من الميراث، من دون الوصول إلى المحاكم، بينما لجأت عائلات أخرى إلى المحاكم المدنية.

وأصبحت بعض هذه الحالات النادرة مثالاً يُحتذى به، لما فيه من إيجابية، تحصل من خلالها الأنثى على حقوقها من أموال والدها المتوفى، رغم التعقيدات الحتمية التي تفرضها الأعراف المحلية، والتي تحرمها أجزاء أو كامل حقها من تركات والدها.

ورغم أنّ هذه الظاهرة قلّت في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، فإنها تعد منارة لفترة مقبلة متميزة يمكن أن تحصل فيها النساء على حقوقهن من الميراث من دون الوقوع في فخ الإخوة الذكور الذين يتعمدون تقليل حصة الإناث من تركات والدهم، وعدم قدرتهن على تحصيل حقوقهن لأسباب متعددة، رغم وقوف القانون والشرع إلى جانب الأنثى حتى تحصيل كامل حقها من الميراث.

فاطمة السعيد (45 عاماً) من مدينة مارع شمالي حلب قالت لموقع تلفزيون سوريا، إنّها حصلت على حقها الكامل من الميراث الذي تركه والدها بعد وفاته، من دون اللجوء إلى المحكمة لحل الخلافات بينهما، حيث سيّر المحامي نقل الأملاك إلى المُلاك الجدد، وفقاً للأحكام القانونية والشرعية.

وأضافت: "لم تصل خلافاتنا إلى مشكلات معقّدة، لكن حتماً سيحصل كل فرد على حقه الكامل وفق (للذكر مثل حظ الأنثيين) من أملاك والدي الذي توفي قبل عامين"، مردفةً "اعتمدنا على محكمين محليين من كبار السن في عائلتنا، إضافة إلى محكم شرعي، وأيضاً محام قانوني، وضع تقييماً شاملاً للممتلكات ووفقاً لذلك تم التوزيع".

وتعدّ قضايا الميراث من أكثر القضايا تعقيداً في المجتمعات المحلية، لما فيها من تشديدات اجتماعية، إلا أنه من النادر ما تصل إلى المحاكم لأن أصحابها يلجؤون إلى كبار السن المعروفين بحكمتهم إلى جانب محكّمين شرعيين متمثلين بالمشايخ ذوي الخبرة، وقانونيين من المحاميين العاملين في هذا المجال، يعملون على تسيير المعاملات حتى نقل الأملاك لأصحابها الجدد.

في الوقت ذاته، فإن العديد من العائلات تُعطي الإناث، أقل من نصف حقها في الميراث، وفقاً لمبررات متعددة لا تمنعها من المطالبة بحقها من الميراث لاعتقادات سائدة، وفق ما أوضحت إحدى السيدات التي رفضت ذكر اسمها خلال حديثها لموقع تلفزيون سوريا.

وقالت: "إنني حصلت على 40% من حقي في الميراث قبل سنوات، إلا أنني لم أستطع خلال تلك الفترة المطالبة بحقي بسبب المحيط الاجتماعي الذي فرض عليَّ القبول بما يمنحه أشقائي لي من ميراث والدي، إضافة إلى ذلك خوفي من خسارتي لأخوتي".

ويلجأ بعضهم إلى توزيع الميراث على حياة عينه، بمعنى قبل وفاته خشية وقوع خلافات بين أفراد الأسرة، وذلك عبر محكّم شرعي يُعطي لكل شخص ذكر أو أنثى حقه الكامل من أملاك الوالد الذي ما يزال على قيد الحياة، وينقل الأملاك إلى ورثته في السجلات العقارية، لضمان حق أفراد عائلته.

