icon
التغطية الحية

ملكة ليبرالية.. من هي ملكة أفغانستان الدمشقية؟

2023.02.02 | 13:11 دمشق

ثريا طرزي
الملكة الدمشقية ثريا طرزي ـ إنترنت
تلفزيون سوريا ـ بثينة الخليل
+A
حجم الخط
-A

عاد تنظيم طالبان ليسيطر على أفغانستان منتصف آب عام 2021 عقب الانسحاب الأميركي، وبدأ بفرض قوانين مجحفة بحق النساء والفتيات وخاصة في مجال التعليم والعمل، على عكس ما كان سائدا في عشرينيات القرن الماضي في البلاد التي تعاقب عليها عدة حكام بين ملك ورئيس خلال أكثر من 100 عام. حيث شهدت أفغانستان عام 1929 حقبة ذهبية تعتبر صفحة مضيئة في تاريخها، نالت منها النساء الجزء الأكبر من الحريات والحداثة التي عززت حقوقهن الاجتماعية والثقافية والسياسية.

فالمخاوف المحتملة حول مصير النساء ومستقبلهن القادم تحت حكم طالبان، استدعت إعادة سرد سيرة وأعمال الملكة ثريا واحدة من أهم الملكات المثيرات للجدل في تاريخ أفغانستان والعالم الإسلامي.

ثريا الدمشقية.. ملكة ليبرالية

يسميها البعض "ملكة أفغانستان الدمشقية"، قامت خلال عشر سنوات من اقترانها بملك أفغانستان، بما لم يقم به سواها، حتى بعد 100 عام من قيامها به.

عندما تشاهد صورتها، لن يخطر ببالك لحظة أنها ملكة مسلمة، من مواليد القرن التاسع عشر، حكمت أكثر بلاد العالم محافظة وتقليدية، وإنما ستظن أنها أميرة جريئة سويدية أو إنكليزية أو هولندية في القرن الحادي والعشرين.

اسمها "ثريا الطرزي" ولدت عام 1899 في دمشق، لأم عربية حلبية اسمها أسماء فتال، أما أبوها فهو "محمود الطرزي" وهو زعيم أفغاني، نفي إلى دمشق من أفغانستان، بسبب أفكاره التي تطالب بإحداث تغيير جذري ليبرالي في المجتمع الأفغاني على طريقة أتاتورك وبورقيبة.

عاشت ثريا في دمشق حتى عام 1913، ففي ذلك العام قرر ملك أفغانستان الجديد "حبيب الله خان" إعادة من نفاهم سلفه، وعلى رأسهم والد ثريا محمود الطرزي. واستقبل الملك وأسرته، السيد محمود الطرزي وأسرته فور عودتهم من دمشق. وفي الاستقبال كان أول لقاء بين ابن الملك، الأمير "أمان الله خان" وابنة محمود الطرزي، الشابة ثريا الطرزي. وهو لقاء تحول سريعاً إلى إعجاب كبير، ثم زواج بين ابن الملك، وابنة المعارض الليبرالي المتشدد في ليبراليته.

اقرأ أيضا: بعد الجامعات.. "طالبان" تمنع النساء من الذهاب للعمل

وهكذا صارت ابنة حواري دمشق، أميرة عام 1919، ثم ملكة لأفغانستان، عندما صار زوجها ملكاً للبلاد. وبسرعة بات واضحاً للجميع أن ثريا تريد تحدي المجتمع الأفغاني، وباتت تقوم بدور أساسي في دفع زوجها نحو إدخال تغييرات أساسية في هذه البلاد المخنوقة في وسط القارة الآسيوية، ولا تملك أي منفذ على محيط أو بحر، ولا حتى خليج أو دلتا نهرية.

هذه البلاد التي احتلها الإنكليز والروس والأميركان، وهزمتهم جميعاً، شر هزيمة، وحكمها خلال 100 عام، 15 من الملوك والرؤساء والزعماء، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بانتقال سريع وعنيف ما بين النقيض ونقيضه، اقتصادياً واجتماعياً وسياسيا.

