كان متوقعاً عودة التصعيد الروسي على مناطق الشمال السوري بعد فشل "المعابر الإنسانية الروسية" كعقاب لساكني الشمال الذين أكدوا رفضهم لها إدراكاً منهم للنوايا الروسية الخبيثة على المستويين القريب المتمثل بإعادة شرعنة النظام وتدوير اقتصاده، والبعيد المرتبط بمعبر باب الهوى الحدودي والمساعدات الإنسانية عبر الحدود، لكن القصة لم تنته عند حد انتقام روسيا غضباً على عدم نجاح المعابر الإنسانية ولا حتى بإلغاء فكرتها بالكامل، وإنما المناورة حول طرح جديد يحقق لها ما ترغب ولا يتسبب هذا الطرح بمعارضة شعبية.
الطرح الروسي الذي قطع شوطاً طويلاً من المناقشات واقترب لأن يكون واقعاً، يهدف إلى تغيير نمط المعابر من إنسانية إلى تجارية، وهو طرح كان قابلاً للنقاش هذه المرة بحكم الحركة التجارية المعقدة التي تربط مناطق السيطرة الثلاث الأساسية في سوريا (النظام – المعارضة – قسد) والتي تسببت بضرر للسلطات المحلية والأهالي على حد سواء.
والجدير بالذكر -وهو ما سيتم توضيحه - أن الغاية الروسية من وراء إعادة ترتيب خريطة الحركة التجارية، هي الضغط على قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وتدارك أزمة المحروقات المتفاقمة في مناطق سيطرة النظام، والتي وصلت حد خلو الشوارع من السيارات وتوقف الحركة المعيشية والتجارية بنسبة كبيرة جداً.
ولفهم المخطط الروسي القادم؟ لا بد من العودة إلى الوراء لتكون الصورة أوضح، ولتقديم تفسيرات لكثير من التحركات الميدانية والتصريحات الكلامية.
من النهاية إلى البداية
بعد عقد من الثورةِ بات لزاماً على كل متابعٍ لحدث على أرض سوريا أن يعي بعده السياسي، خلاف المشهد في أعوام الثورة الأولى حين كان المشهد الميداني يصبغ السياسي، فسيطرة المعارضة على مدينة ما، كان يمنحها ودولها الراعية موقفاً تفاوضيّاً صلباً، أما اليوم فبات قصف مستشفى تدعمه الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، بالإضافة إلى جميع أسواق الوقود ومعمل الغاز الرئيسي شمال غربي سوريا وأطراف معبر باب الهوى الحدودي، وغيرها من النقاط الاستراتيجية الحيويّة؛ إسقاطاً لا شك لتغير سياسي لا عبثاً.
اتْبَعت روسيا حملة قصفها البري والجويّ والبحريّ لكلّ ما سلف، بتحديد الـ 24 من آذار الفائت موعداً لافتتاح معابرها المقترحة الثلاث (الترنبة – سراقب / أبو الزندين / الباب، ميزناز / معارة النعسان)، وسبقت ذلك بخلطٍ للأوراق عبر تصريحاتٍ تؤكد موافقة تركيا على المقترح.
لم تحصد موسكو نتاج كل ما فعلته إلا الخيبة حسب من راقب المشهد، حيث نفت أنقرة بشكل غير رسمي لوسائل إعلام الإعلان الروسي الرسمي، وقالت بشكل أو بآخر: "لن نوافق على فتح أي ممر يتسلل منه عناصر قسد أو النظام إلى الشمال السوري.
كانت كلفة قرار السوريين في الشمال باهظة، وكمّ الرعب والإرهاب النفسيّ الذي مورس عليهم من اتخاذ الموقف كبيراً جدّاً حدّ طرحِ روسيا كل أوراقها في وجههم، ضاربة في سبيل تحقيق هدفها، أقدس الأماكن حرمة في قاموس الإنسانية، فاستهدفت مستشفى مدينة الأتارب بصواريخ كراسنبول الموجهة، قبل يوم فقط من إعلان قرار افتتاح المعابر الإنسانية، ما تسبب بمقتل 8 مرضى وإصابةِ 15 آخرين بينهم كوادر إسعافية، وخروج المستشفى عن الخدمة بشكل كامل.