آلية التوزيع المعتمدة للميراث في ريف حلب

  • تقدّر نسبة النساء اللاتي لا تحصل على حقها من الميراث، بـ25%، وهنا لا تطالب الأنثى بحقها من الميراث وسط تسلط الأشقاء الذكور وتقسيم تركات والدهم ضمن العائلة، من دون وجود أشخاص مدركين لأهمية الموضوع في حصول جميع أفراد العائلة على حقهم الكامل.
  • تلجأ 25% من الإناث إلى المحاكم للمطالبة بحقوقهن ويتم تحصيلها، في هذه الحالة عادةً ما يتسبّب فرد من الإناث أو الذكور في إيصال القضية إلى المحكمة، ووفقاً لذلك يُنقل ملف تقسيم الميراث إلى المحكمة التي تفرض قوانينها الشرعية والقانونية وفقاً للنوع العقاري الذي يملكه الوالد.
  • تحصل 50% من الإناث على حصتها من الميراث بالتراضي، وهذا يعني مسامحة الأشقاء الذكور حتى ولو لم تحصل على حقها الكامل من أملاك والدها، وتقع هذه العملية مع وجود محكمين شرعيين وقانونيين وكبار العائلة الذين يضعون خططاً تسهم في منح الأنثى جزءاً من ميراثها، إذ تحصل من 50% إلى 80% من حقها الكامل في الميراث، وذلك بموافقتها وإرادتها التامة، وفي هذه الحالة لا تدخل المحاكم بين أفراد العائلة التي حلّت قضيتها بعيداً عنها، وفقاً لما أوضح المحامي يوسف حسين خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا.

أسباب ضياع حق الأنثى من الميراث

تصل خلافات توزيع الميراث إلى طرق مسدودة عندما يصر أحد أفراد العائلة الذكور حرمان الإناث من حقهن في الميراث، وأسباب ضياع هذا الحق ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع الثقافي والديني لدى العائلات المقيمة في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، فعامل الثقافة والتعليم في العائلة يدفع بعملية توزيع الميراث بشكلها الصحيح، بينما العائلات المهمّشة ثقافياً يضيع فيها حق الإناث من تركات والدهم بعد وفاته.

المحامي يوسف حسين قال لـ موقع تلفزيون سوريا: "أسباب حرمان الأنثى من الميراث ترجع إلى عادات مجتمعية سائدة تقول: إن الذكور هم مَن يجمعون الثروة ولا يسمحون بذهاب الميراث إلى شخص غريب عن الأسرة لأنهم يعتبرون الميراث سيذهب إلى زوج ابنتهم، وهذا يسود مع انتشار الجهل في القرى والبلدات المهمشة ثقافياً، إضافةً إلى أنّ المورث يُسجّل خلال حياته أملاكه باسم أبنائه الذكور، ما يحرم الأنثى من المطالبة أو الحصول على جزء من ميراثها".

وأضاف: "حق الأنثى مصون في القانون، ولها أن تتمسك به وإن لم تحصل عليه يمكنها اللجوء إلى القضاء للحصول على حقها في الميراث، لكن قد تضطر المرأة إلى التنازل عن حقها في الميراث أو عن جزء منه بإرادتها، لأنها تشعر أن تمسّكها بحقها في الميراث سيتسبّب بقطيعة بينها وبين أشقائها والذين تعتبرهم سنداً لها في حال فشلت حياتها الزوجية".

من جهته قال القاضي الشرعي في محكمة صلح مارع محمد أديب كرشو خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا: "لا شك أنه يوجد ظلم في المجتمعات المحلية في الريف الحلبي، ويعود ذلك إلى تدني الثقافة العلمية والدينية لدى العائلات التي تحرم إناثها من الميراث".

وأضاف: "الميراث حق إلهي فرضه الله للأنثى كما فرضه للذكر وحرمانها منه هو تعدٍّ سافر على حق من حقوقها، وإن استغلال عاطفتها للتنازل عن حقها أو جزء منه قد يُحدث غصة في داخلها حتى ولو تنازلت علناً، لأنها ضعيفة وحصولها على حقها سيمكنها في بيتها".

ما القانون الذي تعمل به المحاكم؟

تعمل المحاكم في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي ضمن نظام قانوني بامتياز، وفقاً للقانون السوري، لكن طرأ على بعض المواد تعديلات متنوعة، في حال كانت جائرة، لكنها لم تتغير في مضمونها العام.

وأوضح القاضي محمد أديب كرشو قائلاً: "المحكمة الشرعية تأخذ أحكامها من قانون الأحوال الشخصية السوري، ويعتبر المذهب الحنفي مرجعية أساسية، في حال طرأت مشكلة في الأحوال الشخصية يجب الرجوع إلى المذهب الحنفي".

