مشاهد سوريالية سورية

2022.01.23 | 05:11 دمشق

alkarykatyr_alsab_lshhr_kanwn_awl_2021.jpg
+A
حجم الخط
-A

الأخبار الواردة من دمشق تتحدث عن انهيار كامل، وباستثناء الشريحة التي تعيش في دائرة النظام الضيقة جدا، باتت الحياة شبه مستحيلة، بعد وصول القدرة الشرائية إلى الصفر بالنسبة إلى أكثر من 90 في المئة من سكان العاصمة، الذين لم يعد بوسعهم الصمود في وجه الغلاء وغياب الكهرباء والدواء والمواد الأولية، وصاروا يبيعون آخر ما يملكون من أجل الرحيل، وهذا مؤشر مهم إلى سوء وضع النظام قبل كل شيء، حيث يبدو أن كلفة وآثار الحرب كبيرة، وبدلا أن يترك المركب يغرق بمن على ظهره، صار يعمل على إنقاذ العصابة التي اختطفت البلد، بينما يرمي بالأهالي إلى الموت ويفتح أمامهم أبواب الهجرة نحو المجهول.

هذه الخطوة المالية المهمة حصلت تحت بصر وسمع أعداء وأصدقاء إيران المفترضين، إسرائيل، أميركا، وروسيا

وفي خضم هذا الخراب يأتي خبر تأسيس مصرف سوري إيراني مشترك في دمشق، من أجل تعزيز التبادل وتهرب الطرفين من العقوبات الأميركية، وتسهيل نقل الأموال من جهة، وفتح الأسواق السورية أمام رؤوس الأموال الإيرانية للاستثمار في الاقتصاد السوري المنهار، واستملاك أصول البلد. وباعتبار أن هذه الخطوة المالية المهمة حصلت تحت بصر وسمع أعداء وأصدقاء إيران المفترضين، إسرائيل، أميركا، وروسيا. فإن ذلك لا يعفي من ترجمتها سياسيا على أنها تفويض ضمني من هذه الأطراف لإيران في سوريا، التي تتقاسمها الاحتلالات، وتتوزع على جزر نفوذ وإمارات حرب تتعايش بين بعضها البعض، وتتبادل السيارات الملغمة والمازوت والخبز والكبتاغون والعملات الأجنبية.

ومن محافظة إدلب تأتي أخبار أخرى، السيطرة على سوق الصرف من قبل تنظيم "هيئة تحرير الشام"، والمعروف بـ"جبهة النصرة" سابقا، أو فرع "تنظيم القاعدة" السوري الذي غيّر جلده منذ وقت قريب بصورة انتهازية. ويأتي التطور الجديد بعد أن وضع التنظيم يده على سوق المحروقات، التي يستوردها من "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، التابعة لحزب العمال الكردستاني، والتي تسيطر على شمال شرقي سوريا برعاية أميركية. ومنذ أقل من شهر أهدت واشنطن هذه الجماعة مصفاة نفط، تم نصبها في حقول النفط في رميلان، بطاقة تكرير تبلغ ثلاثة آلاف برميل يوميا. وأسس "أمير" محافظة إدلب "أبو محمد الجولاني" الذي يمتلك جيشا كبيرا وجهازا أمنيا نافذا، سوقا للأوراق المالية في مركز المحافظة يقوم بضبط سعر صرف الدولار في المنطقة، بعد أن فرض التعامل بالليرة التركية فقط في منطقة باتت الغالبية العظمى من سكانها من المهجرين من شتى أنحاء سوريا، بما في ذلك مئات الآلاف الذين يعيشون في مخيمات لا تقي من برد الشتاء وحر الصيف. ولا يبدو الجولاني مكترثا بالأوضاع المزرية للسكان المتروكين للمساعدات الشحيحة من الأمم المتحدة، بينما يعيش جيشه بما يشبه البحبوحة التي يعيشها فيها شبيحة النظام. ولا يكلف نفسه حتى مد يد المساعدة للمهجرين ضمن حدود إمارته الذين يعانون من سوء الأحوال الجوية كما حصل خلال هذا الأسبوع.

الأمر المؤسف هو أن الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض لم يردا، على تصريحات بيدرسون بصرامة، وكل ما صدر عنهما لا يرقى إلى خطورة تحركاته

أما الأمم المتحدة فقد تحولت إلى شاهد زور، ومندوبها إلى سوريا غير بيدرسون يتجول بين العواصم ليطمئن الجميع إلى أن نظام بشار الأسد مستقر، وجاهز لاعتراف المجتمع الدولي به، وينتظر الزوار العرب والأجانب بعد أن دشن ذلك وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، الذي أجرى اتفاقات أولية من أجل إعادة الإعمار التي تتسابق عليها شركات الدول، ويجري صراع مكتوم حول تقاسم الحصص. والأمر المؤسف هو أن الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض لم يردا، على تصريحات بيدرسون بصرامة، وكل ما صدر عنهما لا يرقى إلى خطورة تحركاته، وفي الوقت الذي كان يجدر إعلان موقف رسمي من المبعوث الأممي واللجنة الدستورية ومقاطعة الاجتماع معه، ظهرت صوره إلى جانب أنس العبدة رئيس هيئة التفاوض، وذلك يشكل مثالا صريحا على إفلاس هيئات المعارضة السورية.

والخبر الوحيد الذي بث الأمل بين السوريين وسط حالة الإحباط، هو الحكم في ألمانيا على ضابط الأمن السابق العقيد أنور رسلان بالسجن المؤبد، بسبب الجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبها خلال عمله في جهاز مخابرات النظام في فرع الخطيب بدمشق. وتكمن قيمة هذا الحكم في أنه دشن الطريق إلى مقاضاة مرتكبي الجرائم، سواء الذين انشقوا عن النظام أو الذين ما يزالون في الخدمة. وتشكل جلسات محكمة فرانكفورت للطبيب السوري علاء موسى المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تعزيزا للمسار القانوني لمحاكمة النظام في أوروبا، على أمل أن يتحول إلى عملية دولية تحت إشراف محكمة الجنايات الدولية لمقاضاة رموز النظام داخل سوريا، وفي مقدمتهم بشار الأسد.