وبالعودة إلى فكرة الدافع السياسي وراء التحركات العسكرية في سوريا، فإن هذا الاستهداف للمستشفى يشي برسالة أن روسيا ورغم التزامها بكثير من الاتفاقات والقرارات الدولية، إلا أنها مستعدة لإعادة حملات القصف المكثف ويوميات المجازر التي ما زالت حاضرة في الأذهان.
هذه الرسالة النارية من قصف مستشفى الأتارب تذكّر بكل الاستهدافات الروسية للمستشفيات والمعابر ومراكز الدفاع المدني، وحتى قصف قافلة الهلال الأحمر السوري، يوم اختلطت دماء 12 عاملاً من الهلال الأحمر بينهم رئيس شعبة أورم، بقوتٍ كانت تنتظره آلاف العوائل في المنطقة وذلك قبل 11 يوماً من الذكرى الأولى للتدخل الروسي في سوريا. وحين رفع حاكم الاتحاد السوفييتي نيكيتا خروتشوف حذاءه في جلسة للأمم المتحدة، مرة واحدة، فإن بوتين استحضر المشهد آلاف المرات.
أوقفت روسيا مشروع المعابر الإنسانية وأعلنت فشل المبادرة، ملقية باللوم على الفصائل العسكرية واتهمتها بقصف نقاط العبور. وهنا تحولت الفكرة لدى موسكو من معابر إنسانية إلى تجارية.
روسيا تطرح إنشاء معابر تجارية شمال غربي سوريا
أكدت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن روسيا طرحت بعيد فشل فكرة معابرها الإنسانيّة، فكرة إقامة معابر تجاريّة بين مناطق النظام والمعارضة شمال سوريا بما فيها منطقة عملية "نبع السلام".
الطرح الروسي تضمّن بداية إقامة معبرين تشرف عليهما بشكل مباشر، أحدهما في منطقة أبو الزندين قرب مدينة الباب شرقي حلب، والثاني بالقرب من بلدة عين عيسى شمالي الرقة، وهو ممر يصل مناطق الفصائل العسكرية في تل أبيض ورأس العين بطريق M4 الدولي، وبالتالي مناطق سيطرة النظام عبر مناطق سيطرة قسد بإشراف روسي. ما يعني أنّه سيرتبط إن حصل بآليةٍ أخرى تؤمّن فيها روسيا مرور البضائع "الترانزيت" بين هذه المناطق دون أي تدخل من قبل قسد التي تسيطر على الأرض.
وسحباً للذرائع المتوقعة، عرضت روسيا أن يتم تفعيل الطرق الدولية لربط كل مناطق سوريا دون أيّ سلطة لأحد.
وأوضحت المصادر أن افتتاح معبر أبو الزندين كطريق تجاري، ما زال قيد التباحث بين روسيا وتركيا، وأن المفاوضات قد تجاوزت الشارة الحمراء
"يا خريبة يا لعيبة"
وعزا المصدر إلحاح روسيا حول المعبر هذا ومن خلفه معابر أخرى لرغبة روسية بتكوين عقدة تجارية تشرف عليها كلياً بما يخدم النظام أولاً ويمنع قسد من التمرد بأي شكل على إرادتها ثانياً، وذلك ضمن خطة روسية لها ما لها من أبعاد خلفية تفسر قصف روسيا لمنطقة الحراقات في ترحين والحمران شرقي حلب بصواريخ من البحر، وهو – أي الاستهداف الروسي لترحين – قد يبدو ظاهره استهدافاً للمصالح في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، إلا أن باطنه هو ضربة لتجارة قسد وحرمانها من تصريف وقودها تجاه منافذ أخرى غير النظام، ضمن استراتيجية يعبر عنها الشعب السوري بالمثل الشعبي "يا خريبة يا لعيبة".