وأضاف أنّ "أبواب المحاكم مفتوحة أمام المرأة لتحصيل حقها، عبر استخراج إرث شرعي بأملاك والدها، مثلها مثل الرجل، وفي حال كان عندها حجة فعلية يمكنها تحصيل حقها بالكامل، عبر فسخ العقارات المسجّلة وإعادة توزيعها بالشكل السليم".

توزيع الميراث وفقاً للقانون السوري

هناك نوعان من الميراث في القانون السوري، الأول: الميراث القانوني الذي ينصب على الأراضي الأميرية (تقع خارج المخططات التنظيمية)، وهذا يثبت بالوصف العقاري للعقار في السجل العقاري وهنا يتساوى الذكر والأنثى في الميراث.

والثاني: الميراث الشرعي الذي ينصب على الأراضي الملك (داخل المخطط التنظيمي) ويحدده وصف العقار في السجل العقاري وكذلك يقع على المنقولات والأموال، وهنا يحصل الذكر مثل حظ الأنثيين، وفقاً لما أوضح المحامي يوسف حسين.

ووفقاً لذلك تختص المحاكم الشرعية بإصدار وثيقة حصر الإرث الشرعي، بينما تختص المحاكم المدنية (الصلح المدني) بإصدار حصر الإرث القانوني، وفي حال وقع خلاف على تصفية التركة هناك محاكم خاصة بتصفية التركة تسمى محكمة التركات تُعنى بعملية تصفية التركة وتوزيعها على الورثة وفق الأنصبة المستحقة لكل وريث.

النائب العام في محكمة اعزاز ياسر باشا قال لموقع تلفزيون سوريا: إن "المحاكم تمنح الإناث حصة قانونية في الأراضي التي تتصف بالنوع الأميري، بناءً على تشريعات الدولة العثمانية المعمول بها حتى الآن، كما تتجاوب في الميراث الشرعي ولكن الأمر يحتاج إلى تقديم الدعوة إلى المحكمة من قبل أصحاب الشأن".

وأضاف: "لا يحق للأهل حرمان الأنثى حقها من الميراث لأنها تستحقه مثلها مثل ذويها، كون الميراث بعد وفاة الوالد أصبح ملكاً جبرياً انتقل من ذمة المورّث إلى ذمتها المالية المستقلة ويكفي أن تكشف عن هذا الأثر القانوني بمعاملة انتقال في دوائر السجل العقاري، أو بدعوى تصفية تركة المورث وطلب حصتها من التركة".

ما مدى انتشار ظاهرة توزيع التركات بالشكل الصحيح؟

يُجمع معظم الأشخاص الذين تحدّث إليهم موقع تلفزيون سوريا أن انتشار هذه الظاهرة يرتبط بمدى الوعي الثقافي والديني بين أوساط المجتمع، وفي ريف حلب لا تحصل الأنثى على حقها الكامل من الميراث، لأن المجتمعات هناك لديها ثقافات متباينة ومعظمها غير مدركة الحق القانوني والشرعي للمرأة، ما يدفعهم إلى اللجوء إلى العادات السائدة، ولذلك يجب التوعية.

وهذا ما أشار إليه المحامي يوسف حسين بقوله: "يحتاج المجتمع دوماً إلى توعية دينية وقانونية بأهمية حصول الأنثى على ميراثها، ويجب أن تكون التوعية للرجل قبل الأنثى، لأنه دائماً هو الذي يضع يده على التركة وهو من يحرم الأنثى من حقها في الميراث".

ختاماً، تجب توعية أفراد المجتمع وتوضيح معظم التفاصيل القانونية لهم المستمدة من الشريعة الإسلامية، والتي تمنع الوالدين من التمييز بين الأبناء الذكور والإناث، وتعزيزهما دور الذكر وتهميش دور الأنثى والتقليل من شأنها أسرياً، ما ينعكس على تصرفات الأبناء وتقليلهم من الاهتمام بشقيقاتهم، اللاتي سيجدن أنفسهن بين خيارين إما التخلّي عن حقهن لكسب ود أشقائهن، أو القضاء لتحصيله وهو الأمر الذي يؤدّي غالباً إلى تفكيك الأسرة.