السوريون وحساب بوتين

2022.04.10 | 06:49 دمشق

420202316332247.jpg
+A
حجم الخط
-A

يأمل قطاع واسع من السوريين أن تنتهي حرب روسيا على أوكرانيا لغير صالح موسكو، كي يلحق الضرر بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعد المسؤول الأول عن مأساتهم، منذ التدخل العسكري الروسي للحيلولة دون سقوط النظام في أيلول 2015.

وحتى قبل ذلك التاريخ قدمت روسيا مظلة سياسية للنظام السوري داخل مجلس الأمن، كي يرفض كل مشاريع الحلول التي قدمتها الأمم المتحدة منذ عام 2012 على أساس بيان جنيف1، وأمنت لبشار الأسد مخرجا آمنا، ولم يتعرض للحساب لأنه قتل أكثر من 1400 مدني باستخدام السلاح الكيماوي في الغوطة في آب 2013، وأنقذته من ضربة أميركية فرنسية كانت مقررة.

يردد السوريون منذ عشر سنوات أنهم يتعرضون للإبادة على يد الروس والإيرانيين، ولكن لا حياة لمن تنادي، ولم يتدخل أحد لا مجلس الأمن ولا الدول العظمى لمحاسبة الأسد أو بوتين أو إيران

السوريون الذين أدار العالم ظهرة لهم، وأهمل قضيتهم وتركهم فريسة سهلة تحكمت بهم روسيا وإيران، يأملون أن تكون ساعة حساب روسيا قد حانت بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها جيشها في سوريا. وينتظرون ترجمة ما جاء على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن، أن بوتين مجرم حرب وجزار ومتسلط على جيرانه وغير جدير بالحكم. لا قيمة لهذه التصريحات إن لم تتحول إلى أفعال أولا، وألا يقتصر حساب روسيا على الجرائم التي ارتكبتها في أوكرانيا فقط، بل يجب أن تتسع دائرة العدالة الدولية ليجد الضحايا السوريون متسعا داخلها من أجل إنصافهم، وتعويضهم ماديا ومعنويا.

يردد السوريون منذ عشر سنوات أنهم يتعرضون للإبادة على يد الروس والإيرانيين، ولكن لا حياة لمن تنادي، ولم يتدخل أحد لا مجلس الأمن ولا الدول العظمى لمحاسبة الأسد أو بوتين أو إيران، رغم أن العالم تأكد بما لا يقبل الشك أن النظام وروسيا وإيران ارتكبوا جرائم حرب في سوريا، ومن ذلك صور المحارق والجثث التي سربها "قيصر" ودفعت بالمشرعين الأميركيين إلى إصدار "قانون قيصر" الذي فرض عقوبات على النظام السوري وداعميه.

لن تعد روسيا إلى ما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا، فالصورة التي كانت رسمتها لنفسها تهشمت، وباتت بعيدة جدا المكانة التي كانت تطمح للوصول إليها كدولة عظمى، وذلك لعدة أسباب. الأول هو نتائج الحرب على أوكرانيا، وهي في جميع الأحوال لن تكون لصالح روسيا سياسيا وعسكريا واقتصاديا، حتى لو سيطر جيشها على أوكرانيا. ومن الواضح حتى الآن أن العمليات العسكرية تسير ببطء وباتت ذات كلفة عالية بشريا واقتصاديا، بفضل المقاومة التي يبديها الجيش الأوكراني، وصمود شعب أوكرانيا وتمسكه باستقلال بلاده ووحدته الوطنية. والثاني تعرف العالم عن كثب على صورة بوتين التي أصبحت بمثابة مرآة يمكن أن نرى فيها حلفاءه مثل بشار الأسد وحكام طهران، وظهر سيد الكرملين بصورته الفعلية، ولم يكن الرئيس الأميركي مجانبا الصواب عندما وصفه بمجرم الحرب والجزار. صور الدمار في أوكرانيا والمقابر الجماعية في بوتشا والمهجرون وصلت إلى كل بيت في العالم، وبمقدار كل هذا نال بوتين اللعنات والاستنكار. والسبب الثالث هو العقوبات التي بدأت تضرب الاقتصاد الروسي، وهناك تقديرات اقتصادية تفيد بأن ترتيبه سينزل من المرتبة الحادية عشرة عالميا إلى المرتبة العشرين، وستفقد روسيا نصف طاقتها الاقتصادية الراهنة خلال ثلاثة أعوام كحد أقصى.

في حال لم يتعرض بوتين للحساب بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها جيشه في سوريا وهذا احتمال وارد، فإن الجرائم التي اقترفها حتى الآن في أوكرانيا كافية لملاحقته على المستوى الدولي وفرض العزلة عليه وعلى من يتعامل معه

بات بوتين معزولا على المستوى العالمي، وليس من السهل أن تتعامل معه الولايات المتحدة وأوروبا في المستقبل، وستلعب العقوبات الاقتصادية دورا في إقصاء روسيا من نادي الدول العشرين، وهو فضاء كان يتيح لها الاستفادة من التقدم والخبرات التي تحققها بقية الدول الأخرى، وسمح لها بالاستفادة من النظام الدولي الاقتصادي الذي أتاح لرؤوس الأموال الروسية أن تتحرك بحرية على المستوى العالمي، وخصوصا القطاع الخاص الروسي، الذي تلقى ضربة قاصمة بسبب العقوبات.

وفي حال لم يتعرض بوتين للحساب بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها جيشه في سوريا وهذا احتمال وارد، فإن الجرائم التي اقترفها حتى الآن في أوكرانيا كافية لملاحقته على المستوى الدولي وفرض العزلة عليه وعلى من يتعامل معه.

كل ذلك سينعكس على بشار الأسد، الذي سيضطر لتغيير الاتجاه الذي كان يسير عليه، وبعيدا عن احتمال مثوله أمام محكمة الجنايات الدولية من عدمه، فهو لن يكون بوسعه الاستمرار من دون المظلة التي يوفرها له بوتين، وستلحق به أضرار سياسية واقتصادية كبيرة، ومن غير المستبعد أن يكون نظامه أول ضحية للتورط الروسي في أوكرانيا، وهذا أمر لن ينتظر طويلا.