icon
التغطية الحية

مفارقات في إدلب.. المخيمات في مهب الريح والمدن الحدودية تُغير وجه الحرب

2023.10.30 | 07:02 دمشق

آخر تحديث: 30.10.2023 | 07:02 دمشق

مخيم
أحد مخيمات الشمال السوري (فيس بوك)
+A
حجم الخط
-A

تركز "حكومة الإنقاذ"، الواجهة المدنية لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب، منذ مطلع العام الحالي 2023 على جمالية المدن الواقعة بالقرب من الحدود السورية - التركية وتحديداً قرب معبر باب الهوى والطريق المؤدية إلى مدينة إدلب ومدينتي "الدانا وسرمدا" اللتين تعتبران عصب اقتصاد المنطقة ومنبع التجارة فيها، في وقتٍ تتغيب جميع هذه الخدمات في مئات المخيمات التي تؤوي مئات آلاف النازحين على ذات الشريط الحدودي.

وبالنظر إلى طبيعة المخيمات التي بُني معظمها في أودية أو أراضٍ زراعية، فإن وسائل الوقاية من السيول غائبة منذ سنوات ومقتصرة إلى اليوم على سواتر ترابية تُجرف سنوياً وتشكل سيولاً تهدّمِ خيام النازحين، وتحاصرهم بالمياه والوحل.

وعلى الرغم من جهود تحسين الواقع الخدمي في المخيمات من قبل بعض المنظمات الإنسانية خلال السنوات الماضية، لكنها لم تكن بمثابة حلول جذرية للمئات منها، إذ يعاني قاطنوها إلى اليوم من نقص الخدمات حيناً، ومن سوئها، إن توفرت، حيناً آخر.

في مهب الريح

يصرخ نازح -رفض الكشف عن اسمه- من داخل مخيم (العجمي) على أطراف مدينة سلقين بريف إدلب الشمالي: "الشتاء قادم والطرقات ستقطع، والطين (رح يدبحنا)، لا تزفيت ولا ترميم، أين الحكومة والمنظمات، ولماذا كل هذا الإهمال؟".

ويوضح لـ موقع تلفزيون سوريا قائلاً: "العام الماضي جاءت عاصفة مطرية ترافقت مع رياح شديدة ضربت المخيم، ما تسببت باقتلاع خيامنا ووقوع أضرار مادية ضخمة، وشرّد عدداً كبيراً من سكان المخيم في العراء".

يؤكد أحمد محمد طوبان مدير مخيم العجمي على أنهم ناشدوا حكومة الإنقاذ والمنظمات مرات عدّة للنظر في حال المخيم البالغة مساحته 5 هكتارات، من أجل تعبيد طرقاته قبيل دخول الشتاء، ولكنهم لم يحصلوا على إجابات إلى اليوم.

وبحسب طوبان فإن الطرقات بحاجة ماسة إلى تعبيد وبشكل عاجل، لافتاً أن شتاء العام الماضي سبب سيولاً داخل المخيم، كما جرف السور الخارجي له، بالإضافة إلى تضرّر خيامٍ عدّة.

وناشد طوبان عبر حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، جميع المنظمات الإنسانية وحكومة الإنقاذ أيضاً بالتحرك لمساعدة العوائل في المخيم قبيل وقوع أي كارثة محتملة، في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة وباقي المدن ثورة عمرانية وإعادة تأهيل بالكامل.

ولا يختلف حال مخيم العجمي عن نظيره في مخيم "المحمود" الواقع على أطراف بلدة باتبو غربي حلب، فالأمطار والسيول تُغرق المخيم سنوياً وفقاً لـ "سليمان قاضون" أحد سكان المخيم.

ويقول قاضون لـ موقع تلفزيون سوريا: "إن مخيمنا أقيم أساساً منذ ثلاث سنوات على عجلٍ وبشكل عشوائي، وجرى تأمينه تحت ضغط المناشدات، إذا لم تتم مراعاة الأرضية ونوعية الخيام منذ ذلك الوقت، لذلك ومنذ إنشائه إلى اليوم نعاني من انعدام جميع الخدمات".

ويكمل: "المنظمات والحكومة تركز أعمالهم الخدمية على المظاهر العامة، ولا يلقون أي اهتمام إلى مخيماتنا، فنحن نعاني من انعدام الكهرباء والماء وجميع الخدمات الأساسية التي تتفاقم أساساً في كل شتاء، فألواح الطاقة التي نملكها لا تكفي لإنارة الخيمة ثلاث ساعات ليلاً، والمياه معدومة".

واسترسل قائلاً: "سياراتنا تتوقف تماماً عن الحركة بسبب تشكل الوحل والطين في طرقات المخيم، ما يعيق حركة الآليات ويجعلها مشلولة بالكامل في كل شتاء، كما أنها في بعض الأحيان تحاصرنا وتمنعنا من الخروج".

واختتم قاضون حديثه متسائلاً: "معقول هالمخيمات غير مسجلة على لوائح الخدمات؟".

وبحسب تقرير صدر عن منظمة منسقو استجابة سوريا في منتصف شهر تشرين الأول الجاري، فإن العواصف والهطولات المطرية والثلجية خلال فصل الشتاء الماضي لعام 2022، سببت أضراراً ضمن 160 مخيماً، وأدّت إلى تضرر أكثر من 80 ألف مدني، كما تسببت بتهدم 300 خيمة وتضرر 450 خيمة اخرى.

