الحرب على أوكرانيا.. اللاجئون والجيران

2022.03.27 | 07:07 دمشق

175.jpg
+A
حجم الخط
-A

تستحق الدول المحيطة بأوكرانيا تقديرا خاصا لتفانيها في بذل أقصى الجهود من أجل استقبال اللاجئين الأوكرانيين، الذين بدؤوا يتوافدون عليها بموجات تصاعدية، تبعاً لتطورات الموقف الميداني، الذي ازداد سوءا بسبب ارتفاع منسوب العنف الروسي وسياسة الأرض المحروقة.

وكما نقلت وسائل للإعلام فإن كل الدول المتاخمة لأوكرانيا فتحت حدودها وأبوابها لاستقبال اللاجئين، بولونيا، ورومانيا، ومولدوفا، والمجر، وسلوفاكيا. وقدمت لأكثر من ثلاثة ملايين أوكراني استقبالا لائقا من الاستضافة في منازل المواطنين إلى الفنادق ومراكز الاستقبال، وقد وقع الثقل الأكبر على بولندا، ولذلك عدة أسباب، الأول هو جغرافي تاريخي يتمثل في قرب هذا البلد من المناطق التي تعرضت للهجوم الأول، وكذلك بفضل التاريخ المشترك بين غرب أوكرانيا وبولندا، وخاصة مدينة لفيف الحدودية التي أصبحت نقطة استقبال أساسية للاجئين. والسبب الثاني هو اختيارها كمستقر مؤقت من قبل بعض اللاجئين على أمل العودة القريبة، وهذا حال من يراهنون على نهاية سريعة للحرب. والسبب الثالث هو مبادرة الحكومة البولندية لدعم أوكرانيا بما يفوق طاقتها، ومن ذلك أنها البلد الوحيد الذي قرر أن يقدم سلاحه الجوي من طائرات الميغ الروسية الصنع، وهي تعرف أن هذه الالتفاتة يمكن أن تعرضها لرد فعل روسي عنيف.

تجربة دول جوار أوكرانيا في استقبال اللاجئين فريدة من نوعها، وهو ما لم نشهده في الحالة السورية

قدمت الولايات المتحدة وأوروبا مساعدات مادية ولوجستية مهمة لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين، الأمر الذي ساعد دول الجوار على تحمل العبء المباشر، وكان أحد الأهداف المتوخاة من ذلك رفع هذه المهمة عن كاهل الحكومة الأوكرانية التي تفرغت للمجهود الحربي، ولكن ذلك لا يلغي أن الأساس هو في حالة التضامن التي برزت بقوة من جيران أوكرانيا هي إنسانية، ولكنها سياسية أيضا، فمعظم هذه الشعوب ساعدت الشعب الأوكراني وهي ترى ماثلة أمامها ذكريات الحقبة السوفييتية السوداء، وهناك شعور عام بأن سقوط أوكرانيا يعني أن طريق روسيا بات ممهداً إلى بقية بلدان الاتحاد السوفييتي السابق، التي لا تريد العودة إلى ذلك الماضي البائس مهما كانت التكاليف.

تجربة دول جوار أوكرانيا في استقبال اللاجئين فريدة من نوعها، وهو ما لم نشهده في الحالة السورية، وهنا يمكن تسجيل عدة ملاحظات. الأولى هي أنه في الوقت الذي كانت تستقبل فيه بولندا أكثر من 100 ألف لاجئ أوكراني في اليوم وتعاملهم على نحو لائق، كانت بلدان أوروبا الغربية الأكثر غنى تناقش مسألة استقبال عشرات الآلاف، في الوقت الذي يقطر إعلامها نفاقا حول خطاب "إنهم يشبهوننا".

والثانية هي الغياب شبه التام للأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية، وهذا يؤكد مرة أخرى فشل هذه المنظمة في توفير حلول ناجعة وسريعة للأزمات الدولية، ويمكن للمرء أن يتفهم ارتباكها بسبب الانقسام داخل مجلس الأمن الدولي بين روسيا وبقية الأطراف الدولية المؤثرة، ولكن لا يمكن لذلك أن يشكل عائقا أو ذريعة لعدم القيام بدورها.

والملاحظة الثالثة هي الدور الذي لعبه المتطوعون الإنسانيون من كل أنحاء أوروبا من أجل المساعدة في استقبال اللاجئين وتقديم الخدمات الضرورية لهم قبل توزيعهم باتجاه الأماكن التي يقصدونها كي يستقروا فيها، ولولا فرق المتطوعين لكانت مهمة الحكومات صعبة جدا، وهؤلاء ليسوا بالضرورة من منظمات المجتمع المدني، بل إن الغالبية العظمى مبادرات فردية شجعتها الصور التي نقلتها وسائل الإعلام، وكثيرا ما نقلت التقارير التلفزيونية متطوعين يقفون على الحدود يحملون لوحات كرتونية يعرضون الخدمات التي يوفرونها للاجئين في بيوتهم، وبعض هؤلاء قدم من ألمانيا وفرنسا وحتى إسبانيا واليونان.

غياب أي دور عربي في استقبال اللاجئين، وهذا يسيء إلى صورة العرب ويقدمهم كشعب لا يقدر قيمة التضامن الإنساني

وهناك نقطتان مهمتان تستحقان التوقف أمامهما. الأولى تتعلق بالنازحين الأجانب وخصوصا من العرب والأفارقة، وهم بالآلاف. ونقلت وسائل الإعلام شهادات عن معاناة عاشها هؤلاء بسبب التمييز بينهم وبين بقية الهاربين من نار الحرب. وتركز التمييز على استعمال وسائل النقل للوصول إلى الحدود من عدة مدن مثل خاركيف وحتى كييف. ولكن الشكايات تراجعت بعد عدة أيام حينما أصبحت عملية الإجلاء أكثر تنظيما. والنقطة الثانية هي غياب أي دور عربي في استقبال اللاجئين، وهذا يسيء إلى صورة العرب ويقدمهم كشعب لا يقدر قيمة التضامن الإنساني، وهذه مسألة تعطف نفسها على معاناة اللاجئين السوريين في بعض دول الجوار، التي عليها أن تقتدي بالروح العالية التي عبرت عنها شعوب جوار أوكرانيا، والتي لم تترك الأوكرانيين في المخيمات.