المعابر التجاريّة طرح قديم متجدّد
يرى وائل علوان الباحث في مركز جسور للدراسات في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن فتح معابر بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام هو مطلب روسي قديم طُرِح سابقاً ضمن تفاهمات فتح الطرق الدولية، لكن ذلك لم ينفذ إثر ضغوطات أميركية لعرقلة المطالب الروسيّة. وفي حين تكثر روسيا التصريحات حول الأمر بهدف خلط الأوراق، يبقى الموقف الأميركي ثابتاً رغم المفاوضات التي تبادر بها روسيا مع تركيا حول المعابر كل فترة.
وأكد علوان أن روسيا تضغط بكامل ثقلها على قسد لإعادة تمرير الوقود باتجاه مناطق سيطرة النظام وإيجاد حل لأزمته النفطية، وفي الوقت نفسه منعها من إيجاد أي سوق بديلة للتصريف، لا سيما مناطق سيطرة المعارضة ثاني أكبر مستورد للنفط من قسد بعد النظام، ويعزز علوان وجهة نظره بما حصل من استهداف الحراقات في ترحين، مستذكراً ما قاله الروس لوفد المعارضة في أستانة خلال الجولة الأخيرة في شباط بأنها لن تسمح بمرور الوقود من قسد لمناطق المعارضة.
ويرجّح علوان أن قسد في ظل السياسة الروسية ستغدو مضطرة لإعادة تزويد النظام بالمحروقات، فليس هناك سوق بديل من جهة، إضافة لكونها تحتاج لمبالغ ضخمة لتغطية مصاريف إدارتها وتمويل مقاتليها من جهة أخرى.
المعابر التجاريّة النظامية ومعابر التهريب
حتى يومنا الحالي لا يوجد أي معبر رسمي بين مناطق سيطرة النظام وقسد والمعارضة، وجميعها بحكم المغلق. إذاً فحركة البضائع وتنقل الأهالي بين مناطق سيطرة الأطراف الثلاثة متوقفة ومجمّدة؟
لا، الحقيقة خلاف ذلك، فعدم وجود أي ممر نظامي أو رسمي لم يلغِ يوماً حركة البضائع أو الأفراد وتنقلاتهم عبر عشرات ممرات التهريب، والتي في حقيقتها معابر غير معلنة ليس إلا، تديرها الأطراف ذاتها الّتي تدير تلك النظامية قبل إعلانها مغلقة شكلاً.
ومعابر التهريب لها عدة أشكال:
- فبعضها يكون في مناطق غير معدّة أساساً للمرور التجاري وتكون في الغالب لتهريب الأفراد، وهناك أمثلة لعلّ أشهرها ما كان سابقاً يعرف بطريق الباسوطة أو جبل الأحلام بين عفرين ونبل شمال غربي حلب.
- بعضها الآخر هي المعابر التجارية الرسمية ذاتها لكنها في فترات الإغلاق تتحول إلى غير شرعية يمر عبرها الأهالي والبضائع، كمعبري عون الدادات والحمران الواصلين بين مناطق سيطرة المعارضة في جرابلس ومنطقة منبج التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
وبالتالي فإن غلق المعابر بين مناطق الشمال السوري من طرف الحكومة السورية المؤقتة شمالي حلب بعيد انتشار وباء كورونا، وعدم إعادة تفعيلها من قبل إدارة المعابر التابعة للإنقاذ في منطقة إدلب بعيد الحملة العسكرية الأخيرة للنظام لانتشار الوباء ذاته في منطقة النظام، لم يمنع كما أسلفنا من انتقال البضائع والأفراد.