ما دور "حكومة الإنقاذ"؟

دفعت تلك الروايات والشكاوي موقع تلفزيون سوريا للحديث مع رئيس مديرية شؤون المخيمات في "حكومة الإنقاذ" محمد الأحمد، الذي أكّد على وجود مساعي مكثّفة هذا العام من كوادر وزارة التنمية والشؤون الإنسانية مع شركاء العمل الإنساني للتخفيف من معاناة قاطني المخيمات، مشيراً إلى أنه يتم التركيز حالياً على مشاريع البنى التحتية والخدمية التي من شأنها تخفيف المعاناة عن سكان المخيمات.

وأضاف الأحمد أنه مؤخراً تم إنجاز العديد من إصلاحات الصرف الصحي وفرش الطرقات، كما تم تزفيت العديد من طرقات المخيمات، منها طريق "الكمونة – كفر كرمين"، و"سرمدا – كفر دريان"، اللذان يخدمان عشرات المخيمات التي تضم آلاف العوائل.

وأوضح أن الحكومة تعمل جاهدة على مشاركة شركاء العمل الإنساني والجهات الداعمة لاحتياج المخيمات للبنى التحتية وتحديثه بشكل مستمر وشهري، وقد تم أخذ العديد من الوعود لتنفيذ بعض مشاريع التزفيت التي تخدم بعض المخيمات".

وعزّا الأحمد غياب الخدمات وأعمال التنفيذ في المخيمات إلى وجود ثلاثة عوائق؛ الأول: وجود نسبة كبيرة من المخيمات المقامة على الأملاك الخاصة والانتشار العشوائي الغير منظّم، الذي يُسبب ضيق الطرقات، والثاني: تكرار حالات النزوح، التي أجبرت سكان تلك المخيمات على عدم تنظيم أنفسهم. أمّا العائق الثالث وفقاً لـ الأحمد فيتمثل في ضخامة الاحتياج وقلة الاستجابة وعدم توفر الموارد والتي وصفها بـ"المشكلة".

وبحسب تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، في تشرين الأول 2021، فإن 85 بالمئة من مخيمات الشمال السوري هي أقدم من عمرها المتوقع وأكثر عُرضة للتلف، وأقل مقاومة للظروف الجوية، موضحاً أن 76 بالمئة من النازحين يعيشون في مواقع لا يوجد بها تصريف لمياه الأمطار.

وذكر التقرير وقتئذٍ أن 594 موقعاً بحاجة إلى إصلاح الأضرار في البنية التحتية ونظام الصرف، للتخفيف من حدة الفيضانات في فصل الشتاء.

لماذا التركيز على المظاهر العامة؟

من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي "حيان حبابة" أن مهمة إنهاء مآسي النازحين في المخيمات تقع بالدرجة الأولى على عاتق الحكومات والمنظمات على حد سواء، معتبراً أن المنظمات عادةً تكون رديفة للحكومة، ولذلك فإن المهمة الأكبر تقع على عاتق هذه المنظمات لأنها تملك موارد مادية أكبر من موارد الحكومة تحديداً في حالة شمال غرب سوريا.

وشدّد حبابة في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا على ضرورة زيادة التنسيق بين الحكومة والمنظمات وتوجيه الدعم نحو مآسي المخيمات، وعدم التركيز فقط على جمالية المدن، إنما يجب توزيع الدعم والموارد المتاحة نحو الاتجاهين معاً.

وبخصوص تركيز حكومة الإنقاذ على المظهر العام لمنطقة إدلب والمناطق الحدودية على وجه التحديد، اعتبر حبابة أن التركيز على جمالية هذه المدن هي خطة مدرسة تتبعها حكومة الإنقاذ لتُجاري الواقع الحالي وتعكس صورة جميلة للمنطقة تدفع السكان في مناطق سيطرة النظام السوري إلى الهجرة، وبالتالي فإن ترميم البنى التحتية والاهتمام الزائد بالطرقات والمشاريع الجديدة وإنشاء المصانع والأسواق ماهي إلا مساعٍ لتكون المنطقة قادرة على استيعاب أفواج عدّة في حال رغب السكان بالهجرة إليها.

وبحسب حبابة فإن هذه الاهتمام وتحديداً على المدن الحدودية مع تركيا من قبل الحكومة، يمكن اعتبارها رسالة موجهة للوفود الخارجية سواءً كانت رسمية أو من المستثمرين لتنفيذ مشاريع جديدة أو دخولهم إلى المنطقة.

عملياً، منذ سنتين إلى اليوم، تعمل "هيئة تحرير الشام" عبر واجهتها المدنية (الإنقاذ) في إدلب، على استحداث شبكات للخدمات الأساسية، كالكهرباء وشبكات المياه وتزفيت الطرقات، وجمع القمامة، وتنظيم الأسواق الشعبية في المدن والبلدات، الأمر الذي ساهم في تطبيع وجودهم في نظر الأهالي، ولكنها إلى اليوم لم تكسب أي حاضنة للمهمشين من قراراتها وعلى رأسهم النازحين المنتشرين في خيام قماشية على طول الحدود السورية - التركية من "باب الهوى إلى جسر الشغور".

ويجمع العديد من المراقبين للشأن السوري على أن الإصلاحات أو المشاريع الضخمة التي تقام في إدلب تعود بالدرجة الأولى بالنفع إلى أشخاص رفيعي المستوى في صفوف "هيئة تحرير الشام".