ثريا الطرزي، باتت أول أميرة ثم أول ملكة مسلمة تظهر من دون حجاب وبلباس أوروبي، وأول من ترافق زوجها الأمير ثم الملك، في رحلات الصيد وفي سباقات الخيل، وتشاركه قراراته الكبيرة، وتحضر اجتماعات مجلس الوزراء، حتى قيل إنها، ووالدها، هم من حكموا أفغانستان، وليس الملك.

كسرت ثريا كل تقاليد وأعراف المجتمع الأفغاني، وذاع صيتها حتى صارت من أشهر الشخصيات في المنطقة والعالم. فصنفتها مجلة "TIME" الأميركية ضمن النساء الأكثر نفوذا في العالم في القرن العشرين.

ثريا الطرزي والهرب إلى أوروبا

شن الملك والملكة حملات عنيفة ضد الحجاب وكانت ثريا تلبس قبعة أوروبية واسعة الحواف، مع حجاب رقيق ملتصق بها. أنشأت أول مدرسة للبنات عام 1920 وأول مجلة للنساء عام 1922 وأول منظمة للنساء وأول مشفى للنساء عام 1924، وفي عام  1926 أرسلت شابات أفغانيات عازبات وحدهن إلى تركيا لتلقي التعليم العالي، وفي عام 1927 زارت أوروبا ونشرت لها صور وهي من دون حجاب، تصافح الرجال وتجالسهم في حفلات عامة، ويقبل يدها زعماء ألمانيا وفرنسا. وفي عام 1928 نالت درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكسفورد البريطانية، وفي عام  1929 أصدر زوجها الملك أمان الله خان قوانين ليبرالية صارمة أثارت رد فعل عنيف من قبل عامة الشعب المحافظين في أفغانستان، وخاصة في الأرياف، ما اضطر الملك للتنازل عن العرش، وللهرب إلى المنفى، وهربت ثريا إلى إيطاليا وظلت فيها حتى وفاتها في روما عام 1968، عقب الحرب الأهلية حيث رفعت القبائل المعارضة للحكم 10 مطالب 5 منها تتعلق بوضع النساء في البلاد.

ورغم وجودها في المنفى، يرجح أن ثريا الطرزي واصلت نشاطها النسوي، فقد ذكر المؤرخ السوري سامي مبيض، أن وفد أفغانستان لحضور المؤتمر النسائي الشرقي الذي عقد في دمشق عام 1930، كان برئاسة السيدة "صفوت خانم" أقرب صديقات ثريا الطرزي.

وتتفاوت المواقف من ثريا الطرزي، فالبعض يراها رائدة سابقة لعصرها في مجال تحرر المرأة، وآخرون يرونها مجرد ليبرالية متطرفة مفتونة كلياً بالثقافة الغربية. ويرى فريق ثالث أن أسلوب ثريا الاستفزازي والجذري والمستعجل، فوت على أفغانستان فرصة تحسين وضع المرأة تدريجياً وفتح أبواب الدراسة والعمل أمامها بما يناسب ذلك الوقت المبكر، وأدى لرد فعل عنيف وجذري ضد تعليم المرأة وضد عملها في المجتمع الأفغاني، ما زالت آثاره القوية واضحة حتى اليوم، أي بعد 100 سنة من حصوله.

لغز آخر عن ثريا الطرزي ووالدها ما يزال غامضاً حتى اليوم، ويتعلق بموقفها من بريطانيا. فالبعض يقول إنها وأبوها والملك كانوا ضد الإنكليز وهم من أنجز استقلال أفغانستان عن بريطانيا عام 1919، ويقولون إن المخابرات البريطانية هي التي وزعت صور ثريا الطرزي في زيارتيها إلى أوروبا عامي 1927 و 1928، وهي التي صدمت عامة الشعب في أفغانستان. بينما يقول آخرون إنها وأبوها كانا مجرد عملاء للإنكليز، وكانت بريطانيا تريد منهم جعل أفغانستان سداً بوجه التمدد السوفييتي نحو الهند والجنوب.