وعلى ضوء هذه المعطيات كانت قسد المستفيد الأكبر اقتصادياً من كل هذا الإغلاق، ولو عدنا لمعبر أبو الزندين الذي كانت تمرّ عبره 90 في المئة من عمليات التبادل التجاري بين النظام والمعارضة وتحوّلها جميعها بسبب الإغلاق نحو منبج؛ لبدت النتيجة واضحة.
معابر التهريب ليست فقط بين المعارضة وقسد أو بين المعارضة والنظام وإن بوتيرة أخف، بل هنالك معابر بين قسد والنظام، فإلى جانب تلك المعروفة والّتي أغلقها النظام قبل أسبوع تقريباً (وهي: الطبقة والسبخة والهوارة)، أيضاً يوجد في ريف دير الزور الشرقي وحده 10 منافذ تهريب هي:
- ممر "جديدة عكيدات" من جهة قسد يقابله "موحسن" من جهة النظام.
- ممر "جديدة بكارة" يقابله "طوب صبحة" و "أبوليل" من جهة النظام
- ممر "بصيرة" يقابله "سعلو" من جهة النظام.
- ممر "شحيل" يقابله "بقرص" من جهة النظام.
-ممر "حوايج" يقابله "الميادين" من جهة النظام.
- ممر "ذيبان" يقابله "محكان" من جهة النظام.
- ممر "طيانة" يقابله "القورية" من جهة النظام..
-ممر "درنج" يقابله العشارة من جهة النظام.
- ممر "الجرذي" يقابله "صبيخان" من جهة النظام.
ورصد موقع تلفزيون سوريا تسجيلاً مصوراً لفارس الشهابي مدير اتحاد غرف صناعة سوريا، وهو يهاجم معابر التهريب تجاه قسد متهماً شخصية سماها أبو علي خضر (خضر علي طاهر الملقب بالغوار، وهو أحد تجار الحرب ويملك شركة القلعة للحماية الأمنية والترفيق)، بتهريب المعامل عبرها وفرض الإتاوات.
المعادلة الروسية: المعابر مع مناطق المعارضة = حصار لقسد
انتهى الصراع بين قسد والنظام في الحسكة نهاية شترين الأول ومطلع شباط الفائتين في مدينة الحسكة وحي الشيخ مقصود في مدينة حلب ومنطقة تل رفعت شماليها، بمفاوضات رعتها روسيا لترتيب أوضاع المحروقات والتبادل التجاري بين الطرفين الذين يحتاج كل منهما الآخر بشكل وثيق.
وبحسب مصدر خاص مطلع على المفاوضات بين النظام وقسد، فإن الأخيرة لم تمانع عودة تزويد النظام بكل ما يحتاجه من وقود وبالعملة السورية التي ستستجر بها بالمقابل المواد الغذائية والأدوية وقطع التبديل والوقود المعاد تكريره وغيرها.
إلا أن شرط قسد الذي أزعج روسيا كان عدم استهداف أي رتل للمحروقات متجه نحو مناطق سيطرة المعارضة شمال شرقي حلب، وعدم عرقلة أي حركة تجارية بين المنطقتين، وهو ما يعني في ظل عدم وجود أي منفذ بين النظام والمعارضة، تحوّل مناطق سيطرة قسد لمركز تجاري وبالتالي تحكمها بالحركة التجارية في سوريا، فتصدّر وتستورد ما يلزمها وتحصل كذلك على ملايين الدولارات التي تدرها عمليات الترفيق والترسيم لكل ما يمر بمناطق سيطرتها.
بعد أيام قليلة من مفاوضات شباط بين قسد والنظام، بدأت صواريخ روسيا عبر البحر تقصف ترحين وتجمعات الوقود القادمة من مناطق قسد حيثما حلّت، وتظهر روسيا عزمها إدارة ملف المعابر بشكل كامل ليس فقط لإنعاش اقتصاد النظام وكسر عزلته، بل لحصار قسد وزيادة عزلتها وبالتالي تعلّقها اقتصادياً بالنظام.
أهميّة المعابر التجارية لروسيا
يتخوف الرافضون لقضية المعابر التجارية التي تطرحها روسيا من أن تسبب إنعاشاً لاقتصاد النظام، بالإضافة إلى ما تشكله من خطر أمني على مناطق الشمال السوري، أما المعابر الإنسانية وفق ما تريده روسيا، فخطرها أكبر لا سيما وأنها ترغب من خلالها - وفق ما أوضحه قتيبة السيد عيسى مؤسس منظمة بنفسج في تصريح سابق- لتحويل المساعدات الأممية من المنفذ الأخير المتبقي وهو معبر باب الهوى، تجاه دمشق وتحت إشراف النظام، وهذا ما يترتب عليه من مخاطر أمنية على المحتاجين وخصوصيتهم إضافة لسرقة جزء من المساعدات وتحويل مبالغ التوزيع التشغيلية وهي ضخمة جداً وبالعملة الصعبة إلى مناطق النظام وحرمان الشمال منها، والجدير بالذكر أن كلفة توزيع بعض السلل تصل حد الدولارين، ما يعني ملايين الدولارات ستضخ للنظام.
تسعى روسيا لنقل عقدة التبادل التجاري بين مناطق سوريا من أيدي قسد إلى أيدي النظام، وأشار علوان في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن أكثر من 90% حالياً من الحركة التجارية بين مناطق المعارضة والنظام تجري عبر قسد التي تتقاضى عليها مبالغ طائلة بين رسوم عبور وترفيق، وباتت تشكل لها عائداً لا تقل عن دخل النفط.
إغلاق النظام للمعابر مع قسد بعيد فشل المعابر الإنسانية مع المعارضة، لا يمكن أن يُفهم وفق علوان إلا في سياق غضب روسيا لوقف تمرير قسد النفط للنظام بكميات كافية كالسابق وبسعره السابق.
مؤخراً نجحت روسيا في الضغط على قسد، وعادت الأخيرة لتزويد مناطق النظام بالمحروقات عبر ميليشيا القاطرجي.
بعد الضغط الروسي على قسد، ومن ثم إعادة فتح بعض المعابر بين النظام وقسد، لم تعد العلاقة بين الطرفين إلى ما كانت عليها، فقسد لم تزود النظام بالنفط بما يكفيه، وهي تأمل أن تعيد ضخ النفط إلى الشمال السوري بسعر أعلى من سعر مبيعه للنظام، وفي المقابل لم تعد حركة إدخال البضائع التجارية من النظام إلى قسد كما كانت عليه، بل إن قوات النظام زادت من الإتاوات على التجار، وفي ظل هذه المعادلة فإن تجار الشمال السوري في مناطق سيطرة المعارضة توقفوا عن استيراد البضائع من النظام عبر قسد لأن سعرها ارتفع بسبب شحها (لأنه تمت إعادة فتح بعض المعابر فقط وليس جميعها) وبسبب زيادة الإتاوات والضرائب عليها، وفي هذا الحال ستغدو البضائع الأجنبية في الشمال السوري أوفر وأقل سعراً وأكثر منافسة.
احتياجات النظام من النفط يومياً
تحتاج مناطق سيطرة النظام يومياً إلى 100 ألف برميل من النفط الخام، يتوافر منها بين 20 إلى 24 ألف برميل فقط، وهو ما تؤمّنه الآبار النفطية التي يسيطر عليها في منطقة البادية السورية، وبالتالي يحتاج النظام يومياً لاستيراد نحو 80 ألف برميل نفط ولا خيار له إلا قسد وإيران.
وهذا الرقم هو لاستهلاك السوق المحلية، عدا عن احتياجات قوات النظام وآلياته العسكريّة ومئات المنشآت التي تحتاج الوقود.
أما حاجة مناطق سيطرة النظام من مادة الغاز، فتقدر بـ 135 ألف أسطوانة شهرياً.
هذه الإحصائيات التقديرية توضّح الهوّة بين ما يتم استجراره من مناطق قسد وحاجة النظام، وتفسر المحاولات الروسية لحرمان مناطق الشمال من أي فرصة للتزود بالنفط السوري.
المعابر في الشمال سيف ذو حدين
يقول سعيد الأحمد أحد مسؤولي الإدارة العامة للمعابر في منطقة إدلب خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا إن الإدارة تولّت منذ تشكيلها ضبط حركة النقل من وإلى المناطق الأخرى، كما تشرف على ضبط حركة التصدير والاستيراد وفق السياسية الاقتصادية.
ومن أبرز ما تشرف عليه إدارة المعابر حماية الإنتاج المحلي وضمان استقرار السوق التجارية، وضبط الأمن ومكافحة التهريب ومراقبة كل ما يدخل من مواد تجارية وغيرها، "بما يعود نفعه على المناطق المحررة مع مواجهة كل التحديات والصعوبات التي يشهدها القطاع الاقتصادي"، وفق قوله.
وحول السياسة المتبعة لدى إدارة المعابر، يقول الأحمد إن الإدارة تتولى تحديد نوع المواد المسموح بها من وإلى المناطق الأخرى، وحصر التعاملات المالية بعملة الدولار وفي هذا تكون الحماية الاقتصاديّة قد تحقّقت.
ويرى الأحمد أن في كل منطقة "فائض اقتصادي"، قد يكون زراعياً أو صناعياً، وهذا الفائض يطالب منتجوه والقائمون عليه بتصريفه عبر عملية التصدير إلى المناطق الأخرى، بما لا يضر السوق المحلية.
ويختصر الأحمد السياسة الاقتصادية في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ بالقول: "هذه هي سياسة اقتصاد الشمال في المنطقة والتي يعني تطبيقها إرجاع الفائدة إلى الشمال، فمن الأولويات تحديد ما يجب السماح بعبوره بما لا يضر الإنتاج المحلّي، وكذلك المقابل المادي وحصره بالدولار، وفي تحقّق ذلك تكون المعابر لمصلحة الداخل وفي عدم تحقيق هذه السياسة لاشك تكون مضرّة بالمصلحة العامة ويستفيد منها النظام أو أي طرف آخر نتعامل معه فالمعابر سلاح ذو حدّين".
شيفرة المعابر والخطّة الروسيّة
رصد موقع تلفزيون سوريا أسعار المواد الغذائية والمنتجات في مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، ولاحظنا أن أسعار معظم المواد الأساسية في مناطق سيطرة النظام أقل مما هي عليه في مناطق سيطرة المعارضة، لاسيما المنتجة محلياً، كما أن النظام هو المصدر الرئيسي لكل قطع غيار السيارات ومعظم الأدوية والمواد الأولية لبعض الصناعات، ويمكن القول إن مناطق سيطرة المعارضة بالنسبة للنظام، هي سوق تصريف داخلي كبير.
وعملية التصريف هذه حالياً تجري عبر مناطق سيطرة قسد لعدم وجود معابر مباشرة بين النظام والمعارضة.
أما بالنسبة لمناطق سيطرة المعارضة، فإن هنالك أيضاً فائض من الإنتاج المحلي تحتاجه مناطق سيطرة النظام، وكذلك الأمر يكون التصريف عبر قسد أيضاً.
تنظر روسيا لهذه المعادلة كشيفرة لا يمكن حلها إلا بعرقلة التبادل التجاري بين المعارضة وقسد أو على الأقل إشرافها بشكل مباشر عليها من جهة الأخيرة، إضافة لفتح معابر بين مناطق النظام والمعارضة تشرف عليها كذلك من جهة الأولى. خطة روسية ترسم خريطة التجارة في سوريا، وإن أضيفت لفيتو المساعدات الأممية، قد تحل روسيا مشكلات النظام الاقتصادية، روسيا التي لم تحصد منذ أعوام خمسة من تدخلها المباشر في سوريا إلا الخيبة والعزلة.